فنون إسلامية مستوحاة من «مدينة الأموات» في القاهرة

الفنان عمر طوسون
الفنان عمر طوسون
TT

فنون إسلامية مستوحاة من «مدينة الأموات» في القاهرة

الفنان عمر طوسون
الفنان عمر طوسون

وسط منطقة صحراء المماليك، التي لقبها بعض المستشرقين الأوروبيين بـ«مدينة الأموات» في العاصمة المصرية القاهرة، انطلقت تظاهرة فنية متنوعة تحت عنوان «الفن في زمن كورونا»؛ احتفالاً بالانتهاء من تطوير مجمع السلطان قايتباي الأثري، واستوحت الأعمال الفنية والنحتية المشاركة بالفعالية أشكالها من الفنون الإسلامية المنتشرة في المنطقة.
وينظم مركز «مقعد السلطان الثقافي» حالياً، معرض «بنت النيل» وسمبوزيوم للنحت بجانب عروض للحلي المستلهمة من الفنون الإسلامية، وحفلات غنائية لفرقة محمد بشير، وتدشين جدارية «عناصر الحياة الأربعة» التي نفذتها سيدات وفتيات منطقة المقابر.
وفي داخل «أروع مدينة أموات في العالم»، حسب وصف المستشرق الألماني إرنست كونل، يمكن للزائر أن يستمتع بملامح تضافر الفن والتاريخ معاً، فبينما يشاهد الأعمال الفنية الحديثة بالفعالية الممتدة حتى 30 سبتمبر (أيلول) الحالي، يمكنه أيضاً أن يتأمل روعة الزخم المعماري للكنوز التي تضمّ مجموعة من المقابر التاريخية، ومن أبرز المعالم التي تضمها المنطقة مسجد وخانقاه فرج برقوق، ومسجد وخانقاه السلطان الأشرف بارسباي، ومسجد السلطان قايتباي وملحقاته، وقبة جاني بك الأشرفي، وتكية أحمد أبو سيف.
وتكتسب التظاهرة الفنية أهميتها «كونها مفعمة بالجمال وعبق التاريخ وآثار مصر الخالدة» حسب المهندسة البولندية أجنيشكا دوبروفولسكا، مؤسسة مركز «السلطان»، التي تقول لـ«الشرق الأوسط»، «لم نكتف بتنظيم حدث واحد بمفرده احتفاء بترميم الأثر، وعلى الرغم من ظروف (كورونا) قررنا أن نطلق حزمة فعاليات في وقت واحد مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية كافة اللازمة لمواجهة الجائحة».
وفي ملحق بضريح ابن السلطان قايتباي يقام معرض «بنت النيل» الذي يحتفي بالمرأة بشكل عام ويكرّم المرأة المصرية على وجه الخصوص، على حد تعبير الفنان عمر طوسون، قوميسير المعرض، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، «يهدف المعرض إلى دعم المرأة وقضاياها؛ إذ تدور موضوعات المنحوتات عنها استلهاماً من نساء بارزات من الماضي والحاضر، وتتنوع الخامات ما بين الخشب والبرونز والزجاج والرخام، إضافة إلى الأعمال الخزفية».
ويعد السمبوزيوم تجربة فنية غير تقليدية؛ إذ يضم حالياً عملين للنحاتَين عمر طوسون وحسام حسين، وسيستقبل فنانين آخرين بشكل متتالٍ لمراعاة إجراءات «كورونا» الاحترازية، ويشير طوسون إلى «أن السمبوزيوم كان مقرراً له أن يكون ملتقى دولياً في مطلع عام 2020 يشارك فيه فنانون من مصر واليونان وإيطاليا وفرنسا وبولندا، إلا أنه بسبب (كورونا) لم تر الفكرة النور إلى أن قررنا أن يتم العمل بشكل فردي فبدأت بعملي، من ثم أكمل حسام حسين عمله، وسيواصل فنانون آخرون من دول أخرى السمبوزيوم بالتتابع، لتبرز الأعمال المشاركة روح المكان، وتمزج بين الأصالة والمعاصرة».
ويقدم الفنان عمر طوسون عملاً نحتياً في السمبوزيوم بعنوان «من ثقب الباب»، وهو يتخذ شكل الباب الذي يُعد شاهداً على حكايات وقصص ناس رحلوا وآخرين لا يزالون على قيد الحياة؛ تماهياً مع ثيمة السمبوزيوم «بين الحياة والموت»، واختار الفنان أن ينفذه من نفس نوع الحجر المستخدم في بناء جامع ومقعد السلطان قايتباي، وهو الحجر الجيري وجلبه من المنطقة نفسها، وهي منطقة المقطم، بينما تتربع على الجزء العلوي للباب نجمة مستلهمة من نجمة أثرية بجدار المقعد بعد إعادة صياغتها بشكل معاصر. وعلى بعد خطوات منه يقع العمل النحتي لحسام حسين المتماهي، وهو الآخر مع ثيمة «الحياة والموت»؛ إذ يتخذ شكل إنسان يرتدي عمامة عثمانية مستوحاة من شاهد القبر العثماني المعتاد أن تعلوه هذه العمامة.
وعن تفاعل سكان المنطقة مع الأعمال النحتية يشير طوسون إلى أنهم شاهدوه وهو يشكل مقطوعته خطوة خطوة؛ ما يدفعهم إلى حب العمل والحفاظ عليه مستقبلاً.
وتحتل جدارية «عناصر الحياة الأربعة» التي نفّذتها سيدات وفتيات منطقة المقابر المحيطة بمقعد السلطان قايتباي باستخدام الخامات الطبيعية المتاحة في المكان بين المتاجر بعرض ستة أمتار، وتقول الفنانة المشرفة على تنفيذ الجدارية إيمان البنا لـ«الشرق الأوسط»، «أطلق عليها هذا الاسم لأنها مكونة من العناصر الطبيعية الأربعة المكونة للحياة، على غرار الماء والهواء والتربة التي يستخرج منها الزجاج، وهي عمل جماعي يعزز انتماء السكان إلى الآثار ومحافظتهم عليها، كما ينشر مفاهيم الجمال والفن، لا سيما أنه يقام بالقرب منها عروض للحرف اليدوية في المنطقة وحُلي (المشكاة) المستوحى من الآثار الإسلامية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».