وزير خارجية العراق: لا يمكن تحويل أرضنا إلى ساحة لمحاسبة الآخرين

فؤاد حسين قال لـ«الشرق الأوسط» إن بغداد «تسعى إلى أفضل العلاقات» مع الرياض... وانتقد انتهاكات تركيا لسيادة بلاده

وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال اجتماع بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الأربعاء (د.ب.أ)
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال اجتماع بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الأربعاء (د.ب.أ)
TT

وزير خارجية العراق: لا يمكن تحويل أرضنا إلى ساحة لمحاسبة الآخرين

وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال اجتماع بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الأربعاء (د.ب.أ)
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال اجتماع بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الأربعاء (د.ب.أ)

شكلت باريس المحطة الثالثة لجولة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الأوروبية، التقى خلالها بشكل رئيسي نظيره جان إيف لو دريان، ومسؤولين آخرين. وأهمية مجيء حسين إلى باريس أنها تمت بعد أقل من ثلاثة أسابيع من زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لبغداد، التي حمل إليها «مبادرة دعم السيادة العراقية»، وأبدى استعداد بلاده لمواكبة العراق في عملية إعادة الإعمار، وتوفير الدعم السياسي والدفاعي والأمني والاقتصادي ودفع العلاقات الثنائية إلى الأمام، ومحاولة إيجاد مخارج لمقاتلي «داعش» الذين يحملون الجنسية الفرنسية، أو الذين كانوا مقيمين على الأراضي الفرنسية، والذين هم في قبضة «قوات سوريا الديمقراطية».
وفي الحديث الذي خص به صحيفة «الشرق الأوسط»، عرض الوزير العراقي أهداف جولته الأوروبية، كاشفاً أنه طلب من البرلمان الأوروبي إرسال مراقبين للانتخابات النيابية التي يُفترض أن تجري في العراق في شهر يونيو (حزيران) المقبل، كما طلب من الاتحاد رفع اسم بلاده من لائحة الدول التي تمول الإرهاب، أو تتيح تبييض الأموال. وكشف فؤاد حسين أن من أهداف زيارته لباريس التحضير لزيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لفرنسا، مرجحاً أن تتم منتصف الشهر المقبل. وسيكون من بين المواضيع المطروحة طلب عراقي لشراء أسلحة فرنسية، وفق حاجات الجيش العراقي. وفي سياق آخر، أكد الوزير العراقي أن بلاده «لا تستطيع وحدها تحمل أعباء» عناصر تنظيم «داعش» المعتقلين. إن على الأراضي العراقية أو في قبضة «قوات سوريا الديمقراطية» في شرق سوريا، علماً بأن دولاً ترفض استعادة مواطنيها، وتريد بقاءهم حيث هم اليوم. وفي ملف العلاقات العراقية - السعودية، أكد الوزير حسين أن بغداد «تسعى إلى أفضل العلاقات» مع الرياض، التي وصفها بـ«المهمة»، مشيراً إلى أنه يخطط لزيارة السعودية قريباً، مضيفاً أن السعودية يمكن أن تساعد بلاده في كثير من القطاعات. أما فيما خص علاقات العراق بتركيا، فقد انتقد الوزير حسين انتهاكات تركيا للسيادة العراقية، إلا أنه أضاف أن بلاده «لا تريد الصدام مع تركيا»، وأنها تفضل الحوار شرط احترام سيادتها، مضيفاً أنه دعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لزيارة بغداد. وفي سياق متصل، أشار المسؤول العراقي إلى أنه «لا يمكن تحويل الأراضي العراقية ساحة لمحاسبة الآخرين ولحل مشاكل بلدانهم عليها»، لأن من شأن ذلك أن يفضي إلى «كارثة في المنطقة». وفيما يلي نص الحوار:
