في أعقاب مشاركة غابرييل ماجاليس في مباراته الأولى، وكذلك الأخيرة مثلما اتضح لاحقاً، في صفوف الفريق الأول لدينامو زغرب، جرى استدعاؤه لمكتب المدرب. كان نيكولا يورسيفيتش قد رأى ما يكفي خلال مباراة بالدوري الممتاز الكرواتي أمام رييكا في أبريل (نيسان) 2018 ليدرك أنه بحاجة إلى إرساء خطة طويلة الأمد للاستفادة من قلب دفاع الفريق. وقال يورسيفيتش لغابرييل: «أمامك مستقبل كبير في كرة القدم وأود منك أن تبقى معنا العام المقبل»، أما اللاعب، فلم يبدِ رفضه للفكرة. إلا أن المشكلة حسبما صاغها يورسيفيتش «لا تتعلق بي ولا به ولا بمستوى جودة أدائه». كان غابرييل يشارك مع الفريق على سبيل الإعارة من ليل، ولم يتمكن دينامو زغرب من تدبير الـ4 ملايين يورو المطلوبة لجعل الانتقال دائماً. وبعد شهر من ذلك اللقاء، كان غابرييل على متن الطائرة في طريقه إلى فرنسا، بينما طرد يورسيفيتش، الذي كان ذات يوم مساعداً لسلافين بيليتش في وستهام يونايتد، من عمله.
يا له من اختلاف ضخم خلقه عامان فقط، فقد عاد غابرييل إلى ليل دونما أن تكون لديه أدنى فكرة عما يخبئه له المستقبل. كان غابرييل قد انتقل على سبيل الإعارة في المقام الأول لأنه على الرغم من الإمكانات الواعدة التي أظهرها كلاعب لدى قدومه من البرازيل مطلع عام 2017 وكان يبلغ حينها 19 عاماً، فإن ناديه الأساسي كان متحيراً إزاء ما إذا كان ينبغي له الاحتفاظ باللاعب، أم لا.
وكان التساؤل الأكبر: هل ستتحسن بالفعل تكنيكات اللعب التي يتبعها اللاعب وعملية صنع القرار بما يكفي لفريق من المتوقع أن ينافس على بطولة الدوري الفرنسي الممتاز؟ ومع ذلك، جاءت الإجابة عن هذا التساؤل كافية من وجهة نظر آرسنال كي يضم اللاعب هذا الشهر مقابل 27 مليون جنيه إسترليني. وتوحي المؤشرات التي ظهرت خلال مشاركته للمرة الأولى في صفوف ناديه الإنجليزي الجديد أمام فولهام بأنه لا يتعين لأحد الشعور بقلق تجاه مستوى اللاعب.
في الواقع، لم يكن نادي ليل الوحيد الذي ساوره القلق بخصوص غابرييل، وإنما حتى كشافي آرسنال في أميركا الجنوبية عرفوا غابرييل منذ أن شق طريقه بنجاح في صفوف نادي أفاي في مسقط رأسه، ما ساعد النادي في الصعود إلى الدوري البرازيلي الممتاز موسم 2017، لكن التقارير التي رفعوها إلى لندن لم توحِ بأنه لاعب تنبغي متابعته.
وعندما ظهر اللاعب في صفوف ليل في مطلع الموسم الماضي، بعد أن حصل على فرصته قرب نهاية موسم 2018 -2019 بعد إصابة قائد الفريق، أداما سوماورو، بدأت أنظار زملائه على مستوى أوروبا في التركيز عليه بصورة مكثفة. وبحلول مارس (آذار)، كان قد جرى ضمه إلى ملف يضم مجموعة من الصفقات المحتملة جرى تسليمه إلى مسؤولي آرسنال. وفي مايو (أيار)، قرر المدرب ميكيل أرتيتا وزملاؤه المضي قدماً في إنجاز هذه الصفقة.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن آرسنال كان حريصاً على ضم دايوت أوباميكانو، لاعب آر بي لايبزيغ، لكن المبلغ الذي حدده النادي الألماني مقابل السماح بانتقال اللاعب والبالغ 55 مليون جنيه إسترليني كان خارج حدود المستطاع لدى آرسنال، خصوصاً أن المدرب السابق أوناي إيمري كان يولي الأولوية العام الماضي لضم لاعب جناح، ووافق على الصفقة القياسية التي أبرمها النادي بشرائه نيكولاس بيبي.
