تحت قيادة أرتيتا... هل يعود آرسنال إلى مقارعة الكبار؟

فاز آرسنال ببطولة كأس الدرع الخيرية على حساب ليفربول. لكن من غير المحتمل أن نتذكر ذلك بعد مرور شهر من الآن، فكيف سيكون الحال بعد عام أو خمسة أعوام أو عشرة أعوام؟ من المؤكد أن مؤرخي الأحداث الرياضية خلال العقود القادمة لن يهتموا كثيرا بما حدث بين فريقين غير جاهزين - آرسنال وليفربول - في يوم رطب وعاصف على ملعب ويمبلي! لكن الشيء المؤكد أن فوز آرسنال على ليفربول في تلك المباراة يعد نجاحا آخر للمدير الفني الإسباني ميكيل أرتيتا، ودليلا جديدا على أنه ربما يبني شيئا مثيرا لآرسنال خلال الفترة المقبلة.
من المؤكد أن الفوز بهذه البطولة لن يخدع المسؤولين في آرسنال ويجعلهم يرون أن كل شيء يبدو ورديا في ملعب «الإمارات»! وبالتالي، يتعين على النادي العمل بكل قوة من أجل العودة إلى المسار الصحيح، لأن هذه البطولة ليست مهمة كثيرا، والدليل على ذلك أنه ربما لا يتذكر أحد ما حدث في كأس الدرع الخيرية الموسم الماضي! لكنني أذكركم بأن مانشستر سيتي هو من فاز بها بركلات الجزاء الترجيحية على حساب ليفربول!
لقد فاز آرسنال بـ4 من آخر 7 كؤوس للدرع الخيرية. ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن يزعم أن الفريق يمر بحقبة ذهبية في تاريخ النادي! وربما يكون الأمر أقل أهمية هذا الصيف من غيره، نظرا للضغط الغريب لجدول المباريات، بالشكل الذي جعل هذه المباراة تقام بعد ستة أيام فقط من المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، وقبل 14 يوما من بداية الموسم الجديد للدوري الإنجليزي الممتاز.
لكن الفوز بأي بطولة، مهما كانت صغيرة، يعني الفوز ببطولة، وسوف يستغل عدد من جمهور آرسنال هذه الفرصة للإشارة إلى أن المدير الفني لآرسنال، ميكيل أرتيتا، قد فاز خلال الشهر الماضي بأكثر مما حققه توتنهام في السنوات الـ21 الماضية! ربما تكون هذه مزحة بين الجماهير، لكن الشيء المؤكد أن الفوز بمثل هذه البطولات يكون مهما للغاية بالنسبة للأندية التي لا تستطيع المنافسة على الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز.
وإذا كان لكأس الدرع الخيرية وظيفة خلال السنوات الأخيرة، فإنها تتمثل في أنها تكون مؤشرا واضحا لما سيحدث في الفترة التالية. وربما يكون المثال الأبرز على ذلك قد حدث في عام 2015 عندما خسر تشيلسي بقيادة المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو كأس الدرع الخيرية أمام آرسنال بقيادة آرسين فينغر، فيما كان أول إشارة على أن الأمور تتجه للأسوأ في تشيلسي. ورغم أن مباراة كأس الدرع الخيرية بين آرسنال وليفربول لم تشهد شيئا لافتا للنظر، فإنها جاءت بمثابة تأكيد على النجاح الذي يحققه أرتيتا مع آرسنال في الفترة الأخيرة.
ورغم أن آرسنال كان يلعب أمام ليفربول، الذي يعد أفضل فريق في إنجلترا - وربما أفضل فريق في العالم إلى جانب بايرن ميونيخ - يطبق طريقة الضغط العالي على الفريق المنافس، تمكن آرسنال من بناء الهجمات من الخلف للأمام بشكل جيد، ونقل الكرات في مساحات ضيقة، حتى داخل منطقة الجزاء. قد لا ينجح آرسنال في اللعب بهذه الطريقة دائما، وقد يتعرض الفريق لبعض المواقف المحرجة - قبل إحراز أوباميانغ لهدف آرسنال مباشرة تم الضغط على ديفيد لويز وأجبر على إخراج الكرة لرمية تماس بجوار الراية الركنية - لكن من الواضح أن لاعبي آرسنال لديهم الاستعداد للقيام بذلك، ولديهم الثقة أيضا التي تمكنهم من تناقل الكرات في أضيق المساحات. وهذه هي الطريقة التي يريد أرتيتا أن يلعب بها فريقه، ولن يتخلى عنها حتى أمام أفضل المنافسين.