> قمتم بجولة أوروبية شملت برلين وبروكسل وباريس، وهي الأولى لكم بصفتك وزيراً للخارجية العراقية. ما الأهداف التي تسعون لتحقيقها؟ وكيف يمكن ترجمتها على أرض الواقع؟
- الأهداف الرئيسية على المستوى الثنائي تقوم على تقوية العلاقات مع الدول الأوروبية الثلاث، وبالنسبة لبروكسل تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي، والتشاور مع الحلف الأطلسي (الناتو). وكانت لدينا مناقشات مفيدة، وبعضها يتعلق بالاتفاقات الاقتصادية والتجارية، وطبعاً في العراق نحن بحاجة لمساعدات ودعم من الشركات الأوروبية. لذا نتجه إلى أوروبا، والغاية تقوية هذه العلاقات، بالإضافة إلى دراسة الوضعين السياسي والأمني؛ سواء في العراق أو في المنطقة، وكيفية التعامل مع هذا الوضع من الجانب الأوروبي. وبالنسبة لبلجيكا، إضافة إلى الاجتماع مع وزير خارجية بلجيكا، كان هناك اجتماع مع أمين عام الحلف الأطلسي ومع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، وأيضاً مع البرلمان الأوروبي. وبالنسبة للبرلمان، وجهنا إليه الدعوة لإرسال مراقبين لمراقبة العمليات الانتخابية في يونيو (حزيران) المقبل في العراق. ومع الاتحاد لدينا اتفاق تعاون وشراكة، وعلى هذا الأساس نعمل على ترجمته إلى أعمال ومشاريع ملموسة، وهناك لجان مختلفة في مجالات التجارة والطاقة وفي مجال حقوق الإنسان، وقد بدأت عملها لترجمة الاتفاق بين الطرفين إلى مبادرات وأعمال. أما في باريس وفي اجتماعنا مع وزير الخارجية تناولنا مواضيع متعددة؛ بعضها على علاقة بالوضع الإقليمي والعلاقات الثنائية ونتائج زيارة الرئيس ماكرون إلى بغداد، والتهيئة لزيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى باريس الشهر المقبل. وتناولت مع الوزير لو دريان التحديات الأمنية «في العراق»، ووضع «داعش» وقواته، ودور فرنسا بالإضافة إلى الوضع الإقليمي والعلاقات مع واشنطن. جميع هذه المسائل تم طرحها.
> هل من تاريخ محدد لمجيء الكاظمي إلى باريس؟
- الأرجح أن تحصل الزيارة أواسط أكتوبر (تشرين الأول). نحن نعمل على تحديد ذلك.
> الرئيس ماكرون كان في العراق، بداية الشهر الحالي، حيث أعلن عن مبادرة لـ«دعم السيادة العراقية». كيف يمكن فهم هذه المبادرة؟ وما الذي تعنيه؟ وقبل ماكرون، زاركم وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيان، ما يعكس رغبة فرنسية في بناء علاقات شاملة على جميع الصعد السياسية والأمنية والدفاعية والاقتصادية. هل هناك مشاريع محددة يمكن أن تعطي مضموناً عملياً لهذه الرغبة، وتكون مفيدة للعراق؟
- صحيح أن هناك رغبةً فرنسيةً في تعزيز العلاقات مع العراق تقابلها رغبة عراقية في تقوية العلاقات مع فرنسا. ثمة مشاريع اقتصادية تم طرحها وحظيت بموافقة مبدئية، بحيث تقوم الشركات الفرنسية بتنفيذ هذه المشاريع من أجل مساعدة العراق، وهي مشاريع تتناول البنى التحتية وأخرى خدمية وأخرى تتناول قطاع الطاقة والنفط، إضافة إلى المسائل الأمنية والعسكرية.
> بالنسبة لهذه المسائل، نعلم أن الفرنسيين ساهموا في تدريب القوات الخاصة العراقية في إطار التحالف الدولي، وثمة رغبة فرنسية في أن تعود باريس مورداً لحاجات العراق الدفاعية. كيف تنظرون لهذا التوجه وهل لديكم رغبة في ذلك؟