ومع ذلك، لم يكن غابرييل في مرتبة متأخرة من قائمة أولويات النادي، خصوصاً في ظل القفزات الكبيرة التي حققها الموسم السابق التي خلفت وراءها انطباعاً عميقاً على مسؤولي صفقات ضم اللاعبين الجدد في النادي. وقد تابع هؤلاء المسؤولون غابرييل بينما أداؤه يشهد تحسناً دراماتيكياً خلال 2019/ 2020. وأظهر اللاعب قدرته على التعلم من أخطائه الأولى وتقديم مستوى متميز من السرعة والقوة، وعاونته في ذلك ساقه اليسرى الرائعة التي كملت مجمل ميزاته البدنية.
من ناحيته، لا يزال يورسيفيتش يتذكر عندما شاهد غابرييل يلعب عدة مرات في صفوف الفريق «ب» في دينامو زغرب، في دوري الدرجة الثانية بكرواتيا، قبل أن يجري تصعيده للعب مع الفريق الأول. الواضح أن غابرييل استقر على نحو جيد داخل دينامو زغرب، وساعدته في ذلك حقيقة أن المدرب المساعد ماركو ماريتش كان لاعباً سابقاً في ليل وكان قادراً على التواصل معه بالفرنسية. وقد انبهر يورسيفيتش على نحو خاص عندما طلب من غابرييل اللعب في مركز غير مألوف له نسبياً - قلب دفاع من الجانب الأيمن - أمام رييكا، أقدم على تنفيذ ذلك دون أدنى امتعاض.
وقال يورسيفيتش عن غابرييل: «إنه شخص جيد بحق ومنفتح ويمتلك قدرة جيدة على التواصل. وكان واضحاً أمامي أنه يملك شخصية متميزة ومؤمن بنفسه.
كما أنه يملك بكل تأكيد جميع المزايا التي تجعل منه مدافعاً بارزاً: فهو بارع في التعامل مع الكرات بالرأس وواثق من نفسه، ولا يهاب التعامل مع الكرة. كنت واثقاً من أنه سيبني مسيرة مهنية كبرى». كان غابرييل قد نجح في التغلب على فترة انهيار مبكر للتواصل مع حارس مرمى آرسنال بيرند لينو في مواجهة فولهام، والمبهر أنه بدأ التدريب مع زملائه قبل وقت قصير بعد فترة الحجر الصحي. وانتهى الشوط الأول بضربة رأس رائعة أنقذ بها مرماه من كرة ثابتة خطيرة، بينما بدأ الشوط الثاني بهدف. وكان الانطباع العام حول اللاعب البالغ طوله 6 أقدام و3 بوصات أنه مدافع قادر على إضافة العماد القوي الذي يفتقر إليه آرسنال بشدة في خط الدفاع.
ومع هذا، يحذر المتابعون لغابرييل عن قرب من المبالغة في التوقعات، مشيرين إلى أنه وقف في مواجهة قوة هجومية من فولهام تبدو مناسبة بالكاد للمشاركة في الدوري الممتاز. ويرى هؤلاء أنه لا تزال لدى اللاعب مجالات ينبغي له تحسين أدائه فيها: فبمقدوره اللعب عبر الخطوط بسرعة أكبر وتنفيذ تمريراته بقدر أكبر من الاتساق وإصدار أحكام أفضل بخصوص الاشتباك مع المنافسين في مناطق متقدمة من الملعب. ومع هذا، يبقى هناك شعور بأن آرسنال يملك القدرة على تنقيح هذه العناصر وتطويرها. والمؤكد أن أحداً لم ينتظر أداءً مثالياً من لاعب كان يقف في مواجهة أندية ليست قوية في الدوري الكرواتي منذ عامين ونصف العام فقط. ويبقى هناك إجماع بأنه سيصبح مدافعاً بارعاً على مستوى الدوري الممتاز مع امتلاكه أدوات تؤهله للمنافسة على أعلى المستويات.
ويبدو هذا التألق من جانب غابرييل بمثابة شهادة تقدير بحق مسؤولي ليل الذين استقدموه من أميركا الجنوبية للمرة الأولى ودليل على حجم الاختلاف الهائل الذي تخلقه المسارات الكروية المختلفة في حياة اللاعبين. من ناحيته، قال: «لم أتوقع أن ينتقل إلى نادٍ كبير بحجم آرسنال بهذه السرعة الكبيرة، لكنني سعيد للغاية من أجله، فهو يستحق ذلك». وحتى اليوم، لا يبدو أدنى انحسار في قدرة غابرييل على التفوق على سقف توقعات الآخرين له.
غابرييل... من أندية مغمورة في كرواتيا إلى قوة ضاربة في دفاع آرسنال
اللاعب البرازيلي الشاب نجح في قطع خطوات كبرى نحو الأمام خلال المواسم الأخيرة
غابرييل... من أندية مغمورة في كرواتيا إلى قوة ضاربة في دفاع آرسنال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة