باسم كريستو: «المزج بين الحداثة والكلاسيكية يولد خلطة بصرية ممتعة»

وقّع إخراج حفلتي مهرجان بعلبك ومتحف سرسق

المخرج اللبناني باسم كريستو  -  في متحف سرسق حيث كُرّم ضحايا الانفجار ضمن حفل موسيقي
المخرج اللبناني باسم كريستو - في متحف سرسق حيث كُرّم ضحايا الانفجار ضمن حفل موسيقي
TT

باسم كريستو: «المزج بين الحداثة والكلاسيكية يولد خلطة بصرية ممتعة»

المخرج اللبناني باسم كريستو  -  في متحف سرسق حيث كُرّم ضحايا الانفجار ضمن حفل موسيقي
المخرج اللبناني باسم كريستو - في متحف سرسق حيث كُرّم ضحايا الانفجار ضمن حفل موسيقي

من تابع حفلتي مهرجانات بعلبك في 5 يوليو (تموز) الفائت و«بيروت تنذكر» في متحف سرسق في 19 الجاري، لا بدّ أن تكون عملية إخراج هذين العملين قد لفتته بإبداعيتها.
ففي الحدثين تألقت كاميرا المخرج باسم كريستو، وكانت بمثابة عين سحرية تفرّج من خلالها المشاهد على لوحات فنية مبدعة.
في الحفلة الأولى لبعلبك من دون جمهور، التي نقلتها شاشات التلفزة لمس المشاهد نضج حركة كاميرا كريستو. وفي الحفلة الثانية لفته تبدّت قدرة كريستو على أنسنة كاميرته. فحملت الإبداع والحنان وحفنة من الحزن يقابلها كمية من الفرح أرادها المخرج تكريماً لبيروت المدمرة.
ويقول المخرج اللبناني في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كان لكل حفل نكهته وميزته وإطار معين يدور فيه. وفي الحالتين كنت معتزاً بما أنجزه فإعطائي فرصتين من هذا النوع في وطني لهو فخر لي».
ويروي كريستو عن تجربتيه الأخيرتين ويقول في سياق حديثه: «في قلعة بعلبك كان عملي وإحساسي يختلفان تماماً عمّا شعرته في متحف سرسق. فكنت أتوق للاستفادة من كل زاوية فيها لأبرزها على كاميرتي. فالقلعة كانت بمثابة الأستوديو الذي أصور فيه. وهذا المزيج بين التاريخ والحداثة كان انعكاسه هائلاً علي. وهو ما طبع حركة كاميرتي لأنّني كنت أشعر بقيامي بإنجاز كبير». ويتابع: «حفل بعلبك الذي جاء تحت عنوان (صوت الصمود) حمل تحدياً بحد ذاته لتسليط الضوء على لبنان الفن والثقافة رغم كل الأزمات التي يمر بها». وعمّا إذا شعر في لحظة ما برهبة الموقف يرد: «في اللحظات الأولى للحفل وعندما راحت كاميرا الـ«درون» محفوفة بأخطار كثيرة تمر بين أعمدة القلعة بإدارة روجيه غنطوس وكارلوس هيدموس توقفت عن التنفس. وفي هذه اللحظات بالذات انطلقت موسيقى النشيد الوطني اللبناني مع المايسترو هاروت فازيليان فاجتاحتني أحاسيس كثيرة لا أستطيع وصفها. فالجانب الفني كما المواطنية العميقة كانا حاضرين بقوة في بعلبك. تبلور ذلك من حيث أهمية المكان وعملية الإضاءة عليه، ليبدو كشمس مشعة مما جعل العمل متكاملاً».
في حفلة «بيروت تنذكر» في متحف سرسق السبت الفائت، لم يستطع مشاهده الإفلات من متابعته طيلة مدة العرض. فالأجواء التي سادتها تكريماً لضحايا انفجار بيروت وللمدينة المنكوبة كانت مشبّعة بالمشاعر الإنسانية وبكلمات شعر ولوحات غنائية مؤثّرة. ويعلّق كريستو: «موقع الحفل في متحف سرسق تم اختياره في اللحظات الأخيرة لإقامة حفل (بيروت تنذكر). كما أنّ توقيته وإيصال ساعات الغروب في الليل كان رائعاً. فالمكان يحمل