السياسة الخارجية بين ترمب وبايدن: صراع بين الانعزالية المتقلبة والانفتاح المتردّد

بعد انتهاء المؤتمرين الحزبيين... وانطلاق السباق نحو انتخابات «نوفمبر 2020»

السياسة الخارجية بين ترمب وبايدن: صراع بين الانعزالية المتقلبة والانفتاح المتردّد
TT

السياسة الخارجية بين ترمب وبايدن: صراع بين الانعزالية المتقلبة والانفتاح المتردّد

السياسة الخارجية بين ترمب وبايدن: صراع بين الانعزالية المتقلبة والانفتاح المتردّد

في يناير (كانون الثاني) 2017 وقف الرئيس الأميركي الـ45 دونالد ترمب أمام قبة الكونغرس ورفع يده مؤدياً قسم اليمين ومتعهداً للحشود الغفيرة التي تجمعت لمشاهدة حفل تنصيبه رئيساً جديداً للولايات المتحدة بأن أولويته هي «أميركا أولاً». يومذاك قال: «قسم اليمين الذي أديته اليوم هو قسم ولاء لكل الأميركيين. من اليوم فصاعدا ستكون أميركا أولاً. وكل قرار سأتخذه من التبادل التجاري إلى الضرائب والهجرة والسياسة الخارجية سيكون لمصلحة الأميركيين أولاً».
وراء ترمب، على منصة المسؤولين، جلس سلفه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ونائبه جو بايدن. واستمع الرجلان بقلق بالغ إلى تصريحات ترمب، فما قاله انتقاد مباشر لسياستهما الخارجية التي يتباهيان بها، ويضعها كثيرون في خانة السياسة الانعزالية التي قلما اعتمدها الرؤساء الأميركيون السابقون. لكن هذا القلق ترافق مع نوع من الشك في تنفيذ هذه الوعود الانتخابية التي عادة ما يطلقها الرؤساء في خطب التنصيب لإرضاء من انتخبهم. إلا أن الأيام والأشهر التي تلت تسلّم ترمب زمام السلطة أثبتت للمشككين العكس.
تبدّلت معالم السياسة الخارجية الأميركية إبان رئاسة دونالد ترمب بشكل جذري، وشهدت «تسونامي» من التغييرات التي تراوحت بين انسحاب ترمب من معاهدات دولية وانتقاده لحلفاء تقليديين وتغنيه بخصوم لدودين. وهذه مواقف وصفها منتقدوه بالرعناء والمتهورة، بينما تغنى بها مناصروه معتبرين أنها تظهر قوة الولايات المتحدة ونفوذها في العالم.
وكالصقر راقب جو بايدن الغريم الديمقراطي لترمب في انتخابات نوفمبر المقبل طوال السنوات الأربع الماضية سياسات ترمب الخارجية، فاستمع إلى تذمر الأوروبيين وامتعاض الليبراليين، لينقض على السباق الرئاسي هذا العام متوعداً «بإعادة الانضباط والثبات» إلى السياسة الخارجية الأميركية، واستعادة ثقة الحلفاء ودور الولايات المتحدة القيادي في العالم. ويحرص بايدن في وعوده هذه على التذكير بخبرته الطويلة كعضو في مجلس الشيوخ، ورئيس للجنة العلاقات الخارجية فيه، قبل أن يختاره أوباما نائباً له، وهنا يقول: «أنا أعلم الكثير عن السياسة الخارجية الأميركية، ولدي علاقات حول العالم. من لا يحبني يحترمني ومن يحبني يحترمني أيضاً... أنا أعلم كيفية إنجاز الأمور على الصعيد الدولي».
لكن هذه الخبرة «سيف ذو حدين»، فتاريخ بايدن الحافل في السياسة يعجّ أيضاً بالأخطاء التي يعترف بها، أبرزها تصويته لصالح «حرب العراق» عام 2002 الذي ينتقده ترمب كلما سنحت له الفرصة، ولقد قال أخيراً في حدث انتخابي في ولاية بنسلفانيا: «بايدن صوّت لصالح الحرب في العراق، أما أنا فقد حميتكم من حروب جديدة...».
وبينما يرى بايدن نفسه أنه ليبرالي منفتح دولياً، يصف ترمب مقاربة خصمه بـ«القديمة الطراز»، ويعترف من دون تردد أنه يتخذ غالبية قراراته غريزياً.
ورغم الفارق الكبير في مقاربة الرجلين على صعيد السياسة الخارجية، وتعهد بايدن بإعادة إحياء السياسات السابقة في حال فوزه، فإن ثمة تحديات جمة تواجهه في مشواره.
وقد شهد ترمب هذه التحديات نفسها في سعيه الدؤوب لقلب سياسات سلفه. فهو عانى من عوائق حالت دون انسحابه كلياً من الاتفاق النووي مع إيران إلا بعد سنة من توليه الرئاسة. كما أن قراره الانسحاب من «اتفاق باريس المناخي» و«منظمة الصحة العالمية» لن يصبح نهائياً إلا ما بعد انتخابات نوفمبر. أما قراره سحب آلاف القوات الأميركية من ألمانيا فسيتطلب سنوات طويلة للتنفيذ.
ويعود سبب هذه العوائق إلى أن قرارات ترمب تحدّت المفاهيم التقليدية، فقلما تتغير السياسة الخارجية الأميركية بشكل جذري مع تغير الإدارات سواء أكانت ديمقراطية أو جمهورية، إذ إن الحلفاء والخصوم هم نفسهم، وقد جرت العادة أن يقود الجهود الدبلوماسية الأميركية جسم دبلوماسي غير مسيس يبقى من إدارة إلى أخرى بهدف خدمة المصالح الأميركية.
كما أن العائق الآخر أمام تنفيذ ترمب لأجندته هو عدم خبرته في السياسة الخارجية، إضافة إلى عدم خبرة غالبية مستشاريه في هذا المجال، وهذا أمر يتفوق فيه بايدن عليه بحكم خبرته، ما قد يساعد المرشح الديمقراطي على تنفيذ التغييرات التي وعد فيها بسرعة أكبر و«تصحيح» ما فعله ترمب، بحسب وصف مستشاري المرشح الديمقراطي.

