الصورة النمطية للعلماء لدى الأطفال تحدد مستقبلهم العلمي

التصورات المسبقة الخاطئة تؤثر على اختيارات وظائفهم

الصورة النمطية للعلماء لدى الأطفال تحدد مستقبلهم العلمي
TT

الصورة النمطية للعلماء لدى الأطفال تحدد مستقبلهم العلمي

الصورة النمطية للعلماء لدى الأطفال تحدد مستقبلهم العلمي

تعتبر الصورة الذهنية المسبقة عن شيء معين التي تتسم بالنمطية stereotyping واحدة من أهم معوقات التفكير الموضوعي السليم والعلمي. ورغم حداثة أعمار الأطفال فإنهم مثل البالغين يمكن أن يقعوا أسرى للتصورات الخاطئة عن شيء معين. وربما يمتد تأثير هذا النموذج من التفكير على مستقبلهم واختياراتهم الوظيفية لاحقاً. هذا ما كشفت عنه دراسة أسترالية حديثة قام بها علماء من جامعة جنوب أستراليا University of South Australia عن تصور الأطفال عن العلم والعلماء، ولأي مدى يريدون أن يصبحوا علماء في المستقبل من عدمه، ونشرت أخيراً في المجلة الدولية للتعليم الشامل International Journal of Inclusive Education.
- الأطفال والعلماء
أشار الباحثون إلى أن هدف الدراسة كان معرفة لأي مدى يمكن أن تؤثر وسائل الإعلام المختلفة في رسم صورة راسخة في أذهان الأطفال حتى لو كانت كاريكاتيرية الطابع. وعلى سبيل المثال، فإن ظهور العالم في المختبر وهو يرتدي معطفاً أبيض مفتوحاً ونظارة سميكة وشعر أشعث ممسكاً طوال الوقت بالأنابيب الزجاجية ذات الألوان المختلفة التي تتصاعد منها الأبخرة، رسخ في أذهان الأطفال أن العالم شخصية أقرب «للمجنون» وأن العلم حتى لو كان مفيداً فإنه يؤدي إلى أن يصبح العامل به غريب الأطوار وغير متزن عقلياً. كما أن الذكاء الحاد ربما يؤدي إلى الجنون لاحقاً، وهي خرافات بطبيعة الحال.
وتعتبر هذه الدراسة شديدة الأهمية لأن هذه الصورة النمطية مترسخة ليس في أذهان أطفال أستراليا فقط بل في العالم كله وفي المنطقة العربية بشكل خاص. وعلى سبيل المثال في مصر كانت هناك إحصائية للمقارنة بين الطلبة الذين يدخلون القسم العلمي في التعليم الثانوي مقابل الطلبة الذين يدرسون العلوم الأدبية. وكانت النتيجة أن طلبة العلوم لا يزيدون على 30 في المائة من جموع الطلاب، وعند سؤال الطلاب عن السبب أجابوا بأن المواد العلمية صعبة الفهم ومملة وتحتاج إلى درجة عالية من الذكاء، وهو الأمر الذي جعلهم يحجمون عن دراستها.
قام الباحثون بإجراء الدراسة على 45 من طلاب المدارس الإلزامية وكان 29 منهم من الذكور و16 من الإناث، وتراوحت أعمارهم بين التاسعة والعاشرة في 6 مناطق مختلفة من أستراليا مختلفين في المستوى الاقتصادي والجغرافي والبيئي والأصول العرقية أيضاً (أبناء المهاجرين والسكان الأصليين). وتم سؤال الأطفال عن الوظيفة التي يحلمون بأن يشغلوها حينما يصبحوا بالغين، وأيضاً إذا كانوا يريدون أن يصبحوا علماء أم لا، وتصورهم عن مهنة العالم ومظهره. وظهر أن نسبة 55 في المائة (25 طالباً) من الطلاب ليس لديهم أي تطلعات بأن يصبحوا علماء و6 طلاب منهم كان لديهم مشاعر متناقضة بين الرغبة في أن يصبحوا علماء والخوف من توابع هذه الرغبة من الجهد والمظهر الغريب. وهناك 13 فقط آخرين تمنوا بشدة أن يصبحوا علماء.