الرمزية الثقافية والوطنية في طيّات أحجار مبناه وأشجار حديقته. وعملية إخراج الحياة من بين ضلوعه المحطمة بفعل الانفجار كان له وقعه الخاص عليّ. فكنت كمن يمارس صلاة بخشوع وإيمان كبيرين من أجل غد أفضل». ويتابع: «حتى التقنية المستخدمة وعملية الإخراج تأثرت بكل العوامل والعناصر التي يتضمنها الحفل. فجاء الحدث من أرقى أنواع التكريم وأشدها وقعاً على المشاهد. فالموضوع لم يكن ينحصر بتقديم حفل بل بمشهدية تخلّد ذكرى أرواح الضحايا».
في الحفلين تعاون كريستو مع الفريق الفني نفسه تقريباً ويقول في هذا الصدد: «ليس من السهل أبداً الالتقاء بأشخاص مثقفين بمستوى المهندس جان لوي مانغي وغيره من التقنيين البارعين وهدفهم الأول والأخير الإبداع الفني. فكنّا نعمل على الموجة نفسها من دون تردد».
وعن كيفية تطوير عمله الإخراجي يوضح المخرج كريستو: «هي نتيجة تجارب متراكمة، إضافة إلى بحث دائم أمارسه حول الجديد والحديث في هذا العمل. فالتكنولوجيا المتقدمة تسمح لنا ليوم بإنتاج مشهدية بصرية تختلف تماماً عما كانت في الماضي. ورغم ذلك هناك قواعد كلاسيكية في لعبة الإخراج لا يجب التخلي عنها، وهو ما أحاول إبرازه في العمل. فالمزج بين الحداثة والكلاسيكية يولّد خلطة بصرية ممتعة».
ولكن ماذا بعد هاتين الحفلتين وكيف يرسم طريقه المستقبلية؟ يرد: «ليس عندي هدف معين أصبو إليه، فإنّ أي حدث يمكنني إخراجه ويوصلني إلى أكبر عدد ممكن من الناس والمشاهدين هو أساسي في نظري. كمثل أن أوقع عملية إخراج افتتاح حفل ألعاب أولمبية يحضره ملايين الناس ويقدم لي فرصة إبراز قدرات اللبناني الإبداعية». هل تعني أنك تبحث عن العالمية؟ يوضح: «العالمية في ظل العولمة التي نعيشها أصبحت تحصيل حاصل. كما أنّ أي برنامج تلفزيوني له فورمات أجنبية هو كناية عن عمل عالمي بأسلوب آخر وطريقة مختلفة. فهناك تحد عشته في نسخات برامج عربية لأخرى أجنبية حملت لي المتعة العالمية بحدّ ذاتها».
ويعدّ كريستو من المخرجين اللبنانيين الذين ذاع صيتهم في لبنان والعالم العربي. وشكّلت أعماله دمغة في عالم التلفزيون حتى صارت الصورة التي يقدمها أشهر من أن يعرّف بها. ومن بين أعماله التلفزيونية المعروفة «تاراتاتا» و«ذا فويس كيدز» و«رقص النجوم» و«اغلب السقا» وغيرها. فمشاهدها بات يعلم بسرعة أنّه من يقف وراءها من اللحظات الأولى لمتابعته لها.
ولكن كيف يرى كريستو مستقبل الشاشة الصغيرة؟ «هذا المجال بأكمله يتحوّل اليوم إلى الشمولية. فجميع الناس باتوا مخرجين ومقدمين ومحاورين من خلال نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي رأيي سيحصل هناك مزج ما بين التلفزيون التقليدي والحديث، وستشهد البرامج المباشرة نجاحاً أكبر من غيرها. لا شك أنّ هناك أموراً كثيرة نخسرها في مجال التلفزيون وبينها الأعمال الاستعراضية الضخمة التي تتطلب ميزانيات مادية عالية ولكنّها موجة وانتهت في العالم أجمع. والمطلوب منّا أن نتأقلم ونتجدّد مع عصر التلفزيون الحديث شرط أن لا نخسر القديم منه. هذا المزج سيولد منتجا جميلا يتميز بتوليفة وتركيبة تخرجان عن المألوف».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».