جنوب السودان... محور تنافس مصري ـ إثيوبي عززه نزاع «سد النهضة»

أديس أبابا تحشد دبلوماسييها وتؤكد نجاحها في مواجهة «تصعيد» القاهرة

سد النهضة كما يبدو في صورة التقطت بواسطة الأقمار الصناعية في 20 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
سد النهضة كما يبدو في صورة التقطت بواسطة الأقمار الصناعية في 20 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

جنوب السودان... محور تنافس مصري ـ إثيوبي عززه نزاع «سد النهضة»

سد النهضة كما يبدو في صورة التقطت بواسطة الأقمار الصناعية في 20 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
سد النهضة كما يبدو في صورة التقطت بواسطة الأقمار الصناعية في 20 يوليو الماضي (أ.ف.ب)

عزز النزاع المائي المصري - الإثيوبي تنافساً بدا لافتاً مؤخراً تجاه دولة جنوب السودان (الوليدة) التي تحتل موقعاً استراتيجياً في المحيط الإقليمي للدولتين المتنازعتين. وبحسب مراقبين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن أهمية جوبا باتت محورية لكل من القاهرة وأديس أبابا في دعم موقف كل منها في مفاوضات «سد النهضة»، وكذلك مسعيهما لدور إقليمي مؤثر.
وبدأ وزير الموارد المائية المصري، محمد عبد العاطي، أمس، زيارة رسمية إلى جمهورية جنوب السودان، قال إنها تبحث تعزيز العلاقات في مجال الموارد المائية والري. ويأتي اللقاء غداة زيارة مماثلة أجراها المبعوث الخاص لرئيس وزراء إثيوبيا، مولاتوتيشوم، مع رئيس جنوب السودان سلفا كير في جوبا، أول من أمس، ناقشت مشاريع مشتركة لتطوير البنية التحتية والطرق والكهرباء لربط البلدين.
وبين القاهرة وجوبا تعاون واسع في المجالات كافة، حيث أخذت مصر على عاتقها دعم الدولة الوليدة منذ استقلالها عن السودان عام 2011. ووفق السفير أشرف حربي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن «العلاقات بين البلدين تتضمن اتفاقيات واسعة، تضم تعاوناً تجارياً واقتصادياً وعسكرياً لدعم بناء مؤسسات الحكومة في جوبا».
وتشمل زيارة الوزير المصري عبد العاطي تفقد سير العمل في كثير من المشروعات التي تقوم بها مصر في جنوب السودان، وافتتاح أحد المشروعات التي أقامتها الوزارة في جنوب السودان، بحسب بيان مصري. ويستند التعاون المائي بين البلدين إلى مذكرة التفاهم الموقعة في 18 أغسطس (آب) 2006 التي تم تدعيمها من خلال التوقيع على بروتوكول التعاون الفني بين البلدين في 28 مارس (آذار) 2011، وتوقيع اتفاقية التعاون الفني التنموي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 بالقاهرة، لتنفيذ حزمة مشروعات تنموية بجنوب السودان، تضم توفير مياه الشرب النقية ومراسي نهرية لربط المدن والقرى، وتسهيل نقل البضائع والركاب، بما ينعكس إيجابياً على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لشعب جنوب السودان، ومشروعات إنشاء محطات قياس المناسيب والتصرفات.
وتتضمن زيارة الوفد المصري تفقد العمل بمشروعات محطات الآبار الجوفية التي تقيمها الوزارة حالياً في مدينة جوبا. وحسب عبد العاطي، فإن «الزيارة تحمل دعم مصر، قيادة وحكومة وشعباً، لجمهورية جنوب السودان». وباستقلالها، أصبحت جنوب السودان الدولة الحادية عشرة في دول حوض النيل. وتعود أهمية جوبا بالنسبة إلى مصر وإثيوبيا إلى كونها لم توقع حتى الآن على اتفاقية «عنتيبي» لإدارة مياه نهر النيل بين دول الحوض، التي ترفضها مصر بينما تدعمها إثيوبيا، كما تشير الدكتورة أماني الطويل، مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
