ميدان الملك عبد العزيز... إرث تاريخي يعود للحياة بالمدينة المنورة

باب العنبرية يتحول إلى معلم حضاري وتنموي بعد الإعلان عن إحيائه وتأهيله

مبنى محطة سكة حديد الحجاز التراثي (صور خص بها الشرق الأوسط الدكتور تنيضب الفايدي)
مبنى محطة سكة حديد الحجاز التراثي (صور خص بها الشرق الأوسط الدكتور تنيضب الفايدي)
TT

ميدان الملك عبد العزيز... إرث تاريخي يعود للحياة بالمدينة المنورة

مبنى محطة سكة حديد الحجاز التراثي (صور خص بها الشرق الأوسط الدكتور تنيضب الفايدي)
مبنى محطة سكة حديد الحجاز التراثي (صور خص بها الشرق الأوسط الدكتور تنيضب الفايدي)

عاد ميدان الملك عبد العزيز في المدينة المنورة إلى الواجهة، بعد أن أعلن الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة إطلاق مشروع لإحياء الميدان الذي حمل اسم المؤسس، وتطويره وتأهيله ليكون معلماً تنموياً استفادة من الإرث الديني والتاريخي والأدبي والحضاري الذي يمثله الموقع.
وقد ارتبط الميدان في ذاكرة السعوديين باستقبال أهالي المدينة المنورة للملك المؤسس قبل 69 عاماً، وتميز الميدان بوجود مواقع أمكنة ومآثر تاريخية مختلفة. وأكد الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، أن مشروع ميدان الملك عبد العزيز يُعد إحياء لذكرى الموقع الذي شهد احتفاء الأهالي بوصول الملك عبد العزيز إلى المدينة المنورة في عام 1345هـ، و1346هـ، مشيراً إلى أن انطلاق هذا المشروع يتزامن مع الاحتفال بذكرى اليوم الوطني الـ(90) للمملكة، وسيعمل المشروع على حفظ ذاكرة الأجيال لتلك الزيارة التي قام بها الملك عبد العزيز للمدينة المنورة بداية مراحل تأسيس المملكة.
ويوضح المؤرخ والباحث الدكتور تنيضب الفايدي أن ميدان المؤسس الملك عبد العزيز، كان يسمى باب العنبرية وهو أحد أهم أبواب سور المدينة المنورة الخارجي، إضافة إلى أبواب قباء، العوالي، الشامي، الكومة. والميدان يحتوي عدداً من المآثر التاريخية، حيث يطلق على الجزء الغربي منه أرض السقيا، ولها علاقة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد أن سيدنا محمد دعا للمدينة بالبركة في هذا الموقع فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله توضأ ثم صلى بأرض سعد بأصل الحرة، عند بيوت السقيا، ثم قال: (اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكة، وأنا محمد عبدك ونبيك ورسولك أدعوك لأهل المدينة، مثل ما دعاك به إبراهيم لأهل مكة، ندعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدّهم وثمارهم، اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة...... الحديث). وهنا أيضا استعرض رسول الله عليه الصلاة والسلام من خرج معه لغزوة بدر وردّ بعض صغار الصحابة، كما كان صلى الله عليه وسلم يستقي الماء العذب من بئر السقيا وفي داخل فناء سكة الحديد مسجد يسمى مسجد السقيا وهو مرتبط ببئر السقيا.
وأضاف أن شارع العنبرية الذي يؤدي إلى ميدان الملك عبد العزيز وما حوله هو منطقة سكنية ويطلق عليها الأدباء النقا، وتبدأ من جنوب مسجد الغمامة حتى الميدان. وقد ألهمت أسماء أجزاء المدينة المنورة الأدب العربي بكلمات راقية ومحرّكة للمشاعر، فعندما يُذْكر النقا تُذكر معه (عِين النقا) وعِين النقا: عِين (بكسر العين) جمع عيناء أي: واسعات الأعين حسانها، وحسن عين الأنثى يعتبر مجمع الحسن وأعظم الأدلة على جمالها.
ومن جانبه أوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور فهد بن مبارك الوهبي مدير مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، أن مشروع ميدان الملك عبد العزيز له دلالات تاريخية وحضارية كبيرة، تتمثل في عناية الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة، حيث زار المدينة أربع مرات، كانت الأولى منها عام 1927، ومكث فيها قرابة شهرين، حيث كان أول استقبال له في منطقة باب العنبرية، وهي موقع مشروع ميدان الملك عبد العزيز الحالي وأشرف بنفسه على العديد من التنظيمات الإدارية المهمة.
الجدير بالذكر أن مكونات المشروع تشتمل على ساحة مُخصصة لتنظيم الفعاليات والبرامج الثقافية المتنوعة، ومسارات مخصصة للمشاة، بالإضافة إلى استحداث منافذ تجارية جديدة، وتهيئة مواقع للجلوس والاستراحة لاستيعاب العائلات والأفراد لتصبح بذلك متنفساً لأهالي وزوار المدينة المنورة، إلى جانب تكوين مواقع للخدمات العامة، وإنشاء مسطحات خضراء، وكذلك إنشاء سارية للعلم السعودي تُزيّن قلب الميدان، ومن المتوقع الانتهاء من تنفيذ المشروع خلال عامين، ليُشكل بذلك علامة حضارية مميزة جديدة في المدينة المنورة تُضاف إلى سلسلة المشاريع التنموية التي تشهدها المنطقة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».