الكشف عن مفاوضات غير مباشرة بين الخرطوم وتل أبيب في أبوظبي

تحذيرات من انفراط التحالف الحاكم في السودان بسبب قضية التطبيع مع إسرائيل

البرهان وبومبيو أثناء زيارة الأخير للخرطوم الشهر الماضي (أ.ف.ب)
البرهان وبومبيو أثناء زيارة الأخير للخرطوم الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الكشف عن مفاوضات غير مباشرة بين الخرطوم وتل أبيب في أبوظبي

البرهان وبومبيو أثناء زيارة الأخير للخرطوم الشهر الماضي (أ.ف.ب)
البرهان وبومبيو أثناء زيارة الأخير للخرطوم الشهر الماضي (أ.ف.ب)

كشف مسؤول سوداني رفيع عن مفاوضات غير مباشرة جرت بين الحكومة السودانية ومسؤول إسرائيلي في أبوظبي أثناء المفاوضات بين الوفدين السوداني والأميركي التي جرت الأسبوع الماضي، فيما تشهد الساحة السياسية السودانية استقطاباً حاداً بين مؤيدي التطبيع مع إسرائيل والرافضين له، داخل التحالف الحاكم في السودان تحت مظلة «قوى إعلان الحرية والتغيير».
وبحث رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان ووفد وزاري مع فريق أميركي مسألة حذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقضية السلام مع إسرائيل، الأسبوع الماضي في دولة الإمارات العربية المتحدة لثلاثة أيام. وقال المسؤول الذي فضل حجب اسمه، إن التفاوض مع المسؤولين الإسرائيليين، تم عبر الوفد الأميركي الذي نقل بدوره التفاصيل للجانبين الإسرائيلي والسوداني، وأضاف: «الوفد الوزاري الذي قاد المفاوضات، لم يصل لنتائج نهائية بشأن حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، وأن النقاش بشأن القضيتين مستمر ولن يتوقف».
وأوضح المصدر أن رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، كان مطلعاً على كل التفاصيل المتعلقة بالتفاوض مع الجانب الأميركي والحوار مع إسرائيل، وأنه أشرف بنفسه على ترتيب اجتماع سفر الوفد الحكومي بقيادة وزير العدل نصر الدين عبد الباري. وأصدر مجلس السيادة الانتقالي عقب عودة البرهان، بيانا أكد بحث مستقبل السلام العربي الإسرائيلي، ودور السودان في سبيل تحقيق هذا السلام، وتأكيد السودان على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وفقا لرؤية حل الدولتين. وقال المتحدث باسم الحكومة وزير الإعلام فيصل محمد صالح أثناء انعقاد المشاورات، إن الوفد الوزاري إلى أبوظبي لا يحمل تفويضاً لبحث العلاقة مع إسرائيل، وإن تفويضه يقتصر على التفاوض مع الجانب الأميركي في إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب.
ومنذ بدء مفاوضات أبوظبي أصبحت قضية التطبيع مع إسرائيل هي الأجندة المتداولة في أروقة السياسة السودانية، بين المؤيدين للتطبيع والمعارضين له، وقال مقرر المجلس المركزي للتحالف الحاكم - الحرية والتغيير - كمال بولاد، إن المجلس سيطلب اجتماعاً ثلاثياً يضم مجلسي السيادة والوزراء، لبحث تفاصيل المفاوضات مع الإدارة الأميركية، وتفسير ما يتم تداوله على نطاق واسع بخصوص العلاقات مع إسرائيل. وتمسك بولاد بموقف تحالفه والموقف الذي أعلنه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بـ«أن الحكومة الانتقالية غير مفوضة للبت في قضية تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، وهو الموقف الذي تم إبلاغ وزير الخارجية الأميركي به خلال زيارته الخرطوم أغسطس (آب) الماضي.
وحذر بولاد السلطة الانتقالية من مغبة المضي قدما في التطبيع دون توافق، ومن إحداث مشكلة تجتاح المشهد السياسي في البلاد، قد تؤدي لاصطفاف جديد للقوى السياسية داخل التحالف الحاكم، فيما ذكرت مصادر قيادية في التحالف الحاكم، تعامل الوفد الحكومي مع الوفد الأميركي بمنطق «براغماتي نفعي» لا يرتكز على رؤية واضحة للسياسة الخارجية للبلاد. وذكرت مصادر رفيعة، أن المكون العسكري في مجلس السيادة، يواصل التحركات وسط القوى السياسية لإقناعها بمساندته لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقالت: «لن يتوقف عن تحركاته للإقناع بالتطبيع»، وهو ما أشار إليه القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف بما سماه قنوات «تواصل سرية» بين المكون العسكري في السلطة الانتقالية وإسرائيل، مستمرة منذ لقاء البرهان ونتنياهو في عنتيبي فبراير (شباط) الماضي.
وأوضح خلف أن إدارة الرئيس دونالد ترمب تدفع السودان نحو التطبيع، إنفاذا لخطة محددة وبوتيرة متسارعة، وأضاف: «بالنظر لكل الاتفاقيات التي عقدتها إسرائيل مع الدول العربية، لا توجد مصلحة للسودان في تكرار تجارب التطبيع الفاشلة»، وتابع: «القوى السياسية داخل التحالف الحاكم توصلت لموقف توافقي، بأن الحكومة الانتقالية ليست مختصة بإقامة علاقات مع إسرائيل باعتبارها قضية مصيرية، تترك لحكومة منتخبة».
وتوعد خلف الله بأن يعمل حزبه على إجهاض ما سماه «أي مشروع لتصفية القضية الفلسطينية»، وعلى محاصرة قوى التطبيع والاستسلام داخل السلطة والمكون العسكري وفي أوساط النخب التي تعمل على بناء علاقات مع إسرائيل. وحذر خلف الله من حدوث انقسام داخل الحكومة الانتقالية.
حال اتخاذ خطوة باتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقال: «أي خطوة تتخذ ستكرس للانقسام داخل السلطة، وتهدد الفترة الانتقالية والاستقرار في البلاد». ولم يقف حزب الأمة القومي بعيداً يشاهد، بل أعلن رفضه للتطبيع مع إسرائيل، وقال رئيس مكتبه السياسي محمد المهدي الحسن، إن نقاشا طويلا دار بشأن التطبيع داخل مؤسسات الحكومة، بما في ذلك مفاوضات أبوظبي، دون إعلان رأي للرأي العام.
وأشار الحسن إلى قيادات ومجموعات داخل حزبه تدعو لإعادة النظر حول موقف الحزب من التطبيع، بيد أنه تابع: «إلى أن يحدث ذلك، يظل موقف الحزب، ما عبر عنه رئيسه الصادق المهدي برفض التطبيع مع إسرائيل». ولا يوافق الحزب الشيوعي السوداني على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو الموقف الذي أبدته المتحدثة الرسمية باسمه آمال الزين لـ«الشرق الأوسط»، بأن موقف حزبها المبدئي، يقوم على رفضه لقهر الشعوب وقمعها واحتلال أراضيها، وتابعت: «إننا نرفض ما يتم الآن من انسياق خلف سياسات بعض المحاور، من تطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، من خلف ظهر الشعب السوداني».
وأضافت الزين: «نرفض صفقة القرن، والتي كانت مقدمتها إشاعة الفوضى في المنطقة وإشعال الحروب، وندعو حكومة الثورة لاتخاذ موقف واضح وصريح مما يقوم به الشق العسكري في مجلس السيادة، واتخاذ سياسة خارجية قائمة على استقلال القرار السياسي، والبعد عن المحاور، وإلاّ تكن ضالعة فيما يجري أو متواطئة معه على الأقل».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.