- طبعاً، كان لفرنسا دور مهم في المشاركة في الحرب على «داعش» في إطار التحالف الدولي؛ أكان ذلك على مستوى السلاح الجوي أو القوات الفرنسية الخاصة أو السلاح المدفعي... يُضاف إلى ذلك أن القوات الفرنسية ساهمت في تدريب القوات العراقية الخاصة «المتخصصة في محاربة الإرهاب».
> ولكن ماذا عن التعاون الدفاعي وتوريد السلاح الفرنسي إلى العراق؟ وهل لديكم رغبة في تنويع مصادر السلاح الذي تسعون للحصول عليه؟
- العراق يحتاج إلى قوة عسكرية ذات معنى بالنسبة لوضعنا العسكري والحاجة للاستمرار في محاربة «داعش». نحن تتوافر لدينا اليوم الخبرات في هذا المجال، ولكن القوة العسكرية والسلاح العراقي ونوعية الإعداد والتدريب ليست كافية. لهذا، وزارة الدفاع والقوات العسكرية بحاجة إلى التدريب والإعداد، وللسلاح أيضاً. لذا، فإن مسألة تنويع مصادر السلاح استراتيجية وحساسة، ويجب أن تكون موضع دراسة، ولكن من المعلوم أن السلاح الفرنسي كان موجوداً بكثافة لدى القوات المسلحة العراقية، ولا أستغرب أن يكون هناك طلب من الجانب العراقي، ولكنها من مسؤولية وزارة الدفاع العراقية.
> الفرنسيون لديهم مشكلة مصير المتشددين الذين يحملون الجنسية الفرنسية والموجودين راهناً بأيدي «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية. وهناك رغبة فرنسية في أن يقبل العراق تسلُّم بعضهم على الأقل ومحاكمتهم لديكم، كما حصل في الماضي، حيث نُقِل 13 متشدداً وتمت محاكمتهم وصدرت أحكام بحقهم. هل اليوم أنتم على استعداد لقبول الطلب الفرنسي؟ وهل تمت مناقشة هذا الملف مع نظيركم الفرنسي؟
- هذه المشكلة نواجهها نحن وتواجهها دول عديدة؛ إذ من المعلوم أن أفراداً من جنسيات مختلفة كانوا في صفوف «داعش» (52 جنسية) ما عدا العراقيين والسوريين. وهذا يعني أن تنظيم «داعش» كان عالمياً، وبالنتيجة هناك العديد من هؤلاء معتقلون في السجون العراقية أو السورية. ثم هناك مخيمات تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» توجَد فيها عوائل أو أفراد من «داعش»، وأيضاً من قيادات هذا التنظيم. إذن، هذه المسألة قائمة وموجودة.
هذه ملاحظة أولى، والثانية أن هذه المسألة أصبحت معقدة لأنها تتعلق بالنظم القانونية؛ سواء في العراق أو سوريا أو الدول التي أتى منها هؤلاء. وفي العرف القانوني، يُحاسب المجرم الذي ارتكب جرماً في المكان الذي حصل فيه الجرم، وكثير من هؤلاء ارتكبوا جرائمهم على الأراضي العراقية أو كانوا جزءاً وأفراداً من منظمة كانت موجودة في العراق، ولو كانوا نشطاء في سوريا. لهذا، فإن القانون العراقي قابل لمحاسبة هؤلاء.
> ولكن هل أنتم راغبون في أن تتسلموا هؤلاء، وأن تحاكموهم أمام محاكمكم، وأن تنفذوا فيهم الأحكام التي قد تصدر؟
- أعتبر أن هذه المسألة يجب أن تُناقش مع الدول المعنية لنصل إلى فهم مشترك. وهناك مسألة معقدة أخرى؛ أن ثمة أفراداً من النساء أو عناصر نسائية أو رجالية جاءت إلى مناطق «داعش»، وحاربت إلى جانبه. وقد حصلت مزاوجات متنوعة، ووُلِد منها أطفال. والسؤال: كيف نتعامل قانونياً مع الأطفال؟ وما مسؤولية الدول التي جاء منها الدواعش؛ ليس فقط المسؤولية القانونية، ولكن أيضاً المسؤولية السياسية والمالية والقضائية... ونحن نرى أن مختلف هذه الأسئلة تحتاج إلى اجتماعات مكثفة لنصل إلى نتائج مشتركة. والعراق لا يستطيع أن يتحمل وحده عبء هذه المسائل. العراق كان ضحية رغم أن كثيرين من الدواعش كانوا عراقيين أو سوريين ولكن كثيرين جاءوا من خارج هاتين الدولتين.
