روسيا ترد على مجلس الأمن بتوقع «استفزاز كيماوي» شمال غربي سوريا

«مركز المصالحة» يتهم «هيئة تحرير الشام» بالتحضير لـ«هجوم» جنوب إدلب

TT

روسيا ترد على مجلس الأمن بتوقع «استفزاز كيماوي» شمال غربي سوريا

في تطور بدا أنه يحمل رداً مباشراً على مناقشات مجلس الأمن الدولي قبل يومين حول السلاح الكيماوي السوري، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها «تلقت معلومات» عن إعداد «هيئة تحرير الشام» لـ«استفزاز كيماوي جديد» في مدينة إدلب.
وأعلن رئيس مركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا، الجنرال ألكسندر غرينكيفيتش أن «إرهابيي هيئة تحرير الشام» يستعدون للقيام باستفزازات باستخدام الأسلحة الكيماوية في الجزء الجنوبي من إدلب السورية.
وزاد أن المركز الذي يدير نشاطه من قاعدة «حميميم» الروسية، «تلقى معلومات» عن قيام مسلحي الهيئة بالإعداد لاستفزاز باستخدام مواد سامة، موضحاً ان الخطة تتضمن «تصوير الاستفزازات في منطقة مرتفعات جبل الزاوية بمشاركة مراسلين أجانب لنشرها لاحقاً على الإنترنت ووسائل الإعلام الشرق أوسطية والغربية، لاتهام القوات الحكومية السورية باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين».
وكانت موسكو وجهت اتهامات مماثلة عدة مرات إلى الفصائل السورية، وأعلنت أكثر من مرة عن «موعد محدد لتنفيذ الاستفزاز». لكنها لم تكشف في أي مرة عن «مصادر معلوماتها». وتشير بيانات عسكرية روسية إلى أن موسكو تتلقى معلومات من «شهود في المنطقة، ومن الجهات السورية المختصة».
ورأت وسائل إعلام روسية، أن الإعلان عن «استفزاز كيماوي جديد» مرتبط بممارسة ضغط جديد على تركيا، لتسريع تنفيذ الاتفاقات الموقّعة مع موسكو حول الوضع في إدلب، خصوصاً على خلفية إعلان موسكو، قبل أيام، عن استعدادات يقوم بها متشددون لشن هجمات جديدة على قاعدة «حميميم» باستخدام طائرات مسيرة.
لكن معلقين ربطوا الاتهامات الروسية الجديدة، بنتائج مناقشات مجلس الأمن قبل يومين حول «الملف الكيماوي» السوري، التي لم تكن مُرضِية للروس، خصوصاً على خلفية تعمد مندوبي بلدان غربية توجيه اتهامات لموسكو بالتستر على استخدام النظام للأسلحة الكيماوية، وربط هذا الموضوع بقيام موسكو باستخدام مواد كيماوية سامة ضد معارضين روس.
وكان مجلس الأمن عقد، قبل يومين، جلسة صاخبة في إطار النقاشات الدورية التي يجريها شهرياً حول التزام سوريا بتنفيذ القرار الأممي 2118 الخاص ببرنامج سوريا للأسلحة الكيماوية. وشهدت الجولة سجالات عاصفة بين مندوبي روسيا وسوريا من جهة، ومندوبي البلدان الغربية من جهة أخرى، خصوصاً على خلفية تصاعد النقاشات بعد تعرض المعارض الروسي اليكسي نافالني أخيراً، لمحاولة تسميم باستخدام مادة كيماوية، ما دفع عدداً من أعضاء المجلس إلى الربط بين الملفين وتوجيه اتهامات لموسكو بالتستر على نشاطات دمشق في مجال استخدام الأسلحة المحظورة.
وخلال النقاشات، قالت المندوبة السامية لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو إن نظام بشار الأسد «لم يقدم بعدُ معلومات كافية من شأنها أن تمكن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية من إغلاق الملف الخاص بالعثور على مواد كيماوية داخل سوريا»، مشيرة إلى أن البعثات الدولية عثرت على مادة كيماوية تم اكتشافها في مرفق برزة التابع للمركز السوري للدراسات والبحوث العلمية، و«لم نتلق أجوبة من الحكومة السورية تساعد على إغلاق هذا الملف».
وأكدت ناكاميتسو أن «استخدام الأسلحة الكيماوية أمر غير مقبول، كما أن تحديد المسؤولين ومحاسبتهم أمر بالغ الأهمية». وتابعت: «ضمان المساءلة عن استخدام الأسلحة الكيماوية هو مسؤوليتنا».
وأثارت هذه الاتهامات استياء دمشق وموسكو، وردّ المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري بتوجيه اتهامات مضادة للغرب بتجاهل الخطوات السورية في هذا المجال، وقال إن السلطات السورية «التزمت وأوفت بجميع تعهداتها، عبر تدمير كامل المخزون الكيماوي على متن سفينة أميركية».
من جهته، اتهم السفير الألماني لدى الأمم المتحدة، كريستوف هويسجن، روسيا بـ«التستر على جرائم الأسد ضد المدنيين السوريين». ووجه انتقادات حادة لنظيره الروسي فاسيلي نيبيزيا، قائلاً: «ما الذي تحاول أن تخفيه روسيا بتسترها على جرائم النظام السوري؟ ولماذا تسعى للنيل من مصداقية منظمة الأسلحة الكيماوية، خاصة أن الأدلة تشير إلى علاقتها بقضية (المعارض الروسي أليكسي) نافالني؟».
وردّ السفير الروسي نافياً اتهامات نظيره الألماني، وقال إن «تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تنقصها الاحترافية والشفافية، وتستند إلى معلومات مغلوطة لا يمكن التأكد من صحتها». ورفض بشدة «محاولات ربط ملف نافالني بموضوع المناقشات في الجلسة الدورية» حول الكيماوي السوري.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم