ضغوط برلمانية على الحكومة الفرنسية لاستعادة أطفال «داعش» وأمهاتهم من سوريا

TT

ضغوط برلمانية على الحكومة الفرنسية لاستعادة أطفال «داعش» وأمهاتهم من سوريا

مجدداً يعود إلى واجهة الأحداث في فرنسا مصير ما لا يقل عن 200 قاصر محتجزين مع أمهاتهم في مخيمات الأكراد شمال سوريا. وحتى اليوم، لم تتزحزح الحكومة الفرنسية عن موقفها المبدئي القائل إنها تعالج كل حالة من حالات أطفال «داعش» على حدة، وتصر على محاكمة البالغين بمن فيهم النساء في المناطق التي تعتبر أنهم ارتكبوا فيها جرائمهم أو أعمالهم الجنائية وفي هذه الحال، في سوريا. ورغم المطالبات المتكررة منذ ما يزيد على عامين، والضغوط التي تمارس إما عبر المحاكم وإما عبر المنظمات الأوروبية والدولية، إضافة إلى الضغوط السياسية وفي الشارع، فإن باريس لم تحد بتاتاً عن طريقة تعاطيها مع هذا الملف المتفجر الذي يتعين ربطه بملف مقاتلي «داعش» المحتجزين في معتقلات «قوات سوريا الديمقراطية».
آخر ما استُجد العريضة التي قدمها 76 نائباً في البرلمان الفرنسي ينتمون إلى غالبية التيارات السياسية، وهي تدعو الحكومة إلى استعادة أطفال وقاصري «داعش» وأمهاتهم إلى فرنسا، بحيث توفر الرعاية للأوائل، بينما تسلم النساء إلى القضاء حتى تتم محاكمتهن. وفي الوقت عينه، وجهت رسالة مفتوحة للرئيس إيمانويل ماكرون أصدرها تجمع عائلات الأطفال وأمهاتهم تلفت نظره إلى الأوضاع البائسة التي يعيش الأطفال والقاصرون في ظلها، وتحثه على تعديل موقفه وإعادة الأطفال والأمهات، وتذكره بأن العام الدراسي قد انطلق في فرنسا، وأن هؤلاء الأطفال أبرياء، ومن الظلم تحميلهم مسؤولية ما قام به آباؤهم وأمهاتهم. وترافقت الرسالة مع وقفة احتجاجية أمام سكرتارية الدولة للطفولة.
وقبل أسبوع تماماً، حصل تجمع للعائلات المعنية التي انضوت في إطار هيئة تدافع عن مصالحها للمطالبة بعودة القاصرين وأمهاتهم. ومن الشعارات التي رفعوها: «صغار الفرنسيين في المدارس ما عدا المحتجزين في معتقلات سوريا. أعيدوهم إلى فرنسا». وقالت المحامية ماري دوزيه التي تمثلهم، إنه «تنبغي ممارسة الضغوط على الحكومة. اليوم أعتقد بصدق أن الجميع مقتنعون بضرورة عودتهم، إلا أنهم يفتقرون للشجاعة السياسية في هذا الزمن الحساس».
وفي السياق عينه، وقعت مجموعة من عشرات النواب بياناً اعتبرت فيه أنه يتعين إعادة القاصرين وأمهاتهم فوراً «لأسباب إنسانية» وحتى لا يقعوا بدورهم ضحايا لـ«داعش».
وقد أعيد إلى فرنسا 28 طفلاً وقاصراً سُلموا لمؤسسات الرعاية الاجتماعية. وتصر الحكومة على أن استعادة أي طفل غير يتيم تتطلب موافقة الأم على الانفصال عن ابنها، وهو أمر يبدو صعباً بالنظر للحالات القليلة التي قبل هذا الطلب. من هنا جاءت المطالبات بإعادة الأطفال والأمهات معاً وهو ما ترفضه الحكومة. وسعت عائلات الأمهات والأطفال والقاصرين في فرنسا إلى الاستعانة بالقضاء، وقدمت شكوى ضد وزير الخارجية جان إيف لو دريان بتهمة «إهمال تقديم الإغاثة» إلى الأطفال أمام محكمة عدل الجمهورية، المخولة وحدها محاكمة الوزراء أثناء توليهم لمناصبهم. وبالطبع تنفي الخارجية أي مسؤولية لوزيرها أو لأي وزير آخر، وتشير إلى أنها تعمل على تحسين أوضاع المعتقلين.
وبحسب الشكوى المقدمة، فإن لو دريان، بصفته وزيراً للخارجية، رفض «طوعاً وعمداً» استعادة أطفال «معرضين للخطر»، وبالتالي «أغفل تقديم الإغاثة»، إضافة إلى أن سياسة الحكومة القائمة على معالجة كل حالة على حدة «تهدف قبل كل شيء إلى ترك أكثر من مائتي طفل وأمهاتهم معرضين لمعاملة غير إنسانية ومهينة، وإلى خطر الموت الوشيك». وتفصِّل الشكوى ما يتعرض له القاصرون من أجواء من انعدام الأمن، ودرجات الحرارة القصوى في الصيف والشتاء، إضافة إلى نقص في المياه والمواد الغذائية، وتفشي وباء السل أو حتى الكوليرا، وغياب الرعاية الصحية. وقبلها سعت هذه العائلات لدى المحكمة الأوروبية الخاصة بحقوق الإنسان وأمام لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة؛ إلا أن كافة هذه المحاولات لم ترغم السلطات على تغيير مقاربتها.
وسبق للرئيس الأميركي أن طالب أكثر من مرة الدول التي لديها مواطنون محتجزون لدى «قوات سوريا الديمقراطية» باستعادتهم؛ إلا أن باريس صمَّت أذنيها عن كافة هذه المطالبات.
حقيقة الأمر أن أسباباً سياسية هي التي تدفع الحكومة للتصلب. فالرأي العام الذي صدمته العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا منذ بداية عام 2015 لا يتقبل عودة الجهاديين كباراً أو صغاراً، وتعي الحكومة الثمن السياسي الذي سيتعين عليها دفعه في حال رضخت للضغوط الممارسة عليها؛ خصوصاً من قبل اليمين المتطرف واليمين الكلاسيكي. من هنا، فإن هذا الملف سيراوح مكانه.
وبالتوازي، فإن معضلة عدة عشرات من مقاتلي «داعش» الذين يحملون الجنسية الفرنسية وهم معتقلون لدى أكراد سوريا ما زالت قائمة، ولا يبدو أنها ستجد حلاً لها في المستقبل القريب.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.