كما توقعنا هنا يوم أمس، جرت الرياح بما تشتهي سفن فيلم «نومادلاند»، فخرج بالجائزة الأولى في نهاية جولة الدورة 77 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. الفيلم الذي أخرجته كليو زاو، وقامت ببطولته فرنسيس مكدورمند لاعبة شخصية امرأة تنطلق بسيارتها لتجوب معالم بلادها في الغرب الشاسع. ليس الفيلم التحفة، لكنه من بين تلك الأكثر إثارة للاهتمام من حيث التشكيل الفني، كما من حيث المضمون حول الفرد والبيئة الاجتماعية. في الماورائيات، يمكن للباحث أن يجد تعليقاً على أميركا اليوم التي تختلف عن أحلام الأمس.
تم عرض الفيلم في الحادي عشر من هذا الشهر، وانتقل مباشرة إلى مهرجان تورونتو، مع بطلته وفريقه الفني الأساسي، وسيعرض خلال أيام في مهرجان توليارايد الأميركي، ويتبعه بعروض نيويوركية خلال الدورة المقبلة من مهرجان نيويورك الدولي. عروضه التجارية مؤجلة، والأعين التي تلاحقه من الآن تتوقف عند احتمال دخوله الأوسكار في السنة المقبلة.
الجوائز
باقي الجوائز كانت كذلك في أماكنها الصحيحة، غالباً، وعلى النحو التالي:
• جائزة أفضل مخرج فاز بها المخرج الياباني كيوشي كوروساوا «زوجة الجاسوس» (اليابان).
• جائزة أفضل ممثلة ذهبت إلى فينيسيا كيربي عن دورها في «أجزاء امرأة» (كندا).
• جائزة أفضل ممثل انتهت ليدي بييرفرانشسكو فاڤينو عن دوره في «بادرنوتسو» (إيطاليا).
• تلك الخاصة بأفضل سيناريو تسلمها المخرج الهندي تشيتنيا تامهان عن «التلميذ» (الهند).
• «الرفاق الأعزاء» لأندريه كونتشالوڤسكي خرج بجائزة لجنة التحكيم الخاصة (روسيا).
• جائزة مارشيللو ماستروياني لأفضل ممثل شاب نالها رضالله زماني عن «أطفال الشمس» (إيران).
وفي المسابقة الموازية، توزعت الجوائز على النحو التالي:
• أفضل فيلم: «أرض مهملة» لأحمد باهرامي (إيران).
• أفضل مخرج لاف داياز عن «جينوس بان» (الفلبين).
• أفضل ممثلة: خنساء بطمة عن «زنقة كونتاكت» (المغرب).
• أفضل ممثل: يحيى محياني عن «الرجل الذي باع ظهره» (تونس).
• أفضل سيناريو: بييتر كاستيليتو «المفترسون» (إيطاليا).
• لجنة التحكيم الخاصة «اصغِ» لآنا روشا دي سوزا (البرتغال).
المثير للاهتمام أن لجنتي تحكيم هاتين الجائزتين باركتا، من دون أن تدريان على الأرجح، ما يحدث داخل إيران من حجر على المبدعين. ففي الوقت الذي كان فيه الفيلم العادي «أطفال الشمس» لماجد مجيدي يسجل عرضه العالمي الأول في نطاق المسابقة الرئيسية، كانت السلطات الإيرانية تقضي بسجن الممثلة نسرين سوتوداه لثلاثين سنة، وجلدها 148 جلدة، وذلك بسبب مواقفها السياسية المطالبة بالعفو عن السجناء السياسيين، وإجراء إصلاحات حكومية وإدارية في البلاد.
سوتوداه انبرت للتمثيل في فيلم جعفر باناهي «تاكسي ظهران» الذي فاز بجائزة مهرجان برلين الذهبية سنة 2015، مخترقاً بذلك قراراً كان صدر بإيقافه عن العمل وعزله في منزله. وهي فوق كونها ممثلة حين تُتاح لها الفرص محامية في نطاق حقوق الإنسان.
لكن حتى إن لم تكن لجنة التحكيم في مهرجان فينيسيا على دراية بهذا القرار الذي صدر هذا الشهر، فإن فيلم ماجد مجيدي لا يستحق الانضمام لجوائز هذه الدورة (على عكس فيلم «أرض مهملة» مثلاً على هنّاته هو أيضاً) حتى في نطاق جائزة ثانوية المقام مثل جائزة مارشيللو ماستروياني لأفضل ممثل شاب.
عرب فينيسيا
يبرز فوز الممثلين العربيين خنساء بطمة ويحيى محياني بجائزة أفضل ممثلين (أنثى وذكر) في مسابقة آفاق. بطمة نالتها عن فيلم وُصف بأنه لقاء بين موسيقى الراب وكونتِن تارنتينو، والسوري محياني نال جائزته عن دوره في الفيلم التونسي «الرجل الذي باع ظهره» لاعباً شخصية اللاجئ الذي عليه تحمّل تبعات عقد أبرمه لفنان بلجيكي يتيح للثاني استغلال ظهره للرسم عليه.
وعلى ذكر الاشتراك العربي بهذين الفيلمين (كما بفيلم «غزة مونامور» لعرب وطرزان ناصر)، فإن الحضور العربي على صعيد الأشخاص المشاركين كان محدوداً للغاية، وشمل الفريق الأساسي لكل فيلم، كما ناقدان وحيدان، هما الزميل أمير العمري وهذا الناقد.
الغائب الكبير هو {كورونا}
لا أحد كح أو سعل في الصالات أو على الطرقات. لم تُسجل إصابة واحدة، ولم تتحرك سيارة الإسعاف لنقل مُصاب. التباعد بين الحاضرين في كل صالة كان إلزامياً، لكن هذا ليس سبباً لعدم وقوع إصابات، بل دليلاً على أن تحدي إدارة مهرجان فينيسيا لنفسها وللداء كان في محلّه تماماً. في هذه الموقعة بين جائحة قاتلة ومهرجان للفن، انتصر الفن وابتسم حتى أطفأت الصالات كل أضوائها.