صورة العالم
وقد أعربت نسبة من الطلاب بلغت 40 في المائة عن كرههم للعلوم بشكل عام، وأن دراسة العلوم مملة كما أنها غريبة وغامضة. وعند سؤال الطلاب عن اعتقادهم إذا كانت مهنة العالم مقصورة على الذكور فقط أم تصلح للذكور والإناث أجاب الأطفال بأنهم لا يعتقدون أن هناك فروقاً بين «العالم» الذكر أو الأنثى مثل مهنة الطبيب. وتعتبر هذه الإجابة من النجاحات التي حققتها وسائل الإعلام في نظرة الأطفال لطبيعة مهنة معينة وارتباطها بجنس معين. وتجدر الإشارة إلى أنه في الدراسات السابقة على مدار 50 عاماً، ارتبطت مهنة العالم بالرجال فقط في أذهان الأطفال.
وعند سؤال الطلاب عن تخيلهم لمظهر العالم وهيئته كانت الإجابات أقرب للشكل الهزلي الذي يصور العالم يرتدي معطفاً أبيض ملطخاً بالألوان نتيجة للتفاعلات الكيميائية ويرتدي نظارة طبية أقرب لرواد الفضاء منها للنظارات العادية ويتفوه بألفاظ غير مفهومة ويصرخ، ومنشغل دائماً بالتجارب في المختبر طوال الوقت.
وحسب نص كلمات أحد الطلاب فإن العالم «رجل مجنون ذو شعر أبيض يصرخ باستمرار»، بينما وصفه طالب آخر بأنه «رجل يحمل أنابيب تحتوي على كل الأشياء الغريبة». وهذا التصور عن العلماء بغض النظر عن كونه خاطئاً فإنه منفر من العلم أيضاً وراسخ في الأذهان، حتى إنه في التجارب السابقة على الأطفال في ثمانينات القرن الماضي حينما طلبوا من الطلاب رسم العلماء رسموهم بالطريقة الكاريكاتيرية نفسها التي تظهر في الأفلام.
وأوضح الباحثون أن من الضروري تغيير هذه الصورة النمطية للعلماء ويمكن استغلال وسائل الإعلام أيضاً في ذلك عن طريق عرض صور حقيقية لهم داخل المختبرات، والتركيز على الشباب منهم، واستضافتهم للحديث عن العلوم بشكل مبسط، سواء في فيديوهات على الإنترنت، أو صفحاتهم الشخصية على المواقع الإلكترونية.
ويمكن أيضاً تنظيم زيارات للطلبة لمتاحف العلوم وهناك أيضاً دور هام للأسرة في جعل الطفل يحب العلوم عن طريق إظهار أهمية العلم في جعل الحياة أكثر سهولة ومتعة. وعلى سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى الهواتف المحمولة والحديث عن كيفية اختراع الهاتف والأثر الكبير الذي حدث في حياة البشر نتيجة لوجوده والتطور المذهل عبر السنوات كنتيجة لاستمرار التجارب العلمية. وبطبيعة الحال يجب أن تدور النقاشات بشكل مبسط ومثير لخيال الأطفال مع الالتزام بذكر الحقائق العلمية، وأيضاً الحديث عن العلماء بكثير من الإعجاب والإجلال، وتوضيح أهمية اكتشافاتهم وتضحياتهم المستمرة من أجل التطور، والتركيز على أن الصورة النمطية هي من قبيل الدعابة فقط.
- استشاري طب الأطفال



إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
TT

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)

الشكل الإنساني بالسترة الحمراء والبنطال الرمادي، يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها ويمنحها أنفاس الحياة. رسمُ الفنان الأميركي أندرو سكوت ظاهرُه فكرةٌ واحدة، وفي عمقه ولّادٌ وغزير. بطلُه بشريٌ يُطلق سراح المحبوس ويُجرّده من سجّانه؛ وهو هنا إطار اللوحة. ذلك القادر على ضبطها والتحكُّم بمساحتها، ثم إحالتها على قدرها: معانقة الجدار. التحريك الطارئ على المشهد، يُعيد صياغته بمَنْحه تعريفاً جديداً. الحركة والفعل يتلازمان في فنّ أندرو سكوت، على شكل تحوّلات فيزيائية تمسّ بالمادة أو «تعبث» بها لتُطلقها في فضاء أوسع.

