مصر والبرازيل... ماذا يعني ترفيع العلاقات إلى «شراكة استراتيجية»؟

رئيسا البلدين رفضا أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية

الرئيس المصري ونظيره البرازيلي خلال تدشين شراكة استراتيجية بين البلدين (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري ونظيره البرازيلي خلال تدشين شراكة استراتيجية بين البلدين (الرئاسة المصرية)
TT

مصر والبرازيل... ماذا يعني ترفيع العلاقات إلى «شراكة استراتيجية»؟

الرئيس المصري ونظيره البرازيلي خلال تدشين شراكة استراتيجية بين البلدين (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري ونظيره البرازيلي خلال تدشين شراكة استراتيجية بين البلدين (الرئاسة المصرية)

في مسعى لتعزيز التعاون الثنائي، رفعت مصر والبرازيل مستوى العلاقات إلى «شراكة استراتيجية»، بالتزامن مع مرور 100 عام على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فيما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره البرازيلي لولا دا سيلفا، على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين المنعقدة بريو دي جانيرو البرازيلية، رفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية.

ترفيع مستوى العلاقات إلى مستوى «شراكة استراتيجية»، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يتيح مزيداً من التعاون في كافة المجالات، وعقد الاجتماعات على المستوى الرئاسي والمتابعة على المستوى الوزاري، مؤكدين أن علاقات البلدين وتقاربهما في ضوء هذا المسار الجديد ستشهد تعزيزاً على المستوى التجاري والاستثماري، بخلاف تعزيز المواقف السياسية لا سيما المتعلقة بدعم القضية الفلسطينية.

وأفادت الرئاسة المصرية، في بيان صحافي الاثنين، بأن السيسي ولولا دا سيلفا، بحثا خلال لقائهما في سبل تعزيز العلاقات الثنائية، مع «إدراك البلدين لأهمية تعزيز التعاون في ضوء تقارب مصالحهما ومواقفهما من مختلف القضايا»، وقاما في هذا الإطار بالتوقيع على بيان مشترك بشأن «ترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بما يحقق مصالح وتطلعات الشعبين الصديقين».

السيسي ولولا دا سيلفا على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين بريو دي جانيرو (الرئاسة المصرية)

وأشار البيان المشترك إلى «مرور 100 عام على العلاقات الدبلوماسية بين مصر والبرازيل»، وإلى «تعزيز التنوع وتعميق العلاقات الثنائية، وسط أواصر صداقة تجمع شعبي البلدين؛ وعضوية للبلدين في تجمع بريكس».

وجاءت الشراكة وفق البيان المشترك «تأكيداً لرغبة البلدين في العمل معاً لترسيخ السلام، وتعزيز نظام دولي أكثر تمثيلاً وعدالة، وتجديد وإصلاح النظام متعدد الأطراف، وتحقيق تنمية مستدامة ونمو شامل».

واستندت الشراكة إلى 7 مبادئ أبرزها «تعزيز الحوار والتفاهم من خلال تكثيف العلاقات الدبلوماسية واللقاءات الثنائية وتبادل الزيارات بين المسؤولين رفيعي المستوى من البلدين والقطاعات الوطنية الأخرى»، و«التركيز على احتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية لكلا البلدين، والسعي لتحقيق المنفعة المتبادلة».

ويضاف لتلك المبادئ «تعزيز المشاورات والتنسيق حول القضايا المدرجة على جدول الأعمال الثنائي، وكذلك حول القضايا الإقليمية والمتعددة الأطراف ذات الاهتمام المشترك، على أساس أهداف السياسة الخارجية المشتركة بين البلدين».

وتشمل تلك المبادئ أيضاً «تكثيف التعاون في المجالات السياسية والدبلوماسية ومجالات السلام والأمن والدفاع والاقتصاد والتجارة والاستثمار والبيئة والزراعة والعلوم والتعليم والتعاون التنموي والثقافي والرياضي والسياحي، بجانب وضع خطة عمل، من خلال القنوات الدبلوماسية، تحدد المبادرات اللازمة لتنفيذ الشراكة الاستراتيجية».

