من التاريخ: الحرب الأهلية الأميركية

من التاريخ: الحرب الأهلية الأميركية
TT

من التاريخ: الحرب الأهلية الأميركية

من التاريخ: الحرب الأهلية الأميركية

تكاد كل دولة بعد بنائها أن تتعرض لحرب أهلية داخلية ويكون ذلك عندما تلجأ الفرق السياسية أو الدينية المختلفة فيها إلى الصراع المسلح من أجل فرض أهدافها فيكون الحوار قد نفد ويبقى العنف هو الحل الأخير أمام هذه الفرق، وقد تعرضت الكثير من الدول لهذه الأزمات في مراحل تكوينها الأساسية عبر تاريخها، وعادة ما تكون أسباب هذه الحروب الأهلية مرتبطة بشكل مباشر بالتركيبة الاجتماعية والسياسية والثقافية مجتمعة وعندئذ تكون حدة الصراع المسلح كبيرة للغاية بسبب عدم تجانس هذا المجتمع، ويكون الهدف من هذه الحروب إما السلطة والسيطرة السياسية، أو محاولة فرض طابع اجتماعي - ثقافي جديد على الدولة ككل أو الإبقاء على هذا النظام أمام الفرق المطالبة بالتغيير، وفي أغلبية الأحوال لا يكون العامل الاقتصادي وحده سببا في مثل هذه الحروب، وتشير الكثير من حالات الحروب الأهلية عبر التاريخ الحديث إلى أن الحروب الأهلية تكون مرتبطة بشكل مباشر بعملية تكوين الدولة وبمحاولة فرض مفاهيم الشرعية بداخلها، ولذلك فقد يربطها البعض بمراحل نشأة الدولة، ولكن هذه ليست قاعدة فقد تنشب مثل هذه الحروب عندما يكون هناك عملية تغيير لمفهوم الشرعية داخل الدولة الراسخة، والأمثلة على ذلك كثيرة للغاية مثل إنجلترا خلال القرن السابع عشر، وفرنسا بعد الثورة الفرنسية، والكثير من دول أوروبا في مرحلة الربيع الأوروبي عام 1848، وهنا فإن هذه الحروب لا تكون بسبب النشأة ولكن لعوامل التغيير.
وفي هذا الإطار فإن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن استثناء من هذه القاعدة، فلقد تكاملت الولايات الـ13 وواجهت بجيشها الوليد والموحد الجيش البريطاني العتيد بهدف الاستقلال حتى نالته بعد إعلان الاستقلال بأعوام قليلة، وقد تمت صياغة الدستور الأميركي بشكل يضمن نوعا من التوازن الدقيق بين الولايات المختلفة آخذا في الاعتبار أحجامها المختلفة بشكل مثّل سابقة فريدة من نوعها في الأنظمة السياسية التي كانت سائدة في العالم الحديث، وقد تغلبت هذه الدولة الوليدة على كافة المصاعب بمرور الوقت، ولكنها لم تستطع وقاية نفسها من شرور الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1861 والتي كانت حربا مختلفة بعض الشيء، فهي لم تكن مرتبطة بمحاولة ولاية أو أخرى تغيير النظام السياسي للدولة أو عملية إعادة توازن أو توزيع للقوة، بل كانت لأسباب اقتصادية اجتماعية في الأساس.
لا يختلف أغلبية المؤرخين في اعتبار العبودية السبب الأساسي وراء اندلاع هذه الحرب الأهلية، ولولاها لما اندلعت هذه الحرب، فلقد كانت التركيبة الاقتصادية والاجتماعية الأميركية تختلف عن مثيلاتها في العالم، فولايات الشمال القوية كانت تعتمد في الأساس على القاعدة الصناعية وبدرجة أقل الزراعة، وهو ما ساهم بشكل مباشر في خلق بيئة اجتماعية وثقافية مختلفة عن ولايات الجنوب التي اعتمدت على الاقتصاديات الزراعية في الأساس، فلقد أدى هذا النمط من التطور والتنمية في الشمال إلى خلق بيئة فكرية وثقافية وطريقة حياة مختلفة بشكل كبير عن الجنوب الذي لم يستطع بدوره أن يطور من نفسه بالشكل المطلوب، فلقد كانت اقتصاديات الولايات الجنوبية تعتمد في الأساس على الزراعة، خاصة زراعة القطن والسكر والتبغ وغيرها من السلع التي كانت تدر عائدا ماديا عاليا Cash Crops، وقد نتج عن ذلك اعتماد مباشر على العمالة التي لم تكن متوفرة بيسر بين أبناء طبقة ملاك الأراضي، وبالتالي ظهر توجه للاعتماد على الرق لزراعة الأراضي، فهذه الزراعات تحتاج إلى عمالة كثيفة Labor Intensive، وكلما توسعت دول الجنوب في التطور الاقتصادي الزراعي زادت الحاجة لمزيد من الرق، وتشير بعض الإحصاءات التاريخية إلى أن حجم العبيد الأميركي عند الاستقلال لم يتخط السبعمائة ألف، ولكن هذا الرقم قفز بشكل مباشر إلى ما يقرب من مليونين بحلول عام 1830. ثم قفز مرة أخرى إلى قرابة 4 ملايين بحلول عام 1860.