إيران والاتفاق النووي
ولعلّ أكثر ما أثار سخط بايدن واستياءه هو سعي ترمب الدؤوب لمحو أكبر إنجازات إدارة أوباما - بايدن ومحط فخرهما على صعيد السياسة الخارجية: الاتفاق النووي مع إيران. فهل سيتمكن بايدن من إحياء الاتفاق أم أن مساعي ترمب جعلت من مهمة بايدن شبه مستحيلة؟
بحسب وثائق من حملة بايدن الانتخابية، سيسعى نائب الرئيس الأميركي السابق إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي من خلال التنسيق مع الحلفاء بشرط «تعهد إيران باحترام شروط الاتفاق مجدداً». لكن هذه المساعي تواجه تحديات عدة، فإدارة ترمب لا تزال في طور الضغط على مجلس الأمن لإعادة فرض العقوبات الدولية ضد إيران وتمديد حظر الأسلحة على طهران، ورغم إصرار أغلبية أعضاء المجلس على رفض الانصياع للمطالب الأميركية، فأي تغيير في هذا الشأن سيؤدي إلى عراقيل جديدة بوجه مساعي بايدن. ثم إن عودة إيران إلى طاولة المفاوضات ستكون رهناً برفع العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة ترمب عليها، وهذا أمر ستصر عليه طهران خاصة في حال تزامنت المفاوضات مع الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتوقعة في مايو (أيار) المقبل.
وإضافة إلى الملف النووي الإيراني، يعارض بايدن مقاربة ترمب تجاه إيران فيما يتعلق بأنشطتها المزعزعة في المنطقة، وقد انتقد قرار استهداف قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، معتبراً أنه سيؤدي إلى مواجهة مع إيران، الأمر الذي لم يحصل.
لكن بايدن أخطأ في تقييمه، وبدلاً من مواجهة كبيرة في الشرق الأوسط، احتفلت إدارة ترمب بأكبر إنجاز حققته في المنطقة: التطبيع بين دولة الإمارات المتحدة وإسرائيل.