وتسعى إثيوبيا لاستقطاب باقي دول حوض النيل لصفها، حيث ترفض الإقرار بـ«حصة تاريخية» لمصر في مياه النيل، تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب سنوياً، مؤكدة أنها جاءت بموجب «اتفاقيات استعمارية قديمة».
وتقول الطويل لـ«الشرق الأوسط» إن هناك تنافساً مصرياً - إثيوبياً قديماً على دور إقليمي مؤثر، وعادة ما تعمد إثيوبيا إلى محاولة إزاحة مصر من أي دور في محيطها، ومن ضمنه جنوب السودان التي يمكن أن تلعب دوراً في قضية «سد النهضة»، عبر دعم أي من الطرفين، فضلاً عن أهميتها في زيادة المياه المتدفقة إلى مصر، من خلال المشاريع التي تقلل فواقد نهر النيل.
وتتجنب حكومة جنوب السودان أي دعم علني لمواقف كل من مصر وإثيوبيا، فيما يتعلق بنزاع «سد النهضة»، وسبق أن وصفتهما بـ«الصديقان المقربان لجنوب السودان»، في يونيو (حزيران) الماضي، رداً على أنباء طلب مصري لإقامة قاعدة عسكرية في مدينة «باجاك»، قرب حدودها مع إثيوبيا.
ورغم نفي وزارة الشؤون الخارجية في جوبا الطلب المصري، فإن أديس أبابا استدعت سفير جنوب السودان آنذاك لمزيد من التوضيح، وهو الذي بدوره جدد نفي حكومته للأمر، مؤكداً سعي بلاده لعلاقات متميزة مع أديس أبابا.
وعقب اجتماع مع مبعوث رئيس وزراء إثيوبيا، قال رئيس جنوب السودان: «سنصدر دعوة رسمية من وزارة الطرق والجسور لنظرائهم الإثيوبيين لإرسال فريقهم الفني إلى جوبا للبدء في مشروع الطريق المتفق عليه الذي يربط بين إثيوبيا وجنوب السودان».
وأضاف الرئيس كير أن الوقت قد حان لجنوب السودان وإثيوبيا لتعميق علاقاتهما الثنائية، من خلال التركيز على مشاريع البنية التحتية المختلفة لتسريع عملية التكامل الاقتصادي في المنطقة.
وتخوض مصر وإثيوبيا والسودان منذ نحو 10 سنوات مفاوضات متعثرة بشأن «سد النهضة» لم تفضِ إلى أي اتفاق حتى الآن حول قواعد ملء وتشغيل السد. وتتخوف مصر من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل. وفي المقابل، تقول إثيوبيا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الطاقة الكهربائية.
وبدأت إثيوبيا في حشد دبلوماسييها حول العالم للترويج لموقفها، في مواجهة الضغوط المصرية. ودعا وزير خارجية إثيوبيا، جيدو أندارغاتشو، أمس، سفراء ورؤساء البعثات إلى توضيح الموقف الإثيوبي للعالم، المتمثل في سياسة البلاد في استخدام الموارد الطبيعية لنهر النيل، بأنها عادلة معقولة فيما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي الكبير، وهي الأولويات الدبلوماسية الرئيسية. وقد بدا واثقاً من موقفه، مؤكداً أن «الأنشطة الدبلوماسية للبلاد كانت مثمرة في السنة المالية الإثيوبية المنصرمة، خاصة في تعزيز قبولها التفاوضي، فيما يتعلق بسد النهضة وحماية حقوق الإثيوبيين».
وذكر، وفق الوكالة الإثيوبية الرسمية «بشكل خاص قضية سد النهضة، بصفتها واحدة من المفاوضات الثلاثية الصعبة في تاريخ البلاد». وأشار الوزير إلى أن إثيوبيا أدارت بفاعلية التصعيد الذي دفعته مصر. وأكد جيدو: «أعتقد أن هذا النجاح الدبلوماسي غيّر بشكل فعال الوضع الراهن في حوض النيل، وكشف الدعاية الكاذبة من جانب واحد ضد حق إثيوبيا في استخدام المياه».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.