صبيُّ الفنان يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها (أندرو سكوت)

في ثلاثينه (مواليد 1991)، يمتاز أندرو سكوت بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار، ومَيْله إلى تفضيل الوسيط المُحطَّم، مثل الزجاج، وما يطمُس الخطّ الفاصل بين الموضوع وحدوده، فإذا بالإطار المكسور يستميل الناظر إليه ويوقظ سؤال الـ«لماذا»؛ جرَّار الأسئلة الأخرى.

تُحاور «الشرق الأوسط» الفنان الشهيرة حساباته في مواقع التواصل، والمعروضة أعماله حول العالم؛ من إيطاليا وألمانيا إلى نيويورك... يعود إلى «سنّ مبكرة من حياتي حين شغفني الفنّ وكوَّنتُ ذكريات أولى عن الإبداع بحبسي نفسي في غرفتي بعد المدرسة للرسم لساعات». شكَّلت عزلته الإبداعية «لحظات هروب من العالم»، فيُكمل: «بصفتي شخصاً عانيتُ القلق المتواصل، بدا الفنّ منفذاً وتجربة تأمّلية».

يمتاز بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار (أندرو سكوت)

لكنَّ الإنجاز الفنّي لم يكن دائماً جزءاً من حياته: «في سنّ الـ13 تقريباً، تضاءل شغفي بالرسم. هجرتُ قلمي حتى سنّ الـ28. طريقي إلى الفنّ طويلة ومتعرّجة. لـ10 سنوات عملتُ في كتابة الإعلانات، وخضتُ تجربة زواج فاشل. أدمنتُ المُخدِّر وواجهتُ تحدّيات أخرى. بُعدي عن الفنّ لـ15 عاماً، شكَّل أسلوبي».

تسلَّل عدم الرضا لتعمُّق المسافة بينه وبين الرسم: «شعرتُ بحكَّة إبداعية، ولم أكن متأكداً من كيفية حكِّها! التبس السبب وراء عجزي عن العودة إلى الرسم. تفشَّى الوباء وفقدتُ وظيفتي، لأقرر، هنا فقط، إحياء شغفي بالإبداع».

شخصيته أقرب إلى الانطوائية، باعترافه، ويفضِّل عدم الخوض في مسارات حياته، وإنْ لمحاولة التعمُّق في قراءة فنّه. ذلك يُفسّر تطلُّعَه إلى شهرته في مواقع التواصل، بأنها «أقرب إلى الشرّ الضروري منه إلى المتعة». فتلك المساحة المُضاءة تُشعره بأنه «فنان بدوام كامل»؛ يُشارك أعماله مع العالم. لكنَّ متعة هذا النشاط ضئيلة.

وماذا عن ذلك الصبي الذي يتراءى حزيناً، رغم ارتكابه فعلاً «حراً» بإخراج الإطار من وظيفته؟ نسأله: مَن هو صبيّك؟ فيجيب: «أمضيتُ فترات من الأحزان والوحدة. لم يحدُث ذلك لسبب. على العكس، أحاطني منزل العائلة بالأمان والدفء. إنها طبيعتي على الأرجح، ميَّالة إلى الكآبة الوجودية. أرسم الطفل ليقيني بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا جميعاً. جوابي على (مَن هو صبيُّك؟) يتغيَّر. على الأرجح إنه بعضي».

رغم سطوع الحزن، يتلألأ الأمل ويعمُّ في كل مرة يُكسَر الإطار لتخرج منه فكرة مضيئة. يؤيّد أندرو سكوت هذه النظرة. فالأُطر المكسورة تُشبه مرايا حياته. لسنوات ارتمى في الفخّ، ثم تحرَّر: فخّ العادة السيئة، الكسل، التأجيل، العجز، والتخبُّط. كسرُه الإطار إعلانٌ لحرّيته.