التطبيع مع إسرائيل
وحقاً، منذ توليه السلطة تعهد الرئيس الأميركي بالتوصل إلى اتفاق سلام في المنطقة، واختار صهره جاريد كوشنر لقيادة هذه الجهود، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات والتشكيك بسبب غياب أي خبرة تذكر لكوشنر على صعيد السياسية الخارجية. ولم تكن طريق التوصل إلى اتفاق سهلة أبداً، حتى أن البعض افترض فشل المفاوضات كلها بمجرد إعلان ترمب رسمياً عن القدس عاصمة لإسرائيل، والتوصل إلى «صفقة القرن» رغم المعارضة الفلسطينية.
لكن أعين الإدارة كانت موجهة إلى هدف آخر: تطبيع الدول العربية مع إسرائيل. فهي علمت أن اتفاقاً من هذا النوع سيؤدي إلى تأثير كـ«حجارة الدومينو» في المنطقة، ويساعدها على مواجهة خصمها اللدود إيران. وهذا ما أعلن عنه ترمب في أغسطس (آب) المنصرم، تاريخ بدء تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل. وطبعاً تباهى ترمب بإنجازه هذا، الذي أتى قبل أقل من 100 يوم من الانتخابات الأميركية، وسلّط الجمهوريون الضوء عليه في مؤتمرهم الوطني، معربين عن ثقتهم بأن تحذو دول عربية ومسلمة أخرى حذو الإمارات قريباً. وبينما لم يشكك أحد من الديمقراطيين، بأهمية هذا التطور البارز، بمن فيهم بايدن الذي أشاد بالاتفاق، متعهداً «بتوسيع نطاق التقدم الذي حقق بهدف إحقاق السلام في الشرق الأوسط»، فإن المرشح الديمقراطي اعتبر أن سياسات إدارة أوباما ساهمت بشكل كبير في التوصل إلى هذا الاتفاق.
أيضاً واكب دعم بايدن لهذا الاتفاق إصراره على «حل الدولتين»، ومعارضة أي خطوات أحادية تهدد من مصير هذا الحل. كذلك كرر معارضته لخطة توسيع المستوطنات، مع أنه أكد في الوقت نفسه أنه سيبقي السفارة الأميركية في القدس ويعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية.
بايدن، الذي تجمعه علاقة جيدة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تعهد أيضاً بأنه «سيتخذ خطوات فورية لإعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، والعمل على معالجة الأزمة الإنسانية في غزة»، وقال إنه سيعمل على إعادة فتح مكاتب السلطة الفلسطينية في واشنطن التي أغلقتها إدارة ترمب.

لبنان و«حزب الله»
وفيما يخص لبنان، اعتمدت إدارة ترمب سياسة الضغط القصوى على «حزب الله»، وفرضت سلسلة من العقوبات القاسية عليه، ودعت إلى نزع سلاحه. أما بايدن فرغم تنديده بـ«حزب الله» يشير منتقدوه إلى أن إدارة أوباما غضت الطرف عن أنشطة الحزب بسبب سعيها إلى التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران. مع هذا، خصصت حملة بايدن جزءاً للبنان في أجندتها، حيث تعهد نائب الرئيس الأميركي السابق بالعمل مع المجتمع المدني هناك والمواطنين اللبنانيين لمساعدتهم على تطوير مستقبل سياسي واقتصادي في بلادهم والعمل على إحقاقه، وقال بايدن في عرض لأجندته الرئاسية في حال فوزه في الرئاسة، إنه سيحرص على أن يكون مستقبل البلاد خالياً من الفساد وشاملاً لكل أبنائه. كذلك أكد دعم إدارته للجيش اللبناني، متماشيا مع سياسة الإدارة الحالية، ووصف الجيش بأنه «الدعامة الأساسية لاستقرار البلاد».

القوات الأميركية في الشرق الأوسط
وحول وضع القوات الأميركية في الشرق الأوسط، يجمع كل من ترمب وبايدن على ضرورة سحب القوات الأميركية من سوريا والعراق وأفغانستان. وفي حين تعهد الرئيس ترمب بسحب كل القوات الأميركية من مناطق الصراع، مؤكداً أن الولايات المتحدة قضت على «تنظيم داعش»، تنص أجندة الحزب الديمقراطي على نية بايدن الإبقاء على عدد محدود من القوات في العراق لهزيمة «تنظيم داعش»، كما سيبقي على وحدة لمكافحة الإرهاب في سوريا، وسيسحب القوات الأميركية من أفغانستان «بشكل مسؤول».

العلاقة مع تركيا
مرت العلاقات التركية الأميركية في عهد ترمب بمراحل متأرجحة، فتوترت العلاقة بشكل كبير إبان العملية العسكرية التركية شمال سوريا، لتعود وتتحسن تدريجياً مع إشادة ترمب المستمرة بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ثم تتوتر مجدداً مع رفع أميركا حظر الأسلحة عن قبرص. وقد وصف ترمب أخيراً نظيره التركي بلاعب الشطرنج المحترف مشككاً بقدرة بايدن على التعامل معه.
أما بايدن فقد أثار موجة من الانتقادات في تركيا عندما ظهر في شريط فيديو قائلاً إنه سيدعم تغيير النظام في تركيا في حال فوزه ومعرباً عن انفتاحه للحديث مع زعماء المعارضة لهزيمة إردوغان.

حظر السفر
وأخيراً، بما يتعلق بحظر السفر عن الدول المسلمة الذي فرضه الرئيس الأميركي. قال بايدن في بيان صادر عن حملته: «في اليوم الأول من تسلمه للرئاسة سيلغي جو بايدن قرار حظر السفر ومنع استقبال اللاجئين المخالف للقيم الأميركية. بايدن سيعيد الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه كبلد يستقبل من يسعى إلى الدخول إليه لتحقيق الحلم الأميركي، بمن فيهم المهاجرون من العالم العربي».

فريقا مستشاري السياسة الخارجية
> فريق مستشاري جو بايدن:
جايك سوليفان: مستشار الأمن القومي السابق لجو بايدن في البيت الأبيض.
نيكولاس بيرنز: المسؤول في الخارجية الأميركية في عهدي بوش الابن وبيل كلينتون.
توني بلينكن: نائب وزير الخارجية السابق ونائب مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما.

> فريق مستشاري دونالد ترمب:
عرف ترمب بتغيير فريق البيت الأبيض بشكل مستمر، لكنه اعتمد أخيراً على بعض الوجوه في إدارته لنصحه في ملفات السياسة الخارجية. أبرز هؤلاء: وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي الحالي روبرت أوبراين وكبير موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز، إضافة إلى صهره جاريد كوشنر.

تعامل المرشحين مع التحالفات والاتفاقات الدولية
> انسحاب دونالد ترمب من الاتفاق النووي «هزّ ثقة حلفاء الولايات المتحدة بها»، وفق جو بايدن، الذي سيعمل على استعادة هذه الثقة، وترميم العلاقة بحلف شمالي الأطلسي «ناتو». وحقاً أغضب ترمب حلفاء بلاده في مناسبات عدة، بدءاً بقرار الانسحاب من «اتفاقية باريس للمناخ»، مروراً بإعلانه مغادرة «منظمة الصحة العالمية»، ووصولاً إلى قراره سحب نحو 12 ألف جندي أميركي من ألمانيا. كلها أمور وعد بايدن بإعادة النظر فيها، وتغييرها. كما تعهد بالتواصل مع قادة الناتو بمجرد فوزه وعقد قمة بعنوان: «لقد عدنا» في العام الأول من توليه الرئاسة. كذلك سيعيد النظر في إعادة عضوية الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

روسيا والصين وكوريا الشمالية
تصدّرت روسيا ملف التجاذبات الداخلية الأميركية بعدما اتهمت وكالات الاستخبارات الأميركية الكرملين بالتدخل في الانتخابات الأميركية. وسعى ترمب إلى التخفيف من حدة هذه الاتهامات، الأمر الذي أثار حفيظة الديمقراطيين، الذين توعدوا ـ وعلى رأسهم مرشحهم جو بايدن بالرد بحزم على أي محاولة روسية للتدخل في الانتخابات مجدداً. أيضاً تعهد بايدن بمواجهة بوتين إذا ما تأكدت أنباء تقديم روسيا مكافآت مالية لعناصر من «طالبان» مقابل قتل جنود أميركيين، وهو ما لم يفعله ترمب بحسب ما أكد في مقابلة مع موقع «أكسيوس».
وحيال الصين، وصلت العلاقات الأميركية الصينية إلى أسوأ مراحلها بعد تفشي فيروس (كوفيد - 19) ولم تساعد أزمة شركة الاتصالات هواوي، والخلاف على بحر الصين الجنوبي في تحسين العلاقات. كما أثار قرار إدارة ترمب إنهاء المعاملة التفضيلية لهونغ كونغ غضب بكين، الذي وصل إلى أوجه عندما أمرت الإدارة بإغلاق قنصلية الصين في ولاية هيوستن وسط اتهامات لها بالتجسس.
ومع أن ترمب اتهم بايدن بالليونة تجاه الصين، من المستبعد جداً أن تتغير السياسات الأميركية تجاه بكين في حال فوز المرشح الديمقراطي. فتوجه بايدن مشابه للغاية لتوجه ترمب في هذا الملف، كما أنه توعد بزيادة الضغوطات الدولية على الصين عبر إحياء العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة، إضافة إلى فرض عقوبات إضافية عليها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ضد أقلية الأويغور المسلمة هناك.
أما عن كوريا الشمالية، فقد أثار اللقاء التاريخي بين ترمب - كيم جون أون حفيظة منافسه الديمقراطي الذي اتهمه بالتنازل من دون شروط، وتعهد بعدم لقاء زعيم كوريا الشمالية من دون شروط مسبقة وفرض عقوبات جديدة على نظام بيونغ يانغ. وكان ترمب أكد أن قراره لقاء كيم جونغ أون يهدف إلى الضغط عليه لوقف أنشطة بيونغ يانغ النووية.