ورغم ذلك فإن ولايات الجنوب الأميركي لم تسع في أي مرحلة من مراحل تطورها لإدخال الصناعة لتخفف من حدة اعتمادها على الزراعة أو تُحدث تنويعا مطلوبا، وقد تعددت الآراء في السبب وراء هذا التكاسل الصناعي فمنها الآراء التي أرجعته إلى عدم ملاءمة البيئة الجنوبية لمثل هذه الحداثة، كما أن العبيد لم يكن من الممكن الاعتماد عليهم لمحاولة إقامة هذا النظام الاقتصادي، وبالتالي انحصرت القاعدة الصناعية في الجنوب على الصناعات المرتبطة بالزراعة مثل المنسوجات وغيرها، وقد أدى هذا إلى تطور اجتماعي للجنوب يختلف تماما عن الشمال، حيث انزلق هذا المجتمع في توجهاته الاجتماعية ومن ثم الثقافية المختلفة، فأصبح مجتمعا محافظا مبنيا على أشكال تشابه أنماط التطور في القرون الوسطى الأوروبية بتركيبة اجتماعية مختلفة تماما عن ولايات الشمال، وهو ما جعل الهوة تتسع بين الأهداف والمصالح في الشمال مقارنة بالجنوب.
حقيقة الأمر أن بذور الحرب الأهلية بدأت منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية، فالتركيبة السياسية والاجتماعية دفعت الكثير من المفكرين ورجال الكنيسة والساسة لمحاولة القضاء على ظاهرة الرق وهو ما نظرت إليه ولايات الجنوب باعتباره سببا مباشرا في ضرب بيئتها الاقتصادية والاجتماعية، وقد بدأت الأصوات المنادية بالقضاء على العبودية، وكان منهم بطبيعة الحال ساسة ومفكرون ممن ساهموا مباشرة في صياغة وثيقة الاستقلال وعلى رأسهم «جيمس ماديسون Madison» و«جون آدمز Adams»، ولكن هذه الحركة لم تخرج عن نطاق النداءات المجردة لتحرير الرق وتحريمه، ولم يكن من المستغرب أن تندلع هذه الحركة تدريجيا من ولاية «ماساشوستس» التي كانت مصدر حرب الاستقلال وأكثر الولايات تحضرا وثقافة، ولكن هذه الحركة سرعان ما بدأت تنتشر في الولايات الأخرى، ثم في ولايات الجنوب ذاتها، وبدأت حركة اجتماعية واسعة تطالب بضرورة التحرير، وسرعان ما اندلعت نيران التحرير إلى الجنوب أيضا، فبدأت تظهر الأصوات المنادية بإنهاء العبودية، ولكن المقاومة الجنوبية بدأت تظهر، حتى إن كثيرا من الكنائس في الجنوب بدأت تسعى من أجل وضع التبرير المناسب لهذه الظاهرة الاجتماعية على أسس دينية، مستندة إلى أن الرق وارد في العهد القديم والجديد على حد سواء دون التحريم، وأن السيد المسيح لم ينه العبودية، كما أن الحركات السياسية المناهضة لم تتأخر أيضا في هذا الاتجاه، وبحلول العقد الرابع من القرن الـ18 بدأت المناوشات السياسية داخل الكونغرس حيث سعى الكثير من الساسة لمحاولة استصدار تعديلاتهم الدستورية من أجل إلغاء الرق في الجنوب وهو ما واجهه ممثلو الجنوب بحروب كلامية وسياسية كبيرة للغاية في الكونغرس.
حقيقة الأمر أن هذه الحرب اندلعت في الكونغرس الأميركي قبل ساحات المعارك المختلفة على مدار 4 سنوات تلت ذلك، فبحلول عام 1818 صارت هناك 22 ولاية نصفها يجيز الرق والنصف الآخر يرفضه، وقد تم التوصل إلى حالات كثيرة من التوافق السياسي لمعالجة هذه الأزمة، منها «توافق ميزوري» الذي أجاز العبودية في ولاية «ميزوري» ومنعها في ولاية «ميين Maine» ثم تفجرت الأزمات بعد ذلك عندما توسعت الولايات المتحدة على حساب المكسيك، فماذا سيكون مصير الرق في هذه الولايات؟، وقد دخلت الولايات المتحدة في شبح الحرب بحلول خمسينات القرن التاسع عشر، وكان الحل هو مزيد من المواءمة والتوازن داخل الكونغرس وفي هذه الولايات حيث قرر الكونغرس أن يترك لهذه الولايات تحديد موقفها من مسألة الرق، خاصة ولايتي نيومكسيكو ويوتاه، وقد عُرف ذلك فيما بعد بالمواءمة 1850، خاصة بعدما تقرر أن تنضم ولاية كاليفورنيا إلى الولايات المتحدة على أساس أنها ولاية مستقلة لها حق إجازة الرق من عدمه في إطار ما عُرف «بالسيادة الشعبية»، بينما تقرر على صعيد آخر تغليظ عقوبة العبيد الهاربين. وعلى مدار حقبة الخمسينات بدأ الحوار حول الرق يأخذ طابع التوترات السياسية إلى أن تحول في إحدى المناسبات للتطاول بالأيدي داخل الكونغرس، وهو ما كان يُنذر بأن انتشار العنف في الولايات أصبح مسألة وقت لا غير، وكانت ولاية كانساس هي المرشحة لتشهد ساحات من العنف جراء هذا النقاش المحتدم.
وهكذا أصبح القتال هو الحل الوحيد عندما تحول المشهد السياسي إلى خلاف بين الشمال والجنوب حول الرق خلافا سياسيا ممتدا إلى طريقة الحياة الجديدة التي ستنتهجها الولايات المتحدة، وهذا كان لب الأمر، فالحرب الأهلية أصبحت هنا أداة لتغيير طريقة ونمط الحياة وأسلوبها بين الشمال والجنوب كما سنرى.



السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟


لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
TT

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟


لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)

أثار تطور الأوضاع السياسية في السودان مخاوف واسعة، أولاً من خطوة تحالف «تأسيس» المؤيد لـ«قوات الدعم السريع» بإعلان هيكله القيادي، وقرب تشكيله «حكومة» في مناطق سيطرتها، وثانياً من تعثّر تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش - وتتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة - من تقطيع أوصال السودان وتجزئته. معارضون وموالون للطرفين أبدوا قلقهم العميق على وحدة البلاد، وحذّروا من احتمالات ولادة دولة داخل دولة، أو تجزئة البلاد إلى دولتين، كسابقة انفصال جنوب السودان، وولادة دولة جديدة في الإقليم السوداني. وأثار هؤلاء أسئلة عن تنازع «الشرعية» بين الحكومتين «غير الشرعيتين»، وتعميق حالة الانقسام السياسي والاجتماعي التي ولدتها الحرب في السودان. في نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، أعلن «تحالف السودان التأسيسي» - اختصاراً «تأسيس» - يوم الثلاثاء الماضي تشكيل هيئته القيادية برئاسة قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ونائبه رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال» عبد العزيز آدم الحلو، وهي خطوة وصفت بأنها تمهيد لاقتراب تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع».

تكوَّن تحالف «تأسيس» خلال فبراير (شباط) الماضي في العاصمة الكينية، نيروبي، من «قوات الدعم السريع»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان - المجلس الانتقالي»، و«تجمّع قوى تحرير السودان»، وهي حركات مسلحة في دارفور وجنوب كردفان، إلى جانب قوى وأحزاب سياسية على رأسها «حزب الأمة القومي» برئاسة فضل الله برمة ناصر، و»الحزب الاتحادي الديمقراطي»، تيار محمد الحسن الميرغني.

