ينطوي الإنتاج العربي الأوروبي في مجال المسرح، بشكل خاص، على فرص جيدة تتمثل في تبادل الخبرات وإثراء المحتوى، والتأكيد على تقارب الهموم الإنسانية، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديات ليست بالهينة تتمثل في خلق حالة من التجانس والسيطرة على أداء ممثلين ينتمون لثقافات مختلفة، فضلاً عن توحيد لغة العرض.
وتعد مسرحية «إزاي اتعلمت أحب الاشتراكية» التي عرضت أخيراً ضمن فعاليات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، الذي تستمر فعالياته حتى الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الحالي، نموذجاً لهذا النوع من الإنتاج المشترك بفرصه وتحدياته، فهي تأليف وإخراج مصري وإنتاج جمهورية الجبل الأسود، أما التمثيل فيشترك فيه الجانبان. يتناول العمل الذي ينتمي إلى ما يشبه «مسرح العبث» أسرة مكونة من أب وأم وابنين وابنة في مرحلة الشباب يستعدون لوجبة العشاء، فيبدأ الأب في اجترار بعض شعارات الاشتراكية في نسختها المصرية بالخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فضلاً عن بعض المقاطع من الخطابات الجماهيرية الشهيرة لعبد الناصر، لا سيما تلك التي تتعلق بمعركة الاستقلال الوطني، وبناء السد العالي، ومجابهة القوى الدولية... تتولد المفارقة الدرامية حين يبدو الأب بجديته كأنه يخاطب نفسه، فلا أحد ينتبه إلى ما يقوله، وكل غارق في تفاصيله، ولا يشعر بوجود الأب أصلاً.
وتشارك في الإنتاج عدة جهات أوروبية، يأتي في مقدمتها المسرح الوطني بالجبل الأسود، وفرقة «المعبد» المصرية المستقلة، وتقع جمهورية الجبل الأسود في جنوب أوروبا، وكانت إحدى الدولتين المشكلتين لاتحاد صربيا والجبل الأسود قبل أن تستقل في عام 2006.
يبدأ العرض ببقعة ضوء تتوسط إظلام شامل ومسلطة على أريكة ضخمة مغطاة بقطعة صفراء من القماش، تظهر خادمة مرتدية الزي المخصص لخادمات الطبقة الأرستقراطية في أوروبا، لتزيح القماش بيدها، فإذا به يخفي خمسة أشخاص هم عدد أفراد الأسرة... للوهلة الأولى يبدو هؤلاء كما لو كانوا في حالة من الموت السريري، وكلما لمست الخادمة أحدهم عادت إليه الحياة، تبدأ الخادمة في وضع أطباق الطعام تدريجياً، بينما يظهر الأب (الممثل المصري المخضرم سيد رجب) ثرثاراً مهووساً بالماضي وخطابات عبد الناصر التي يتوجه بمقاطع منها ليخاطب أحد الأبناء الذي لا يبدو مكترثاً بما يقوله أبوه، لكنه يهز رأسه بين الحين والآخر، ويقول بالصربية «نعم، نعم»، وقد نفد صبره. أما الأم فهي مشغولة بمداعبة ابنها الآخر، بينما الابن الثاني مستلق وهو يغط في نوم عميق، أما الابنة الوحيدة فقد انشغلت عن الجميع لتستغرق في نقش وشوم ملونة على إحدى ساقيها.
يستمر الموقف في عبثه، فلا أحد يستمع إلى الآخر، في تجسيد محزن لغياب لغة التواصل، بينما يهتف أحدهم بين الحين والآخر من دون مناسبة موجهاً السباب لأحد رموز العصر: اللعنة على مارلين مونرو، اللعنة برتني سبيرز، كما يشمل توجيه اللعنات شخصيات تاريخية مثل ليوناردو دافنشي، وكريستوفر كولمبوس، وتوماس إديسون، وفي النهاية تعود الخادمة لجمع أطباق العشاء، وإعادة تغطية أفراد الأسرة بقطعة القماش من دون أن يكونوا قد غادروا أماكنهم على الأريكة طوال العرض.
وعن ميلاد فكرة المسرحية، يشير مخرج العرض أحمد العطار إلى أنه كان المسرحي العربي الوحيد الذي تلقى دعوة للمشاركة بعمل درامي في احتفالية مرور أربعين عاما على رحيل الزعيم اليوغسلافي جوزيف تيتو والتي نظمتها جمهورية الجبل الأسود التي كانت جزءاً من يوغسلافيا السابقة. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مكثنا هناك نحو خمسة أسابيع حيث انتهينا من العمل، وعرضناه بالمسرح القومي هناك، ثم بمدينة هامبورغ الألمانية قبل المشاركة أخيراً في «القاهرة التجريبي».
«إزاي اتعلمت أحب الاشتراكية» استدعاء السياسة في فضاء ساخر
عرض مصري ـ أوروبي ضمن «المسرح التجريبي» في القاهرة
«إزاي اتعلمت أحب الاشتراكية» استدعاء السياسة في فضاء ساخر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة