ترمب يرفض التعهد بانتقال سلمي للسلطة إذا خسر الانتخابات

الجمهوريون يستخدمون قضية المحكمة العليا لضخ الزخم في الحملة الرئاسية

ترمب بعد عودته من المحكمة العليا أمس حيث ودع جثمان غيزينبرغ (أ.ب)
ترمب بعد عودته من المحكمة العليا أمس حيث ودع جثمان غيزينبرغ (أ.ب)
TT

ترمب يرفض التعهد بانتقال سلمي للسلطة إذا خسر الانتخابات

ترمب بعد عودته من المحكمة العليا أمس حيث ودع جثمان غيزينبرغ (أ.ب)
ترمب بعد عودته من المحكمة العليا أمس حيث ودع جثمان غيزينبرغ (أ.ب)

رفض الرئيس الأميركي دونالد ترمب التعهد بانتقال سلمي للسلطة إذا خسر انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وقال ترمب مساء الأربعاء خلال مؤتمره الصحافي في البيت الأبيض إنه لن يكون هناك انتقال للسلطة على الإطلاق. وعندما سُئل عما إذا كان سيلتزم بالنتائج قال: «يجب أن نرى ما سيحدث. أنت تعلم أنني كنت أشتكي بشدة من بطاقات الاقتراع، والبطاقات هي الكارثة»، على حد قوله.
وعندما سأله أحد الصحافيين بأن ذلك قد يؤدي إلى أعمال شغب، أجاب ترمب «لنتخلص من بطاقات الاقتراع وستكون الانتخابات سلمية للغاية - وبصراحة لن يكون هناك انتقال، سيكون هناك استمرار».
وهذا ليس التصريح الأول له، إذ لطالما طرحه في معرض اعتراضه وهجومه على التصويت عبر البريد الذي تمكن الديمقراطيون من تعميمه، قائلا إنه سيؤدي إلى عمليات غش وتزوير واسعة، الأمر الذي يرفضه المسؤولون والخبراء قائلين إن اتهاماته لا تستند إلى أي حقائق. لكن تصريحات ترمب التي جاءت قبل أسابيع من موعد الانتخابات، أثارت حالة من عدم اليقين، لم تعهدها الولايات المتحدة في تاريخ انتخاباتها الرئاسية، بحسب العديد من المحللين.
واعتُبر رفضه تسليم السلطة، مسا بالمبدأ الأكثر جوهرية للديمقراطية الأميركية، الذي كان يفعله أي رئيس. وقال جوليان زيليزر، أستاذ التاريخ السياسي الأميركي في جامعة برينستون: «إنه يهدد العملية الانتخابية ويقول بصوت عالٍ ما افترض الجميع أنه يفكر فيه. كلما قدم هذه الحجج أكثر، تحولت هذه المخاوف إلى حقيقة». وتزايد قلق الديمقراطيين بسبب تشكيك ترمب في نزاهة الانتخابات واحتمال رفضه للنتائج، في حين عبر العديد من قادتهم وعلى رأسهم المرشح جو بايدن بأن الجيش الأميركي قد يضطر في نهاية المطاف إلى التدخل لإجلاء ترمب من البيت الأبيض.
وحاول زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل تهدئة مخاوف النخبة السياسية والمراقبين في واشنطن وقال إنه سيكون هناك انتقال «منظم» للسلطة في عام 2021.
وقال ماكونيل في تغريدة على «تويتر»: «الفائز في انتخابات الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) سيتم تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني). سيكون هناك انتقال منظم كما كانت الحال كل أربع سنوات منذ 1792».