> ما اليوم أفق العلاقات العراقية - السعودية؟ وزير الخارجية السعودي كان في بغداد مؤخراً. هل ثمة تخطيط لزيارة الرياض؟ هل هناك زيارات يخطط لها على المستويات العليا؟ وباختصار، ما رغبة العراق راهناً بالنسبة للعلاقات مع المملكة السعودية؟
- أود أن أؤكد أن سياستنا الخارجية تستند أولاً على بناء علاقات جيدة، مع جميع دول الجوار والسعودية دولة جارة، كما أنها دولة مهمة، وهي دولة نفطية وعضو منظمة «أوبك». يُضاف إلى ذلك أن بيننا وبين السعودية، فضلاً عن التجاور الجغرافي، علاقات تاريخية معطوفة على البعدين الديني واللغوي.
نحن نعتبر أن علاقاتنا مع السعودية مهمة بالنسبة للعراق، ونحن نحتاج لعلاقات جيدة، ونحن بصدد بنائها. وأنا شكرت زميلي وزير الخارجية السعودي سمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود لدى مجيئه إلى بغداد، وطبعاً لدينا العزم لزيارة الرياض. لكن العلاقات لا تستند فقط إلى الزيارات، بل تقوم أيضاً على بناء العلاقات التجارية والاقتصادية وبناء شبكة مصالح متبادلة. وحينما تتشابك المصالح تبدأ العلاقات بأخذ وجهها الصحيح والصحي، ونحن بصدد بنائها، ونحن نعي أن السعودية تستطيع مساعدتنا في مختلف المجالات. الشركات السعودية خصوصاً تلك التي تنتج البتروكيماويات تستطيع مساعدتنا. والرأسمال السعودي يمكن أن يستثمر في العراق سواء في المجال الزراعي خاصة في الجنوب أو المناطق الأخرى الخصبة.
> لكن ماذا عن المستوى السياسي؟
- نحن نسعى إلى أفضل العلاقات، وأود أن أنوه بالدور الرئيسي الذي تلعبه السعودية في القطاع النفطي؛ كونها الدولة الأولى لجهة الإنتاج النفطي ودورها مؤثر في منظمة «أوبك». أما الدولة الثانية، فهي العراق، ولذا نحن نحتاج لتنسيق كامل وشامل مع السعودية في القطاع النفطي، وأيضاً في المجالات المختلفة بما في ذلك المسائل الأمنية والحدودية. وخلاصتي أننا بحاجة إلى هذه العلاقات الجيدة مع السعودية، ونحن نعمل على بنائها.
> لديكم كما هو واضح مشاكل مع تركيا، وبرز ذلك من خلال استدعائكم ثلاث مرات السفير التركي في بغداد لوزارة الخارجية، من أجل تسجيل الاحتجاج على ما تقوم به تركيا. ما أساس المشكلة مع تركيا وكيف تعملون على إيجاد حلول لها؟ ما المطلوب تركياً، ولماذا لا تحترم تركيا السيادة العراقية؟
- الجانب التركي يبرر تدخلاته بنشاطات «حزب العمال الكردستاني».
> هل هذا مبرَّر من وجهة نظركم؟
- نشاطات حزب العمال الكردستاني لسنا نحن من أوجدها، ولسنا مِن داعميها. هذا الحزب دخل الجبال العراقية في عام 1991، والجيش التركي حاول منذ ذلك العام وحتى اليوم محاربة هذا الحزب في الجبال العراقية. ونحن نفهم الهاجس الأمني التركي، ولكن من الصعب فهم العمليات العسكرية التركية؛ حينما تقود عمليات عسكرية كبيرة، وتدخل إلى الأراضي العراقية وتهاجم أحياناً القرى المدنية، وتم قتل ضابطين كبيرين من قوات الحدود العراقية. رغم ذلك، نحن نتطلع إلى حوار مع تركيا، لأننا لا يمكننا أن ندخل في صدام مع تركيا. نحتاج لحوار ولكن على أساس فهم الآخر وعلى أساس الوصول إلى نتائج ملموسة، وإحدى النقاط الأساسية احترام سيادة الآخر وسيادة العراق وعدم التدخل في الشؤون العراقية، ومسألة حزب العمال الكردستاني يتعين أن تُحلّ بشكل آخر. وبأي حال، نحن مستعدون لبدء الحوار مع تركيا.
> يبدو أن هناك دعوة وُجّهت للسيد الكاظمي لزيارة أنقرة؟
- نعم. هذه الدعوة موجودة، ونحن بصدد تهيئة الأجواء، وسأدعو وزير الخارجية التركي إلى بغداد لنتشاور حول هذه المسائل كلها.
