الاستفتاء على الدستور الجزائري... اختبار حقيقي للرئيس والمعارضة

قادة الحراك يعتبرون الخطوة «مجرد وسيلة لتحييد الاحتجاجات»

صورة أرشيفية لمظاهرة تطالب برحيل النظام وسط العاصمة الجزائر (رويترز)
صورة أرشيفية لمظاهرة تطالب برحيل النظام وسط العاصمة الجزائر (رويترز)
TT

الاستفتاء على الدستور الجزائري... اختبار حقيقي للرئيس والمعارضة

صورة أرشيفية لمظاهرة تطالب برحيل النظام وسط العاصمة الجزائر (رويترز)
صورة أرشيفية لمظاهرة تطالب برحيل النظام وسط العاصمة الجزائر (رويترز)

يمثل التصويت على دستور جديد في الجزائر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل نقطة تحول في بلد هزته احتجاجات، واضطرابات سياسية ضخمة، ويكافح الآن لتجاوز تلك المرحلة المضطربة.
فبالنسبة للرئيس عبد المجيد تبون سيمثل إقرار الدستور بداية جديدة تلقى الترحيب، بعد أن أطاحت المظاهرات الشعبية خلال العام الماضي بسلفه، وبعدد كبير من كبار المسؤولين. أما بالنسبة للحراك الشعبي فسوف يظهر الاستفتاء حجم النفوذ، الذي لا تزال تتمتع به الحركة بعد أن أنهت احتجاجاتها حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي استمر 20 عاما، وإن فشلت في تحقيق طموحاتها في إحداث تغيير أكبر.
وقال عبد العزيز جراد، رئيس الوزراء، الذي عينه تبون في يناير (كانون الثاني) الماضي، أمام البرلمان مؤخرا إن الاستفتاء «ينبغي أن يكون يوم توافق بين كل الجزائريين».
ويتفق هذا الكلام مع خطاب تبون، الذي يعتبر المظاهرات الشعبية لحظة تجديد وطني، أطاحت بالمسؤولين الفاسدين، وانتهت الآن بتحقيق غاياتها.
يقول عبد الحميد سي عفيف، أحد كبار أعضاء الحزب الحاكم لوكالة «رويترز» للأنباء إن ما يطالب به الحراك «متضمن في الدستور الجديد، ولذلك فمن المهم إقراره».
غير أن شخصيات بارزة في الحراك، الذي ليس له قائد يقوده، لا ترى الأمر كما يراه تبون، رغم مرور ستة أشهر على آخر مرة خرجت فيها المظاهرات إلى شوارع العاصمة. فقد كان هدف هذه الشخصيات إبعاد جيل المسؤولين، الذين حكموا البلاد منذ الاستقلال عام 1963 عن السلطة بالكامل مع الشخصيات العسكرية والأمنية، التي يقولون إنها تمسك من وراء الستار بالزمام. فيما ترى شخصيات نافذة في الحراك، مثل إسلام بن عطية، أن الدستور لن يحقق شيئا يذكر من مطالبها، وتعتبر الاستفتاء وسيلة لتحييد الحركة.
يقول بن عطية: «ما نعيشه اليوم هو حالة انسداد، والدليل هو غياب التوافق حول أسمى وثيقة، وهي وثيقة الدستور، الذي سيعرض للاستفتاء دون أي حوار حقيقي، بل هي وثيقة لم تخضع لشروط التوافق الحقيقي».
وازداد القلق الذي يشعر به ناشطو الحراك يوم الثلاثاء، عندما أكدت محكمة استئناف سجن الصحافي خالد درارني، بسبب دوره في الاحتجاجات. كما دخل السجن أيضا عدد من أنصار الحراك البارزين. وقد رأى في ذلك بعض متزعمي الحراك دليلا على أن السلطات لن تسمح باستئناف أي شكل من أشكال الاحتجاجات.
ويمنح الدستور، الذي اقترحه تبون، البرلمان مزيدا من السلطات للتدقيق في أعمال الحكومة، ويمنع الرئيس من تولي الرئاسة لأكثر من فترتين. وقد تم إقراره في تصويت برلماني رغم بعض المعارضة. وفي هذا السياق قال لخضر بن خلاف، أحد كبار أعضاء حزب جبهة العدالة والتنمية الإسلامي: «نحن كنواب جبهة العدالة والتنمية رأينا بأننا لسنا معنيين بالتصويت على هذه الوثيقة، لأنها لا تستجيب لتطلعات الشعب الجزائري، كما أن الطريقة التي مُرِّرت بها ليست هي الطريقة التي تمرر بها سائر القوانين من قبل».
ويعتبر جل من خرج للمشاركة في الاحتجاجات أن الدستور ليس هو محل الخلاف، وأن المهم بالنسبة لهم ليس القوانين وأسلوب صياغتها، بل فيمن يطبقها والأسلوب الذي سيطبقها به.
وحتى يحين موعد الاقتراع، فإن كل شيء يشير إلى أن الاستفتاء المرتقب سيتشابه كثيرا مع التصويت، الذي أجري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عندما انتخب تبون، حيث عارض الحراك التصويت في ذلك الحين أيضا، وقال إنه لا يمكن أن تكون الانتخابات نزيهة إلا بعد إبعاد النخبة الحاكمة عن السلطة، وابتعاد الجيش عن السياسة. إلا أن تبون حصل على أغلبية وإن كانت نسبة الإقبال قد بلغت 40 في المائة فقط حسب الأرقام الرسمية.
بهذا الخصوص يقول المحلل السياسي فريد فراحي: «إذا كان الإقبال مرتفعا فسيمنح ذلك تبون القوة السياسية اللازمة للتحرك للأمام». لكن في الشارع الجزائري ليس من الواضح ما إذا كان عدد كبير من الناخبين الجزائريين سيقبلون على التصويت.
يقول سائق سيارة الأجرة محمد خلافي (29 عاما)، الذي لم يعمل منذ شهور بسبب قيود فيروس «كورونا» إن «تحسين ظروف المعيشة يجب أن تكون له الأولوية». مضيفا أنه لا يعبأ بالسياسة أو بالتصويت، وإن ما يشغل باله هو الحصول على لقمة العيش.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.