نتنياهو يعتذر عن مقتل معلم عربي من النقب

جدل في الإعلام والكنيست بعد انكشاف معلومات عن الجريمة

نتنياهو في بلدة بيت شيمش الثلاثاء حيث اعتذاره من عائلة المربي المغدور (رويترز)
نتنياهو في بلدة بيت شيمش الثلاثاء حيث اعتذاره من عائلة المربي المغدور (رويترز)
TT

نتنياهو يعتذر عن مقتل معلم عربي من النقب

نتنياهو في بلدة بيت شيمش الثلاثاء حيث اعتذاره من عائلة المربي المغدور (رويترز)
نتنياهو في بلدة بيت شيمش الثلاثاء حيث اعتذاره من عائلة المربي المغدور (رويترز)

بعد انكشاف المزيد من المعلومات عن طريقة تعامل الشرطة الإسرائيلية والنيابة العامة، في التستر على معالم جريمة قتل المعلم العربي من النقب، يعقوب أبو القيعان، قدم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، اعتذاراً رسمياً «باسم دولة إسرائيل» للعائلة وللمواطنين العرب، وادعى بأنه لم يكن يعرف الحقائق «التي تم كشفها في الساعات الأخيرة».
ولكن عائلة الفقيد طالبته، أمس الأربعاء، بإجراء تحقيق عميق في الملف، و«تقديم المجرمين الذين نفذوا عملية القتل، وهم الآن طلقاء، إلى القضاء حتى ينالوا العقاب».
وأصدر «عدالة - المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل»، الذي تابع هذا الملف ويتابع ملفات أخرى شبيهة، بياناً، شكّك فيه باعتذار نتنياهو، واعتبره «مجرد دموع تماسيح و(بروبغندا) يهدف فيها إلى كسب معارك داخلية بأن ينأى بنفسه عن جرائم ارتُكِبت تحت إدارته». وأكد مركز «عدالة»، الذي يدير معركة قضائية منذ ثلاث سنوات بالتعاون مع «لجنة مناهضة التعذيب في المحكمة العليا»، للكشف عن المجرمين ومحاسبتهم، أن «الظلم لا يزال واقعاً على الشهيد وعائلته، والعدل الوحيد المقبول هو تقديم كل الشركاء في الجريمة للمحاكمة، ومحاسبتهم، سواء مَن ارتكب الجريمة بشكل مباشر من أفراد الشرطة، ومن حرضه وأعطاه الأوامر، ومَن عرقل سير التحقيق وأخفى الأدلة، والمسؤول عن كل هؤلاء، من أصغر شرطي مروراً بالمفتش العام للشرطة وقسم التحقيق مع عناصر الشرطة (ماحاش)، ووزير الأمن الداخلي في حينه، غلعاد إردان، الذي نال الترقية وتقلد منصب سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وصولاً إلى المحرض الأكبر، بنيامين نتنياهو، الذي منح كامل الدعم والتغطية لكل من شارك في الجريمة».
وشهد الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، أمس الأربعاء، سلسلة مداولات في عدة مواضيع، لكن موضوع مقتل أبو القيعان طغى عليها جميعاً. ووقعت عدة صدامات بين نواب ووزراء حزب «الليكود»، من جهة، الذي استغلّ القضية لمهاجمة قيادة الشرطة والنيابة العامة، ونواب المعارضة، وبينهم وزير القضاء من حزب «كحول لفان»، آفي نيسان كورن، الذين هاجموا الشرطة وحذروا من أن «نتنياهو ورجاله لم يتحولوا إلى مدافعين عن حياة المربين العرب، ولا عن استقامة جهازي الشرطة والنيابة. إنما هم يديرون حرباً انتقامية ضد عدد محدد من قادة الشرطة والنيابة، انتقاماً على تجرؤهم وتقديمهم لائحة اتهام ضد نتنياهو زوجته».
وكانت الحادثة قد وقعت في 18 يناير (كانون الثاني) 2017، عندما قدمت قوة كبيرة من رجال الشرطة ومجنزرات لهدم بيوت قرية أم الحيران التي تقع في وادي عتير في منطقة النقب، والتي لا تعترف بها حكومة إسرائيل، وتصرّ على تهجير سكانها البالغ عددهم نحو ألف نسمة. ولما كان من الصعب على يعقوب أبو القيعان، أن يرى بيته يُهدم، استقل سيارته وابتعد من المكان. وفي الطريق، اعترضه شرطي، لكنه استمر في السير، فأطلق عليه رجال الشرطة زخات من الرصاص، ففقد السيطرة على السيارة التي دهمت مجموعة من رجال الشرطة المتجمعين في منحدر قوي، ودهست أحدهم، وقتلته. وفي أول بيان للشرطة زعمت أنه «إرهابي قصد قتل يهود»، وتمسكت بهذه الرواية حتى اليوم. ولكن مسؤولين في النيابة كشفوا قبل يومين الحقيقة كاملة.
وقدم نتنياهو اعتذاره، خلال لقاء مع جمهور مؤيديه في بلدة بيت شيمش، مساء الثلاثاء، ولم يُخفِ حقيقة ربطه بين موضوع أبو القيعان وغضبه على مَن فتحوا ملفات فساد ضده، وتجاهل حقيقة أن أبو القيعان قتل برصاص الشرطة تحت حكمه هو، وأنه طيلة ثلاث سنوات وثمانية شهور لم يتفوه بكلمة ضد الجريمة.
ورحبت عائلة أبو القيعان بهذا الاعتذار، لكنها لم تُخفِ شكوكها في أن يكون الهدف مجرد تحقيق مكاسب سياسية، وطالبت بإعادة فتح التحقيق من جديد ومعاقبة المجرمين وتعويض العائلة عن خسارتها الفادحة.

حيث إنها فقدت ابنها الغالي بعد أن فقدت بيتها الذي هدمته قوات أرسلها نتنياهو. وقالت أرملة الفقيد، د. آمال أبو القيعان: «لقد تم الكشف في الساعات الأخيرة عن معلومات مذهلة، تبين بشكل مؤكد أن زوجي لم يَقُد سيارته بسرعة، بل كانت سرعته 10 كيلومترات، حسب تقرير للمخابرات الإسرائيلية. ويتبين أن الشرطة عرفت هذه الحقائق من اللحظة الأولى، لكنها منعت العلاج عن يعقوب وتركته ينزف حتى الموت».
وخرجت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أمس، بتغطية واسعة حول الموضوع، وهاجمت جميع المسؤولين في ذلك الوقت، وسخرت من اعتذار نتنياهو، واعتبرته انتقاماً مكشوفاً من الشرطة، ولم تصدق أنه لم يعرف الحقيقة، آنذاك، إذ إن «الشاباك» الخاضع لمسؤوليته بشكل مباشر أجرى تحقيقاً بعد يومين، وكشف فيه الحقائق. واتهمه الإعلام بمحاولة التهرب من مسؤوليته الشخصية كرئيس حكومة، عن جريمة قتل أبو القيعان والتستر عليها.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.