انسحاب الهند من «القوقاز ـ 2020» يكرس الصراع الإقليمي

نيودلهي قالت لا في وجه حليفتها القديمة روسيا بسبب مشاركة الصين وباكستان في التدريبات

انسحاب الهند من «القوقاز ـ 2020» يكرس الصراع الإقليمي
TT

انسحاب الهند من «القوقاز ـ 2020» يكرس الصراع الإقليمي

انسحاب الهند من «القوقاز ـ 2020» يكرس الصراع الإقليمي

في قرار يحمل دلالات جيو - استراتيجية كبرى، قررت الهند الانسحاب من تدريبات عسكرية استراتيجية متعددة الأطراف تحمل اسم «القوقاز - 2020» المقرر أن تُجرى تحت مظلة «منظمة شنغهاي للتعاون»، التجمع الدولي الأورو - آسيوي الذي تقوده الصين وروسيا.
وفق الإعلان الرسمي، قالت الحكومة الهندية إن انسحابها تقرر «في ضوء جائحة (كوفيد - 19) والمصاعب التي خلقها فيما يخص التدريبات، بما في ذلك ما يتعلق بالترتيبات اللوجيستية. وعليه، قررت الهند ألا ترسل فرقة عسكرية للمشاركة هذا العام في تدريبات (القوقاز - 2020). وجرى إخطار الجانب الروسي بالأمر». لكن، مع ذلك، أفادت مصادر داخل وزارة الخارجية أن الهند قررت في الواقع الامتناع عن المشاركة في أي تدريبات عسكرية مع جنود صينيين وباكستانيين.

أفادت مصادر هندية مطلعة بأن نيودلهي كانت مستعدة بادئ الأمر لإرسال 200 عسكري، بينهم 180 جندياً من كتيبة مشاة ومراقبون من القوات الجوية والبحرية، بهدف المشاركة في تدريبات «القوقاز - 20». إلا أنه في وقت لاحق قررت الهند إعادة النظر على نحو كامل في قرارها. وفي هذا الصدد، أعرب المحلل السياسي آر إس غيل عن اعتقاده بأنه «أساساً، لا جدوى من وراء التظاهر بأن العلاقات مع الصين وباكستان طبيعية، مع أن هذا التوجه هو ما تتخذه جميع الدول في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية. لكن الهند هنا تتخذ المسار الصحيح. وفي مؤشر على اعتراضها، قررت الهند أن تقول لا في وجه روسيا التي تُعتَبر حليفتها القديمة».
وأضاف غيل: «في واقع الأمر يأتي هذا القرار بمثابة خطوة دبلوماسية كبرى تعكس سيادة واستقلالية الهند. ونظراً لتعذر التوصل حتى الآن إلى تسوية واضحة لحالة التأزم القائمة على خط الحدود بين الهند والصين، رأت الهند من المناسب التذرع بجائحة «كوفيد - 19» وتبعاتها كمبرر للتغيب عن التدريبات، الأمر الذي يعد صحيحاً في جزء منه. أما السبب غير المعلن فقد يكون أن الهند ارتأت ألا تشارك في تدريبات عسكرية مشتركة مع قوات صينية وباكستانية بالنظر إلى الوضع المتأزم على الحدود. الواضح أن الهند ليست راغبة في إرسال إشارات خاطئة لشعبها والمجتمع الدولي».
ما يُذكر أنه من المقرّر مشاركة العديد من دول «منظمة شنغهاي للتعاون» في التدريبات، ومنها الصين وباكستان وروسيا وكازاخستان (قزاقستان) وقيرغيزستان وتاجيكستان وأوزبكستان ومنغوليا وسوريا وإيران ومصر وبيلاروسيا وتركيا وأرمينيا وأذربيجان وتركمانستان. وأيضاً، يشمل البرنامج مشاركة فرق من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، المعترف بهما جزئياً كدول من جانب روسيا وعدد قليل من الدول الأخرى. ولقد سبق أن نظمت هذه التدريبات عامي 2012 و2016.
ووفق البرنامج المعدّ، ستجري التدريبات في منطقة أستراخان بجنوب روسيا (شمال شاطئ بحر قزوين) بين 15 و26 سبتمبر (أيلول)، بمشاركة ما يزيد على 13 ألف عسكري. وتشكل التدريبات المشتركة جزءاً من دورة تدريبية مؤلفة من أربع سنوات يخوضها الجيش الروسي. وبالنسبة للصين فإنها تشارك بكتيبة من الجيش وثلاث سفن حربية.

ثقل موازٍ لـ«ناتو»
من ناحية أخرى، ينظر كثيرون إلى صعود «منظمة شنغهاي للتعاون» على أنها الثقل الواعد الموازن لحلف شمال الأطلسي «ناتو». وتمثل المنظمة راهناً واحدة من أكبر التكتلات الدولية عبر الإقليمية، التي تضم بين جنباتها ما يقرب من 44 في المائة من سكان العالم، وتمتد حدود الدول المشاركة في المنظمة من المحيط المتجمد الشمالي إلى المحيط الهندي، ومن المحيط الهادي إلى بحر البلطيق. ولقد ركزت «منظمة شنغهاي للتعاون» على التنمية الاقتصادية والتواصل. وفي حين صبّت الصين جهودها على الترويج لضرورة تعزيز التواصل الإقليمي من خلال «مبادرة الحزام والطريق» الخاصة بها، ظل اهتمام الهند منصباً على الترويج للتجارة من خلال «ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب»، وأهمية الوصول إلى آسيا الوسطى عبر أفغانستان من خلال «ميناء تشابهار» الإيراني.

العلاقات الهندية - الروسية
تاريخياً، ربطت بين الهند والاتحاد السوفياتي علاقات صداقة وثيقة، وما زال الجميع يتذكرون الدعم السوفياتي للهند عام 1971 أثناء حرب بنغلاديش. وعليه، فإن الهند تعي جيداً أن انسحابها من تدريبات «القوقاز - 2020» سيكون أمراً مثيراً للإحباط لدى الجانب الروسي، خاصة أنها وجهت الدعوة إلى القوات البحرية الروسية للمشاركة في تدريبات عسكرية في بحر أندامان (المحيط الهندي)، قرب مضيق مالقا، وقبل الجانب الروسي الدعوة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تدريبات «القوقاز - 2020» عادة ما تجري خلال يومي 4 و5 سبتمبر (أيلول)، وتشارك فيها ثلاث سفن حربية روسية وعلى الأقل عدد مماثل من سفن حربية هندية. واللافت للاهتمام أنها ستجري في المنطقة نفسها تقريباً التي من المقرر أن تجري فيها تدريبات مالابار التي تشارك فيها الهند والولايات المتحدة واليابان، وربما أستراليا أيضاً، في نوفمبر (تشرين الثاني).
من جهته، أعرب سرينجوي تشودري، محرّر الشؤون الوطنية بصحيفة «تايمز ناو»، عن اعتقاده بأن «هذه ليست مجرد تدريبات بحرية أُعدّت على عجل، بل رسالة موجهة بصورة أساسية إلى الصين. وحتى مع تغيّب الهند عن تدريبات (القوقاز - 2020)، فإن صلاتها بروسيا تبقى قوية مثلما كانت دوماً. ورغم وجود توترات في إقليم لاداخ (الحدودي مع الصين)، فإن هذا لا يوقف روسيا والهند عن العمل معاً على نحو وثيق».
ومن جانب متصل، يقول نيتين إيه غوكيل، المحلل المعني بقضايا الأمن الوطني، الذي ألف سبعة كتب حول قضايا عسكرية واستراتيجية، في تصريحات لوكالة «سبوتنيك» الروسية إن التساؤل عن تأثير التوتر الهندي الصيني على «منظمة شنغهاي للتعاون» وتجمّع «بريكس» (الذي يضم أيضاً البرازيل وجنوب أفريقيا) «مطروح منذ أمد طويل، وتتعذر الإجابة عنه بدقة في الوقت الحاضر، لكن الحقيقة تبقى أنه يتوجب على الهند أن تولي الأولوية الأولى لمصالحها الوطنية». ويتابع: «الحفاظ على (منظمة شنغهاي للتعاون) ليس مسؤولية الهند وحدها، بل كذلك مسؤولية للآخرين. وإذا كانوا يرغبون في وجود الهند داخل مثل هذه المنتديات، فعلى دول أخرى، مثل الصين وباكستان، التصرف على النحو الذي تتصرف به الدول الراغبة في التعاون مع الهند. لكن الواضح، راهناً، أن الصين وباكستان لا تبديان أي إشارات صداقة تجاه الهند... ولذا أرى أن الهند اتخذت القرار الصائب في هذا الصدد».

الاشتباكات الحدودية الهندية - الصينية

واقع الحال أنه خلال الأيام الأخيرة، بعد خمسة أشهر من التراشق المدفعي الثقيل بين الجيشين الهندي والصيني، عبر «خط الهدنة والضبط» الفاصل في شرق إقليم لاداخ الجبلي، سمع تجدد لإطلاق النار. وتكثف التوتر بعدما تبادل الجانبان التهم أكثر بالتسبب بالاحتكاك الجديد في نقطة حدودية ساخنة في جبال الهيمالايا.
المتابعون اعتبروا ما حدث تصعيداً جدّياً بين العملاقين النوويين الآسيويين، في حين وصف مصدر عسكري هندي الحادث الأخير بأنه «محدود» وجاء كـ«طلقات إنذار»، بعدما استهدفت نيران القوات الصينية مواقع هندية، وعقب ذلك تراشق محدود. وأردف المصدر أن القوات المرابطة على «خط الهدنة والضبط» موضوعة في حالة تأهب عالٍ منذ السيطرة على عدد من القمم المرتفعة في المنطقة المتنازع عليها. وفي المقابل، يواصل الصينيون السعي للسيطرة على قمتين استراتيجيتين تشرفان على معسكرات للقوات الصينية.
وهنا نشير إلى أن مواجهة هذا الأسبوع هي فعلياً أول اشتباك مسلح يُسجّل عبر الحدود الهندية الصينية منذ عام 1975. والملاحظ، أن الوضع العام على طول «خط الهدنة والضبط» يزداد توتراً رغم تعدد جولات الحوار الدبلوماسية والعسكرية. وبما يخصّ الصين، فإنها دأبت على تحميل الجانب الهندي مسؤولية التصعيد، بما في ذلك الاشتباك الدامي يوم 15 يونيو (حزيران) الماضي في وادي غالوان بإقليم لاداخ، حيث سقط 20 قتيلاً من أفراد القوات الهندية مقابل عدد غير معروف من الإصابات في صفوف القوات الصينية.
اليوم، لا يزال الوضع متوتراً بين الهند والصين مع اتخاذهما استعدادات عسكرية كبيرة، جاءت بعد اشتباكات يومي 29 و30 أغسطس (آب) الماضي، والصدامات التالية بين الجانبين على امتداد الحدود بينهما، وبالأخص، في إقليم لاداخ. ويعد هذا الصدام الأخير الأكثر خطورة في سلسلة أعمال التصعيد بين الجانبين منذ 15 يونيو في وادي غالوان.
من ناحيته، ذكر مصدر عسكري رفيع المستوى أن الوضع في شرق لاداخ لا يزال «حساساً» مع نشر الجانبين الصيني والهندي دبابات وقوات إضافية، وإقدام الجانب الهندي على خطوات انتقامية بفرض هيمنته على كامل الضفة الجنوبية من بحيرة بانغونغ تسو. أما الجانب الصيني فقد قال بنبرة غاضبة إن الهند انتهكت «إجماعاً سابقاً». وأضاف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية أن الصين «لم تخترق قط خط السيطرة الفعلية»، بينما أقدمت الهند على «اعتداءات غير قانونية».
ولكن، في أي حال، بالإضافة إلى التصعيد الصيني في غرب «خط الهدنة والضبط» عند لاداخ، تواصل بكين تجديد مطالبتها بولاية آروناتشال براديش الهندي في القطاع الشرقي من الحدود الهندية - الصينية. وكان الأمر قد تفاقم أخيراً هناك بعد اختفاء خمسة فتيان من آروناتشال براديش. وبعدما نفى الصينيون أن يكون الفتيان عندهم، تراجعوا خلال ثلاثة أيام وأعادوا الفتيان إلى العسكريين الهنود.
أما على الصعيد السياسي، فقد سبقت مواجهات هذا الأسبوع بأيام قليلة زيارة وزير الخارجية الهندي سوبرامانيان جايشنكار لموسكو من أجل حضور اجتماع «منظمة شانغهاي للتعاون» وانعقاد الاجتماع الحواري الجانبي المقرّر بينه وبين نظيره الصيني وانغ يي. وفي لقاء مع الإعلام قال جايشنكار إنه سيبلغ «وانغ أنه لا يمكن فصل الوضع الحدودي عن العلاقات بين البلدين». وأردف: «لدينا جملة من التفاهمات على إدارة الحدود تعود إلى عام 1993. وما لم يكن السلام والهدوء من المسلّمات والثوابت، فلن يمكن تطوير باقي مكوّنات العلاقات. إن السلام والهدوء أساس العلاقات الثنائية».
ومن جانبه، التقى وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ نظيره الصيني واي فينغ هي خلال الأسبوع على هامش حضوره اجتماع وزراء دفاع دول «منظمة شنغهاي للتعاون»، وذلك في الزيارة الثانية لسينغ إلى موسكو خلال فترة قصيرة. وتعليقاً على الوضعين الميداني والسياسي، أشار الصحافي والكاتب كيه سي سينغ إلى أن «التطورات الجديدة غير مثيرة للدهشة بالنظر إلى تفاقم مشاعر الإحباط لدى الهند إزاء استغلال الجيش الصيني الحوار في تعطيل المزيد من إجراءات فك الاشتباك، بينما يعمل في الوقت ذاته على التوسع في المساحات التي اخترقها».
وفي هذا الصدد، حذّر بيبين راوات، رئيس هيئة أركان الدفاع العامة الهندي، يوم 24 أغسطس الماضي من أن «الخيار العسكري متاح لدى الهند إذا فشل الحوار». وبالفعل، تحركت الهند بسرعة لحماية مصالحها بعد الحادثة الأخيرة، لكن تبقى هناك حاجة لدراسة أسباب وقوع الصدام.
اليوم، تبقى القنوات العسكرية والدبلوماسية مفتوحة بين الهند والصين، لكن الحقيقة تظل أن الهند حالياً تقف في مواجهة صين ترى أنها قوة عالمية كبرى، وتحاول استغلال الوضع في لاداخ لإرسال رسالة إلى خصومها في مناطق أخرى من العالم.
ومع أنه توجد بارقة أمل في الوصول إلى السلام خلال اجتماعي وزيري الخارجية الهندي الصيني في موسكو، يتخوف المتابعون الهنود من أن وقوع أي أعمال تصعيد أخرى من جانب الجيش الصيني سيكون كفيلاً بالقضاء على أي مبادرة دبلوماسية.

لاداخ... في سطور

> لاداخ منطقة جبلية خاضعة للإدارة الهندية تحت صفة «أرض اتحادية»، وهي تشكل جزءاً من إقليم كشمير، الأكبر مساحة، والمتنازع عليه بين الهند وباكستان والصين منذ 1947.
يحد لادخ من الشرق إقليم التيبت الذاتي الحكم ضمن جمهورية الصين الشعبية، وولاية هيماتشال براديش الهندية من الجنوب، وكل من منطقة جامو وكشمير الهندية ومنطقة غيلغيت - بالتستان الباكستانية من الغرب، والزاوية الجنوبية الغربية من إقليم سنكيانغ - ويغور (تركمستان الشرقية) الصيني من أقصى الشمال عبر ممر كرا كورام الجبلي.
الطرف الشرقي من لاداخ يضم سهول أكساي تشين غير المأهولة، وتطالب الهند بهذه السهول وتعتبرها جزءاً من أرضها، مع أنها تحت السيطرة الصينية منذ 1962. أما على الصعيد الإداري فإن لاداخ ظلت حتى العام الماضي 2019 جزءاً من ولاية جامو وكشمير، ولكن البرلمان الهندي سن تشريعاً في أغسطس (آب) 2019 يجعل لاداخ «أرضاً اتحادية» اعتباراً من 31 أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام.
يزيد عدد سكان لاداخ قليلاً على 275 ألف نسمة، أما عاصمتها فهي بلدة ليه، التي تعد أيضاً أكبر تجمعاتها السكانية، تليها بلدة كارجيل. وللعلم، يعيش معظم سكان المنطقة في وديان ترويها أنهار المنطقة التي تغذيها مياه ثلوج جبالها الشاهقة.
من ناحية ثانية، بخلاف جامو وكشمير، ذات الغالبية السكانية المسلمة الكبيرة، يتوزّع سكان لاداخ على عدة ديانات ومذاهب، منها: الإسلام (غالبية شيعية) ونسبة معتنقيه 46 في المائة، والبوذية التيبتية (40 في المائة)، والهندوسية (12 في المائة) بجانب أقليات أخرى تقارب نسبتها الـ2 في المائة. ثم إن لاداخ من الناحيتين الثقافية والتاريخية قريبة جداً من التيبت.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.