ومنذ بداية موسم 2016 - 2017 وحتى وصول أرتيتا لملعب «الإمارات» في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، فاز آرسنال في ثماني مباريات وخسر 21 مباراة من أصل 44 مباراة لعبها أمام الأندية الستة الكبرى في جميع المسابقات. لكن تحت قيادة أرتيتا، فاز آرسنال في أربع مباريات وخسر ثلاثا من أصل عشر مباريات لعبها أمام تلك الأندية. لكن ما يبدو مهماً حقاً هو أنه منذ منتصف يوليو (تموز) الماضي، فاز آرسنال على ليفربول في الدوري، وعلى مانشستر سيتي وتشيلسي في كأس الاتحاد الإنجليزي، قبل أن يفوز على ليفربول مرة أخرى في كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة يوم السبت الماضي.
لكن يجب أن يعلم آرسنال أن هذه المباريات قد أقيمت في ظروف مختلفة وغير طبيعية إلى حد كبير، كما أن الفريق قد واجه ليفربول في الدوري الإنجليزي الممتاز بعد أن كان الريدز قد ضمنوا حصولهم على درع الدوري الإنجليزي الممتاز بالفعل. لكن في نفس الوقت، فإن آرسنال يلعب في نفس هذه الظروف كغيره من الأندية الأخرى، وظهر خلال الشهرين الماضيين - ربما بطريقة لم نرها منذ 15 عاماً، وكأنه قادر على مقارعة أقوى المنافسين.
وعلاوة على اعتماد آرسنال على بناء الهجمات من الخلف للأمام من خلال التمريرات الدقيقة والمحكمة، فإن الفريق يضغط أيضا بشكل جيد على الفريق المنافس. لقد استحوذ ليفربول على الكرة بنسبة 60 في المائة في المباراة الأخيرة، مقابل 40 في المائة لآرسنال، ومن المعروف أنه كلما استحوذ المنافس على الكرة لفترة أطول، كان يتعين عليك أن تبذل مجهودا أكبر لاستعادة الكرة. لكن حتى أمام فريق يجيد الضغط العالي مثل ليفربول، فقد تمكن رباعي خط الوسط لآرسنال (بما في ذلك الظهيران - الجناحان، هيكتور بيليرين، وأينسلي ميتلاند - نايلز الاستثنائي) من استعادة الكرة بمعدل خمس مرات ونصف أكثر من ثلاثي خط وسط ليفربول، كما أن الثلاثي الهجومي لآرسنال نجح في استعادة الكرة بمعدل مرتين ونصف أكثر من الثلاثي الأمامي لليفربول.
لقد تحول الضغط إلى ساحة المعركة الرئيسية بين أندية النخبة في الفترة الأخيرة، وأصبح هو السمة المميزة للنموذج الألماني في هذا الصدد. إنه أكبر نقطة ضعف حاليا للمدير الفني لتشيلسي فرنك لامبارد، والمدير الفني لمانشستر يونايتد أولي غونار سولسكاير، وهو المجال الذي يتفوق فيه يورغن كلوب على جوسيب غوارديولا. كما كان ضعف آرسنال في الضغط على الفريق المنافس هو السبب الرئيسي لتراجع الفريق بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة للمدير الفني الفرنسي آرسين فينغر في ملعب «الإمارات»، حيث كان الفريق يخسر بشكل منتظم أمام فرق تجيد الضغط العالي مثل بايرن ميونيخ وبرشلونة. لكن في غضون ثمانية أشهر فقط، نجح أرتيتا في أن يجعل آرسنال قويا للغاية مثل أي فريق كبير، فيما يتعلق بالضغط العالي على المنافس.
ومع ذلك، هناك الكثير من الأسباب التي تجعل آرسنال يشعر بالقلق، مثل عدم الإنفاق بالشكل الكافي على تدعيم صفوف الفريق، وانهيار النظام الذي كان يعتمد عليه النادي تحت قيادة فينغر، والاعتماد بشكل مبالغ فيه على وكيل واحد للاعبين. ورغم التقدم الذي أحرزه الفريق مؤخرا، فلا تزال هناك الكثير من المشاكل التي يجب إيجاد حلول لها، والتي يأتي في مقدمتها اللاعب الألماني مسعود أوزيل، الذي يحصل على راتب كبير للغاية دون أن يلعب أي دور مع الفريق.
لكن جميع المؤشرات المبكرة تدل على أن آرسنال بات لديه مدير فني يتمتع بقدرات استثنائية، ويمتلك خطة واضحة لتقديم كرة قدم حديثة، ولديه الصلاحيات والشخصية التي تمكنه من تطبيق هذه الخطة على أرض الواقع. وداخل أرض الملعب على الأقل، هناك أسباب تدعو للتفاؤل بتحسن الفريق كثيرا عما كان عليه في السنوات الماضية. قد لا يعني الفوز بكأس الدرع الخيرية الكثير في حد ذاته، لكن آرسنال أظهر في هذا النهائي مرة أخرى أنه يتحرك في الاتجاه الصحيح.