إدارة ترمب تدعم إزالة السودان من «الدول الراعية للإرهاب»

تعاون بين الخرطوم وواشنطن لإتمام الخطوة الشهر المقبل

TT

إدارة ترمب تدعم إزالة السودان من «الدول الراعية للإرهاب»

تسعى الإدارة الأميركية حالياً إلى تخطي وتجاوز العقوبات، التي تقف حائلاً أمام رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ومع السعي الحثيث الذي تبذله الإدارة الأميركية لتحقيق هذه الغاية، تصطدم الجهود بمعارضة بعض أعضاء الكونغرس الأميركي. لكن السودان اتخذ في المقابل خطوة العمل الجماعي المشترك مع الإمارات وإسرائيل من أجل رفعه من قائمة الإرهاب.
وبحسب مصادر دبلوماسية أميركية، فإن الولايات المتحدة الأميركية عملت على تفاصيل دقيقة مع الحكومة الانتقالية الحالية في السودان، برئاسة عبد الله حمدوك، لرفعها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومن بينها تفاصيل تعويض ضحايا أسر المواطنين الأميركيين الذين قُتلوا في الهجمات الإرهابية ضد السفارات الأميركية في أفريقيا عام 1998 وضد المدمرة الأميركية في عام 2000. وبينت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن رفع السودان، أو أي دولة أخرى من قائمة الدول الراعية للإرهاب، يتطلب تنفيذ العديد من الإجراءات والسياسات الداخلية للتأكد من عدم دعم الإرهاب في المستقبل. تجدر الإشارة إلى أن السودان اتخذ خطوات للعمل مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب طوال عام 2019، بالرغم من الاضطرابات السياسية التي كانت تواجهها الحكومة، والتي أدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.
وأضافت المصادر موضحة: «في سبتمبر (أيلول) 2019 من العام الماضي، واصلت الحكومة السودانية متابعة عمليات مكافحة الإرهاب جنباً إلى جنب مع الشركاء الإقليميين، بما في ذلك عمليات مواجهة تهديدات مصالح الولايات المتحدة والأفراد في السودان، وعلى الرغم من عدم وجود هجمات إرهابية بارزة، فقد عملت القوات السودانية دوريات لمراقبة الحدود السودانية - الليبية، وكذلك الحدود السودانية - التشادية قصد منع تدفق الإرهابيين المشتبه بهم، الذين يعبرون المنطقة، ومنع تهريب الأسلحة، وغيرها من الأنشطة غير المشروعة، وهذه الأنشطة جميعها تؤخذ بعين الاعتبار في الأوساط الأميركية، وهو ما استند عليه الوزير مايك بومبيو في رسالته إلى الكونغرس لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ولفتت المصادر ذاتها إلى أن مجلس الشيوخ الأميركي يحتاج إلى تمرير مشروع قانون من الحزبين، بقيادة السيناتور كريس كونز الديمقراطي، الذي يمنح السودان حصانة من الدعاوى القضائية المستقبلية في الولايات المتحدة، ويعيد وضع السودان كدولة لا ترعى الإرهاب، كما ضغط بومبيو على أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين والديمقراطيين لدعم مشروع القانون، والتصويت عليه بحلول منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وبحسب موقع «أكسيوس» الأميركي، فقد قالت مصادر سودانية إن مسؤولين أميركيين وإماراتيين وسودانيين عقدوا اجتماعاً حاسماً في أبوظبي أمس (الاثنين)، بشأن اتفاق تطبيع محتمل بين السودان وإسرائيل، ولبّت الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة طلبات السودان للحصول على مساعدات اقتصادية. ومن الممكن أن يتم الإعلان قريباً عن اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، مماثلة لتلك التي تم توقيعها مع الإمارات والبحرين في غضون أيام.
ومثل السودان في اجتماع أبو ظبي أعضاء الفرعين المدنيين والعسكريين للحكومة، وبشكل رئيسي رئيس ديوان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ووزير العدل نصر الدين عبد الباري، وهو مواطن سوداني - أميركي.
وبحسب الموقع الأميركي، فقد أفادت مصادر سودانية بأن حكومة السودان ستطلب في الاجتماع مساعدة اقتصادية، مقابل صفقة تطبيع مع إسرائيل، قوامها أكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات الإنسانية، والمساعدات المباشرة للموازنة من أجل التعامل مع أزمته الاقتصادية، وتداعيات الفيضانات المدمرة.
كما أن الاتفاقيات قد تؤكد التزام الولايات المتحدة والإمارات بتقديم مساعدات اقتصادية للسودان على مدى السنوات الثلاث المقبلة. وقد أثيرت قضية التطبيع بين السودان وإسرائيل يوم الثلاثاء الماضي في اجتماع عقد في واشنطن، بين الرئيس بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، فيما تشجع إسرائيل إدارة ترمب على الالتزام بطلب السودان الحصول على مساعدات اقتصادية كجزء من أي صفقة تطبيع.
وبالإضافة إلى المساعدات الاقتصادية، تريد الحكومة السودانية من إدارة ترمب إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهذه القضية مرتبطة بشكل غير مباشر بصفقة التطبيع مع إسرائيل، ووفقاً لمسؤولين أميركيين، يؤيد بومبيو شطب السودان من القائمة، ويحدد نهاية أكتوبر (تشرين الأول) كموعد نهائي لهذه الخطوة، فيما يعتقد مسؤولون أميركيون أن اتفاقية التطبيع بين السودان وإسرائيل ستقنع الكونجرس بدعم مشروع القانون هذا.
وكان حمدوك مقتنعاً بأن التطبيع مع إسرائيل سيخدم مصالح السودان، ومنح البرهان الضوء الأخضر للمضي قدماً إذا تمت تلبية طلبات السودان للحصول على مساعدات اقتصادية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.