واشنطن تبدأ تنفيذ «العقوبات الأممية» على طهران

الإدارة الأميركية تعلن عقوبات على أكثر من 24 شخصاً وكياناً شاركوا في البرامج النووية والصاروخية

وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يصل إلى البرازيل أول من أمس (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يصل إلى البرازيل أول من أمس (رويترز)
TT

واشنطن تبدأ تنفيذ «العقوبات الأممية» على طهران

وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يصل إلى البرازيل أول من أمس (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يصل إلى البرازيل أول من أمس (رويترز)

أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترمب، إعادة كافة عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران، وفق آلية «سناب بك» المنصوص عليها في الاتفاق النووي، في محاولة لمنع رفع الحظر على إيران، محذرا من «عواقب» ما لم تلتزم الدول الأعضاء في الهيئة الدولية بتنفيذها.
ودخلت العقوبات الأممية حيز التنفيذ اعتبارا من مساء أول من أمس، وقال وزير الخارجية الأميركية في بيان «اليوم، ترحب الولايات المتحدة بعودة جميع عقوبات الأمم المتحدة تقريبا التي ألغيت في السابق على جمهورية إيران الإسلامية». وذلك استناداً على الإخطار الذي قدمته الولايات المتحدة الأميركية إلى رئيس مجلس الأمن في 20 أغسطس (آب) بالقرار التنفيذي رقم 2231.
وسيصدر البيت الأبيض أمرا تنفيذيا اليوم، يوضح كيفية إعادة فرض العقوبات»، ومن المتوقع أن تحدد وزارتا الخارجية والخزانة كيفية معاقبة الأفراد والشركات الأجنبية على الانتهاكات التي تتعامل مع إيران. ومن المفترض أن يعقد المبعوث الأميركي لفنزويلا وإيران إيليوت أبرامز مؤتمراً صحافياً يشرح حيثيات القرار.
وأفادت رويترز نقلا عن مسؤول أميركي كبير قوله إن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات اليوم على أكثر من 24 شخصا وكيانا شاركوا في البرامج النووية والصاروخية والأسلحة التقليدية الإيرانية.
وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم نشر اسمه إن إيران «يمكن أن تملك مواد انشطارية كافية لصنع سلاح نووي في نهاية العالم الحالي»، لافتا إلى أن إيران وكوريا الشمالية استأنفتا التعاون بشأن مشروع الصواريخ بعيدة المدى.
وقال المسؤول الأميركي إن ترمب سيصدر أمرا تنفيذيا يسمح لأميركا بفرض عقوبات على الأطراف غير الأميركية التي تتعامل في الأسلحة التقليدية مع إيران، وتقضي بحرمانهم من الوصول إلى الأسواق الأميركية.
واستند المسؤول الأميركي على «مجمل» المعلومات المتاحة للولايات المتحدة بما في ذلك من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، منوها أن «إيران تفعل كل ما في وسعها للبقاء على قدرة متكاملة في العودة إلى برنامج التسلح النووي في أي لحظة أرادت ذلك»، وقال «إيران تريد امتلاك أسلحة نووية ووسائل الوصول إليها رغم الاتفاق النووي».
ويعتبر البعض في الأوساط السياسية أن الرئيس ترمب يسعى لإظهار أوراق اعتماده كرجل دولة قوي قبل الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، إذ أكد مراراً وتكراراً أنه لن يسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي أو الحصول على الأسلحة، والتهديد أكثر من مرة باستخدام القوة ضد النظام الإيراني ومواصلة حملة الضغط القصوى ضد إيران.
