نتنياهو يريد تأجيل محاكمته بأي ثمن

المستشار القضائي ينفي اعتباره «رئيس حكومة متعذراً»

صورة أرشيفية تجمع نتنياهو المستشار القضائي للحكومة أبيحاي مندلبليت
صورة أرشيفية تجمع نتنياهو المستشار القضائي للحكومة أبيحاي مندلبليت
TT

نتنياهو يريد تأجيل محاكمته بأي ثمن

صورة أرشيفية تجمع نتنياهو المستشار القضائي للحكومة أبيحاي مندلبليت
صورة أرشيفية تجمع نتنياهو المستشار القضائي للحكومة أبيحاي مندلبليت

أكدت مصادر سياسية في تل أبيب، أمس (الخميس)، أن الهدف من الحملة التي بادر إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في هجومه الشديد على المستشار القضائي للحكومة، أبيحاي مندلبليت، وعلى النيابة والشرطة المنضوية كلها تحت قيادته، هو تأجيل محاكمته بأي ثمن. وقد أجمع الخبراء السياسيون على أن هذا الهجوم لن يهدأ ولن يتوقف، إلا إذا رضخت المؤسسة القضائية، وباشرت التفاوض معه حول حلول وسط في قضايا الفساد التي سيُحاكم عليها.
وكانت أنباء قد نُشرت، الليلة قبل الماضية، تفيد بأن مندلبليت ينوي الإعلان عن نتنياهو «رئيس وزراء متعذراً»، أي غير قادر على ممارسة مهامه، بسبب هجماته الكاسحة على الجهاز القضائي. إلا أن نفياً قاطعاً صدر عن مكتبه.
وقالت مصادر في وزارة القضاء، إن «هناك مشكلة في وجود رئيس حكومة ثلاث مرات في الأسبوع في قفص الاتهام، بتهم خطيرة تستدعي جهداً كبيراً بشأنها، ولكن القانون يتيح له ذلك. ويوجد عدد من رجال القانون الذين ينصحون مندلبليت بأن يعلن عن نتنياهو (رئيس حكومة متعذراً)، لكن المستشار كان قد أوضح رأيه في مطلع الأسبوع، وقال إنه لن يمنع نتنياهو من البقاء في منصبه رغم المحاكمة. وعاد إلى التصريح نفسه أمام الموظفين الذين اقترحوا عليه تغيير رأيه».
وقالت مصادر مقربة من مندلبليت: «لا شك في أن نتنياهو يدير حملة غير قانونية ضد الجهاز القضائي، وهو بذلك يسيء للدولة، ويتصرف كمن يقطع الفرع الذي يجلس عليه، لكن عقابه يأتي من الجمهور ومن مؤسسات الدولة المنتخبة، الحكومة أي الكنيست، وليس من المستشار».
ومع ذلك، فإن مقربين من وزير القضاء، آفي نيسن كورن، أحد قادة حزب «كحول لفان»، اعتبروا التسريبات حول «تعذر نتنياهو»، بمثابة تهديد له لكي يوقف هجومه على الجهاز القضائي. إلا أن معسكر نتنياهو رد بتهديد مقابل، قائلاً إنه يملك العديد من الأدوات التي تجعله يقلب حسابات مندلبليت وجهازه، ويخرجهم من «المولد» خاسرين. وقال نائب من أنصار نتنياهو: «أولاً بإمكاننا التوجه إلى المحكمة العليا لنثبت أن مندلبليت غيّر رأيه حول التعذر لأسباب شخصية، رداً على انتقادات ضده وضد جهازه. وثانياً، لربما تكون هذه المحكمة وسيلة لتأجيل بدء محاكمة نتنياهو الأصلية، باعتبار أنه لن يستطيع إدارة قضيتين كبريين في آن واحد. ولدى نتنياهو أسلحة أخرى يستطيع استخدامها، فهو ما زال يمسك بزمام القرار حول حل