«حكومة السلام والوحدة»

ووقَّع أعضاء هذا التحالف على إعلان سياسي ودستور انتقالي. وقالوا إنهم سيشكلون حكومة تحمل اسم «حكومة السلام والوحدة» وتنطلق من مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وتتجه للسيطرة على كل السودان. إلا أن تشكيل «الحكومة» تعثّر أو تأخر كثيراً، إذ بعد إعلان الهيئة القيادية للتحالف وتصريحات مسؤولين فيه، توقَّع مراقبون كثر أن يكون تشكيل تلك الحكومة وشيكاً.

في الجهة الأخرى، تعثّر أيضاً تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش. وبعدما أصدر عبد الفتاح البرهان، رئيس «مجلس السيادة» الانتقالي وقائد الجيش، مرسوماً عيّن بموجبه الموظف الأممي السابق كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء، واجهت درويش تعقيدات عدة أبرزها الخلافات على تسنم كراسي الوزارة، لا سيما مع حلفاء الجيش في «القوات المشتركة» الدارفورية التي تقاتل إلى جانبه «الدعم السريع».

والحال أن لدى كل من «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة» السودانية بقيادة جبريل إبراهيم، إصراراً على الاحتفاظ بوزارتَي المالية والمعادن، بلغ حد تلميح بعض قياداتهما لفض الشراكة مع الجيش، بل وقد تصل الأمور حد «التحالف مع قوات الدعم السريع».

في هذه الأثناء، لا تعترف القوى المدنية الرافضة لاستمرار الحرب في تحالف «صمود» على الأقل، بشرعية أي من الحكومتين المزمعتين. إذ ترى أن الحكومة التي يرعاها الجيش «ثمرة انقلاب عسكري» ضد حكومة «الثورة» بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، كما لا ترى في حكومة التحالف الموعودة، سوى خطوة تهدد وحدة البلاد وسيادتها.

البرهان (آ ف ب

مناطق السيطرة

راهناً، يتوزَّع كل من الجيش و«قوات الدعم السريع» السيطرة على السودان. فالحكومة الموالية للجيش تسيطر على ولايات الوسط والشرق والشمال (سنار، ومعظم النيل الأزرق، ومعظم جنوب كردفان، والقضارف، وكَسَلا، والبحر الأحمر، ونهر النيل، والشمالية)، وتتقاسم مع «قوات الدعم السريع» السيطرة على شمال كردفان.

أما «قوات الدعم السريع» فتسيطر على ولايات دارفور الخمس (جنوب، وغرب، وشرق، ووسط، وشمال دارفور)، باستثناء الفاشر. وثمة جيوب تسيطر عليها «حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد النور. وأجزاء تسيطر عليها «القوات المشتركة»، وولاية غرب كردفان، باستثناء مدينة بابنوسة، وأجزاء واسعة من ولاية شمال كردفان، والأجزاء الشمالية من جنوب كردفان، وبعض المناطق في جنوبها تسيطر عليها «الحركة الشعبية».

دولة أم دولتان؟

مراراً، أكد قادة «قوات الدعم السريع» أن الهدف من خطوتها «سد الفراغ الإداري في مناطق سيطرتها»، وأن «الدعم السريع يعمل على توحيد البلاد وتحريرها» من سيطرة خصومه الإسلاميين، وفي الوقت ذاته لا يعترف بحكومة الجيش. لكن الخطوة (تشكيل حكومة) أثارت قلقاً كبيراً على المستويين المحلي والدولي، خشية إعادة تجربة انفصال جنوب السودان، كحد أعلى، أو على الأقل الانتقال إلى حكومتين في دولة واحدة.

بما يخصه، الجيش بحكم تحالفه مع «القوات المشتركة»، وهي حركات دارفورية مسلحة، لا يمكنه الكلام عن فصل دارفور والأقاليم الغربية، لكن بعض حلفائه الإسلاميين، لا يخفون رغبتهم في التخلص من الغرب أسوة بما فعلوه مع جنوب السودان. وفي الوقت نفسه يغض الجيش الطرف عن تحرك مجموعات محسوبة على شمال ووسط البلاد، تدعو علانية لفكرة فصل غرب السودان عن وسطه وشماله، تحت ذرائع التمايز التاريخي والثقافي، وهي كالذرائع التي أدت لانفصال جنوب السودان.

