إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الرسام الأميركي لـ«الشرق الأوسط»: فنّي انعكاسٌ للنضال والأمل

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
TT

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)

الشكل الإنساني بالسترة الحمراء والبنطال الرمادي، يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها ويمنحها أنفاس الحياة. رسمُ الفنان الأميركي أندرو سكوت ظاهرُه فكرةٌ واحدة، وفي عمقه ولّادٌ وغزير. بطلُه بشريٌ يُطلق سراح المحبوس ويُجرّده من سجّانه؛ وهو هنا إطار اللوحة. ذلك القادر على ضبطها والتحكُّم بمساحتها، ثم إحالتها على قدرها: معانقة الجدار. التحريك الطارئ على المشهد، يُعيد صياغته بمَنْحه تعريفاً جديداً. الحركة والفعل يتلازمان في فنّ أندرو سكوت، على شكل تحوّلات فيزيائية تمسّ بالمادة أو «تعبث» بها لتُطلقها في فضاء أوسع.

صبيُّ الفنان يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها (أندرو سكوت)

في ثلاثينه (مواليد 1991)، يمتاز أندرو سكوت بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار، ومَيْله إلى تفضيل الوسيط المُحطَّم، مثل الزجاج، وما يطمُس الخطّ الفاصل بين الموضوع وحدوده، فإذا بالإطار المكسور يستميل الناظر إليه ويوقظ سؤال الـ«لماذا»؛ جرَّار الأسئلة الأخرى.

تُحاور «الشرق الأوسط» الفنان الشهيرة حساباته في مواقع التواصل، والمعروضة أعماله حول العالم؛ من إيطاليا وألمانيا إلى نيويورك... يعود إلى «سنّ مبكرة من حياتي حين شغفني الفنّ وكوَّنتُ ذكريات أولى عن الإبداع بحبسي نفسي في غرفتي بعد المدرسة للرسم لساعات». شكَّلت عزلته الإبداعية «لحظات هروب من العالم»، فيُكمل: «بصفتي شخصاً عانيتُ القلق المتواصل، بدا الفنّ منفذاً وتجربة تأمّلية».

يمتاز بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار (أندرو سكوت)

لكنَّ الإنجاز الفنّي لم يكن دائماً جزءاً من حياته: «في سنّ الـ13 تقريباً، تضاءل شغفي بالرسم. هجرتُ قلمي حتى سنّ الـ28. طريقي إلى الفنّ طويلة ومتعرّجة. لـ10 سنوات عملتُ في كتابة الإعلانات، وخضتُ تجربة زواج فاشل. أدمنتُ المُخدِّر وواجهتُ تحدّيات أخرى. بُعدي عن الفنّ لـ15 عاماً، شكَّل أسلوبي».

تسلَّل عدم الرضا لتعمُّق المسافة بينه وبين الرسم: «شعرتُ بحكَّة إبداعية، ولم أكن متأكداً من كيفية حكِّها! التبس السبب وراء عجزي عن العودة إلى الرسم. تفشَّى الوباء وفقدتُ وظيفتي، لأقرر، هنا فقط، إحياء شغفي بالإبداع».

شخصيته أقرب إلى الانطوائية، باعترافه، ويفضِّل عدم الخوض في مسارات حياته، وإنْ لمحاولة التعمُّق في قراءة فنّه. ذلك يُفسّر تطلُّعَه إلى شهرته في مواقع التواصل، بأنها «أقرب إلى الشرّ الضروري منه إلى المتعة». فتلك المساحة المُضاءة تُشعره بأنه «فنان بدوام كامل»؛ يُشارك أعماله مع العالم. لكنَّ متعة هذا النشاط ضئيلة.

وماذا عن ذلك الصبي الذي يتراءى حزيناً، رغم ارتكابه فعلاً «حراً» بإخراج الإطار من وظيفته؟ نسأله: مَن هو صبيّك؟ فيجيب: «أمضيتُ فترات من الأحزان والوحدة. لم يحدُث ذلك لسبب. على العكس، أحاطني منزل العائلة بالأمان والدفء. إنها طبيعتي على الأرجح، ميَّالة إلى الكآبة الوجودية. أرسم الطفل ليقيني بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا جميعاً. جوابي على (مَن هو صبيُّك؟) يتغيَّر. على الأرجح إنه بعضي».

رغم سطوع الحزن، يتلألأ الأمل ويعمُّ في كل مرة يُكسَر الإطار لتخرج منه فكرة مضيئة. يؤيّد أندرو سكوت هذه النظرة. فالأُطر المكسورة تُشبه مرايا حياته. لسنوات ارتمى في الفخّ، ثم تحرَّر: فخّ العادة السيئة، الكسل، التأجيل، العجز، والتخبُّط. كسرُه الإطار إعلانٌ لحرّيته.

