المخرجة ليليان البستاني: الوقت مبكر لتقديم أعمال تتناول انفجار بيروت

قالت المخرجة اللبنانية ليليان البستاني، أن الوقت لا يزال باكرا للقيام بعمل درامي أو سينمائي يتناول كارثة انفجار بيروت. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أمور كثيرة لم تتكشف بعد حول هذه الكارثة، كما أن دماء الضحايا لم تبرد بعد كي ننطلق بأعمال من هذا النوع. ولذلك أنا شخصيا أفضل عدم تناول هذا الموضوع حاليا».
ومن ناحية ثانية ترى البستاني أن أعمال الدراما المعروفة بالحقبية «ايبوك» تكمن فيها صعوبات وتحديات لا نجدها في أعمال أخرى. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «المواضيع الدرامية التي تتعلق بحقبة زمنية معينة يلزمها الكثير من الإكسسوارات والتفاصيل الصغيرة لتبدو حقيقية. هذا النوع من المسلسلات يستقطب عادة شريحة لا يستهان بها من المشاهدين لأنها تعيدهم إلى زمن جميل يحنون إليه.
كما أن الشباب يحبون استكشافها لأنها تعطيهم فكرة عن الحياة التي كان يعيشها أجدادهم في هذه الحقبة أو تلك».
حاليا يجري عرض مسلسل «غربة» على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال (إل بي سي آي) وهو من إخراجها وإنتاج شركتها «أفكار برودوكشن».
يتألف العمل من نحو 32 حلقة كتبتها ماغي قاعي وتدور أحداث المسلسل ما بين أعوام 1956 و1960. يلعب بطولة العمل فرح بيطار وكارلوس عازار إضافة إلى باقة من الممثلين اللبنانيين. ويحكي «غربة» قصة رومانسية بطلتها الفتاة (حلى) التي تتحدى أهلها في بيئتها القروية لتلحق بحب حياتها (مروان) الذي يجسد شخصيته كارلوس عازار.
وتعلق ليليان البستاني في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «المسلسل مشوق ويتضمن أحداثا متسارعة. أما متعة متابعته فتكمن بالزمن الذي يدور فيه والإكسسوارات والأزياء التي تحيط بفريق تمثيله وأجوائه ككل». وعن الميزة التي تحملها الدراما الحقبية (epoque) تقول: «هذا النوع من الأعمال يتطلب من مخرجه البحث في تفاصيل عديدة ليأخذ فكرة واضحة عما كانت تتألف منها تلك الحقبة. وكان علي التنبه لأمور كثيرة كي لا أقع في الخطأ وأقترف أغلاطا سبق ووقع فيها غيري في أعمال أخرى.
من هنا كان علي إجراء مسح شامل على الأزياء الرائجة في الخمسينات والستينات. وهي مهمة أوكلتها إلى المصمم اللبناني ماجد بو طانيوس. فيما موضوع السيارات والإكسسوارات أجريت بحثا عنها واستطعت الحصول عليها بواسطة شركتي الإنتاجية. فعندما لا تبخل الشركة في تأمين هذه الأمور مهما بلغ سعرها تصبح المهمة أسهل للمخرج ويشعر أنه في أمان وبعيد عن الوقوع في الخطأ».
وتجد البستاني أن التحديات التي يحملها هذا النوع من الأعمال تحفز مخرجها لتقديم الأفضل. وتقول: «يصبح الشغل الشاغل لدى المخرج هو اكتمال المشهدية كما يتخيلها تماما مع كل الصعوبات التي تعتريها. فالمسؤولية تكون كبيرة وعلى المخرج أن يكون على قدرها فيبذل جهده لإنجاحها كما في أي عمل درامي آخر».
لم تتكل المخرجة البستاني فقط على محتوى النص كي تدير كاميرتها على أساسه وتقول: «لقد كنت أتأكد من كل شاردة وواردة تتخلل النص وأعود إلى كتب تاريخية وأربطها بحيثيات النص. فهناك مراجع كثيرة في هذا الإطار يجب الاطلاع عليها. فكنت أدقق بتصميم رقم السيارة في تلك الحقبة وكذلك بأسلوب الإضاءة والعيش وجهاز التليفون الأسود وما إلى هنالك من أمور تضفي على القصة طابع الواقع».
وبما أن عملية إنتاج العمل تعود إلى شركتها الخاصة «أفكار برودكشن» استطاعت ليليان البستاني أن تتعامل بسخاء مع العمل. «لقد صممنا بين 50 و60 زياً نسائياً ورجالياً لكل ممثل ونسقنا معها القبعات والأحذية والحلى والقفازات المطلوبة. أما موضوع القصة فدأبت على تقديمها بشكل يلائم الحقبة التي تدور فيها. فلو نقلناها إلى عصرنا الحديث لما كانت ستلائم مجتمعنا اليوم».