أميركا اللاتينية
في شأن علاقة واشنطن بدول أميركا اللاتينية، شنت إدارة ترمب حملة عقوبات اقتصادية ودبلوماسية مكثفة على نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بأمل دفعه خارج السلطة، وهي السياسة نفسها التي اتبعتها إدارة أوباما لكن بمزيد من التحفظ. إلا أن الإدارتين اختلفتا على ملف كوبا، إذ قرر ترمب إلغاء سياسة الانفتاح على كوبا التي أقرتها إدارة أوباما، وذلك إرضاء لداعميه في فلوريدا، وهو قرار أعلن بايدن أنه سينقضه في حال فوزه.

نظام عالمي جديد
على صعيد آخر، رغم الانتقادات التي واجهتها إدارة ترمب فيما يتعلق بتعاطيها مع السياسة الخارجية تحت عنوان «أميركا أولاً». فإن «النظام العالمي الجديد» الذي فرضه فيروس (كوفيد - 19) سيدفع بايدن باتجاه الحفاظ على بعض الأطر التي وضعها سلفه، في حال فوزه بالرئاسة. ولكن، من يقرأ أجندة الحزب الديمقراطي يعلم أن سياسة بايدن التقليدية ستختلف في حال فوزه بالرئاسة. وتبدو بصمات «اليسار التقدمي» واضحة على الأجندة بطريقة لم تشهدها إدارة أوباما. إذ تمكن «التقدميون» في الحزب أمثال بيرني ساندرز من دفع قيادات الحزب التقليدية باتجاه اعتماد سياسة خارجية تتناسب وحياة الأميركيين اليومية. ويفسر نيكولاس بيرنز المسؤول في وزارة الخارجية السابق وأحد مستشاري بايدن هذه التغييرات فيقول إن «مصلحة الأميركيين من الطبقة الوسطى يجب أن تكون المحرك الذي يدفع بسياستنا الخارجية. لقد تأخرنا كثيراً في فرض تعديلات على مسارنا في هذا المجال».
ويتحدث جيريمي شابيرو، وهو باحث في المجلس الأوروبي للسياسات الخارجية عن أسباب هذا التغيير. فيقول إن الديمقراطيين تعلموا من أخطائهم السابقة التي أدت إلى خسارة كلينتون أمام ترمب في انتخابات العام ٢٠١٦: «لقد كان هناك مفهوم مفاده أن سياسة أوباما الخارجية كان ملعباً للنخبة بعيداً كل البعد عن حياة الأميركيين اليومية. إن التغيير من أوباما إلى بايدن سيكون مرفقاً بتركيز أكثر على أميركا».



إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)
جنود فرنسيون في مالي (سلاح الجو الأميركي)
TT

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)
جنود فرنسيون في مالي (سلاح الجو الأميركي)

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ، بل وإخفاقات وانتكاسات، في خضم صراعات جيوسياسية متحركة وأجواء شديدة التأزم في أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. ماذا، إذن، حلّ بالسياسة الخارجية الفرنسية التي كانت مشاركتها الفاعلة داخل المجتمع الدولي تعبيراً عن صوت «حر» غير منحاز حتى تتراجع بهذا الشكل؟

جرى الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية عن «تقليد للدبلوماسية الفرنسية» هو النهج الذي اختاره قادة فرنسا لإدارة علاقاتهم الخارجية مع دول العالم، ولقد اتسمّ هذا النهج بـ«الاتزان» و«التميز»، وكان بالفعل حاضراً بقوة في المحافل الدولية، وبالأخص، في قضايا الشرق الأوسط والعالم العربي.

نهجا ديغول وميتران

ذلك ما عُرف فيما بعد بـ«سياسة فرنسا العربية» التي رسم الرئيس التاريخي الأسبق الجنرال شارل ديغول ملامحها في خطاب نوفمبر (تشرين الثاني) 1967 في أعقاب نكسة يونيو (حزيران) 1967، ومعها اعتمد ديغول أساساً الانفتاح على العالم العربي وتوطيد العلاقات بينه وبين فرنسا على مختلف الصعد.

في المقابل، منذ تلك الفترة طغى على العلاقات الفرنسية - الإسرائيلية جو من البرود إلى غاية وصول اليسار إلى الحكم في حقبة الثمانينات، فيومذاك أعاد الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران «تفعيل العلاقات» عام 1982، منتهجاً سياسة أكثر انحيازاً لإسرائيل حتى لُقّب بـ«صديق إسرائيل الكبير».