> في بروكسل، وفي كلام للصحافة قلتم ما يلي: نطلب من دول الجوار أن تحترم سيادة العراق وعدم التدخل بشؤونه... هل هذا ممكن في ظل الكباش الأميركي - الإيراني، مع زيادة الضغوط على طهران وتصاعدها قبل الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟
- كثيرون من الناس يقولون كيف بالإمكان حماية السيادة العراقية، والآن هناك تدخل عسكري على أراضيه... كيف يمكن ذلك والصراع الأميركي - الإيراني يرتهن الوضع الداخلي العراقي؟ هذا صحيح. لكن نحن نثبت المبدأ، ونعمل على أساسه. ليس صحيحاً وصحياً التدخل في شؤون العراق الداخلية من قبل دول الجوار، لأنه بالنتيجة سوف يؤدي إلى كارثة في المنطقة، وسوف يكون هناك فعل ورد فعل وردّ الفعل لن يكون من قِبَلنا، ولكن من قبل الآخرين. لا يمكن تحويل الأراضي العراقية لمحاسبة الآخرين ولحل مشاكل بلدانهم على الأراضي العراقية؛ سواء كانت هذه الدول بعيدة عن العراق أو من جيران العراق.
> اتفقنا على المبدأ. ولكن عملياً هل الأمور تجري في هذا الاتجاه؟
- نحن ليس لدينا قوات عسكرية لنواجه هذه المسائل، ولا نؤمن بحلها من خلال القوة العسكرية. نحن نلجأ إلى القوة الناعمة في العلاقات الدولية، ونعتمد على الدبلوماسية، كما نتوجه إلى الرأي العام عبر الإعلام، ونحاول عن طريق بناء العلاقات والتركيز على شرح المواقف على اختلافها لأصدقائنا، وهم كثيرون عبر العالم. إذن، لدينا وسائل أخرى للدفاع عن النفس «غير الوسائل العسكرية»، ونتقدم في هذا الاتجاه، وهناك عطف كبير وتفهم لمواقف العراق. وأعتقد أن هذا العطف يمكن أن يتحول إلى قرارات سياسية وضغوط على هذه الدول، وبالنتيجة لدينا وسائل أخرى للعمل.
> فهمنا أنكم في بروكسل طلبتم من جوزيب بوريل، وزير الخارجية الأوروبي، سحب اسم العراق من لائحة الدول الممولة للإرهاب، أو التي تتساهل مع تبييض الأموال. هل استجيب لطلبكم؟ هل لقيتم تفهماً أم أعطيتم وعوداً بذلك؟
- وضع العراق على هذه قائمة تمويل الإرهاب، بنظرنا، شيء غريب. أنا أثرت الموضوع مع الوزراء الذين التقيتهم «في هذه الجولة»، خصوصاً مع وزير خارجية ألمانيا الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي، ومع جوزيب بوريل، إضافة إلى أنني راسلت جميع الوزراء الأوروبيين بشأن هذا الملف. وقد قدموا لي وعوداً بذلك، إلا أنهم أثاروا مسألة فنية تتعلق بالبنك المركزي العراقي. وسيكون هناك عمل من أجل إغلاق هذا الملف.
> هل لديكم اليوم رؤية واضحة لطبيعة ومستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق علماً بأن الرئيس الأميركي يريد سحب قواته من بلادكم التي تراجعت أعدادها إلى 3000 جندي كما فهمنا؟
- الوجود العسكري الأميركي يستند إلى حاجات العراق الأمنية والعسكرية، وبالتشاور بيننا وبين الجانب الأميركي يتم تحديد طبيعة العمل بالنسبة لهذه المسألة. ولكن أود أن أشير إلى أننا نأخذ بعين الاعتبار واقع المجتمع العراقي وقرار البرلمان العراقي «الذي طالب بانسحاب القوات الأميركية». وأعتقد أن اللجنة الفنية «المشتركة» سيكون لها أن تحدد أولاً الحاجات العراقية العسكرية والأمنية، وثانياً تحدد العمل المشترك، ولكن سيكون هناك عمل مشترك بشكل آخر. ففي المستقبل، وبعد انتهاء العمليات ضد «داعش» الذي ما زال يشكل خطراً على العراق، سوف تتخذ العلاقات العسكرية والأمنية مع القوات الأميركية شكلاً آخر.



الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)

فيما تواصل الجماعة الحوثية تجاهل الدعوات الدولية المطالِبة بوقف ملاحقة موظفي المنظمات الدولية والإغاثية، كشفت مصادر قضائية عن استعداد الجماعة لإحالة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة والعاملين لدى منظمات إغاثية دولية ومحلية، إضافة إلى أفراد من بعثات دبلوماسية، إلى المحاكمة أمام محكمة متخصصة بقضايا «الإرهاب».

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان محامٍ يمني بارز، تولّى منذ سنوات الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على استمرار اعتقاله ووضعه في زنزانة انفرادية منذ 3 أشهر، وفق ما أفاد به أفراد من أسرته.

وقالت المصادر القضائية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة بدأت فعلياً بمحاكمة 3 دفعات من المعتقلين، أُصدرت بحقهم حتى الآن أحكام إعدام بحق 17 شخصاً، في قضايا تتعلق باتهامات «التجسس» والتعاون مع أطراف خارجية. وأوضحت أن التحضيرات جارية لإحالة دفعة رابعة، تضم موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني، إلى المحاكمة خلال الفترة المقبلة.

العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية مهددون بأوامر الإعدام الحوثية (إعلام محلي)

وبحسب المصادر نفسها، فإن الحوثيين نقلوا العشرات من المعلمين والنشطاء في محافظة إب إلى العاصمة صنعاء، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لمحاكمتهم، بعد أشهر من اعتقالهم. وأكدت أن جهاز مخابرات الشرطة، الذي يقوده علي الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بدأ بنقل أكثر من 100 معتقل من إب إلى صنعاء، عقب فترات تحقيق مطوّلة داخل سجن المخابرات في المحافظة.

وأشارت إلى أن المعتقلين حُرموا من توكيل محامين للدفاع عنهم، كما مُنعت أسرهم من زيارتهم أو التواصل معهم، رغم مرور أكثر من 6 أشهر على اعتقال بعضهم، في مخالفة صريحة لأبسط ضمانات العدالة والإجراءات القانونية.

دور أمني إيراني

وفق ما أفادت به المصادر في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، فإن خبراء أمن إيرانيين تولّوا الإشراف على حملات الاعتقال الواسعة، التي انطلقت بذريعة منع الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962، التي أطاحت بحكم أسلاف الحوثيين في شمال اليمن. وانتهت تلك الحملات باعتقال العشرات بتهم «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وأضافت أن إحكام القبضة الإيرانية على ملف المخابرات لدى الحوثيين، جاء في إطار احتواء الصراعات بين الأجهزة الأمنية المتعددة التابعة للجماعة، إلى جانب الإشراف على خطط تأمين قياداتها السياسية والعسكرية.

غير أن هذا الترتيب، بحسب المصادر، أدى إلى إغلاق معظم قنوات الوساطة القبلية التي كانت تُستخدم سابقاً للإفراج عن بعض المعتقلين، مقابل دفع فِدى مالية كبيرة وتقديم ضمانات اجتماعية بحسن السيرة.

إضراب محامي المعتقلين

في سياق هذه التطورات القمعية الحوثية، أعلن المحامي اليمني المعروف عبد المجيد صبرة، الذي تولّى الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، إضراباً عاماً عن الطعام، احتجاجاً على استمرار احتجازه منذ نهاية سبتمبر الماضي. ونقل شقيقه وليد صبرة، في نداء استغاثة، أنه تلقى اتصالاً مقتضباً من شقيقه أبلغه فيه ببدء الإضراب، وبأن إدارة سجن المخابرات أعادته إلى الزنزانة الانفرادية.

دفاع صبرة عن المعتقلين أغضب الحوثيين فاعتقلوه (إعلام محلي)

وأوضح وليد صبرة أن سبب اعتقال شقيقه يعود إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي احتفى فيه بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر، مؤكداً أن الأسرة لا تعلم شيئاً عن وضعه الصحي، وأن طلباتهم المتكررة لزيارته قوبلت بالرفض. وتساءل عن مصير الفريق القانوني الذي كلفته نقابة المحامين بمتابعة القضية، وما إذا كان قد تمكّن من معرفة مكان احتجازه أو الجهة المسؤولة عنه.

وأثار إعلان الإضراب موجة تضامن واسعة، حيث عبّر عشرات الكتّاب والنشطاء عن دعمهم للمحامي صبرة، مطالبين بالإفراج الفوري عنه، وضمان حقه في الزيارة والرعاية الطبية.

كما ناشدوا نقابة المحامين، واتحاد المحامين اليمنيين والعرب، ومنظمات حقوق الإنسان، التدخل العاجل لحماية حياته، باعتباره أحد أبرز المدافعين عن الحريات والحقوق، وعن الصحافة والصحافيين، وعن المعتقلين والمختفين قسرياً، والمحكوم عليهم بالإعدام في مناطق سيطرة الحوثيين.


العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
TT

العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على أن الاستقرار السياسي يُعد شرطاً أساسياً لنجاح أي إصلاحات اقتصادية، في ظل تداعيات قرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، مشيداً في الوقت ذاته بجهود تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات لخفض التصعيد، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظات شرق البلاد.

جاءت تصريحات العليمي، الأحد، خلال اتصال أجراه بمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، للاطلاع على المستجدات الاقتصادية والنقدية، والتداعيات المحتملة لقرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، على خلفية الإجراءات الأحادية التي شهدتها المحافظات الشرقية في الأيام الماضية.

ونقل الإعلام الرسمي اليمني عن مصدر رئاسي أن العليمي استمع إلى إحاطة من محافظ البنك المركزي حول مستوى تنفيذ قرارات مجلس القيادة، وتوصياته الهادفة لمعالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل الإيرادات العامة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، إضافة إلى عرض للمؤشرات المالية والنقدية، والجهود المطلوبة لاحتواء تداعيات القرار الدولي على استقرار سعر الصرف، وتدفق الوقود والسلع، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأضاف المصدر أن الاتصال تطرق إلى تقييم شامل للأوضاع الاقتصادية الراهنة، وما يفرضه تعليق أنشطة صندوق النقد من تحديات تتطلب تنسيقاً حكومياً عاجلاً للحفاظ على الاستقرار سواء المالي أو النقدي، وضمان استمرار التزامات الدولة تجاه المواطنين.

وكانت مصادر يمنية رسمية ذكرت أن صندوق النقد الدولي قد أعلن تعليق أنشطته في اليمن، عقب التوتر الأمني في حضرموت والمهرة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي أثار مخاوف من انعكاسات اقتصادية محتملة، في وقت تعتمد فيه الحكومة اليمنية على الدعم الخارجي والمؤسسات الدولية في تنفيذ برامج الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية.

إشادة بمساعي التهدئة

أفاد المصدر الرئاسي اليمني - حسب ما نقلته وكالة «سبأ» بأن العليمي أشاد بالمساعي التي يبذلها تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة، مثمناً دعم الرياض للموازنة العامة، وتعزيز صمود مؤسسات الدولة، واستمرار الوفاء بالالتزامات الحتمية تجاه المواطنين.

جنود تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن يحرسون مدخل القصر الرئاسي (رويترز)

وأشار المصدر إلى أن العليمي عدّ إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن بمثابة «جرس إنذار»، يؤكد ارتباط الاستقرار الاقتصادي بالاستقرار السياسي، ويبرز أهمية توحيد الجهود لتفادي انعكاسات سلبية على الوضعين المالي والمعيشي.

كما جدّد رئيس مجلس القيادة التأكيد على أن الانسحاب الفوري للقوات الوافدة كافة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة يُمثل الخيار الوحيد لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، واستعادة مسار النمو والتعافي، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين والمؤسسات الدولية.

توحيد الجهود

يأتي اتصال العليمي بمحافظ البنك المركزي عقب لقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي (رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي) في العاصمة المؤقتة عدن بقيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية، برئاسة اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي.

وكان اللقاء ناقش - حسب الإعلام الرسمي اليمني - سُبل توحيد الجهود في مواجهة المخاطر التي تهدد أمن المنطقة والإقليم، وتمس المصالح الدولية، وتهدد حرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، والتنسيق مع الشركاء الدوليين لوقف تهريب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.

اجتماع وفد عسكري سعودي إماراتي في عدن مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (سبأ)

وأكد الزُّبيدي خلال اللقاء عمق ومتانة العلاقات الأخوية مع دول التحالف، مثمناً الدور الذي تقوم به في دعم القوات المسلحة، ومواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

وعقب هذا اللقاء كانت القيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي عقدت اجتماعها الدوري برئاسة الزبيدي، واستعرضت نتائج اللقاء مع قيادة القوات المشتركة للتحالف، وما خرج به من تفاهمات لتعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتأمين خطوط الملاحة وحماية الأمن البحري، إضافة إلى الأوضاع في وادي حضرموت والمهرة، والجهود المبذولة لتطبيع الأوضاع، وحفظ السكينة العامة.


«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

أغلقت الجماعة الحوثية خلال الشهر الماضي 98 منشأة ومتجراً متنوعاً في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في سياق تصعيدها لحملات الدهم والإغلاق وفرض الإتاوات التي تستهدف كبار التجار وأصحاب المتاجر الصغيرة على حد سواء، لإرغامهم على دفع جبايات مالية وعينية تحت مسميات متعددة، تُفاقم من هشاشة الاقتصاد المحلي، وتزيد من معاناة السكان.

وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن تنفيذ نحو 40 لجنة ميدانية تتبع ما يُسمى مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للجماعة الحوثية في صنعاء، عدة نزولات خلال 4 أسابيع، استهدفت بالدهم والإغلاق وفرض الإتاوات ما يقارب 683 منشأة تجارية في أحياء متفرقة من صنعاء، شملت أسواقاً مركزية، ومحال بيع بالتجزئة، ومطاعم ومخازن.

وأقرّ تقرير أولي صادر عن مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين بأن القائمين على الحملة أغلقوا خلال 30 يوماً نحو 98 منشأة ومتجراً، وأصدروا 227 تعميماً، ونحو 110 إشعارات حضور، وأحالوا 55 مخالفة إلى النيابة التابعة للجماعة، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات إدارية وغرامات مالية بحق 190 منشأة بزعم ارتكاب مخالفات.

عناصر حوثيون خلال دهم أحد المتاجر في صنعاء (فيسبوك)

ويزعم الحوثيون أن حملاتهم تهدف إلى ضبط الأسعار، ومكافحة الغش التجاري والاحتكار، والتصدي لمواد مخالفة للمواصفات أو منتهية الصلاحية، ونقص الأوزان، ورفض التفتيش، وغيرها من المبررات التي يرى التجار أنها تُستخدم غطاءً لابتزازهم وجباية الأموال بالقوة.

مضايقات متكررة

واشتكى تجار في صنعاء، تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من تكرار المضايقات الحوثية بحقهم، مؤكدين أن الجماعة تواصل شن حملات واسعة لجمع إتاوات نقدية وعينية تحت تسميات عدة، أبرزها تمويل ما تُسمى الوقفات المسلحة، وحملات التعبئة والتجنيد الإجباري، ودورات «طوفان الأقصى» العسكرية، تحت مزاعم الاستعداد لما تصفه بمعارك مرتقبة مع إسرائيل وأميركا.

وأكد تجار أن فرض مزيد من الجبايات يتزامن مع تراجع حاد في النشاط التجاري وكساد البضائع وارتفاع النفقات التشغيلية، ما يجعل كثيراً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة مهددة بالإفلاس أو الإغلاق القسري، في ظل غياب أي حماية قانونية أو بيئة أعمال مستقرة.

جرافة حوثية تعتدي على باعة أرصفة بالقرب من متاجر في صنعاء (إعلام حوثي)

ويقول «خالد» (اسم مستعار)، وهو تاجر مواد غذائية في حي السنينة بمديرية معين، إن عناصر حوثية مسنودة بعربات أمنية اقتحمت متجره، وأرغمته على دفع 10 آلاف ريال يمني (الدولار نحو 535 ريالاً) بحجة الإسهام في تمويل أنشطة الجماعة الحالية لاستقطاب وتجنيد مقاتلين جدد. ويوضح أن المبالغ المفروضة تُحدد تقديرياً بناءً على حجم البضائع، دون أي معايير قانونية واضحة.

من جهته، يؤكد صاحب متجر صغير في حي شميلة بمديرية السبعين، لـ«الشرق الأوسط»، تكثيف مسلحي الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة من استهداف التجار وصغار الباعة في سوق شميلة المركزية، لإجبارهم على دفع إتاوات غير قانونية.

ويشير إلى أن متجره تعرّض للدهم منتصف الشهر الماضي، وأُجبر بالقوة على دفع مبلغ مالي بزعم وجود مخالفات سابقة، قبل أن يصادر المسلحون أصنافاً غذائية من متجره نتيجة عجزه عن السداد، بذريعة دعم المقاتلين في الجبهات.

تدهور اقتصادي

تأتي هذه التطورات في وقت كشف فيه تقرير دولي حديث عن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في ظل تصاعد حملات الجباية التي تستهدف الأنشطة التجارية، ما يُعمِّق أزمة انعدام الأمن الغذائي ويقلّص قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.

حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

ووفقاً لتقرير صادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الاقتصاد في مناطق سيطرة الجماعة يواصل التراجع بوتيرة عالية، بفعل الحملات المتكررة التي تطول المطاعم والمتاجر والفنادق وبقية القطاعات، ولا تقتصر على فرض رسوم إضافية فحسب، بل تشمل تشديد القيود التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق عدد من المنشآت الصغيرة.

وحذّر التقرير من أن استمرار هذا النهج سيُضعف قدرة الأسر على الحصول على الغذاء حتى بالتقسيط، الذي شكّل خلال السنوات الماضية ملاذاً أخيراً لمواجهة الضائقة المعيشية، متوقعاً زيادة حدة انعدام الأمن الغذائي في ظل استمرار الجبايات وتراجع المساعدات الإنسانية أو توقفها.