أوسلو... الاتفاق الذي لا يموت

أرغم الفلسطينيين على تحوّلات صعبة ومربكة... وخلّف مجموعة أخرى من الاتفاقات والمواجهات

{اتفاق أوسلو}: المصافحة التاريخية بين ياسر عرفات وإسحق رابين أمام الرئيس بيل كلينتون في البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر 1993 (غيتي)
{اتفاق أوسلو}: المصافحة التاريخية بين ياسر عرفات وإسحق رابين أمام الرئيس بيل كلينتون في البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر 1993 (غيتي)
TT

أوسلو... الاتفاق الذي لا يموت

{اتفاق أوسلو}: المصافحة التاريخية بين ياسر عرفات وإسحق رابين أمام الرئيس بيل كلينتون في البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر 1993 (غيتي)
{اتفاق أوسلو}: المصافحة التاريخية بين ياسر عرفات وإسحق رابين أمام الرئيس بيل كلينتون في البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر 1993 (غيتي)

لا شيء كان أقرب للخيال في العقود القليلة الماضية؛ من مشهد نزول الرئيس المصري أنور السادات من طائرته في مطار بن غوريون الإسرائيلي يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1977، والمصافحة التاريخية بين الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي إسحق رابين في حديقة البيت الأبيض الأميركي في 13 سبتمبر (أيلول) 1993. فالزعيمان العربيان حاربا إسرائيل طويلاً في معارك كانت توصف بأنها مصيرية وبلا أي طريق للعودة إلى الوراء.
لم يصدق كثيرون أن الأول سيهبط فعلاً في إسرائيل وأن الثاني سيصافح رابين ثم يدخل بسلام إلى فلسطين. لم يصدق الإسرائلييون ذلك، ولا الفلسطينيون الذين كان مطلوباً منهم أن يستبدلوا بأغاني الثورة أغاني السلام، وبالبندقية والحجر، غصن الزيتون، وبشعار فلسطين {من النهر للبحر} شعار فلسطين {على حدود 1967}، وأن يستبدلوا الأسماء كذلك، بحيث يصير قائد الثورة رئيساً، والفدائيون جنوداً، وقادة المعارك وأبناؤها وزراء ومديرين وموظفين.
لقد كان تحولاً كاملاً ومربكاً إلى حد كبير واتضح أنه أيضاً كان معقداً ومستعصياً منذ المصافحة الأولى.
{لقد قلت لإسحق (رابين)، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إنه في حال كان متمسكاً فعلاً بالسلام فعليه أن يصافح (ياسر) عرفات (الرئيس الفلسطيني الراحل) لإثبات ذلك (...). تنهّد رابين وقال بصوته المتعب: إننا لا نبرم اتفاقيات السلام مع أصدقائنا، فسألته: ستصافحه إذن؟، فرد بلهجة جافة: حسناً، حسناً، ولكن من دون عناق}. هذا ما قاله الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في مذكّراته حول المصافحة التاريخية بين الرجلين في عام 1993. وأضاف كلينتون: {تحوّلت باتجاه إسحق رابين الواقف على يميني وصافحته بشدة ثم أمسكت بيد عرفات الواقف مبتسماً إلى يساري، فانحنى قليلاً في تلك اللحظة وتابع حركته ماداً يده بتردّد واضح باتجاه رابين. وبعد لحظات قصيرة من التردد أمسك رابين بيد عرفات الممدودة لمصافحته}.
يروي كلينتون أن هذه المصافحة احتاجت إلى تمارين أجراها مع معاونيه لكي يتأكد من تفادي أي معانقة، وذلك عبر وضع يده اليسرى على الذراع اليمنى لعرفات.
كانت النتيجة مصافحة تاريخية لم تكن متخيلة قبل ذلك، وظلت من أندر المصافحات في التاريخ الحديث.
لقد كان رابين متوتراً وعرفات متردداً قبل أن يتصافحا، لأنه كان واضحاً لكل منهما أن قرار الحرب كان أسهل، وهما اللذان خاضا كثيراً منها في مواجهة الآخر ومواجهة اتهامات بالإرهاب قبل أن يذهبا لنيل جائزة نوبل للسلام.
واليوم بعد مرور 27 سنة على المصافحة يتضح فعلاً أن صنع السلام أصعب بكثير من صنع الحرب.
كان يفترض أن يكون {اتفاق أوسلو} مؤقتاً ينتهي بإقامة دولة فلسطينية بعد 5 سنوات من توقيعه، أي في عام 1998. لكن الاتفاق الأم بقي حياً يقاوم الموت، وجرّ خلفه اتفاقات عديدة ومواجهات عديدة كذلك من دون أن يجرؤ أحد الطرفين على رمي الاتفاق وراء ظهره رغم كثير من التهديدات.
فما هو {اتفاق أوسلو}؟
إنه {اتفاق إعلان المبادئ - حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية}، وتم توقيعه في 1993/9/13. ولقد نص الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية على مراحل من الضفة الغربية وقطاع غزة وإنشاء {سلطة حكم ذاتي فلسطينية مؤقتة} لمرحلة انتقالية تستغرق خمس سنوات، على أن تُتوج بتسوية دائمة بناء على القرار رقم 242 والقرار رقم 338.
كذلك تحدث الاتفاق عن وضع {حد لعقود من المواجهة والنزاع}، وعن اعتراف كل جانب {بالحقوق الشرعية والسياسية المتبادلة} للجانب الآخر.
وجاء في النصّ: {من أجل أن يتمكن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من حكم نفسه وفقاً لمبادئ ديمقراطية، ستجرى انتخابات سياسية عامة ومباشرة وحرة للمجلس تحت إشراف متفق عليه ومراقبة دولية متفق عليها، بينما تقوم الشرطة الفلسطينية بتأمين النظام العام. وسيتم عقد اتفاق حول الصيغة المحددة للانتخابات وشروطها وفقاً للبروتوكول المرفق كملحق؛ بهدف إجراء الانتخابات في مدة لا تتجاوز تسعة أشهر من دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ، على أن تشكل هذه الانتخابات خطوة تمهيدية انتقالية مهمة نحو تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباته العادلة}.
أما عن الفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم، فتم الاتفاق على:
أ - تبدأ فترة السنوات الخمس الانتقالية عند الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا.
ب - سوف تبدأ مفاوضات الوضع الدائم بين حكومة إسرائيل وممثلي الشعب الفلسطيني في أقرب وقت ممكن، ولكن بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية.
ت - من المفهوم أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، واللاجئون، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين، ومسائل أخرى ذات اهتمام مشترك. وفي بنود لاحقة جاء أنه سيراجع الطرفان بشكل مشترك القوانين والأوامر العسكرية سارية المفعول في المجالات المتبقية.
وتمخض الاتفاق، كذلك، عن تشكيل لجنة الارتباط المشتركة الإسرائيلية - الفلسطينية من أجل معالجة القضايا التي تتطلب التنسيق وقضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، والمُنازعات. وتطرق الاتفاق إلى التعاون الإسرائيلي - الفلسطيني في المجالات الاقتصادية كذلك.
صحيح أن الاتفاق لم ينفذ ويبدو ميتاً الآن، لكن أيضاً لم يستطع الفلسطينيون التخلص منه، لأنهم ببساطة لا يمكن أن يحتفظوا بالسلطة من دون أوسلو، وذلك لأن السلطة {المؤقتة} إنما وُجدت لإقامة الدولة {الدائمة} وفق أوسلو وحسب.
باختصار وجدت السلطة نفسها معلقة بأوسلو وفي طريق التخلص منه عقد الفلسطينيون اتفاقات أخرى مع إسرائيل يمكن وصفها بملاحق {أوسلو} أو {أولاد وبنات الاتفاق الأم} مثل {اتفاق غزة - أريحا} (1994) و{اتفاق باريس الاقتصادي} (يوليو/ تموز، 1994) واتفاقية طابا أو {أوسلو الثانية} (1995) واتفاق {واي ريفر الأول} (1998) و{واي ريفر الثاني} (1999) ثم جاءت {خريطة الطريق}: وهي عبارة عن خطة سلام أعدتها عام 2002 اللجنة الرباعية التي تضمّ كلاً من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، ثم {اتفاق أنابوليس} (2007) ثم جولات أخرى من الحوار والمقاطعة والحوار والمقاطعة.
... إنه الاتفاق الذي لا يموت.