لعلَّ إعلان الحرّية هذا يشكّل إيماناً بالنهايات السعيدة ويجترح مَخرجاً من خلال الفنّ. فأندرو سكوت يفضِّل فناً على هيئة إنسانية، لا يركُن إلى الأفراح حسراً، لاستحالة ثبات الحالة النفسية والظرف الخارجي على الوضع المُبهج. يقول: «أحب تصوير الحالة الإنسانية، بنهاياتها الحلوة والمريرة. ليست كل الأشياء سعيدة، وليست أيضاً حزينة. أمام واقعَي الحزن والسعادة، يعكُس فنّي النضال والأمل».

وتُفسِّر فتنتُه بالتحوّلات البصرية ضمن الحبكة، إخراجَ الإطار من دوره الكلاسيكي. فالتفاعل مع الأُطر من منطلق إخضاعها للتحوّل البصري النهائي ضمن حبكة الموضوع، ولَّده «بشكل طبيعي» التفكير بمعرضه الفردي. يقول: «لطالما فتنتني المنعطفات البصرية في الحبكة. لم يتأثر أسلوبي بفنانين آخرين. أمضيتُ معظم حياتي خارج عالم الفنّ، ولم أكُن على دراية بعدد من فناني اليوم المعاصرين. بالطبع، اكتشفتُ منذ ذلك الحين فنانين يتّبعون طرقاً مماثلة. يحلو لي التصديق بأنني في طليعة مُبتكري هذا الأسلوب».

فنُّ أندرو سكوت تجسيد لرحلته العاطفية وتأثُّر أعماله بالواقع. يبدو مثيراً سؤاله عن أعمال ثلاثة مفضَّلة تتصدَّر القائمة طوال تلك الرحلة، فيُعدِّد: «(دَفْع)، أو (بوش) بالإنجليزية؛ وهي الأكثر تردّداً في ذهني على مستوى عميق. لقد أرخت ظلالاً على أعمال أخرى قدّمتها. أعتقد أنها تُجسّد الدَفْع اللا متناهي الذي نختبره نحن البشر خلال محاولتنا الاستمرار في هذا العالم».

يرسم الطفل ليقينه بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا (أندرو سكوت)

من المفضَّل أيضاً، «المقلاع»: «هي من الأعمال الأولى التي غمرها الضوء، ولها أمتنُّ. لقد شكَّلت تلك القطعة المُبكِرة كثيراً من نجاحي. أحبُّ رمزية المقلاع، فهي اختزال للبراءة والخطيئة في الوقت عينه».

ثالث المفضَّل هي «الغمّيضة»، أو «الاختباء والبحث»: «قريبة وعزيزة على قلبي لتحلّيها بالمرح. أراها تُجسّد نقاء الطفولة وعجائبها. إنها أيضاً اكتشاف مثير للاهتمام لشكل الإطار. فهو يرتكز عادةً، ببساطة، على مستوى واحد، وإنما هنا ينحني باتجاه الزاوية. أودُّ اكتشاف مزيد من الأفكار القابلة للتلاعب بالأشكال مثل هذه الفكرة».

هل تتأكّد، بهذا التفضيل، «مَهمَّة» الفنّ المتمثّلة بـ«حَمْل الرسالة»؟ رغم أنّ أندرو سكوت لا يعتقد بوجود قواعد عالمية في الفنّ، وإنما آراء شخصية فقط، يقول: «بالنسبة إليّ، الرسالة هي الأهم. ربما أكثر أهمية من مهارة الفنان. لطالما فضَّلتُ المفهوم والمعنى على الجمالية عندما يتعلّق الأمر بجودة الخطوط والألوان. أريد للمُشاهد أن يُشارك رسائلَه مع أعمالي. وبدلاً من قيادة الجمهور، أفضّل إحاطة فنّي بالغموض، مما يتيح لكل فرد تفسيره على طريقته».