واشنطن لا ترى حلاً لأزمة لبنان قبل الانتخابات الأميركية

اعتبرت مبادرة الرئيس الفرنسي تحركاً «في الوقت الضائع»

TT

واشنطن لا ترى حلاً لأزمة لبنان قبل الانتخابات الأميركية

تجمع أوساط سياسية في واشنطن على أن أي حلول عملية تساهم في إعادة لبنان إلى الحياة، مؤجلة إلى ما بعد نهاية العام، على الرغم من الحركة السياسية النشطة التي تجريها فرنسا، بشخص رئيسها إيمانويل ماكرون، والموفدون الأميركيون، وآخرهم ديفيد شنكر مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. لا؛ بل هناك من ينتقد الحركة الفرنسية، قائلاً إنها مبادرة مكشوفة لا تستند إلى حقائق توازن القوى القائم، ولا إلى الوزن الحقيقي المتبقي لفرنسا، سواء داخل لبنان أو إقليمياً أو حتى دولياً.
لكن تلك الأوساط لا تمانع في الحركة الفرنسية في «الوقت الضائع»، بانتظار ما ستسفر عنه معركة انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني). فالأزمة في لبنان لا تنطبق عليها شروط التعامل مع ملفات السياسة الخارجية الأخرى التي تسعى إدارة ترمب إلى «تحقيق بعض الإنجازات» فيها. والاستثمار فيها مرهون بملف إيران، المؤجل إلى ما بعد الانتخابات، لمعرفة ما إذا كان ترمب سيواصل إقامته في البيت الأبيض أم يحل جو بايدن مكانه. وعليه ترى تلك الأوساط أن ملف لبنان ليس مغرياً لتكثيف الجهود فيه، وطرحه في بازار الانتخابات، حتى أنه لا يؤثر على أي جماعات ضغط محلية يمكن الاستعانة بها لحض الناخبين على دعم ترمب.
لذلك ترى تلك الأوساط أن «تجاهلاً» و«بروداً» واضحين يمكن قراءتهما في الصمت الأميركي عن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي في لبنان، عندما وصف «حزب الله» بأنه «جزء من النسيج اللبناني» وبأن نوابه «منتخبون»، وهو ما لا يتعارض في الشكل على الأقل، مع تصريحات وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية ديفيد هيل، عندما قال إن بلاده سبق وتعاملت مع حكومات لبنانية تضم ممثلين عن الحزب.
لكنها تضيف أن تصريحات هيل تلك كانت تعكس جزءاً من وجهة النظر القائمة في الخارجية الأميركية حول الموقف من لبنان. فالموقف الأميركي الرسمي من «حزب الله» تحكمه قوانين صوت عليها الكونغرس ووقَّع عليها الرؤساء الأميركيون، وبالتالي لا يمكن التعامل مع تنظيم إرهابي، بمعزل عن الشكل الذي يمكن أن تلتف عليه بعض الاجتهادات الخاصة لدى بعض المسؤولين في الخارجية. كما أن الاندفاعة «الإنسانية» التي أبداها هيل بعد انفجار مرفأ بيروت لتقديم المساعدات، ومحاولة تحويل أموال من برامج للخارجية إلى لبنان، لا تعكس موقف الخارجية الأميركية، وجرت فرملتها في ظل تباينات يجري الحديث عنها داخل أروقة الخارجية الأميركية حول هذا الملف. وتشير تلك الأوساط إلى طي الحديث عن مساهمة واشنطن في إعادة إعمار مرفأ بيروت التي قيل إن هيل وعد بها، وكذلك عن مساعدات مباشرة عبر بطاقات ائتمان بإشراف الأمم المتحدة لتوزيعها على المحتاجين. وهو ما سيلمسه اللبنانيون مع زيارة شنكر، على الرغم من أن هيل حافظ على الموقف الرسمي الأميركي لشروط التعامل مع الطبقة السياسية اللبنانية. والفارق الأساسي بين الموقف الفرنسي والموقف الذي أعلنه هيل، يشير إلى استمرار اعتراض واشنطن على تقديم مساعدات «لإعادة إعمار» لبنان إذا شكلت حكومة بوجود «حزب الله»، بينما ماكرون رهنها بالإصلاحات رغم وجود الحزب. حتى تهديدات ماكرون للطبقة السياسية اللبنانية بأنها قد تتعرض للعقوبات إذا لم تلبِّ شروط المجتمع الدولي من الآن حتى ديسمبر (كانون الأول)، لا تتطابق مع ملاحظات واشنطن التي تحمِّل تلك الطبقة المسؤولية عما آلت إليه أوضاع البلد، ولا تحبذ إعادة تكليفها في هذه المرحلة على الأقل مسؤولية إخراج البلد من أزماته.
وتخشى تلك الأوساط أن تكون هذه الطبقة السياسية قد تلاعبت بالرئيس الفرنسي وباعته وهماً، عبر تكليف مصطفى أديب لتشكيل حكومة جديدة، بعدما شاركت كلها في تسميته، وليس فقط «حزب الله» أو التيار العوني، مقابل موافقته على التعامل مع الحزب لحسابات فرنسية ضيقة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».