مهمة شينكر لا تتعارض مع مبادرة ماكرون

TT

مهمة شينكر لا تتعارض مع مبادرة ماكرون

قالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع إن واشنطن ليست في وارد الالتفاف على المبادرة التي يقودها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان وانتشاله من الهاوية التي يتموضع فيها حالياً بعد أن بلغ التأزُّم المالي والاقتصادي والمعيشي ذروته، وأكدت لـ«الشرق الأوسط» بأن مجيء مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر إلى بيروت لا يراد من عودته ثانية الدخول في منافسة مع هذه المبادرة أو التضييق عليها لمنعها من تحقيق الأهداف المرجوّة منها.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن ليس هناك من بنود على جدول أعمال لقاءات شينكر في بيروت يمكن التعامل معها على أنه حضر خصيصاً للحرتقة على المبادرة الفرنسية وتحريض بعض الأطراف عليها في محاولة لوأدها في مهدها، وقالت إنه يحصر لقاءاته بمجموعة من الناشطين في هيئات المجتمع المدني وبالنواب الثمانية الذين استقالوا من البرلمان والتقاهم ليل أمس في بكفيا بدعوة من رئيس حزب «الكتائب» النائب المستقيل سامي الجميّل.
ورأت المصادر أن التنسيق مستمر بين واشنطن وباريس، وقالت إن عودة ماكرون ثانية إلى بيروت منسّقة بكل تفاصيلها مع الإدارة الأميركية، وهذا ما يفسّر إصرار شينكر على استثناء جميع الذين التقاهم الرئيس الفرنسي من لقاءاته، لئلا يقال إنه يتزعّم حملة سياسية غير مرئية للتشويش على المبادرة الفرنسية.
وكشفت بأن شينكر اضطر إلى تأخير عودته لبيروت؛ لئلا يذهب البعض إلى التعاطي مع زيارته التي كانت مقررة قبل وصول ماكرون، وكأنه يخطط لزرع الألغام السياسية لتعطيل المبادرة الفرنسية، وإن كان عزا تأخيره لوجوده في عداد الوفد المرافق لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في جولته التي شملت عدداً من دول المنطقة.
واعتبرت هذه المصادر بأن مبادرة ماكرون لإنقاذ لبنان تقع في شقين، الأول اقتصادي مالي اجتماعي في ظل التأزُّم الحاصل على هذه المستويات بعد أن زاد من وطأته الانفجار المدمّر لبيروت الذي استهدف المرفأ، والثاني سياسي وأن لا مانع من ترحيل البحث في هذا الشق إلى ما بعد إنجاز الشق الأول بقيام حكومة مستقلة من اختصاصيين ومهنيين لديهم إلمام بالوضع السياسي ويعمل الرئيس المكلف مصطفى أديب على تشكيلها.
وعزت إعطاء الأولوية للشق الأول إلى أن هناك أكثر من ضرورة لوقف الانهيار المالي والاقتصادي غير المسبوق في تاريخ لبنان، شرط أن يتلازم مع إعادة إعمار بيروت التي دُمّرت أجزاء كبيرة منها نتيجة انفجار المرفأ، وقالت إن أكثر من نصف اللبنانيين يعيشون حالياً تحت خط الفقر وإن مئات الألوف منهم فقدوا وظائفهم، وإن الجوع أخذ يتمدّد بشكل بات يهدّد الأمن الاجتماعي وتداعياته على الاستقرار.
وأكدت أن حكومة أديب ستتولى الاهتمام بالشق الأول من خلال التزامها بلا أي تعديل بالورقة الإصلاحية التي أعدها ماكرون على أن تكون بمثابة مسودّة أولى للبيان الوزاري للحكومة، خصوصا أنها حظيت بتأييد غير مشروط من جميع الذين التقاهم الرئيس الفرنسي، ومن بينهم تلك التي اجتمعت بدعوة منه في قصر الصنوبر.
وقالت إن هذه الحكومة ستكون حكومة انتقالية مهمتها وقف الانهيارات على أن تخلفها حكومة سياسية تأخذ على عاتقها النظر في الملف السياسي الذي يتضمّن البحث في سلاح «حزب الله» والاستراتيجية الدفاعية والحياد الناشط الذي كان طرحه البطريرك الماروني بشارة الراعي.
وأوضحت هذه المصادر أن ماكرون ليس في وارد إهماله للبحث في الشق السياسي في مبادرته، وإنما أمهل طرحه لأن التلازم بين الإنقاذ الاقتصادي والإصلاح السياسي يمكن أن يعيق وقف الانهيار الذي بات يهدّد بزوال الدولة اللبنانية، وقالت إنه لا خلاف بين واشنطن وباريس حول أبرز العناوين ذات الصلة بالشق السياسي.
وأكدت أن ماكرون تعهد بطرح الشق السياسي وإنما في وقت لاحق، وقالت إن الخطوة الأولى في الملف الاقتصادي تتعلق بتشكيل الحكومة وهذا ما دفع بشينكر إلى استثناء القيادات السياسية من لقاءاته، لئلا يُتّهم بأنه يتدخّل بتأليفها، وكشفت أن الحكومة ستكون من اختصاصيين بامتياز وإن كانت طهران تطالب بأن تكون سياسية أو مختلطة على الأقل لقطع الطريق على من يتحصن وراء حكومة مستقلة لتمرير رسالة مفادها بأن وجود هكذا حكومة هو أول الغيث للاقتصاص من «حزب الله» على تفلّته في داخل عدد من الدول العربية وتدخّله في شؤونها.
لذلك فإن خريطة الطريق التي ألزم بها ماكرون جميع الذين التقاهم لن تأخذ طريقها إلى الإنقاذ ما لم تلتزم كل الأطراف بولادة حكومة استثنائية يتوارى عن الحضور فيها أهل السياسة الذين يجب أن يشكّلوا حاضنة لإنجاحها لوقف انهيار البلد قبل زواله.
وعليه، فإن البنود الأخرى من الخريطة هذه تبقى عالقة على التزام الأطراف بتعهداتهم أمام ماكرون، وبالتالي لا مجال في الاجتهاد لتجويف التشكيلة الوزارية من المقومات الضرورية للعبور بالبلد إلى بر الأمان، وإن كان توزيع الحقائب يمكن أن يولّد مشكلة مردّها إلى الخلاف حول كيفية تحقيق المداورة بين الطوائف في خصوص توزيعها في ظل إصرار «الثنائي الشيعي» على الاحتفاظ بالمالية باعتبار أنها تتيح له المشاركة إلى جانب رئيس الجمهورية والحكومة في التوقيع المالي ومن دونها تبقى القرارات المالية في عهدة الثنائية المارونية - السنية.
فهل تطبّق المداورة في توزيع الحقائب على الوزارات باستثناء تلك السيادية أي المالية والدفاع والداخلية والخارجية؟ وماذا ستكون الردود على هذا الاقتراح؟



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.