ورُفعت العقوبات الأممية عام 2015 عندما وقعت إيران والدول الست في فيينا، الاتفاق الذي تعهدت بموجبه عدم السعي لامتلاك أسلحة نووية. إلا أن ترمب يعتبر هذا الاتفاق الذي أبرم في عهد سلفه باراك أوباما غير كافٍ، وانسحب منه عام 2018 معيدا فرض عقوبات اقتصادية قاسية ومشددة من بلاده على إيران.
وتصر الولايات المتحدة حاليا على أنها لا تزال شريكة في الاتفاق، ويحق لها بالتالي تفعيل آلية «سناب باك» لإعادة فرض العقوبات الأممية.
وتلقت واشنطن في منتصف أغسطس (آب) الماضي انتكاسة كبيرة في مجلس الأمن لدى محاولتها تمديد حظر الأسلحة على طهران الذي ينتهي في أكتوبر (تشرين الأول) طبقاً للاتفاق النووي. يضاف إلى ذلك، عدم تجاوب المجلس مع إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل شهر تفعيل آلية «سناب باك» لإعادة فرض العقوبات الدولية، وصولا إلى إعلانه الأخير أمس.
وكان بومبيو قد أكد في بيانه، أول من أمس، «إن الولايات المتحدة اتخذت هذا الإجراء الحاسم لأنه بالإضافة إلى فشل إيران في تنفيذ التزاماتها في الاتفاق النووي، فشل مجلس الأمن أيضاً في تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، والذي كان سارياً منذ 13 عاماً، وتماشيا مع حقوقنا بدأنا عملية «سناب باك» لاستعادة تقريبا جميع عقوبات الأمم المتحدة التي تم إنهاؤها سابقا بما في ذلك حظر الأسلحة، وسيكون العالم أكثر أماناً نتيجة لذلك».
وقال بومبيو: «تتوقع الولايات المتحدة من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الامتثال الكامل لالتزاماتها بتنفيذ هذه الإجراءات، وإذا أخفقت الأمم المتحدة والدول الأعضاء في الوفاء بالتزاماتها بتنفيذ هذه العقوبات، فإن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام سلطاتها المحلية لفرض عواقب على تلك الإخفاقات والتأكد من أن إيران لا تجني فوائد النشاط المحظور من قبل الأمم المتحدة».
وأكد بومبيو أن «هذا الإجراء أصبح سارياً المفعول، وعودة عقوبات الأمم المتحدة التي تم إنهاؤها سابقاً، وأن جميع أحكام قرارات مجلس الأمن بأرقام 1696، 1737، 1747، 1803 عادت إلى التفعيل بموجب عملية سناب باك، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة اتخذت هذا الإجراء الحاسم، استناداً على المبررات التالية؛ أولاً فشل إيران في تنفيذ التزاماتها في خطة العمل المشتركة الشاملة، ثانياً فشل مجلس الأمن في تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران والذي كان سارياً منذ 13 عاماً.
وأضاف: «لقد أدركت إدارة الرئيس ترمب دائماً أن أكبر تهديد للسلام في الشرق الأوسط يأتي من إيران، التي أدت جهودها العنيفة لنشر الثورة وإلى مقتل الآلاف وزعزعة حياة الملايين من الأبرياء».
وتابع بومبيو أن «التاريخ يظهر أن الاسترضاء يشجع مثل هذه الأنظمة. لذا فإن الولايات المتحدة ترحب اليوم بعودة جميع عقوبات الأمم المتحدة التي تم إنهاؤها سابقاً على إيران، الدولة الرائدة في العالم لرعاية الإرهاب ومعاداة السامية».
وتتوقع الولايات المتحدة بحسب بيان بومبيو من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الامتثال الكامل لالتزاماتها بتنفيذ هذه الإجراءات، بالإضافة إلى حظر الأسلحة، سيشمل ذلك قيوداً مثل حظر مشاركة إيران في الأنشطة المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة، وحظر اختبار الصواريخ الباليستية وتطويرها من قبل إيران، والعقوبات المفروضة على نقل التقنيات النووية والصاروخية إلى إيران من بين دول أخرى.



