كيف تلقّت الأوساط السياسية الليبية استقالة السراج «المشروطة»؟

TT

كيف تلقّت الأوساط السياسية الليبية استقالة السراج «المشروطة»؟

أحدثت رغبة فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، «المشروطة» بتسليم مهام منصبه، تبايناً في آراء السياسيين في ليبيا، وطرحت عدة أسئلة تتعلق بمستقبل المفاوضات السياسية الجارية راهناً، فيما أكد عضو المجلس الرئاسي، محمد عماري زايد، أن الشرعية التي يستندون إليها في طرابلس «ليست مرتبطة بشخص مهما كان مركزه أو منصبه».
وكان السراج قد أعلن لليبيين في كلمة (متلفزة)، ليلة أول من أمس، عن «رغبته تسليم مهامه بحلول نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لكنه ربط ذلك بأمله في أن تكون لجنة الحوار قد استكملت عملها، واختارت مجلسا رئاسيا جديدا ورئيس حكومة».
وجاءت التعليقات على كلمة السراج، وخصوصا من الشرق الليبي، محملة بـ«الشكوك»، وسط تساؤلات حول مدى قدرته على الإقدام على هذه الخطوة «دون ضغوط خارجية»، وتخوف من اشتعال حدة التوتر السياسي في طرابلس مستقبلاً لـ«حجز كرسي الرئاسة» إذا ما قرر السراج الانصراف، وفقاً لمخرجات اتفاق (الصخيرات).
وما بين التساؤل والانتقادات التي انهالت على السراج بعد سماع حديثه، قال عبد الرحمن الشاطر، عضو المجلس الأعلى للدولة، إن «السراج تسلم قيادة الدولة والبلاد تعاني. وبعد أربع سنوات ضاعف المعاناة فأصبحت كوارث».
وأضاف الشاطر في تغريدة على «تويتر»: «اليوم (أمس) يقول السراج إنه تعرض لضغوط، وعمل في ظروف غير طبيعية، رغم نصح الكثيرين له، وتلميحهم بأنه يقودنا إلى كوارث»، مضيفاً «تمنيت لو استقال اليوم، وليس في أكتوبر... إنه يظل كارثة حلت بنا».
وقال السراج في كلمته التي نقلها التلفزيون الرسمي: «أعلن للجميع رغبتي الصادقة تسليم مهامي في موعد أقصاه آخر شهر أكتوبر، بعد أن تنتهي لجنة الحوار الليبي من عملها»، متحدثاً عن عراقيل ومؤامرات تعرضت لها حكومته منذ اليوم الأول لعملها في العاصمة.
ويرى بعض المتابعين لهذه الخطوة أنها «جاءت متوافقة مع التحركات الإقليمية والدولية، الرامية لاختيار سلطة جديدة في البلاد»، من خلال انتخابات رئاسية ونيابية، تمهيداً للانتقال إلى مدينة سرت بوصفها العاصمة الجديدة للبلاد. لكن هناك من يرى أن هذا الإجراء جاء مبكراً، مما سيسمح لـ(جبهة مصراتة)، التي يتصدرها أحمد معيتيق، النائب الأول للسراج، ووزير داخليته فتحي باشاغا بالتحرك للإبقاء قدر الإمكان على اتفاق الصخيرات، الموقع في المغرب نهاية عام 2015.
ويقول متابعون للشأن الليبي إن رحيل السراج «سيفتح الباب واسعاً أمام خلافات جديدة بين أذرع الحكم في طرابلس، وبين الميليشيات المسلحة في طرابلس ومصراتة»، في موازاة تأكيدات على أن عجلة المفاوضات الدولية قد دارت بدعم أميركي، ولا يمكن الوقوف أمامها، في ظل وجود شركاء محليين ودوليين.
في هذا السياق، يقول جبريل أوحيدة، عضو مجلس النواب عن مدينة الكفرة: «لاحت في الأفق القريب طاولة حوار، أعد لها غسان سلامة (المبعوث الأممي السابق) في آخر أيامه، لكن عُطلت آنذاك بمكيدة دولية، هدفها عدم الخوض في أسباب الأزمة الحقيقية، وهي إنهاء هيمنة الميليشيات وجمع السلاح المنفلت، والعدالة الحقيقية في توزيع الثروة، ووضع حد للفساد المستشري، والاتفاق على قاعدة دستورية وطنية، يتم الانتقال بموجبها إلى المرحلة الدائمة».
ورأى أوحيدة أن «أي وضع جديد مغاير لهذا الواقع الحالي المرير لن يكون أسوأ منه، وربما هذه هي الجرعة القادمة».
في المقابل، يقول السياسي الليبي سليمان البيوضي إن «السراج عزم الاستقالة فعلاً، لكنه عدل عنها»، وتساءل إن كان التراجع عن التنحي «جاء لتحقيق مآرب أخرى. هناك سيناريوهات عديدة، لكن الأقرب هو أن الاتفاق المبدئي قد نضج تماماً، ودخلنا المرحلة الثانية، وهي الأسماء المتنافسة لشغل المناصب».
وأضاف البيوضي لـ«الشرق الأوسط»: «المؤكد أن غرب ليبيا بحاجة ماسة لبقاء السراج بوضعه الهش، باعتباره الضامن الوحيد لعدم مرورها نحو الفوضى العارمة، ويبدو أن التلويح بالاستقالة حقق الحد الأدنى من المطالب بالنسبة للسراج، وهو عدم الملاحقة على أقل تقدير!».
غير أن عماري زايد، عضو المجلس الرئاسي المحسوب على التيار الإسلامي في ليبيا، سارع إلى التأكيد على «شرعية اتفاق الصخيرات»، وقال في كلمة مسجلة، إن «الشرعية التي نستند إليها، وبقدر أنها غير مرتبطة بشخص، فهي اتفاق سياسي كان هو أفضل الموجود». معتبرا أن «الطريق الوحيد للخروج من هذا الانقسام السياسي هو تماسك الليبيين بحقهم في منح الشرعية عن طريق الانتخابات، وفق الإعلان الدستوري، على أن يتعهد الجميع باحترام نتائج الانتخابات والالتزام بها».
وترأس السراج المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق الوطني» بمقتضى اتفاق الصخيرات، الذي رعته البعثة الأممية بهدف توحيد ليبيا، والقضاء على الحرب الأهلية، التي أرهقت البلاد منذ إسقاط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.