لعلَّ إعلان الحرّية هذا يشكّل إيماناً بالنهايات السعيدة ويجترح مَخرجاً من خلال الفنّ. فأندرو سكوت يفضِّل فناً على هيئة إنسانية، لا يركُن إلى الأفراح حسراً، لاستحالة ثبات الحالة النفسية والظرف الخارجي على الوضع المُبهج. يقول: «أحب تصوير الحالة الإنسانية، بنهاياتها الحلوة والمريرة. ليست كل الأشياء سعيدة، وليست أيضاً حزينة. أمام واقعَي الحزن والسعادة، يعكُس فنّي النضال والأمل».

وتُفسِّر فتنتُه بالتحوّلات البصرية ضمن الحبكة، إخراجَ الإطار من دوره الكلاسيكي. فالتفاعل مع الأُطر من منطلق إخضاعها للتحوّل البصري النهائي ضمن حبكة الموضوع، ولَّده «بشكل طبيعي» التفكير بمعرضه الفردي. يقول: «لطالما فتنتني المنعطفات البصرية في الحبكة. لم يتأثر أسلوبي بفنانين آخرين. أمضيتُ معظم حياتي خارج عالم الفنّ، ولم أكُن على دراية بعدد من فناني اليوم المعاصرين. بالطبع، اكتشفتُ منذ ذلك الحين فنانين يتّبعون طرقاً مماثلة. يحلو لي التصديق بأنني في طليعة مُبتكري هذا الأسلوب».

فنُّ أندرو سكوت تجسيد لرحلته العاطفية وتأثُّر أعماله بالواقع. يبدو مثيراً سؤاله عن أعمال ثلاثة مفضَّلة تتصدَّر القائمة طوال تلك الرحلة، فيُعدِّد: «(دَفْع)، أو (بوش) بالإنجليزية؛ وهي الأكثر تردّداً في ذهني على مستوى عميق. لقد أرخت ظلالاً على أعمال أخرى قدّمتها. أعتقد أنها تُجسّد الدَفْع اللا متناهي الذي نختبره نحن البشر خلال محاولتنا الاستمرار في هذا العالم».

يرسم الطفل ليقينه بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا (أندرو سكوت)

من المفضَّل أيضاً، «المقلاع»: «هي من الأعمال الأولى التي غمرها الضوء، ولها أمتنُّ. لقد شكَّلت تلك القطعة المُبكِرة كثيراً من نجاحي. أحبُّ رمزية المقلاع، فهي اختزال للبراءة والخطيئة في الوقت عينه».

ثالث المفضَّل هي «الغمّيضة»، أو «الاختباء والبحث»: «قريبة وعزيزة على قلبي لتحلّيها بالمرح. أراها تُجسّد نقاء الطفولة وعجائبها. إنها أيضاً اكتشاف مثير للاهتمام لشكل الإطار. فهو يرتكز عادةً، ببساطة، على مستوى واحد، وإنما هنا ينحني باتجاه الزاوية. أودُّ اكتشاف مزيد من الأفكار القابلة للتلاعب بالأشكال مثل هذه الفكرة».

هل تتأكّد، بهذا التفضيل، «مَهمَّة» الفنّ المتمثّلة بـ«حَمْل الرسالة»؟ رغم أنّ أندرو سكوت لا يعتقد بوجود قواعد عالمية في الفنّ، وإنما آراء شخصية فقط، يقول: «بالنسبة إليّ، الرسالة هي الأهم. ربما أكثر أهمية من مهارة الفنان. لطالما فضَّلتُ المفهوم والمعنى على الجمالية عندما يتعلّق الأمر بجودة الخطوط والألوان. أريد للمُشاهد أن يُشارك رسائلَه مع أعمالي. وبدلاً من قيادة الجمهور، أفضّل إحاطة فنّي بالغموض، مما يتيح لكل فرد تفسيره على طريقته».


مقالات ذات صلة

الكشف عن صورة امرأة غامضة لبيكاسو بعد 124 عاماً

يوميات الشرق صورة بالأشعة للوحة «بورتريه ماتيو فرنانديز» تكشف عن صورة أخرى تحتها (معهد كورتولد للفنون بلندن)

الكشف عن صورة امرأة غامضة لبيكاسو بعد 124 عاماً

عُثر على لوحة مخفية لامرأة غامضة تحت أحد الأعمال المبكرة لبابلو بيكاسو، والتي تعود للفترة المسماة «الفترة الزرقاء»، وفقاً لخبراء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق واحدة من كل خمس فتيات مواليد عام 2030 ستعيش حتى بلوغها 100 عام (رويترز)

واحدة من كل 5 فتيات مواليد 2030 ستعيش حتى عمر المائة

أظهرت دراسة بحثية جديدة أن واحدة من كل خمس فتيات مواليد 2030 ستعيش حتى بلوغها 100 عام على الأقل

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال (سيكولوجي توداي)

عبارة «سحرية» لتهدئة طفلك الغاضب على الفور

يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال. وقد يكون من الصعب تعامل الوالد مع طفل مُحبط أو غاضب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الأم وصغيراها (حديقة حيوان سان دييغو)

أول ظهور لصغيرَي «دببة الكسلان» في حديقة سان دييغو

شهد زوّار حديقة حيوان سان دييغو الأميركية الظهور الأول لصغيرين من «دببة الكسلان»، وُلدا في أواخر عام 2024.