ولاحقاً، كانت حادثة رشق الطلاب الفلسطينيين لرئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان بالحجارة عام 2000، بعد مشاهد الاستقبال الحار الذي لقيه الرئيس الراحل جاك شيراك في شوارع رام الله عام 1996، تجسيداً قوياً للاعتقاد السائد بأن اليمين الفرنسي أكثر مساندة وتأييد للمواقف العربية من اليسار.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

ضعف الإرادة السياسية

هنا يوضح باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) ومؤلف كتاب «هل يسُمح بانتقاد إسرائيل؟» الأمر، فيقول: «على الرغم مما قيل عن اليسار وزعيمه ميتران، الحقيقة هي أن الإرادة السياسية للتأثير في الأوضاع كانت قوية في تلك الفترة من تاريخ فرنسا». ويضيف: «علينا ألا ننسى أن زعيم الاشتراكيين كان أول من ذكّر في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي عام 1982 بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة، بالإضافة إلى استقباله الزعيم الراحل ياسر عرفات في باريس عام 1989».

وزيرة الخارجية الأسبق كاترين كولونا

لا فوارق ظاهرة اليوم

بونيفاس يتابع من ثم «اليوم لا نكاد نرى فارقاً بين اليمين التقليدي (الجمهوري أو الديغولي) واليسار الاشتراكي، علاوة على أن ديناميكية السياسة الداخلية تغيّرت بظهور حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يضم عناصر من اليمين واليسار والمجتمع المدني، ومعظمهم يفتقر إلى الخبرة السياسية، ناهيك عن ضعف الروح النقدية، بما في ذلك عند الجهات الفاعلة في الدبلوماسية... التي لم تعد تعبّر كما كان الوضع في الماضي عن مواقف فرنسا باعتبارها امتداداً لقيم التنوير وحقوق الإنسان والحريات».

جدير بالذكر، أن الإعلام الفرنسي كان قد عّلق مطوّلاً على «تواضع الخبرة السياسة» لوزراء خارجية ماكرون، مثل ستيفان سيجورنيه، الذي فضح الإعلام أخطاءه اللغوية الكثيرة وقلة إتقانه اللغة الإنجليزية. وما يتّضح اليوم من خلال تداعيات العدوان على غزة ولبنان هو أن الأصوات التي تناهض العدوان على غزة ولبنان لا تنتمي إلى اليمين الجمهوري، بل إلى أقصى اليسار الذي نظّم حركات احتجاج واسعة في البرلمان والشارع للضغط على الرئيس ماكرون من أجل التدخل.

وزير الخارجية السابق ستيفان سيجورنيه

هذا الأمر أكدّه رونو جيرار، الإعلامي المختص في السياسة الخارجية، الذي ذكّر أن السياسة الخارجية الفرنسية «فقدت استقلاليتها وفرادتها مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي - وهو آخر من مثّل اليمين الجمهوري في السلطة –». ويشرح: «حصل هذا حين قرّر ساركوزي إعادة فرنسا إلى المنظمة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 2009، ثم المشاركة في التدخل العسكري في ليبيا. وكانت هاتان الخطوتان خطيئتين كبريين لأنهما وضعتا حداً للتقليد الديغولي الجمهوري الذي يقضي بأن تحترم فرنسا جميع التحالفات، لكن من دون التماهي مع الولايات المتحدة، ذلك ملخصه في العبارة الشهيرة (حليفة... ولكن غير منحازة)...».

وهنا يضيف الباحث توماس غومارت، مدير معهد العلاقات الدولية (إيفري): «لنكن واقعيين، صوتنا ما عاد مسموعاً كما كان الحال في السابق، والشعور بأن المجتمع الدولي عاجز أمام الهيمنة الأميركية ملأ النخب السياسة بالتشاؤم، وبالتالي غدت سبل الضغط المتاحة لدينا اليوم محدودة».

ماكرون: سياسة خارجية متناقضة...بالنسبة للرئيس ماكرون، فإنه فور وصوله إلى الحكم بدأ في تقديم الخطوط العريضة لسياسته الخارجية والتوجهات الجديدة للدبلوماسية الفرنسية، حين أجرى لقاءً صحافياً مع ثمانٍ من كبريات الجرائد والمجلات الأوروبية («لوفيغارو» الفرنسية، و«لوسوار» البلجيكية، و«لو تون» السويسرية، و«الغارديان» البريطانية، و«سودويتشه تسايتونغ» الألمانية، و«كورييري ديلا سيرا» الإيطالية، و«إل باييس» الإسبانية و«غازيتا فيبورتا» البولندية). وفي هذا اللقاء أكد ماكرون أن أولوية سياسته الخارجية محاربة «الإرهاب الإسلامي»، والتنسيق مع جميع القوى الكبرى من أجل ذلك.

وزير الخارجية الحالي جان نويل بارو

ثم، في جولته الأولى لأفريقيا أعلن في «خطاب واغادوغو» ببوركينا فاسو (مايو/أيار 2017) أن فرنسا ستسعى جاهدة للتعاون مع الدول الأفريقية في إطار شراكة متكافئة، كما ستكون حاضرة للمساهمة في السلام كـ«رمانة» لميزان القوى العالمية؛ ما رفع بعض الآمال في أن تكون الحقبة الرئاسية لماكرون أفضل من غيرها، لا سيما، وأن طبيعة الحكم (الرئاسي) في فرنسا تجعل من الرئيس المسؤول الأول والأخير عن السياسة الخارجية.

وحقاً، كثّف الرئيس الفرنسي من حراكه الدبلوماسي على مسارات عدة، كما ضاعف بكثير من الحماسة المبادرات والتصريحات الطموحة، لكنها بمعظمها كانت متناقضة، وتفتقد المنهجية والرؤية الواضحة... وفق بعض التقارير. جيرار جيرار (الإعلامي في «لوفيغارو») يعيد إلى الأذهان أن ماكرون كان متناقض المواقف في غير مناسبة، منها «حين حاول أولاً التفاوض مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بخصوص الحرب في أوكرانيا، ثم تحوّل متبنياً لهجة عدائية صريحة إلى حد التهديد بإرسال قوات مسلّحة للدفاع عن أوكرانيا... ما أثار حفيظة الفرنسيين والشركاء الأوروبيين». وأردف جيرار: «وكأن هذا لم يكن كافياً، طلب الرئيس ماكرون المشاركة في قمة (بريكس) مع أن الكّل يعلم بأنها فكرة بوتين. فهل كان يعتقد فعلاً أن الدول التي تجمّعت في هذه المنظمة للتحّرر من الهيمنة الغربية تريد أن تلتقي به أو تصغي لما يقوله؟».

سياسة باريس الأفريقية

عودة إلى الشأن الأفريقي، بعد الآمال الكبيرة التي أثارها «خطاب واغادوغو» عام 2017 بتصحيح صورة «فرنسا الاستعمارية» والتعاون مع الأفارقة كشركاء، جاءت خيبات الأمل. ففي المغرب العربي، أولاً، فشلت فرنسا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الرباط والجزائر في سياق جيوسياسي كثير التقلبات. ثم مع باقي الدول فشلت أيضاً في التخلص من «صورة القوة الاستعمارية السابقة» بسبب أخطاء عدّة ارتكبها ماكرون، أولها احتكاره جميع ملفات السياسة الخارجية، وهو ما لخصّته مجلة الـ«موند أفريك» في مقال بعنوان «كاترين كولونا خيبة أمل أفريقية» بالعبارة التالية «للأسف السيدة كولونا ودبلوماسيوها لم يتمكنوا من التأثير بسبب قرارات الإليزيه العديمة المعنى...».

وهنا، كما ذكر أنطوان غلاسير، الباحث المختص في الشؤون الأفريقية، على موقعه على منّصة «يوتيوب»: «حين تولى ماكرون زمام السلطة، وعد الدول الأفريقية بقطيعة نهائية مع الماضي وبتوازن في العلاقات، لكن ما حدث وما قيل أكد استمرار الممارسات القديمة، بدايةً مع المماطلة في سحب الجيوش الفرنسية من مالي، ثم عبر التصريحات الاستفزازية بخصوص الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وأكثر منها... التلويح باستعمال قوات «الإيكواس/ السيدياو» (المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا) للتدخل في النيجر، ثم التراجع عن تلك التصريحات».

وحسب غلاسير، كان على ماكرون أن يلتزم الصمت: «فبأي صفة يقرّ ما هو شرعي وما هو غير شرعي؟». وكل هذه الأخطاء السياسية كرَّست الانحدار السياسي لماكرون وانكماش الدور الفرنسي في أفريقيا.

الشرق الأوسط: حصيلة هزيلة...

أما في الشرق الأوسط، وخلال ولايتين رئاسيتين وسبع سنوات من تولي ماكرون السلطة، ثمة شبه إجماع على أن الإخفاق كان سيد الموقف في مساعي السلام التي حاولت فرنسا إطلاقها والإشراف عليها.

في لبنان، الذي تجمعه بفرنسا روابط تاريخية وثقافية قوية، لم تكن الإرادة ولا حسن النية هما المشكلة عند ماكرون. إذ كان أول المسؤولين العالميين تحركاً، حين زار لبنان بعد تفجير ميناء بيروت عام 2022، ووعد بإصلاحات سياسية داخلية لإخراج البلاد من الأزمة، لكن وعوده لم تتجسد على أرض الواقع. وفي موضوع بعنوان «ماكرون مسؤول عن تدهور الاوضاع في لبنان» نقلت صحيفة «كورييه أنترناتيول» عن نظيرتها الأميركية «الفورين بوليسي» تحليلاً يقول التالي إن «إحجام فرنسا عن محاسبة النخب السياسية (اللبنانية) بحزم، والاكتفاء بمطالبتهم باتخاذ إجراءات كان تصرفاً ساذجاً بشكل مربك. فبعد أشهر طويلة من التهديد بفرض عقوبات على الشخصيات المسؤولة عن الجمود السياسي، أعلنت باريس أنها ستفرض قيوداً على دخول الأراضي الفرنسية، لكنها كانت خفيفة جداً لدرجة انها لم تؤثر على أحد».

