«صندوق الاستثمارات العامة» يعمّق تمكين القطاع الخاص السعودي

أفرز 10 قطاعات جديدة وأسس 30 شركة تعمل في أنشطة الاقتصاد الوطني

ساهمت خطط صندوق الاستثمارات العامة السعودي في زيادة حركة القطاع الخاص من خلال مشاركته في تنفيذ مشروعات عملاقة (الشرق الأوسط)
ساهمت خطط صندوق الاستثمارات العامة السعودي في زيادة حركة القطاع الخاص من خلال مشاركته في تنفيذ مشروعات عملاقة (الشرق الأوسط)
TT

«صندوق الاستثمارات العامة» يعمّق تمكين القطاع الخاص السعودي

ساهمت خطط صندوق الاستثمارات العامة السعودي في زيادة حركة القطاع الخاص من خلال مشاركته في تنفيذ مشروعات عملاقة (الشرق الأوسط)
ساهمت خطط صندوق الاستثمارات العامة السعودي في زيادة حركة القطاع الخاص من خلال مشاركته في تنفيذ مشروعات عملاقة (الشرق الأوسط)

أفصحت البيانات الأخيرة عن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أن محفظته الاستثمارية تضمنت تحقيق مستهدف تمكين القطاع الخاص السعودي، في إطار تثبته تأسيس 10 قطاعات جديدة في الاقتصاد المملكة، أفرزت إنشاء 30 شركة قائمة تمارس أعمالها في شرايين الأنشطة المحلية، معمقاً بذلك تأثيرها في الاقتصاد الوطني.
وتمضي السعودية ضمن إطار مخطط واستراتيجية «رؤية 2030» إلى تمكين القطاع الخاص المحلي، الذي يعتبر المحرك الرئيسي لعملية النمو الاقتصادي، الأمر الذي يعطي الاقتصاد السعودي عمقاً أكبر، في ظل المرونة وروح المبادرة وتطوير القدرة الإنتاجية التي يمتلكها القطاع الخاص السعودي، الذي يسهم بشكل مباشر في عمليات التنمية المستدامة.
وفي هذا الجانب، كان توجه السعودية نحو الاستثمار في مشروعات البنية التحتية وتوسيع المساهمة الاقتصادية خلال العقد الماضي، ليصبح القطاع الخاص شريكاً يعتمد عليه في تفعيل وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، من خلال الدور الاقتصادي الحيوي الذي يوازن بين التطلعات المالية والاقتصادية لـ«رؤية 2030».
وباعتباره المحرك الحقيقي للتنمية الاقتصادية، ساهم صندوق الاستثمارات العامة في عملية تمكين القطاع الخاص ضمن المبادئ الرئيسية التي يرتكز عليها، وذلك من خلال استثماراته النوعية التي أسهمت في تأسيس قطاعات حيوية مهمة، وأصبح الداعم الرئيس للقطاع الخاص بصورة مباشرة وغير مباشرة، من خلال الشراكة وتوليد الفرص الاستراتيجية الكبرى.
وبحسب التوجهات الحالية، عزّز الصندوق دوره في هذا الجانب بإطلاق قطاعات جديدة وتنميتها، وذلك من خلال تأسيس شركات جديدة وتطوير المشروعات الكبرى منها، في قطاع الصناعات العسكرية التي أسس بها شركة «سامي»، وفي قطاع الترفيه عبر شركة «القدية»، وفي التجارة الإلكترونية شركة «نون»، والمدن العالمية الحديثة «نيوم»، وفي الاستثمار السياحي تطوير ساحل البحر الأحمر، عبر شركتي «البحر الأحمر» و«أمالا»، وأيضاً شركات لإعادة التدوير والخدمات اللوجستية وغيرها، وذلك بهدف دعم جهود التنمية وتنويع مصادر الدخل وتوطين المعرفة الحديثة والتقنيات المبتكرة. وإلى تفاصيل خطة تمكين «الاستثمارات العامة» للقطاع الخاص...
- 10 قطاعات و30 شركة
أسّس صندوق الاستثمارات العامة منذ عام 2017 أكثر من 10 قطاعات جديدة من خلال تأسيس أكثر من 30 شركة جديدة، تعمل في كثير من القطاعات المحلية، مثل الترفيه، والسياحة، والصناعات العسكرية، والاستثمار في صناديق الشركات الناشئة، ويقوم حالياً بدراسة تأسيس وتطوير شركات أخرى في عدة قطاعات مختلفة دعماً للاقتصاد الوطني.
ووقّع الصندوق مؤخراً ضمن محفظة المشروعات الكبرى (نيوم، القدية، ومشروع البحر الأحمر) كثيراً من العقود مع شركات القطاع الخاص بمبالغ وصلت إلى مليارات الريالات، وذلك في إطار جهود الصندوق الهادفة إلى دعم وتمكين القطاع الخاص.
- عقود بالمليارات
كما وقّع عقد شراكة مع «إير بروداكتس» وشركة أعمال المياه والطاقة الدولية «أكوا باور»، الشركة الرائدة المطوّرة والمالكة والمشغلة لمشروعات ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه بقيمة 5 مليارات دولار، لبناء منشأة في نيوم تعمل بالطاقة المتجددة لإنتاج وتصدير الهيدروجين إلى السوق العالمية.
وفي أكبر صفقة للتمويل العقاري، والأولى من نوعها في المملكة، وقّعت الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري، المملوكة بالكامل من صندوق الاستثمارات العامة، اتفاقية لشراء حقوق محفظة تمويل عقاري تزيد قيمتها على 3 مليارات ريال من المؤسسة العامة للتقاعد؛ حيث تستهدف الشركة خلال العام الحالي إعادة التمويل.
وفي أضخم قيمة عقد تمنحه شركة البحر الأحمر حتى الآن، فاز تحالف شركتي نسما وشركاهم للمقاولات المحدودة والمباني العامة للمقاولات، بعقد تطوير البنية التحتية للملاحة الجوية في المطار الدولي للمشروع، الذي سيلعب دوراً رئيسياً في تحول أنظار الباحثين عن السياحة الفاخرة نحو السعودية التي تستعد من خلال مشروع البحر الأحمر لاستقبال ما يصل إلى مليون زائر سنوياً بحلول 2030.
وكشفت شركة القدية للاستثمار عن منحها عقداً قيمته 700 مليون ريال (186.6 مليون دولار) لمدة 3 أعوام لشركة شبه الجزيرة للمقاولات «ساجكو» لتشييد مصارف مياه الأمطار والطرق والجسور في المشروع الذي يعتبر أضخم مشروع ترفيهي ثقافي رياضي متكامل في السعودية.
- تضاعف الأصول
كان الوضع القوي لسيولة الصندوق النقدية العامل الرئيس في إنجاح هذه الصفقات التي تقدر قيمتها بمليارات الريالات، وذلك من خلال النمو الكبير الذي حققه الصندوق خلال 4 سنوات؛ حيث تضاعف حجم الأصول التي يديرها من 565 مليار ريال (150.6 مليار دولار) في عام 2015 إلى أكثر من 1.350 تريليون ريال (360 مليار دولار) في 2020.
- آلاف الوظائف
الحراك الذي أحدثه صندوق الاستثمارات العامة من خلال محفظة شركاته، سيسهم في استحداث أكثر من 11 ألف وظيفة مباشرة، وأكثر من 5 آلاف وظيفة غير مباشرة، إلى جانب أكثر من 88 ألف وظيفة في قطاع المقاولات والإنشاءات، بمجموع 104 آلاف وظيفة.
وبحسب الإحصائيات، تشكّل استثمارات صندوق الاستثمارات العامة في الشركات السعودية الجزء الأكبر من أصول الصندوق، التي ترتكز في استثمارات مباشرة في كثير من الشركات، مجسداً بذلك أحد المبادئ الاستثمارية للصندوق، في أن يكون مستثمراً ومساهماً أكثر فعالية ونشاطاً، ضمن سعيه إلى تحقيق عوائد مجزية على المدى الطويل، بما ينعكس إيجاباً على الشركات التي يساهم فيها.
ويهدف الصندوق من خلال مبادرات تعظيم استثماراته في الشركات السعودية إلى تمكين هذه الشركات من النمو ودعمها لتصبح رائدة محلياً وإقليمياً، ووصول عددٍ منها إلى الريادة العالمية، وإعادة بناء الشركات وتوجيهها نحو الفرص الحديثة والاتجاهات المستقبلية، والاستفادة من المزايا التنافسية التي يملكها الصندوق، واستثمار شبكة علاقاته العالمية، وتعزيز الابتكار والتكامل بين الشركات التي يستثمر فيها الصندوق.
وبناء على ذلك، يعمل صندوق الاستثمارات العامة وفق رؤية محددة واستراتيجية واضحة من أجل تمكين كثير من القطاعات الجديدة الحيوية السعودية، والمساهمة بتطوير فرص استثمارية جاذبة ومتنوعة، مع التركيز على توطين المعرفة، وزيادة الناتج المحلي، وتوفير الوظائف، إضافة إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».