وترفيع العلاقات لمستوى «الشراكة الاستراتيجية»، وفق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير رخا أحمد حسن، مصطلح جرى استخدامه في السنوات الأخيرة في العلاقات بين الدول، وهو في حد ذاته يعني شمول التعاون في كافة المجالات سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً وفنياً وتكنولوجياً ويرأسه عادة رئيسا البلدين، وتعقد اجتماعاته على المستوى الرئاسي وتتابع على المستوى الوزاري من وزراء الخارجية.

ويعني هذا المستوى أيضاً «إعطاء مزيد من الاهتمام للعلاقات مع البرازيل التي تجمعها بمصر علاقات تعاون في معظم المجالات»، وفق السفير حسن، لافتاً إلى أن البلدين يشتركان في تكتل «بريكس»، وهذا سيسهل التبادل التجاري ويعزز من مزاياه، ويسرع من فرص ضخ الاستثمارات البرازيلية في مشاريع مصر أو التوسع فيها.

وبخلاف المسار الاقتصادي، تعزز الشراكة الاستراتيجية مسار التشاور السياسي، خاصة ورئيسها الحالي يساري يدعم الطبقات المهمشة، والقضية الفلسطينية، مما يعزز جهود مصر لمواجهة الفقر في أفريقيا ومساعيها لوقف الحرب بالمنطقة، وفق رخا.

مزايا ترفيع العلاقات إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية» يؤكدها أيضاً مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال بيومي، لافتاً إلى أنها تعطي دفعة كبيرة لأي مشاورات بين البلدين في كافة المجالات، خاصة أنها تتابع على المستوى الرئاسي، لافتاً إلى أن مصر والبرازيل تجمعهما علاقات جيدة فكلتاهما تاريخيا حاربت الاستعمار، وتتفقان على السعي لتسريع معدلات النمو.

ويعول بيومي على أن يسهم تدشين رفع العلاقات لمستوى الشراكة الاستراتيجية إلى توثيق وتعميق التعاون المشترك، متوقعاً أن يترتب على ذلك مزيد من زيادة التعاون التجاري، خاصة أن مصر لديها الكثير الذي يمكن أن تصدره للبرازيل، فضلاً عن تعزيز الاستثمارات البرازيلية بمصر باعتبارها بوابة لأفريقيا وأوروبا.

وكشفت الرئاسة المصرية أن المقابلة شهدت توجيه الشكر للرئيس البرازيلي على دعوة مصر للمشاركة في فعاليات مجموعة العشرين العام الجاري، «بما يعكس تقدير البرازيل لثقل مصر في منطقة الشرق الأوسط وفي قارة أفريقيا والحرص على تضمين أولويات الدول النامية في جدول الأعمال، في ظل تنامي التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى العالمي».

وبحث الرئيسان خلال المقابلة في الأوضاع الإقليمية، واستعرض الرئيس المصري «الجهود المصرية لاستعادة الاستقرار في الشرق الأوسط، والوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة ولبنان»، مشيداً بالمواقف البرازيلية التي تدعم القضية الفلسطينية.

وتوافق الجانبان على «ضرورة تنفيذ حل الدولتين وتوسيع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، ورفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية»، وفق البيان ذاته.


مقالات ذات صلة

منشور لترمب عن قمة مجموعة العشرين يثير غضب حزب جنوب أفريقي

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب على متن الطائرة الرئاسية «إير فورس ون» في فلوريدا (رويترز)

منشور لترمب عن قمة مجموعة العشرين يثير غضب حزب جنوب أفريقي

أثار منشور للرئيس الأميركي دونالد ترمب يُشير فيه إلى أنه لن يحضر قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا، غضب حزب راديكالي طالته انتقادات الرئيس الأميركي.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
الخليج وزير الخارجية السعودي ونظيره البرازيلي خلال إعلان الاتفاقية (واس)

السعودية والبرازيل لإنشاء مجلس تنسيقي بين البلدين

وقعت السعودية والبرازيل على مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس التنسيق بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في اليوم الأخير من القمة (إ.ب.أ)

قمة الـ20 تعطي معالجة الفقر والمناخ زخماً... لكنها منقسمة حول حروب الشرق الأوسط وأوكرانيا وترمب

نجحت البرازيل بصفتها الدولة المضيفة في إدراج أولويات رئيسية من رئاستها في الوثيقة النهائية لقمة العشرين بما في ذلك مكافحة الجوع وتغير المناخ.

أميركا اللاتينية الجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

إطلاق «التحالف العالمي ضد الجوع» في «قمة الـ20»

أطلق الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، «التحالف العالمي ضد الجوع والفقر»، وذلك خلال افتتاحه في مدينة ريو دي جانيرو، أمس، قمة «مجموعة العشرين».

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو )

الفاشر: مدينة تئن تحت النار والجوع وانسداد الأفق

TT

الفاشر: مدينة تئن تحت النار والجوع وانسداد الأفق

صورة من الأقمار الاصطناعية لمدينة الفاشر المحاصرة في إقليم دارفور (أ.ف.ب)
صورة من الأقمار الاصطناعية لمدينة الفاشر المحاصرة في إقليم دارفور (أ.ف.ب)

بين سندان الموت تحت القصف والجوع والمرض، ومطرقة النزوح إلى المجهول، يواجه مئات الآلاف من سكان مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، والمخيمات حولها، واقعاً إنسانياً مؤلماً، فالموت العاجل أو «البطيء» يتهددهم إن بقوا في مدينتهم أو نزحوا إلى مكان آخر.

ما يُثير الأسى والحزن هو وقوع السكان بين خيارين؛ أحلاهما مر، فبين رفض القوات المشتركة التي تُقاتل مع الجيش، السماح للسكان بالفرار، وتدعوهم إلى البقاء والقتال «دفاعاً عن الأرض والعرض»، تعمد «قوات الدعم السريع»، التي تطالب السكان بالخروج إلى مناطق آمنة، بقصف المدينة والمخيمات غير مبالية بالدمار وهتك الأرواح وسفك الدماء.

قصف وحصار

وتشهد مدينة الفاشر المحاصرة منذ أكثر من عام ونصف العام عمليات حربية وقتالية بين الجيش والقوات المشتركة المتحالفة معه من جانب و«قوات الدعم السريع»، التي تفرض حصاراً مشدداً على المدينة التي يُقدر عدد سكانها بنحو مليون شخص، إضافة إلى نحو نصف مليون آخرين جاءوا إلى المدينة من مخيمات النزوح القديمة، منذ حرب دارفور 2003، ويعيشون حول المدينة.

بعد انسحاب «قوات الدعم السريع» من وسط البلاد والعاصمة الخرطوم، شددت حصارها على المدينة وما حولها، ونتج عن الحصار ندرة وارتفاع جنوني في أسعار السلع الغذائية، وتوقفت الخدمات الأساسية، وشحّت الأدوية المنقذة للحياة، وعجزت المنظمات الإنسانية عن إيصال المساعدات والإغاثات للسكان المحاصرين.

كما تصاعدت حدّة المواجهات العسكرية، واتّسع نطاق العمليات، سواء عبر القصف المدفعي، أو ضربات المسيّرات الحربية، أو الغارات الجوية، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات من المدنيين. وبلغت المخاطر ذروتها مع اندلاع المعارك في مخيّم زمزم للنازحين، الذي يبعد نحو 12 كيلومتراً عن مركز مدينة الفاشر.

ممرات آمنة

نشطت دعوات لفتح ممرات آمنة لخروج المواطنين، وتبنت حركتان مسلحتان، ضمن تحالف «تأسيس» الموالي لـ«قوات الدعم السريع»، هما «تجمع قوى تحرير السودان»، بقيادة عضو مجلس السيادة السابق، الطاهر حجر، و«حركة تحرير السودان»، بزعامة عضو «السيادة» السابق، الدكتور الهادي إدريس، عمليات إخلاء للمدنيين. وأعلنت «قوات الدعم السريع» استعدادها لـ«تأمين عمليات النزوح».

وواجهت دعوة إجلاء المدينة «رفضاً» قوياً من الجيش والقوات المشتركة، ونقلت صحيفة «دارفور 24»، أن الجيش والقوات المشتركة المتحالفة معه ومقاتلين متطوعين تحت مسمى «المقاومة الشعبية»، منعوا مجموعة من المواطنين من المغادرة، في حين نشطت منصات التواصل الاجتماعي الموالية للجيش لحث المواطنين على البقاء في المدينة ومعسكرات النازحين، للدفاع عما سمّوه «الأرض والعرض».

وقال المتحدث باسم «المنسقية العامة للنازحين واللاجئين»، (جماعة أهلية طوعية)، آدم رجال، في بيان إن القوات المشتركة والجيش اعتقلوا قادة ونشطاء من النازحين في مخيم أبو شوك، واتهموهم بتحريض السكان على مغادرة منازلهم ومخيماتهم، و«التعاون» مع «قوات الدعم السريع».

واتهم رجال الجيش والقوات المشتركة بتحويل المواطنين إلى «دروع بشرية»، وبفرض طوق عسكري حول المخيم لمنع مغادرتهم، دون مراعاة للظروف القاسية التي يعيشونها، بما في ذلك المجاعة وندرة مياه الشرب، وارتفاع أسعار السلع الرئيسية وقصف الطيران الحربي والمسيّرات والرصاص.

أوضاع حرجة

في آخر تقاريره، ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة «أوتشا»، أن نحو 400 - 450 ألف شخص في معسكرات مثل زمزم وأبو شوك نزحوا نحو منطقة طويلة، ومناطق أخرى حول جبل مرة.

وقال إن حركة النزوح أصبحت «سريعة وغير متوقعة»، بسبب الأعمال العدائية المستمرة من طرفي النزاع، والمخاوف من هجوم واسع النطاق على الفاشر، من قبل «قوات الدعم السريع»، وتفاقم وتزايد مستويات انعدام الأمن الغذائي.

وأكد النازح آدم عبد الله آدم إجبارهم على «التهجير القسري» بقوله: «هناك من طلبوا منا مغادرة معسكر زمزم»، (يقصد «قوات الدعم السريع»)، دون أن يسميهم: «هؤلاء نقلونا إلى منطقة طويلة».

وقالت النازحة من الفاشر، أماني الطيب إبراهيم، إنهم هربوا خوفاً من «التدوين» (القصف بالدانات) العشوائي، التي تتم عبر «قوات الدعم السريع»، والجوع وانعدام الغذاء والدواء. وتابعت: «رطل السكر بلغ سعر 8 آلاف جنيه (نحو 3 دولارات)، والملح 7 آلاف، وقطعة الصابون 5 آلاف، نحن بلا دخل، ولدينا أطفال بحاجة لرعاية وأكل وشرب».

وقالت نازحة أخرى -رفضت ذكر اسمها- إنهم نزحوا هرباً من المعاناة، وقلة الطعام، وانعدام العلاج، ومن قصف «قوات الدعم السريع» العشوائي، وتابعت: «نحن الآن بحاجة للطعام والماء ومواد الإيواء».

ازدواج معايير

وطالب نشطاء وسياسيون بفتح ممرات آمنة لإجلاء المدنيين من الفاشر، وعدّوا منعهم الخروج من الفاشر أو إجبارهم على النزوح «جريمة ضد الإنسانية»، وطالبوا بتدخل عاجل يحفظ حياة المتبقين من الجوع والمرض والقتال، وقارنوا وضعهم بالمواطنين في الخرطوم والوسط، عندما سمحوا لهم بالنزوح، ومغادرة مناطق القتال، دون الطلب منهم الدفاع عما أطلقت عليه الدعاية الحربية «الدفاع عن الأرض والعرض».

وأبدى نازحون غضبهم مما سمّوه «المعايير المزدوجة»، وقال أحدهم: «حين كانت الحرب في الخرطوم نادوا السكان بالإخلاء، أما نحن فإما أن نموت تحت القصف وإما نموت في العراء».

وعضد الناشط السياسي د. عزام عبد الله في تحليله السياسي واسع الانتشار على منصات التواصل الاجتماعي، ما ذهب إليه النازح، بقوله: «إن فتح ممرات آمنة للمواطنين حق مشروع... حين اندلعت الحرب في الخرطوم نزح ثلاثة أرباع سكانها، لأنها منطقة صراع، وهذا ما حصل أيضاً في مدينة ود مدني... لماذا يسمح للمدنيين هناك بالنزوح، ويمنعونه هنا».