عملية تجسس كبرى: كيف جندت إيران إسرائيليين ضد دولتهم؟

صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات
صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات
TT

عملية تجسس كبرى: كيف جندت إيران إسرائيليين ضد دولتهم؟

صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات
صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات

أثار اعتقال إسرائيل لما يقارب 30 مواطناً، معظمهم يهود، للاشتباه بأنهم تجسسوا لصالح إيران ضمن تسع خلايا سرية، قلقاً داخل الدولة، ويعد أحد أكبر الجهود التي بذلتها طهران منذ عقود لاختراق خصمها الرئيس اللدود، وفقاً لأربعة مصادر أمنية إسرائيلية.

ومن بين الأهداف التي لم تتحقق للخلايا المزعومة كانت اغتيال عالم نووي إسرائيلي ومسؤولين عسكريين سابقين، وجمع معلومات عن قواعد عسكرية ودفاعات جوية، وفقاً لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت).

وذكر جهاز الأمن الداخلي، الذي يعرف أيضاً باسم الشاباك، والشرطة الأسبوع الماضي أن فريقاً مكوناً من أب وابنه نقل تفاصيل عن تحركات لقوات إسرائيلية، بما في ذلك في هضبة الجولان حيث يعيشان.

ونقلت وكالة «رويترز» عن المصادر الأربعة، التي تضم مسؤولين عسكريين وأمنيين حاليين وسابقين، أن الاعتقالات جاءت بعد جهود متكررة من عملاء استخبارات إيرانيين على مدى عامين لتجنيد إسرائيليين من المواطنين العاديين لجمع معلومات استخباراتية وتنفيذ هجمات مقابل المال.

وطلبت المصادر عدم الكشف عن أسمائها نظراً لحساسية الأمر.

وقال شالوم بن حنان وهو مسؤول كبير سابق في الشاباك «هناك ظاهرة كبيرة هنا»، في إشارة إلى ما أسماه العدد المفاجئ من المواطنين اليهود الذين وافقوا عن علم على العمل لصالح إيران ضد الدولة من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية أو التخطيط للتخريب والهجمات.

ولم يرد الشاباك ولا الشرطة الإسرائيلية على طلبات للتعليق. كما لم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على الأسئلة.

وفي بيان أرسل إلى وسائل إعلام بعد موجة الاعتقالات، لم تقدم بعثة إيران لدى الأمم المتحدة تأكيداً أو نفياً لسعي طهران إلى تجنيد إسرائيليين، وقالت إنه «من وجهة نظر منطقية» فإن أي جهود من هذا القبيل من جانب أجهزة الاستخبارات الإيرانية ستركز على أفراد غير إيرانيين وغير مسلمين لتقليل الشكوك.

وقالت الشرطة والشاباك إن اثنين على الأقل من المشتبه بهم ينتمون إلى مجتمع اليهود المتزمتين دينياً في إسرائيل.

موتي مامان المتهم بتجنيده من قبل إيران لتنفيذ مخطط اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي أو وزير الدفاع أو رئيس جهاز الأمن العام (رويترز)

الفئات المستهدفة

وعلى النقيض من عمليات تجسس إيرانية في العقود السابقة تمت من خلال تجنيد رجل أعمال بارز ووزير سابق في الحكومة فإن معظم الجواسيس المشتبه بهم الجدد أشخاص مهمشون في المجتمع الإسرائيلي، ومن بينهم مهاجرون وصلوا حديثاً وهارب من الجيش ومدان بجرائم جنسية، وفقاً للمصادر ولسجلات قضائية وتصريحات رسمية.

وقال جهاز الشاباك إن الكثير من نشاط هؤلاء المشتبه بهم كان يقتصر على نثر شعارات معادية لنتنياهو أو للحكومة على الجدران وإلحاق الضرر بسيارات.

القلق من التوقيت

ومع ذلك فإن حجم الاعتقالات وتورط مثل هذا العدد من اليهود الإسرائيليين بالإضافة إلى المواطنين العرب تسبب في حالة من القلق في إسرائيل وسط استمرار الحرب مع حركة «حماس» المدعومة من إيران في قطاع غزة وهشاشة اتفاق وقف إطلاق النار مع جماعة «حزب الله» في لبنان.

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) قال الشاباك إن أنشطة التجسس الإيرانية تعد «من أخطر الأنشطة التي شهدتها دولة إسرائيل».

كما جاءت الاعتقالات في أعقاب موجة من محاولات القتل والاختطاف التي تم الربط بينها وبين طهران في أوروبا والولايات المتحدة.

وقال بن حنان إن القرار غير المعتاد بتقديم تقارير علنية مفصلة عن المؤامرات المزعومة يشكل خطوة من جانب أجهزة الأمن الإسرائيلية لتحذير إيران وكذلك تحذير المخربين المحتملين داخل إسرائيل بأنه سيتم الوصول إليهم.

وقال «ينبغي تنبيه الجمهور. وينبغي أيضاً تقديم العبرة لمن قد يكون لديهم أيضاً نيات أو خطط للتعاون مع العدو».

صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لحرق سيارات من قِبل عملاء جندتهم إيران

نجاحات إسرائيل الاستخباراتية

وحققت إسرائيل نجاحات استخباراتية كبيرة على مدى السنوات القليلة الماضية في حرب ظل مع خصمتها الإقليمية، بما في ذلك قتل عالم نووي كبير. وقال مسؤول عسكري إنه مع الاعتقالات الأخيرة أحبطت إسرائيل «حتى الآن» جهود طهران للرد.

وتسببت الهجمات الإسرائيلية على جماعة «حزب الله» اللبنانية، وكيل إيران في لبنان، والإطاحة ذات الصلة بحليف طهران الرئيس السوري السابق بشار الأسد في إضعاف إيران.

أساليب التجنيد

قالت الشرطة الإسرائيلية في مقطع فيديو نُشر في نوفمبر (تشرين الثاني) إن وكالات الاستخبارات الإيرانية غالباً ما تجد مجندين محتملين على منصات التواصل الاجتماعي، محذرة من محاولات تسلل مستمرة.

وتكون جهود التجنيد مباشرة في بعض الأحيان. وتعد إحدى الرسائل المرسلة إلى مدني إسرائيلي والتي اطلعت عليها «رويترز» بتقديم مبلغ 15 ألف دولار مقابل الحصول على معلومات مع بريد إلكتروني ورقم هاتف للاتصال.

وقال أحد المصادر، وهو مسؤول كبير سابق عمل في جهود إسرائيل لمكافحة التجسس حتى عام 2007، إن إيران تتصل أيضاً بشبكات المغتربين من اليهود من دول القوقاز الذين يعيشون في كندا والولايات المتحدة.

وقالت السلطات الإسرائيلية علناً إن بعض المشتبه بهم اليهود هم في الأصل من دول القوقاز.

وقال المسؤول السابق إن الأفراد المجندين يتم تكليفهم أولاً بمهام تبدو غير ضارة مقابل المال، قبل مطالبتهم تدريجياً بمعلومات استخبارية محددة عن أهداف، بما في ذلك عن أفراد وبنية تحتية عسكرية حساسة، مدعومين في ذلك بتهديد بالابتزاز.

صورة نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية لفلاديسلاف فيكتورسون وصديقته آنا بيرنشتاين بعد توقيفهما

قضية فيكتورسون

وأُلقي القبض على أحد المشتبه بهم الإسرائيليين، فلاديسلاف فيكتورسون (30 عاماً)، في 14 أكتوبر مع صديقته البالغة من العمر 18 عاماً في مدينة رامات جان الإسرائيلية قرب تل أبيب. وكان قد سُجن في عام 2015 بتهمة ممارسة الجنس مع قاصرات لا تتجاوز أعمارهن 14 عاماً وفقاً للائحة اتهام للمحكمة منذ ذلك الوقت.

وقالت إحدى معارف فيكتورسون لـ«رويترز» إنه أخبرها أنه تحدث إلى إيرانيين باستخدام تطبيق «تلغرام» للتراسل. وقالت إن فيكتورسون كذب على المتعاملين معه بشأن تجربته العسكرية. ورفض أحد معارفه الكشف عن اسمه بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.

وقال إيجال دوتان محامي فيكتورسون لـ«رويترز» إنه يمثل المشتبه به مضيفاً أن الإجراءات القانونية ستستغرق وقتاً وأن موكله محتجز في ظروف صعبة. وأوضح دوتان أنه لا يمكنه الرد إلا على القضية الحالية، ولم يدافع عن فيكتورسون في محاكمات سابقة.

أنشطة التخريب

وقال جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) والشرطة إن فيكتورسون كان يعلم أنه يعمل لصالح المخابرات الإيرانية، ويقوم بمهام تشمل الكتابة على الجدران وإخفاء أموال وتوزيع منشورات وحرق سيارات في هياركون بارك بتل أبيب والتي تلقى مقابلها أكثر من 5000 دولار. وأظهرت التحقيقات أنه وافق لاحقاً على تنفيذ اغتيال لشخصية إسرائيلية، وإلقاء قنبلة يدوية على منزل، والسعي للحصول على بنادق قنص ومسدسات وقنابل يدوية.

وقالت الأجهزة الأمنية إنه جنّد صديقته التي كُلفت بتجنيد المشردين لتصوير المظاهرات.