وحقاً، حذّر المبعوث الأميركي السابق إلى السودان، توم بيريلليو، من دعوات التقسيم التي بدأ صوتها يرتفع، وما قد تؤدي إليه من كوارث، فقال: «تقسيم السودان قد يزّج العالم في عقود من الحرب». وحذَّر من إنشاء حكومات موازية تؤدي إلى ازدياد الاستقطاب، وتعجِّل في تشظي البلاد إلى دويلات متناحرة.

دور الإسلاميين

بدأ المحلل السياسي محمد لطيف حواراً مع «الشرق الأوسط» بسؤال: «لماذا الحرب»؟ وأردف: «بصفتي مراقباً أقول إن الدلائل كلها تؤكد أن الحرب اندلعت من أجل استعادة الإسلاميين السلطة... وخطوة تحالف (تأسيس) وإن زعم العكس، لن تتعدى كونها أداة ضغط على الجيش وحلفائه للعودة إلى منصة التفاوض».

لطيف استبعد أن يسفر الضغط عن إعادة الجيش إلى مائدة التفاوض، مضيفاً: «من التجربة التاريخية، فإن التيار المسيطر على المشهد ليس حريصاً على وحدة البلاد، وليس منزعجاً من تشظيها». وتابع: «سمعنا أصواتاً كثيرة جداً تتكلم عن ضرورة ذهاب دارفور، لأن قوات الدعم السريع بحسب تصورهم تمثل دارفور. ولذا لا تشكل خطوة الدعم السريع ضغطاً على خصومه، بل سترضي بعض غلاتهم».

وما إن كانت الجهود التي أعلنتها إدارة الرئيس ترمب وحلفاؤه أخيراً قادرة على دفع الطرفين إلى مائدة الحوار، قال لطيف: «هذا يتوقف على قدرتهم على التأثير على قيادة الجيش تحديداً».

مؤتمر في واشنطن

من جهة أخرى، وفي تطور جديد، أعلن مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، تنظيم مؤتمر على المستوى الوزاري في واشنطن قريباً؛ لبحث الأزمة في السودان، يشارك فيه وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأميركي.

وأكد بولس وفق صحيفة «سودان تربيون»، أن هدف المؤتمر إحياء المبادرة الرباعية التي تسعى لإيجاد حل سلمي للنزاع الدائر في السودان.

هنا، أوضح لطيف أن العالم ينتظر من قيادة الجيش أن تنفصل عن التيارات الرئيسة الداعمة لها، وعلى رأسها تيار «الإسلاميين» الذين يقفون حجر عثرة أمام أي تفاوض لوقف الحرب. وأضاف: «إذا نجح أي طرف في إبعادهم، فيمكن تحقيق الهدف النهائي، والعودة لطاولة التفاوض».

وحول تصريحات قائد «الدعم السريع» الأخيرة عن الرفض للعودة إلى التفاوض، قال لطيف إنها «شكل من أشكال المناورة... لكن الإشكال الأكبر أن المعركة أصبحت بين (الدعم السريع) والحركة الإسلامية، فإذا نجح العالم في فصل أو تحجيم العلاقة بين الجيش بصفته قوة رسمية، وحلفائه السياسيين، فيمكن العودة لمنصة التفاوض».

تحذير... وتشديد على وحدة السودان

من جهته، حذّر محمد الفكي محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة السابق الذي أطيح به بانقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، من تشكيل حكومة في بورتسودان، وقال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «من باب المسؤولية الوطنية، يجب وقف تشكيل الحكومة، وبدء عملية سياسية تحفظ وحدة السودان». ثم حذَّر سليمان من احتمالات مواجهة بين أطراف تحالف «بورتسودان»، وناشد قائد الجيش البرهان إيقاف تشكيل الحكومة؛ لأن «تشكيل حكومة في ظل الانقسام الحالي ينذر بتفتيت البلاد».

وفق الفكي لا علاقة للصراع الدائر في بورتسودان بما تسمى «حرب الكرامة»، لأن الأخيرة «حرب سافرة على السلطة... والدليل على ذلك أن نسبة 25 في المائة من كراسي الوزارة الجاري التنافس عليها محصورة بوزارات بعينها». ثم أوضح أن الهدف من تشكيل حكومة في بورتسودان، وتكليف كامل إدريس رئيساً لها، لم يتحقق، و«الحكومة التي يتجه لتشكيلها ستكون مصيبة» وقد تؤدي إلى فض التحالف، وتابع: «الوضع أكثر تعقيداً. قد نجد أنفسنا في دولتين، إذا استمر الانقسام، ولن ينتهي في حدوده، وسينتهي بتفكك البلاد».

صراع السلطة بين الجنرالين يفاقم الأزمة الإنسانية وقد يؤدي إلى كوارث

«الإسلاميون» ضد وقف الحرب

في هذه الأثناء، خلال لقاء تلفزيوني، شنّ أمين حسن عمر، القيادي الإسلامي المتشدد والوزير السابق في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، هجوماً عنيفاً على دعاة وقف الحرب. وقال إنهم «ليس شركاء في الوطن بل شركاء للدعم السريع (الجنجويد بحسب عبارته)»، وبعدما وصفهم بـ«أعداء الوطن»، دعا إلى محاكمتهم بوصفهم «شركاء في الحرب وفي تأجيجها». وأضاف: «هم مجموعة الأفراد الذين يكوّنون ما يُعرف بـ(تقدم)، والآن هم في (صمود)... إنهم يمثلون هذا العنوان والظهير الذي استندوا إليه».

عمر شكك أيضاً في إعطاء رئيس الوزراء صلاحيات كاملة، ووصفه بأنه «أمر متوهم... هذه ظروف استثنائية، لن تعالج بالتمسك بالحقوق بل التسويات، لا سيما أنه رئيس وزراء معين». وأردف: «صانع المُلك هو مجلس السيادة، الذي يملك سلطة التعيين، لو لم يتدخل سيكون له نفوذ، وسيظل رئيس الوزراء مقيداً».

"حميدتي" (آف ب - غيتي)

لسنا دعاة انفصال

أما علاء الدين عوض نقد، الناطق الرسمي باسم الهيئة القيادية لتحالف «تأسيس»، فقال إن «أياماً فقط» تفصل بينهم وتشكيل الحكومة في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وإن تأخير إعلانها يعود إلى دواعٍ أمنية وتنسيق سياسي، إلى جانب جهود يبذلونها مع أطراف إقليمية ودولية.

وحول مكان إقامة الحكومة، أوضح نقد أن أجهزتها ستكون موزّعة الرقعة الجغرافية في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» وحلفائها، و«يمكن أن تكون في كاودا - تحت سيطرة الحركة الشعبية بجنوب كردفان، أو نيالا».

أيضاً، نفى نقد بشدة سعي تحالفه «تأسيس» للانفصال عن السودان، قائلاً: «السودان دولة واحدة، ونحن ننشئ حكومة سلام، ليس من غاياتها تقسيم البلاد، بل مناهضة تقسيم السودان، الذي يقوم به الطرف الآخر وحكومة الإسلاميين».

وأوضح نقد أن «حكومته» المُزمعة ستتضمن جهازاً تنفيذياً وبرلماناً وجهازاً قضائياً. وتابع: «نحن مستمرون في تحرير السودان من الإسلاميين المسيطرين، ولن نعمل على تقسيم السودان. مَن يسعى لفصل السودان هو جيش الإسلاميين. نحن لن ننشئ حكومتنا في دارفور، ونترك بقية السودان للجماعات الإسلامية الإرهابية».

وعلّق نقد على الجاري تداوله بأن هدف حكومة «تأسيس» الضغط على الجيش لإجباره على الجلوس على مائدة التفاوض، فقال: «محمد حمدان دقلو، قال لن يعودوا إلى منبر جدة، فكيف سنضغطهم للجلوس على طاولة المفاوضات؟ كل المفاوضات السابقة ذهب إليها (الدعم السريع) وخربها الجيش السوداني، لذلك لا يمكن بعد أكثر من سنتين وخراب للتفاوض، أن نعمل على التفاوض معهم».

وأضاف: «لن نذهب إلى أي تفاوض. نحن نتقدم عسكرياً لنحرر السودان من المؤتمر الوطني الذي يرعى المطلوبين للعدالة الجنائية». واستطرد: «كنا ننادي بالفصل بين الإسلاميين والجيش في بداية الحرب. لكن باستمرارها، اتضح للناس أن الجيش هو جيش الإسلاميين. نحن سنعمل على تكوين جيش جديد من (الدعم السريع)، والحركات المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان، وما تبقى من الجيش السوداني».