الجيش الأميركي: مقاتلات «إف-35» شاركت في ضرب الحوثيين

مقاتلة أميركية تستعد للإقلاع لتوجيه ضربة إلى مواقع الحوثيين (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية تستعد للإقلاع لتوجيه ضربة إلى مواقع الحوثيين (الجيش الأميركي)
TT

الجيش الأميركي: مقاتلات «إف-35» شاركت في ضرب الحوثيين

مقاتلة أميركية تستعد للإقلاع لتوجيه ضربة إلى مواقع الحوثيين (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية تستعد للإقلاع لتوجيه ضربة إلى مواقع الحوثيين (الجيش الأميركي)

كشف الجيش الأميركي عن مشاركة مقاتلات من طراز «إف-35 سي» في الضربات الأخيرة على مواقع الحوثيين، مؤكداً استهداف منشآت لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة، في سياق الحد من قدرات الجماعة المدعومة من إيران على مهاجمة السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويأتي استخدام الجيش الأميركي لطائرات «إف-35 سي» في ضرباته على الحوثيين بعد أن استخدم الشهر الماضي القاذفة الشبحية «بي-2» لاستهداف مواقع محصنة تحت الأرض في صعدة وصنعاء.

وأوضحت القيادة المركزية الأميركية في بيان، أن قواتها نفذت سلسلة من الغارات الجوية الدقيقة على عدد من منشآت تخزين الأسلحة الحوثية الواقعة داخل الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، يومي 9 و10 نوفمبر (تشرين الثاني).

