آثار مقلقة لـ«كورونا» على صحة مصابين باضطرابات عقلية

رجل يخضع لفحص «كورونا» في العراق (أرشيفية - رويترز)
رجل يخضع لفحص «كورونا» في العراق (أرشيفية - رويترز)
TT

آثار مقلقة لـ«كورونا» على صحة مصابين باضطرابات عقلية

رجل يخضع لفحص «كورونا» في العراق (أرشيفية - رويترز)
رجل يخضع لفحص «كورونا» في العراق (أرشيفية - رويترز)

بعد رفع تدابير الإغلاق الرامية لاحتواء «كوفيد - 19» في الموصل الشهر الماضي، وجد الأطباء أنفسهم أمام حقيقة مؤلمة مع تدهور حالات الأطفال والشباب المصابين باضطرابات عقلية وذوي الاحتياجات الخاصة من أبناء المدينة العراقية التي حُررت من قبضة المتشددين قبل ثلاث سنوات.
وأُغلقت المراكز الصحية القليلة التي تعالج هؤلاء لنحو أربعة أشهر لمنع تفشي فيروس «كورونا» المستجد الذي أصاب أكثر من 330 ألف عراقي وأودى بأكثر من 8000، حسب الأرقام الرسمية.
وخسر مئات الأطفال الذين تم تشخيصهم باضطرابات عقلية عديدة بينها التوحّد، فرصة الحصول على برامج علاج وإعادة تأهيل يشير الأطباء إلى أنها ضرورية. وتقول اختصاصية التوحد في الموصل إلهام خطاب، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «فترة انتشار فيروس (كورونا) أثّرت كثيراً على حالة الأطفال المصابين بالتوحد وازدادت حالاتهم سوءاً وأصبحت كارثية خلال هذه الفترة».
وتعرضت البنى التحتية في الموصل، التي تعد ثالث كبرى مدن العراق، لدمار هائل خلال معارك استعادتها من سيطرة المتشددين الذين عدّوها «عاصمة» للتنظيم بين صيف 2014 حتى نهاية عام 2017.
ولا يوجد اليوم غير مستشفى عام واحد مسؤول عن توفير خدمات طبية لأكثر من مليوني نسمة في المدينة، التي كانت تعد في الماضي وجهة للحصول على رعاية صحية تعد الأفضل في البلاد. بدوره، يقدّم مركز «فخري الدباغ» في شرق الموصل خدمات مجانية لعلاج 170 طفلاً مصاباً بأعراض التوحد وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وينتظر الأهالي في أروقة المنشأة الحكومية المكتظة بينما يخضع الأطفال لدورات إعادة تأهيل في غرفتين صغيرتين.
وداخل غرفة صغيرة في المركز، جلس نحو عشرة أطفال يتدربون على العزف على بيانو كهربائي لتحسين مهاراتهم الحركية. ويحذّر مدير المركز الطبيب محمد القيسي، من أنه «إذا لم يعالَج هؤلاء الأطفال فستتطور الاضطرابات لديهم ويحدث خلل في نموهم الشخصي والنفسي... ويتجهون للأسوأ».
لكن التحديات عديدة، إذ تحدثت الباحثة الاجتماعية في المركز نسرين حمدي (63 عاماً) عن نقص المعدات والتدريب قائلة: «لا يمكننا استقبال مرضى جُدد، لا نملك (مثلاً) سيارات لنقل الأطفال الذين يعانون من صعوبات في الحركة».
ودفع ذلك العائلات الميسورة للتوجه إلى عيادات خاصة لعلاج أطفالها من الاضطرابات العقلية التي يتردد الكثير من العراقيين في التحدّث عنها علناً رغم كثرة أعداد المصابين بها في البلد الذي مزّقته الحروب والصراعات على مدى عقود.
ومن بين تلك العيادات معهد الدكتور أحمد الصوفي، حيث تكلف مجموعة جلسات على مدى شهر واحد 120 ألف دينار (نحو مائة دولار) وتجري وفقاً لبرامج حديثة بينها العلاج بالموسيقى أو الرسم.
ويقول الصوفي (35 عاماً) عن عدد الأطفال المرضى في محافظة نينوى إنه «قبل (داعش) كان هناك نحو 4000 حالة وارتفعت إلى 6000 تقريباً في ظل تنظيم (داعش) والآن ارتفع العدد إلى أكثر من 10 آلاف حالة».
ويبدو أن الحجر الصحي المفروض لاحتواء تفشي «كوفيد - 19» قد يسهم في تفاقم المرض، إذ قد يدفع غياب إمكانية الخروج من المنزل الأطفال إلى اللجوء إلى الهواتف النقالة أو الحاسوب أو التلفاز. ويشير بعض الدراسات إلى احتمال تفاقم أعراض التوحد لدى الأطفال في حال الإفراط في استخدام الشاشات. وتؤكد أم ليث ذلك وتروي تجربتها المؤلمة مع أبنائها الأربعة، المسجلين جميعاً اليوم في مركز «فخري الدباغ». وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن بقاءهم في المنزل أدى إلى تدهور حالاتهم.
وقالت: «خوفاً على أطفالي كنت أجعلهم يقضون أغلب الوقت في متابعة التلفزيون أو الإنترنت أو الموبايل (لكنّ) ذلك زاد عزلتهم وبالتالي ساءت حالتهم». ويشتكي الأطباء من مشكلات أخرى بينها الاعتقاد بأن الاعتراف بإصابة أبنائهم يشكّل وصمة عار.
وتقول اختصاصية الطب النفسي في الموصل رحمة زهير، في هذا الخصوص: «هذه هي مشكلتنا الرئيسية: عدم اعتراف وتقبل الأهل لنوعية المرض الذي يعانيه الطفل، وهذا يؤثر على الفترة التي نحتاج إليها لبدء العلاج». وتؤكد المتحدثة باسم منظمة «أنقذوا الأطفال» العاملة في الموصل أمل طيف، التي استقبلت هيئتها 15 ألف طفل بين عامي 2019 و2020 إن «الاحتياجات تضاعفت كثيراً مع (انتشار) كوفيد - 19».
وحذّرت: «هناك كوادر تعمل في مجال الصحة العقلية، لكنها لا تملك بالضرورة خبرة في مجال الطفولة، أو أن لديها أطباء أطفال لكن دون خبرة في مجال الصحة العقلية». وقد يؤدي هذا الأمر لتحديد إصابة أطفال بالتوحد دون أن يكونوا كذلك، أو العكس؛ عدم تشخيص آخرين رغم إصابتهم بالمرض.
لكن الأمر يبدو معقداً بالنسبة للذين تأكدت إصابتهم بالمرض، لأن مدينتهم تفتقر لمقومات الرعاية الأساسية مثل الأمن والتعليم والأمن الغذائي. ويعد توفر هذه العناصر أمراً شَبه مستحيل حالياً في العراق الذي يعاني أغلب محافظاته نقصاً كبيراً في الخدمات بينها الماء والكهرباء التي أصبحت بعيدة المنال، بينما يعيش أبناؤه حروباً وصراعات منذ أربعة عقود.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».