وتؤكد المخرجة التي سبق ووقعت أعمالا درامية عديدة بينها «مالح يا بحر» و«جنى العمر» و«صمت الحب» وغيرها بأن عملية الكاستينغ كانت موفقة للمسلسل. وتقول في هذا الصدد: «لقد وقع اختيارنا على الممثلة فرح بيطار لتلعب دور البطولة. فهي ممثلة قديرة لم يسبق أن أعطيت الفرصة المطلوبة للعب بطولة مطلقة. وإضافة إلى ذلك فإن فرح بيطار تلائم عمر الفتاة بطلة القصة فهي صغيرة السن ولا تزال تتمتع بملامح الفتاة البريئة بعيدا عن مبضع التجميل. كل ذلك أسهم في اختيارها للدور وقد نجحت في هذا التحدي وأتمنى أن تعجب المشاهد».
وعن رأيها بموجة أعمال الدراما البوليسية التي طبعت مسلسلات رمضانية وغيرها في الفترة الأخيرة تقول: «لا يمكننا أن نحجم قدراتنا في نوع دراما معينة. فالأعمال التشويقية مطلوبة تماما كالرومانسية. العمل الجيد والناجح لا يمكن تقييده بخانة معينة والأهم هو تأمين عناصره مكتملة». وتتابع: «الساحة تتسع للجميع والتحدي الذي نحمله في «غربة» لا يقتصر على كونه رومانسيا بل لأنه من نوع الحقبة الزمنية».
اليوم وفي ظل رواج أعمال الدراما السريعة التي لا تتجاوز الـ12 حلقة أصبحت منتجا مطلوبا من قبل المنصات الإلكترونية، فهل البستاني سلكت طريقا مغايرا حبا بالكلاسيكية؟ ترد: «إن كل عمل يقدم على الشاشة، يحتاج وقتا لتصويره وتنفيذه مهما بلغ طول وعدد حلقاته. والأعمال التي تتحدثين عنها قد تتطلب جهدا مضاعفا ومكثفا. ولكن هذه النزعة لا تتسبب لنا بمشكلة، بل ما تواجهه اليوم الدراما المحلية هو تلمس طريقها نحو الاستمرارية. فالعقبات الإنتاجية أصبحت أكبر في ظل أزمة اقتصادية حادة نعاني منها في لبنان نفتقد فيها إلى السيولة. وهذا الأمر يلعب دورا أساسيا في الإنتاجات المحلية خصوصا أنها غير مطلوبة كثيرا في الأسواق العربية مع أنها تتمتع بقاعدة شعبية لا يستهان بها. ففي فترة موسم رمضان الفائت حققت أعمالا لبنانية نجاحات كبيرة على قنوات لبنانية وعربية وهو أمر نعتز به ويؤكد أن إنتاجاتنا بالمستوى المطلوب ولديها كامل العناصر الفنية. فهناك إجحاف في كيفية تلقف العمل اللبناني في السوق العربية وهو ما يتطلب منا جهدا أكبر لإثبات وجودنا. فلا أعلم تماما لماذا المسلسل اللبناني غير مطلوب كما يجب. وأظن أن هناك سياسة تجارية متبعة ورائجة حاليا، ترتكز على بطلين أساسيين سوري ولبنانية».
وعن مواقع التصوير الخارجية التي اختارتها لتنفيذ مسلسل «غربة» تقول: «مجمل التصوير الخارجي للمسلسل جرى في مناطق نائية لنكون بعيدين قدر الإمكان عن مشهدية العصرنة التي نعيشها اليوم. فبحثنا عن طرقات مقطوعة ومنعزلة في مناطق أنفة الشمالية وبلدة جدايل قرب مدينة جبيل وكذلك بلدة دوما ومدينة عاليه.
ومن ناحية ثانية وفي المشاهد الداخلية لجأنا إلى قصر الرئيس فؤاد شهاب في بلدة عجلتون الذي كان يشكل المقر الصيفي له. فبأجوائه التراثية وديكوراته الريفية وجدنا ما هو مناسبا جدا لمجريات قصة العمل». وعن النهاية المتوقعة للمسلسل تقول: «لقد دأبت على تقديم نهاية تلائم مجريات العمل من ناحية ولا تصيب المشاهد بالصدمة من ناحية ثانية. فالنهايات الدرامية تترك أثرها الكبير عند متابع العمل. ومرات كثيرة كنت أتساءل عن سبب لجوء مخرج معين إلى نهاية مسلسله بطريقة غير مقنعة. لذلك قررت أن يحمل «غربة» نهاية لا تشكل خيبة أمل لدى المشاهد».