وبالفعل، لم تتمكّن فرنسا - السلطة الانتدابية السابقة في لبنان - من تحقيق أي اختراق على خط أزمات البلد الذي يعاني انقسامات سياسية وطائفية عميقة حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس للجمهورية على الرغم من شغور المنصب منذ سنتين.

وللعلم، كانت تقارير إعلامية كثيرة قد نشرت شهادات لمقرّبين من محيط جان إيف لودريان، المبعوث الخاص للبنان، دافعوا فيها عن نشاطه وتنقلاته الستّة إلى بيروت، بحجة «أن الدبلوماسية تتطلب وقتاً»، وأن النتائج كانت ستظهر لولا ظروف الحرب في غزة التي خلطت كل الأوراق. والمصادر ذاتها لم تتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى الأطراف اللبنانية، معتبرة أن «الجمود السياسي مسؤولية اللبنانيين».

أيضاً، انتقدت أنياس لوفالوا، الباحثة في معهد الأبحاث والدراسات حول دول المتوسط والشرق الأوسط، «عجز الدبلوماسية الفرنسية عن إسماع صوتها مقابل تنامي النفوذ الأميركي في بلاد الأرز». ورأت أن السبب يعود إلى المنهجية التي يتبعها ماكرون الذي احتكر منذ البداية كل الملفات، ثم ضاع في تفاصيلها بسبب نزعته إلى السيطرة على كل شيء ورفضه الاستعانة بخبرة الدبلوماسيين المحنّكين.

الموقف الفرنسي من العدوان على غزة أيضاً اتسم بالعديد من التناقضات. وبعدما ظّل في حالة جمود لأشهر طويلة رغم مشاهد القتل والدمار، تحرّك في الأسابيع الأخيرة بعد سلسلة من التصريحات أطلقها الرئيس ماكرون نتجت منها مشاحنات كلامية شديدة اللّهجة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتهت بتحميل ماكرون مسؤولية التصريحات لبعض الوزراء «الذين نقلوا تصريحات مزيفة...» و«لصحافيين كرّروها دون أن يتأكدوا من صحتّها...». هذا الموقف الذي اعتبره البعض تهرّباً من المواجهة يعكس العجز التي يميز حالياً الموقف الفرنسي. وهنا، تمنى السفير السابق جيرار آرو لو أن ماكرون «التزم الصمت... أو التكلم بالتنسيق مع الشركاء الأوربيين كي يكون لمبادرته تأثير أكبر».

«صورة فرنسا»... مشكلة!

في أي حال، يرى رونو جيرار أن صوت فرنسا ما عاد مسموعاً في المحافل الدولية «لأنها لم تعد تثير الإعجاب، ولم تعد ذلك النموذج الذي يعكس الإشعاع الثقافي والتطور الاقتصادي وحقوق الإنسان». ويشرح على صفحات مجلة «كونفلي جيو بوليتك» قائلاً: «عندما تكون فرنسا وراء فكرة معايير ماستريخت بينما تعُد أكثر من 3000 مليار يورو من الديون و5 ملايين عاطل عن العمل، فلن يكون لصوتها تأثير كبير... نحن البلد الأوروبي الذي فيه أعلى نسبة ضرائب حكوماته لم تعد قادرة على توفير الحّد الأدنى لمواطنيها». ثم يذكّر بأن شارل ديغول اهتم أولاً بأوضاع فرنسا الداخلية، وبالأخص الوضع الاقتصادي، قبل أن يبدأ جولته الأولى خارج البلد عام 1964.

أما السفيرة السابقة سيلفي بيرمان، فرأت خلال حوار مع «لو فيغارو»، تحت عنوان «هل ما زالت فرنسا تملك الأدوات لتحقيق طموحها؟»، أن التوتر السياسي الداخلي أثَّر سلباً على صورة فرنسا في العالم. وأعطت الاحتجاجات الشعبية والإضرابات المتواصلة العالم الانطباع بأننا فقدنا السيطرة على الأوضاع، فكيف نقنع غيرنا إن لم نعد نمثل القدوة الحسنة؟ في المغرب العربي فشلت فرنسا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الرباط والجزائر