وبحسب البيان تضمنت هذه المرافق مجموعة متنوعة من الأسلحة التقليدية المتقدمة التي يستخدمها الحوثيون المدعومون من إيران لاستهداف السفن العسكرية والمدنية الأميركية والدولية التي تبحر في المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن. كما أفاد بأن أصولاً تابعة للقوات الجوية والبحرية الأميركية بما في ذلك طائرات «إف-35 سي» شاركت في الضربات.

وطبقاً لتقارير عسكرية، تمتلك مقاتلة «إف-35» قدرات شبحية للتخفي تفوق مقاتلتي «إف-22» و«إف-117»، وقاذفة «بي-2»، ولديها أجهزة استشعار مصممة لاكتشاف وتحديد مواقع رادارات العدو وقاذفات الصواريخ، إضافة إلى تزويدها بحجرات أسلحة عميقة مصممة لحمل الأسلحة وتدمير صواريخ المنظومات الدفاعية الجوية من مسافة بعيدة.

وجاءت الضربات -وفق بيان الجيش الأميركي- رداً على الهجمات المتكررة وغير القانونية التي يشنها الحوثيون على الملاحة التجارية الدولية، وكذلك على السفن التجارية الأميركية وقوات التحالف في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن. وهدفت إلى إضعاف قدرة الحوثيين على تهديد الشركاء الإقليميين.

تصد للهجمات

أوضحت القيادة المركزية الأميركية أن المدمرتين «يو إس إس ستوكديل» و«يو إس إس سبروانس» إلى جانب طائرات القوات الجوية والبحرية الأمريكية، نجحت في التصدي لمجموعة من الأسلحة التي أطلقها الحوثيون أثناء عبور المدمرتين مضيق باب المندب.

وطبقاً للبيان الأميركي، اشتبكت هذه القوات بنجاح مع ثمانية أنظمة جوية من دون طيار هجومية أحادية الاتجاه، وخمسة صواريخ باليستية مضادة للسفن، وأربعة صواريخ كروز مضادة للسفن؛ مما ضمن سلامة السفن العسكرية وأفرادها.

مقاتلات «إف-35» الأميركية تمتلك قدرات حربية غير مسبوقة (أ.ب)

وإذ أكدت القيادة المركزية الأميركية عدم وقوع أضرار في صفوفها أو معداتها، وقالت إن إجراءاتها تعكس التزامها المستمر بحماية أفرادها والشركاء الإقليميين والشحن الدولي، مع الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.

وأضافت أنها «ستظل يقظة في جهودها لحماية حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، وستواصل اتخاذ الخطوات المناسبة لمعالجة أي تهديدات للاستقرار الإقليمي».

ويزعم الحوثيون أنهم يشنون هجماتهم البحرية لمنع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، في سياق مساندتهم للفلسطينيين في غزة، وأخيراً لمساندة «حزب الله» في لبنان.

22 غارة

وكان إعلام الحوثيين أفاد بتلقي الجماعة نحو 22 غارة بين يومي السبت والثلاثاء الماضيين، إذ استهدفت 3 غارات، الثلاثاء، منطقة الفازة التابعة لمديرية التحيتا الواقعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية التي تتخذ منها الجماعة منطلقاً لشن الهجمات البحرية، واستقبال الأسلحة الإيرانية المهربة.

ويوم الاثنين، اعترفت الجماعة أنها تلقت 7 غارات وصفتها بـ«الأميركية والبريطانية»، استهدفت منطقة حرف سفيان شمال محافظة عمران، إلى جانب غارتين استهدفتا منطقة الرحبة في مديرية الصفراء التابعة لمحافظة صعدة، حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

كما أقرت بتلقي 4 غارات استهدفت منطقة جربان في الضواحي الجنوبية لصنعاء، إلى جانب غارة استهدفت معسكر «الحفا» في صنعاء نفسها، وغارتين ضربتا منطقة حرف سفيان في محافظة عمران، يوم الأحد.

طوربيد بحري استعرضه الحوثيون أخيراً زاعمين أنه بات ضمن أسلحتهم (إعلام حوثي)

وبدأت الموجة الجديدة من الضربات الغربية المتتابعة، مساء السبت الماضي؛ إذ استهدفت 3 غارات معسكرات الجماعة ومستودعات أسلحتها في منطقتي النهدين والحفا في صنعاء.

وبلغت الغارات الغربية التي استقبلها الحوثيون نحو 800 غارة، بدءاً من 12 يناير الماضي (كانون الثاني)؛ كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية لأول مرة، في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في استهداف المواقع المحصّنة للجماعة في صنعاء وصعدة.

يشار إلى أنه منذ نوفمبر 2023، تبنّت الجماعة الحوثية قصف أكثر من 200 سفينة، وأدت الهجمات في البحر الأحمر إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وتقول الحكومة اليمنية إن الضربات الغربية ضد الجماعة غير مجدية، وإن الحل الأنجع هو دعم القوات الشرعية لاستعادة الحديدة وموانيها، وصولاً إلى إنهاء الانقلاب الحوثي، واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء.