السياسة الخارجية بين ترمب وبايدن: صراع بين الانعزالية المتقلبة والانفتاح المتردّد

بعد انتهاء المؤتمرين الحزبيين... وانطلاق السباق نحو انتخابات «نوفمبر 2020»

السياسة الخارجية بين ترمب وبايدن: صراع بين الانعزالية المتقلبة والانفتاح المتردّد
TT

السياسة الخارجية بين ترمب وبايدن: صراع بين الانعزالية المتقلبة والانفتاح المتردّد

السياسة الخارجية بين ترمب وبايدن: صراع بين الانعزالية المتقلبة والانفتاح المتردّد

في يناير (كانون الثاني) 2017 وقف الرئيس الأميركي الـ45 دونالد ترمب أمام قبة الكونغرس ورفع يده مؤدياً قسم اليمين ومتعهداً للحشود الغفيرة التي تجمعت لمشاهدة حفل تنصيبه رئيساً جديداً للولايات المتحدة بأن أولويته هي «أميركا أولاً». يومذاك قال: «قسم اليمين الذي أديته اليوم هو قسم ولاء لكل الأميركيين. من اليوم فصاعدا ستكون أميركا أولاً. وكل قرار سأتخذه من التبادل التجاري إلى الضرائب والهجرة والسياسة الخارجية سيكون لمصلحة الأميركيين أولاً».
وراء ترمب، على منصة المسؤولين، جلس سلفه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ونائبه جو بايدن. واستمع الرجلان بقلق بالغ إلى تصريحات ترمب، فما قاله انتقاد مباشر لسياستهما الخارجية التي يتباهيان بها، ويضعها كثيرون في خانة السياسة الانعزالية التي قلما اعتمدها الرؤساء الأميركيون السابقون. لكن هذا القلق ترافق مع نوع من الشك في تنفيذ هذه الوعود الانتخابية التي عادة ما يطلقها الرؤساء في خطب التنصيب لإرضاء من انتخبهم. إلا أن الأيام والأشهر التي تلت تسلّم ترمب زمام السلطة أثبتت للمشككين العكس.
تبدّلت معالم السياسة الخارجية الأميركية إبان رئاسة دونالد ترمب بشكل جذري، وشهدت «تسونامي» من التغييرات التي تراوحت بين انسحاب ترمب من معاهدات دولية وانتقاده لحلفاء تقليديين وتغنيه بخصوم لدودين. وهذه مواقف وصفها منتقدوه بالرعناء والمتهورة، بينما تغنى بها مناصروه معتبرين أنها تظهر قوة الولايات المتحدة ونفوذها في العالم.
وكالصقر راقب جو بايدن الغريم الديمقراطي لترمب في انتخابات نوفمبر المقبل طوال السنوات الأربع الماضية سياسات ترمب الخارجية، فاستمع إلى تذمر الأوروبيين وامتعاض الليبراليين، لينقض على السباق الرئاسي هذا العام متوعداً «بإعادة الانضباط والثبات» إلى السياسة الخارجية الأميركية، واستعادة ثقة الحلفاء ودور الولايات المتحدة القيادي في العالم. ويحرص بايدن في وعوده هذه على التذكير بخبرته الطويلة كعضو في مجلس الشيوخ، ورئيس للجنة العلاقات الخارجية فيه، قبل أن يختاره أوباما نائباً له، وهنا يقول: «أنا أعلم الكثير عن السياسة الخارجية الأميركية، ولدي علاقات حول العالم. من لا يحبني يحترمني ومن يحبني يحترمني أيضاً... أنا أعلم كيفية إنجاز الأمور على الصعيد الدولي».
لكن هذه الخبرة «سيف ذو حدين»، فتاريخ بايدن الحافل في السياسة يعجّ أيضاً بالأخطاء التي يعترف بها، أبرزها تصويته لصالح «حرب العراق» عام 2002 الذي ينتقده ترمب كلما سنحت له الفرصة، ولقد قال أخيراً في حدث انتخابي في ولاية بنسلفانيا: «بايدن صوّت لصالح الحرب في العراق، أما أنا فقد حميتكم من حروب جديدة...».
وبينما يرى بايدن نفسه أنه ليبرالي منفتح دولياً، يصف ترمب مقاربة خصمه بـ«القديمة الطراز»، ويعترف من دون تردد أنه يتخذ غالبية قراراته غريزياً.
ورغم الفارق الكبير في مقاربة الرجلين على صعيد السياسة الخارجية، وتعهد بايدن بإعادة إحياء السياسات السابقة في حال فوزه، فإن ثمة تحديات جمة تواجهه في مشواره.
وقد شهد ترمب هذه التحديات نفسها في سعيه الدؤوب لقلب سياسات سلفه. فهو عانى من عوائق حالت دون انسحابه كلياً من الاتفاق النووي مع إيران إلا بعد سنة من توليه الرئاسة. كما أن قراره الانسحاب من «اتفاق باريس المناخي» و«منظمة الصحة العالمية» لن يصبح نهائياً إلا ما بعد انتخابات نوفمبر. أما قراره سحب آلاف القوات الأميركية من ألمانيا فسيتطلب سنوات طويلة للتنفيذ.
ويعود سبب هذه العوائق إلى أن قرارات ترمب تحدّت المفاهيم التقليدية، فقلما تتغير السياسة الخارجية الأميركية بشكل جذري مع تغير الإدارات سواء أكانت ديمقراطية أو جمهورية، إذ إن الحلفاء والخصوم هم نفسهم، وقد جرت العادة أن يقود الجهود الدبلوماسية الأميركية جسم دبلوماسي غير مسيس يبقى من إدارة إلى أخرى بهدف خدمة المصالح الأميركية.
كما أن العائق الآخر أمام تنفيذ ترمب لأجندته هو عدم خبرته في السياسة الخارجية، إضافة إلى عدم خبرة غالبية مستشاريه في هذا المجال، وهذا أمر يتفوق فيه بايدن عليه بحكم خبرته، ما قد يساعد المرشح الديمقراطي على تنفيذ التغييرات التي وعد فيها بسرعة أكبر و«تصحيح» ما فعله ترمب، بحسب وصف مستشاري المرشح الديمقراطي.

إيران والاتفاق النووي
ولعلّ أكثر ما أثار سخط بايدن واستياءه هو سعي ترمب الدؤوب لمحو أكبر إنجازات إدارة أوباما - بايدن ومحط فخرهما على صعيد السياسة الخارجية: الاتفاق النووي مع إيران. فهل سيتمكن بايدن من إحياء الاتفاق أم أن مساعي ترمب جعلت من مهمة بايدن شبه مستحيلة؟
بحسب وثائق من حملة بايدن الانتخابية، سيسعى نائب الرئيس الأميركي السابق إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي من خلال التنسيق مع الحلفاء بشرط «تعهد إيران باحترام شروط الاتفاق مجدداً». لكن هذه المساعي تواجه تحديات عدة، فإدارة ترمب لا تزال في طور الضغط على مجلس الأمن لإعادة فرض العقوبات الدولية ضد إيران وتمديد حظر الأسلحة على طهران، ورغم إصرار أغلبية أعضاء المجلس على رفض الانصياع للمطالب الأميركية، فأي تغيير في هذا الشأن سيؤدي إلى عراقيل جديدة بوجه مساعي بايدن. ثم إن عودة إيران إلى طاولة المفاوضات ستكون رهناً برفع العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة ترمب عليها، وهذا أمر ستصر عليه طهران خاصة في حال تزامنت المفاوضات مع الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتوقعة في مايو (أيار) المقبل.
وإضافة إلى الملف النووي الإيراني، يعارض بايدن مقاربة ترمب تجاه إيران فيما يتعلق بأنشطتها المزعزعة في المنطقة، وقد انتقد قرار استهداف قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، معتبراً أنه سيؤدي إلى مواجهة مع إيران، الأمر الذي لم يحصل.
لكن بايدن أخطأ في تقييمه، وبدلاً من مواجهة كبيرة في الشرق الأوسط، احتفلت إدارة ترمب بأكبر إنجاز حققته في المنطقة: التطبيع بين دولة الإمارات المتحدة وإسرائيل.

التطبيع مع إسرائيل
وحقاً، منذ توليه السلطة تعهد الرئيس الأميركي بالتوصل إلى اتفاق سلام في المنطقة، واختار صهره جاريد كوشنر لقيادة هذه الجهود، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات والتشكيك بسبب غياب أي خبرة تذكر لكوشنر على صعيد السياسية الخارجية. ولم تكن طريق التوصل إلى اتفاق سهلة أبداً، حتى أن البعض افترض فشل المفاوضات كلها بمجرد إعلان ترمب رسمياً عن القدس عاصمة لإسرائيل، والتوصل إلى «صفقة القرن» رغم المعارضة الفلسطينية.
لكن أعين الإدارة كانت موجهة إلى هدف آخر: تطبيع الدول العربية مع إسرائيل. فهي علمت أن اتفاقاً من هذا النوع سيؤدي إلى تأثير كـ«حجارة الدومينو» في المنطقة، ويساعدها على مواجهة خصمها اللدود إيران. وهذا ما أعلن عنه ترمب في أغسطس (آب) المنصرم، تاريخ بدء تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل. وطبعاً تباهى ترمب بإنجازه هذا، الذي أتى قبل أقل من 100 يوم من الانتخابات الأميركية، وسلّط الجمهوريون الضوء عليه في مؤتمرهم الوطني، معربين عن ثقتهم بأن تحذو دول عربية ومسلمة أخرى حذو الإمارات قريباً. وبينما لم يشكك أحد من الديمقراطيين، بأهمية هذا التطور البارز، بمن فيهم بايدن الذي أشاد بالاتفاق، متعهداً «بتوسيع نطاق التقدم الذي حقق بهدف إحقاق السلام في الشرق الأوسط»، فإن المرشح الديمقراطي اعتبر أن سياسات إدارة أوباما ساهمت بشكل كبير في التوصل إلى هذا الاتفاق.
أيضاً واكب دعم بايدن لهذا الاتفاق إصراره على «حل الدولتين»، ومعارضة أي خطوات أحادية تهدد من مصير هذا الحل. كذلك كرر معارضته لخطة توسيع المستوطنات، مع أنه أكد في الوقت نفسه أنه سيبقي السفارة الأميركية في القدس ويعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية.
بايدن، الذي تجمعه علاقة جيدة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تعهد أيضاً بأنه «سيتخذ خطوات فورية لإعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، والعمل على معالجة الأزمة الإنسانية في غزة»، وقال إنه سيعمل على إعادة فتح مكاتب السلطة الفلسطينية في واشنطن التي أغلقتها إدارة ترمب.

لبنان و«حزب الله»
وفيما يخص لبنان، اعتمدت إدارة ترمب سياسة الضغط القصوى على «حزب الله»، وفرضت سلسلة من العقوبات القاسية عليه، ودعت إلى نزع سلاحه. أما بايدن فرغم تنديده بـ«حزب الله» يشير منتقدوه إلى أن إدارة أوباما غضت الطرف عن أنشطة الحزب بسبب سعيها إلى التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران. مع هذا، خصصت حملة بايدن جزءاً للبنان في أجندتها، حيث تعهد نائب الرئيس الأميركي السابق بالعمل مع المجتمع المدني هناك والمواطنين اللبنانيين لمساعدتهم على تطوير مستقبل سياسي واقتصادي في بلادهم والعمل على إحقاقه، وقال بايدن في عرض لأجندته الرئاسية في حال فوزه في الرئاسة، إنه سيحرص على أن يكون مستقبل البلاد خالياً من الفساد وشاملاً لكل أبنائه. كذلك أكد دعم إدارته للجيش اللبناني، متماشيا مع سياسة الإدارة الحالية، ووصف الجيش بأنه «الدعامة الأساسية لاستقرار البلاد».

القوات الأميركية في الشرق الأوسط
وحول وضع القوات الأميركية في الشرق الأوسط، يجمع كل من ترمب وبايدن على ضرورة سحب القوات الأميركية من سوريا والعراق وأفغانستان. وفي حين تعهد الرئيس ترمب بسحب كل القوات الأميركية من مناطق الصراع، مؤكداً أن الولايات المتحدة قضت على «تنظيم داعش»، تنص أجندة الحزب الديمقراطي على نية بايدن الإبقاء على عدد محدود من القوات في العراق لهزيمة «تنظيم داعش»، كما سيبقي على وحدة لمكافحة الإرهاب في سوريا، وسيسحب القوات الأميركية من أفغانستان «بشكل مسؤول».

العلاقة مع تركيا
مرت العلاقات التركية الأميركية في عهد ترمب بمراحل متأرجحة، فتوترت العلاقة بشكل كبير إبان العملية العسكرية التركية شمال سوريا، لتعود وتتحسن تدريجياً مع إشادة ترمب المستمرة بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ثم تتوتر مجدداً مع رفع أميركا حظر الأسلحة عن قبرص. وقد وصف ترمب أخيراً نظيره التركي بلاعب الشطرنج المحترف مشككاً بقدرة بايدن على التعامل معه.
أما بايدن فقد أثار موجة من الانتقادات في تركيا عندما ظهر في شريط فيديو قائلاً إنه سيدعم تغيير النظام في تركيا في حال فوزه ومعرباً عن انفتاحه للحديث مع زعماء المعارضة لهزيمة إردوغان.

حظر السفر
وأخيراً، بما يتعلق بحظر السفر عن الدول المسلمة الذي فرضه الرئيس الأميركي. قال بايدن في بيان صادر عن حملته: «في اليوم الأول من تسلمه للرئاسة سيلغي جو بايدن قرار حظر السفر ومنع استقبال اللاجئين المخالف للقيم الأميركية. بايدن سيعيد الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه كبلد يستقبل من يسعى إلى الدخول إليه لتحقيق الحلم الأميركي، بمن فيهم المهاجرون من العالم العربي».

فريقا مستشاري السياسة الخارجية
> فريق مستشاري جو بايدن:
جايك سوليفان: مستشار الأمن القومي السابق لجو بايدن في البيت الأبيض.
نيكولاس بيرنز: المسؤول في الخارجية الأميركية في عهدي بوش الابن وبيل كلينتون.
توني بلينكن: نائب وزير الخارجية السابق ونائب مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما.

> فريق مستشاري دونالد ترمب:
عرف ترمب بتغيير فريق البيت الأبيض بشكل مستمر، لكنه اعتمد أخيراً على بعض الوجوه في إدارته لنصحه في ملفات السياسة الخارجية. أبرز هؤلاء: وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي الحالي روبرت أوبراين وكبير موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز، إضافة إلى صهره جاريد كوشنر.

تعامل المرشحين مع التحالفات والاتفاقات الدولية
> انسحاب دونالد ترمب من الاتفاق النووي «هزّ ثقة حلفاء الولايات المتحدة بها»، وفق جو بايدن، الذي سيعمل على استعادة هذه الثقة، وترميم العلاقة بحلف شمالي الأطلسي «ناتو». وحقاً أغضب ترمب حلفاء بلاده في مناسبات عدة، بدءاً بقرار الانسحاب من «اتفاقية باريس للمناخ»، مروراً بإعلانه مغادرة «منظمة الصحة العالمية»، ووصولاً إلى قراره سحب نحو 12 ألف جندي أميركي من ألمانيا. كلها أمور وعد بايدن بإعادة النظر فيها، وتغييرها. كما تعهد بالتواصل مع قادة الناتو بمجرد فوزه وعقد قمة بعنوان: «لقد عدنا» في العام الأول من توليه الرئاسة. كذلك سيعيد النظر في إعادة عضوية الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

روسيا والصين وكوريا الشمالية
تصدّرت روسيا ملف التجاذبات الداخلية الأميركية بعدما اتهمت وكالات الاستخبارات الأميركية الكرملين بالتدخل في الانتخابات الأميركية. وسعى ترمب إلى التخفيف من حدة هذه الاتهامات، الأمر الذي أثار حفيظة الديمقراطيين، الذين توعدوا ـ وعلى رأسهم مرشحهم جو بايدن بالرد بحزم على أي محاولة روسية للتدخل في الانتخابات مجدداً. أيضاً تعهد بايدن بمواجهة بوتين إذا ما تأكدت أنباء تقديم روسيا مكافآت مالية لعناصر من «طالبان» مقابل قتل جنود أميركيين، وهو ما لم يفعله ترمب بحسب ما أكد في مقابلة مع موقع «أكسيوس».
وحيال الصين، وصلت العلاقات الأميركية الصينية إلى أسوأ مراحلها بعد تفشي فيروس (كوفيد - 19) ولم تساعد أزمة شركة الاتصالات هواوي، والخلاف على بحر الصين الجنوبي في تحسين العلاقات. كما أثار قرار إدارة ترمب إنهاء المعاملة التفضيلية لهونغ كونغ غضب بكين، الذي وصل إلى أوجه عندما أمرت الإدارة بإغلاق قنصلية الصين في ولاية هيوستن وسط اتهامات لها بالتجسس.
ومع أن ترمب اتهم بايدن بالليونة تجاه الصين، من المستبعد جداً أن تتغير السياسات الأميركية تجاه بكين في حال فوز المرشح الديمقراطي. فتوجه بايدن مشابه للغاية لتوجه ترمب في هذا الملف، كما أنه توعد بزيادة الضغوطات الدولية على الصين عبر إحياء العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة، إضافة إلى فرض عقوبات إضافية عليها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ضد أقلية الأويغور المسلمة هناك.
أما عن كوريا الشمالية، فقد أثار اللقاء التاريخي بين ترمب - كيم جون أون حفيظة منافسه الديمقراطي الذي اتهمه بالتنازل من دون شروط، وتعهد بعدم لقاء زعيم كوريا الشمالية من دون شروط مسبقة وفرض عقوبات جديدة على نظام بيونغ يانغ. وكان ترمب أكد أن قراره لقاء كيم جونغ أون يهدف إلى الضغط عليه لوقف أنشطة بيونغ يانغ النووية.

أميركا اللاتينية
في شأن علاقة واشنطن بدول أميركا اللاتينية، شنت إدارة ترمب حملة عقوبات اقتصادية ودبلوماسية مكثفة على نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بأمل دفعه خارج السلطة، وهي السياسة نفسها التي اتبعتها إدارة أوباما لكن بمزيد من التحفظ. إلا أن الإدارتين اختلفتا على ملف كوبا، إذ قرر ترمب إلغاء سياسة الانفتاح على كوبا التي أقرتها إدارة أوباما، وذلك إرضاء لداعميه في فلوريدا، وهو قرار أعلن بايدن أنه سينقضه في حال فوزه.

نظام عالمي جديد
على صعيد آخر، رغم الانتقادات التي واجهتها إدارة ترمب فيما يتعلق بتعاطيها مع السياسة الخارجية تحت عنوان «أميركا أولاً». فإن «النظام العالمي الجديد» الذي فرضه فيروس (كوفيد - 19) سيدفع بايدن باتجاه الحفاظ على بعض الأطر التي وضعها سلفه، في حال فوزه بالرئاسة. ولكن، من يقرأ أجندة الحزب الديمقراطي يعلم أن سياسة بايدن التقليدية ستختلف في حال فوزه بالرئاسة. وتبدو بصمات «اليسار التقدمي» واضحة على الأجندة بطريقة لم تشهدها إدارة أوباما. إذ تمكن «التقدميون» في الحزب أمثال بيرني ساندرز من دفع قيادات الحزب التقليدية باتجاه اعتماد سياسة خارجية تتناسب وحياة الأميركيين اليومية. ويفسر نيكولاس بيرنز المسؤول في وزارة الخارجية السابق وأحد مستشاري بايدن هذه التغييرات فيقول إن «مصلحة الأميركيين من الطبقة الوسطى يجب أن تكون المحرك الذي يدفع بسياستنا الخارجية. لقد تأخرنا كثيراً في فرض تعديلات على مسارنا في هذا المجال».
ويتحدث جيريمي شابيرو، وهو باحث في المجلس الأوروبي للسياسات الخارجية عن أسباب هذا التغيير. فيقول إن الديمقراطيين تعلموا من أخطائهم السابقة التي أدت إلى خسارة كلينتون أمام ترمب في انتخابات العام ٢٠١٦: «لقد كان هناك مفهوم مفاده أن سياسة أوباما الخارجية كان ملعباً للنخبة بعيداً كل البعد عن حياة الأميركيين اليومية. إن التغيير من أوباما إلى بايدن سيكون مرفقاً بتركيز أكثر على أميركا».



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».