الكنيست، والتوجه إلى الانتخابات، وكل ما هنالك أنه قام بتأجيل القرار إلى موعد أفضل. إنه يريد انتظار نتائج الانتخابات الأميركية، أولاً، حيث إن فوز الرئيس دونالد ترمب بجولة ثانية سيشحنه بالقوة وسيعطيه دفعة كبيرة لزيادة شعبيته. وهو يتوقع أن يقدم ترمب على خطوات عدةٍ تقوّي نتنياهو، كما فعل في كل الانتخابات الإسرائيلية السابقة. وهناك الاتفاق مع الإمارات، الذي رفع شعبية نتنياهو، وسيرفعها أكثر بعد التوقيع الرسمي».
المعروف أن آخر استطلاعات الرأي منحت نتنياهو 31 مقعداً فقط (له اليوم 36)، لكنها في الوقت نفسه، أكدت أن معسكر اليمين بقيادته سيحقق فوزاً واضحاً، بأكثرية 65 مقعداً (من مجموع 120). وعندما سئل المستطلعون للقناة «12» التلفزيونية، التي أجرت هذا الاستطلاع، أي الشخصيات يرونه مناسباً أكثر لرئاسة الحكومة، حظي نتنياهو بتأييد أعلى نسبة: 45 في المائة، بينما جاء بعده زعيم اتحاد الأحزاب اليمينية الأكثر تطرفا «يميناً»، نفتالي بنيت.
وبناء على هذه المعطيات يضع نتنياهو في رأس سلم اهتماماته، حالياً، تأجيل محاكمته، والدليل أنه لم يقدم بعد على أي خطوة للإعداد للمحكمة، فقد تركه 15 محامياً (لأنه لم يدفع مليماً لهم، وكان يعدهم بالدفع عندما يتمكن من جمع تبرعات لتمويل القضية)، ولم يعين أي محامٍ مكانهم. وبقي عنده ثلاثة محامين لا يُعتبرون من كبار المحامين. وهناك ملفات ضخمة يأكلها الغبار، لأن أحداً لم يفتحها، رغم أن موعد المحكمة يقترب وتبقى منه أربعة شهور فقط. وهو يتصرف على هذا النحو، لأنه واثق من أن المحكمة لن تبدأ في موعدها، وسيجد طريقة لتأجيلها. وتدور جهوده الآن حول مهاجمة النيابة والمستشار وقائد الشرطة السابق، روني ألشيخ. ففي هذا الهجوم يرمي نتنياهو لأن يثبت للجمهور أولاً، ثم لمحكمة العدل العليا، ما يلي: أولاً، أن قائد الشرطة حبك ملفات الفساد ضده، وهو رجل غير مستقيم، والدليل على ذلك يستنبطه نتنياهو من ملف قتل المعلم يعقوب أبو القيعان من أم الحيران في النقب. ففي حينه (سنة 2017) كانت الشرطة قد قتلت أبو القيعان، بدعوى أنه دهس وقتل رجل شرطة واعتبرته إرهابياً. وعندما حاولت دائرة التحقيق مع رجال الشرطة، التابعة لوزارة القضاء، التحقيق في الموضوع، هدد ألشيخ بتدميرها. وثانياً، النيابة غير نزيهة ورئيسها، في حينه، شاي نتسان، رضخ لمفتش الشرطة، ألشيخ، ولم يأمر بالتحقيق وساهم في لفلفة الملف قائلاً: «لا أريد أن أعمق الخلافات بيننا وبين الشرطة، حتى لا يستفيد نتنياهو من ذلك». وثالثاً: المستشار مندلبليت، الذي عرف بهذا وبأمور أخرى عن تآمر الشرطة والنيابة، ولم يفعل شيئاً لمنعها. والهدف من منطقه هذا، أن «أولئك الذين قرروا توجيه لائحة اتهام ضدي بالفساد، هم الفاسدون. ولا بد من إعادة فحص الملف من جديد، ووقف المحكمة حتى يتم هذا الفحص».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم