حركة تسجيلية ناجحة وروائية محدودة وأفلام غربية لا تحصى

أفضل أفلام السينما لعام 2014

من «باب الوداع»
من «باب الوداع»
TT

حركة تسجيلية ناجحة وروائية محدودة وأفلام غربية لا تحصى

من «باب الوداع»
من «باب الوداع»

كما سواه من السنوات الماضية، كان عام 2014 حافلا بالأفلام عددا ونوعا. بسهولة يتمكن المرء وضع قائمته الخاصّة بأفضل 10 أفلام إذا ما شاهد ما يكفي من الأفلام خلال السنة. سيجد هناك الكثير مما يستطيع اختياره حتى ولو كانت مقاييسه جادّة. لكن بعض اختياراته ستكون محكومة بالمكان الذي يعيش فيه المشاهد، بالتالي ما تستطيع مشاهدته من أفلام تم توزيعها في عدد من البلدان أو خلال حضور المهرجانات السينمائية.
المشكلة هي أن معظمنا محكوم بوجوده في مدينة واحدة حيث الأفلام الموزّعة عادة ما تكون إما هندية أو عربية أو أميركية والتغيير الظرفي الوحيد الممكن هو إذا ما كانت مدينته تحوي مهرجانا جيّدا يؤمّن ما لا يقوم الموزّعون بتوزيعه وبذلك تتسع دائرته من الأفلام التي يستطيع الاختيار منها.
هنالك الكثير مما يستطيع النقاد الحديث عنه عندما يأتي الأمر لدراسة الظواهر والنجاحات والإخفاقات، لكن المجال هذه المرّة لن يتسع إلا للقوائم التي تم استخلاصها من بين 268 فيلما جديدا شوهدت هذه السنة من أصل 582 فيلما (من السينما الصامتة وإلى عام 2013) لم يسبق لي مشاهدتها من قبل. مما يجعل ذلك ممكنا القيام بحضور 11 مهرجانا (حيث متوسط المشاهدة اليومية من 3 إلى 4 أفلام) ومشاهدة أفلام عرضت في 6 مهرجانات أخرى لم أحضرها عبر ترتيبات خاصّة، بالإضافة إلى فيلم قديم أو فيلمين كل ليلة. كل هذا ولا يزال هناك العشرات من الأفلام التي لم تشاهد (منعت الظروف مشاهدة الأفلام القصيرة التي عرضت في مهرجان أبوظبي مثلا).
على ذلك، وبل بسببه، كان لا بد من التوقف مليّا للبحث فيما إذا كان الفيلم الوارد في القائمة أفضل فعلا من فيلم جيد أو ممتاز لم يدخله لسبب أو لآخر. والنتيجة هي التالية علما بأن القوائم الواردة مرتّبة حسب الأبجدية فقط.

* الأفلام العربية

* أفضل 10
أكثر من نصف هذه الأفلام الواردة هنا تسجيلية مما يعكس النشاط الإنتاجي لهذه السينما مقابل تراجع في عدد الأفلام الروائية المتميّزة هذا العام (العنوان يليه اسم المخرج ومعلومات)
1 أوديسا عراقية | سمير (سويسرا، العراق، الإمارات) تسجيلي.
2 باب الوداع | كريم حنفي (مصر) روائي
3 دلافين | وليد الشحّي (الإمارات) روائي
4 ذيب | ناجي أبو نوار (الأردن) روائي
5 سماء قريبة | نجوم الغانم (الإمارات العربية المتحدة) تسجيلي
6 فيلا توما | سها عراف (فلسطين المحتلة) روائي
7 القط | إبراهيم البطوط (مصر) روائي
8 قهوة لكل الأمم | وفاء جميل (فلسطين) تسجيلي
9 لي قبور في هذه الأرض | رين متري (لبنان) تسجيلي
10 المطلوبون الـ18 | عامر شومالي، بول كووان (فلسطين، كندا) تسجيلي وأنيميشن

* أفضل 5 أفلام قصيرة:

* الصيّاد السيئ | سهيم عمر خليفة (بلجيكا، الإمارات العربية المتحدة)
ضوء | ياسمينا كراجة (كندا)
ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375 | عمر الزهيري (مصر)
وتزوّج روميو جولييت | هند بوجمعة (تونس)
ومع روحك | كريم الرحباني (لبنان)

* الأفلام الأجنبية

* أفضل 10
الاختيارات هنا كانت أكثر وفرة لذلك كانت أيضا أكثر صعوبة. من بين 234 فيلما أجنبيا طويلا (من كافة الأمم) استقرت القائمة على النحو الذاتي (الأفلام حسب أبجديتها أيضا):
1 «بيردمان» Birdman
إخراج: أليخاندرو غونزاليز إناريتو (الولايات المتحدة)
2 «صبا» Boyhood
إخراج: رتشارد لينكلتر (الولايات المتحدة)
3 «جزيرة الذرة» Corn Island
إخراج: جورج أوفاشفيللي (جورجيا)
4 «دبلوماسية» Diplomatie
إخراج: فولكر شلندروف (ألمانيا، فرنسا)
5 «وداعا للغة» Goodbye to Language
إخراج: جان - لوك غودار (فرنسا)
6 «فندق بودابست الكبير» The Grand Budapest Hotel
إخراج: وس أندرسون (الولايات المتحدة)
7 «أيدا» Ida
إخراج: باڤل باڤليكوڤسكي (بولندا)
8 «بين النجوم» Interstellar
إخراج: كريستوفر نولان (الولايات المتحدة)
9 «ليفياثان» (الحوت) | Leviathan
إخراج: أندريه زفياغنتسف (روسيا)
10 «حمامة جلست على غصن تفكر في الوجود» | A Pigeon Sat on a Branch Reflecting on Existence

* أفلام أخرى جيّدة
* الكثير من الأفلام التي شوهدت منذ مطلع 2014 وحتى الساعات الأخيرة قبل الكتابة كانت تستحق أن تذكر على نحو أو آخر. لعله من الإنصاف إيراد 5 منها تعود إلى محاولات لم تشهد الكثير من الاهتمام نظرا لحدود عروضها الضيّقة:
«40 يوما من الصمت» 40Days of Silent
إخراج: سودات إسماعيلوفا (طاجكستان)
«الغبي» The Fool
إخراج: يوري بيبوف (روسيا)
«جياد فوكوشيما» Horses of Fukushima
جويجو ماتسوباياشي (اليابان)
«أشغال حب» Labour of Love
إخراج: أديتافيركام سنغبوتا (الهند).
«ليزا ليمون وبرتقال مغربي» Lisa Lemon ‪&‬ Maroc Oranges
إخراج: مايتي لاوس (أستونيا)

* فيلم العام العربي

* ما هو فيلم العام وما هي مواصفاته؟ كل فيلم من تلك المذكورة أعلاه أنجز، لجانب عناصر جودته، مما يجعله مميّزا. لكن «ذيب» للأردني ناجح أبو نوّار يصلح لأن يكون فيلم العام لكونه كان الفيلم العربي الأكثر انتشارا حول العالم. لكن «باب الوداع» للمصري كريم حنفي يصلح لأن يكون كذلك لكونه الأكثر جرأة (أبيض وأسود وصامت).



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).