وأضاف ترمب في مؤتمره الصحافي أن إصراره على تعيين خليفة للقاضية المتوفاة روث غيزنبيرغ، نابع من توقعه أن تتولى المحكمة العليا حسم مسألة نتيجة الانتخابات الرئاسية، ليصبح عدد قضاتها 9 بدلا من 8 الآن. وقال إن التصويت بالبريد هو عملية احتيال سينتهي بها المطاف أمام المحكمة العليا. «لذلك فإن صدور قرار متساو بين القضاة 4 مقابل 4 سيكون وضعا سيئا». وأكد ترمب أنه سيقوم بتسمية مرشحه غدا السبت، متوقعا عدم دعوة السيناتور الجمهوري النافذ ليندسي غراهام الذي يترأس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، لعقد جلسات استماع مطولة، وهو ما كان قد صرح به غراهام سابقا. يذكر أن المحكمة العليا كانت تدخلت عام 2000 لحسم نتيجة السباق الانتخابي، بين المرشح الجمهوري جورج بوش الابن والديمقراطي آل غور.
وإذا صوت مجلس الشيوخ على تعيين القاضي أو القاضية الجديدة لتخلف غيزينبرغ، فسيصبح عدد القضاة المحسوبين على التيار المحافظ 6 مقابل 3 للتيار الليبرالي.
ويسعى الجمهوريون إلى استغلال معركتهم في المحكمة العليا لضخ زخم على حملتهم في الأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات، لإعادة انتخاب ترمب وتمكنهم من الاحتفاظ بالأغلبية داخل مجلس الشيوخ. ويقر بعض مستشاري الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ أيضا بأن الأمر قد يؤثر على حظوظ العديد من المرشحين الجمهوريين لعضوية مجلس الشيوخ خصوصا في الولايات الديمقراطية التي يحظى فيها الجمهوريون بحضور، كالسيناتورة الجمهورية سوزان كولينز في ولاية ماين الديمقراطية، والسيناتور الجمهوري كوري غاردنر في ولاية كولورادو، على الرغم من أنهما أعلنا عدم تأييدهما لتعيين بديل للقاضية المتوفاة قبل الانتخابات.
ويرى البعض أن المقامرة التي يتخذها ترمب وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل لتسليط الضوء على معركة المحكمة العليا بدلا من التركيز على استجابة ترمب لجائحة «كورونا» والقضايا التي تهم قاعدتهم الحزبية والشعبية، قد يؤدي إلى نتائج كارثية. وفي مواجهة هذه المخاوف شدد ترمب في مؤتمره الصحافي الأربعاء على إنجازاته الاقتصادية، قائلا إن الاقتصاد الأميركي حقق خلال فترة قصيرة جدا أكبر عملية نمو واستعادة لعافيته في التاريخ الأميركي.
كما نقل عن مستشاريه أنه يدفع باتجاه تقديم «انتصارات» في مجال الرعاية الصحية، بعدما أظهرت استطلاعات الرأي أن تعامل ترمب مع جائحة فيروس «كورونا» وسياسة الرعاية الصحية هما من أكبر نقاط الضعف في معركة إعادة انتخابه. ومن المتوقع أن يشجع ترمب جهود الإدارة لخفض أسعار الأدوية، ومعالجة الفواتير الطبية المفاجئة، وتحسين شفافية أسعار الرعاية الصحية، بحسب تصريحات نقلتها صحيفة «واشنطن بوست» عن كبار المسؤولين في إدارته.
إلى ذلك وقع ما يقرب من 500 من كبار الضباط العسكريين المتقاعدين، بالإضافة إلى وزراء سابقين ورؤساء أركان ومسؤولين آخرين، خطابا مفتوحا لدعم المرشح الديمقراطي جو بايدن، قائلين إن لديه «الشخصية والمبادئ والحكمة والقيادة اللازمة لمواجهة عالم مشتعل».
وجاء في الرسالة التي نشرتها حملة بايدن، وهي الأحدث في سلسلة من الدعوات لهزيمة ترمب: «نحن موظفون حكوميون سابقون كرسنا وظائفنا، وفي كثير من الحالات خاطرنا بحياتنا من أجل الولايات المتحدة». وأضافت الرسالة «نحن جنرالات وأدميرالات وكبار ضباط الصف والسفراء وكبار قادة الأمن القومي ومن المدنيين. نحن جمهوريون وديمقراطيون ومستقلون. نحن نحب بلادنا».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