«الشرق الأوسط» (سان دييغو)
يوميات الشرق استُقبِل كأنه من العائلة المالكة (موقع البحرية الملكية)

موسيقي عزف في زفاف الأميرة ديانا يُهدي مدرسته تمثالاً نادراً

إسهاماته لم تقتصر على الموسيقى، فقد عمل أيضاً حاملاً لنقالة جرحى على سفينة «SS Canberra» في أثناء حرب فوكلاند.

«الشرق الأوسط» (لندن)

نموذج لتشجير مدارس العاصمة السعودية.. زراعة 6 آلاف شجرة في مدرستين

جانب من الأعمال. (واس)
جانب من الأعمال. (واس)
TT

نموذج لتشجير مدارس العاصمة السعودية.. زراعة 6 آلاف شجرة في مدرستين

جانب من الأعمال. (واس)
جانب من الأعمال. (واس)

ضمن جهودٍ يبذلها برنامج «الرياض الخضراء» أحد المشاريع الكبرى في العاصمة السعودية الرياض، في سبيل تحسين وتطوير المرافق المدرسية وتشجيرها، أنهت «وزارة التعليم» بالشراكة مع «الرياض الخضراء»، الأحد، أعمال تأهيل وتشجير في مدرستين نموذجيتين، بزراعة أكثر من 6 آلاف شجرة وشجيرة.

ومن شأن هذه الخطوة التي أجرتها وزارة التعليم ممثّلةً بالإدارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض، و «الرياض الخضراء»، في مدرستين نموذجيتين في حي العزيزية جنوبي العاصمة السعودية، أن تساهم وفقاً للقائمين عليها، في رفع المستوى العلمي للطلاب والطالبات وتحسين البيئة المدرسية.

تأهيل نموذجي

وجرت أعمال التأهيل في المدرستين وتحسينهما داخل وخارج الفناء المدرسي وفي الفصول الدراسية بشكل نموذجي، بالإضافة إلى تشجير الساحات الخارجية وتطوير الملاعب والجلسات الخارجية ومنطقة الانتظار في المداخل ومواقف السيارات وغيرها من أعمال التأهيل التي تتمثل في تحسين المظهر الخارجي للمباني المدرسية باستخدام مواد محلية منسجمة مع الطابع المعماري لمدينة الرياض، بالإضافة إلى اختيار الأشجار المناسبة والملائمة لبيئة المدينة، مما يساهم بحسب للقائمين عليها، في «توفير الظلال وخفض وهج الحرارة في الساحات الخارجية وحول محيط المدرسة».

سيتم تطبيق النماذج على بقية مدارس العاصمة السعودية. (واس)

الدكتور نايف الزارع المدير العام للتعليم بمنطقة الرياض، أجرى برفقة المهندس بدر الحارثي مدير عام الإدارة العامة للأمن والسلامة والمرافق بوزارة التعليم، والمهندس عبدالعزيز المقبل المدير التنفيذي للرياض الخضراء، جولة في أرجاء المدرستين مع الحضور، وذلك للاطلاع على الأعمال المنجزة، التي جاءت وفقاً لوكالة الأنباء السعودية (واس)، ضمن جهود وزارة التعليم و«الرياض الخضراء» في تحسين وتطوير المرافق المدرسية وتشجيرها بمدينة الرياض.

نموذج سيتم تطبيقه على بقية المدارس

وتعد أعمال التشجير والتأهيل في المدرستين، نموذجاً سيتم تطبيقه على بقية المدارس الحكومية للبنين والبنات في العاصمة السعودية، ضمن مسعى «الرياض الخضراء» في تحقيق أحد مستهدفات «مبادرة السعودية الخضراء» و «رؤية السعودية 2030»، بزراعة 10 مليارات شجرة داخل البلاد.

ويستهدف البرنامج الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بمبادرة من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي في مارس (آذار) 2019، في زراعة 7.5 ملايين شجرة في العاصمة السعودية، وزيادة الغطاء النباتي إلى 9 في المائة من مساحة المدينة، إلى جانب رفع نصيب الفرد من المساحة الخضراء من 1.7 متر مربع إلى 28 متر مربع، والمساهمة في خفض درجة الحرارة وتحسين جودة الهواء بتقليل التلوث والغبار.