تخوّف من تسارع استخدام اللقاحات غير الجاهزة... ومن اتساع جبهة منكري الوباء

تخوّف من تسارع استخدام اللقاحات غير الجاهزة... ومن اتساع جبهة منكري الوباء
TT

تخوّف من تسارع استخدام اللقاحات غير الجاهزة... ومن اتساع جبهة منكري الوباء

تخوّف من تسارع استخدام اللقاحات غير الجاهزة... ومن اتساع جبهة منكري الوباء

تشهد منظمة الصحة العالمية حالا غير مسبوقة من التعبئة العامة منذ مطلع هذا الأسبوع، تتجاوز ما كانت عليه خلال مرحلة الذروة لانتشار «كوفيد - 19» في الربيع الفائت، كما يعترف بعض الأخصائيين فيها، وذلك بعد أن تكاثرت مصادر القلق الناجم عن تدابير مكافحة الوباء واحتوائه، والتسارع الذي تشهده جبهات عدة للبدء باستخدام اللقاحات التي لم يبلغ أي منها بعد مرحلة نضوجه النهائية.
ويتوزّع نشاط فرق العمل المخصصة التي شكلتها المنظمة، من خبرائها ومستشارين خارجيين، على متابعة تدابير استئناف العام الدراسي وما قد ينشأ عنه من تبعات على المشهد الوبائي، والتحولات التي ترصدها جهات عدة على مواصفات فيروس «كورونا» المستجد ومستوى سريانه، إضافة إلى تفنيد المعلومات الخاطئة والمزيّفة عن طبيعة الوباء ومدى خطورته وتدابير احتوائه، والتنبيه من خطورة الانجرار وراء هذه المعلومات وعواقب الجنوح نحو اللجوء إلى حلول وعلاجات غير مؤكدة علميّا.
ولا يخفي أخصائيون في المنظمة الدولية «قلقهم الشديد» من الأنباء الأخيرة الواردة من الولايات المتحدة، حيث أعلنت وكالة الأدوية الأميركية أنها مستعدّة للموافقة على استخدام اللقاح الذي يجري تطويره في مختبرات شركة «مودرنا» قبل إنجاز مرحلة التجارب الثالثة التي يعتبر نجاحها شرطا أساسيا للموافقة عليه. ويتزامن هذا الإعلان مع الذي صدر عن وزارة الصحة الروسية من موسكو بأن اللقاح الروسي، الذي ما زال في بداية مرحلة التجارب الثالثة، سيبدأ توزيعه في غضون أيام، وبعد أن أكدت بكّين أن اللقاح الصيني سيكون جاهزا للاستخدام بين الطواقم الطبية وأفراد الأجهزة الأمنية في الأسابيع المقبلة.
وبعد أن حذّرت منظمة الصحة من مخاطر استخدام اللقاحات التي لم تنجز اختباراتها بنجاح، حتى في حالات الطوارئ، قالت كبيرة علمائها سُميّة سواميناتان أمس إن «استخدام هذه اللقاحات في الحالات الطارئة يجب أن يتمّ بأقصى درجات الحذر، والقرار في نهاية المطاف ليس بيد المنظمة بل يعود للدول المعنيّة». لكنها رفضت التعليق حول ما إذا كان قرار الوكالة الأميركية نتيجة لضغوط سياسية لها علاقات بالانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ في المنظمة الدولية مايك رايان: «لكل بلد الحق السيّد في اتخاذ القرار الذي يراه مناسبا بشأن التلقيح».
ويعترف خبراء منظمة الصحة بأنهم «غير قادرين على التأثير في مثل هذه القرارات التي تثير قلقا شديدا وبلبلة في أوساط الباحثين، والتي من الواضح أنها تخضع لاعتبارات غير علميّة».
ويوضح الخبراء أن المعيار الأساسي، القانوني والطبي والعلمي، للموافقة على استخدام أي لقاح في الحالات الطارئة، هو أن تكون المخاطر التي تنشأ عنه دون المنافع على الصحة العامة. وتقول الخبيرة في علم الفيروسات من جامعة كولومبيا الأميركية أنجيلا راسموسين: «يستحيل السماح أو القبول، في أي ظرف كان، باستخدام لقاح ضد (كوفيد - 19) إذا لم تتوفر البيانات الموثوقة والقرائن حول فاعليته وسلامته في التجارب السريرية خلال المرحلة الثالثة».
ومن جهته قال جرّاح القلب الشهير إريك توبول: «ثمّة دولتان فقط وافقتا على استخدام اللقاح قبل التأكد من فاعليته وسلامته: روسيا والصين. واليوم يريد مدير الوكالة الوطنية للأدوية أن تكون الولايات المتحدة هي الدولة الثالثة متجاهلا أبسط القواعد العلمية، ومؤكدا من غير أدنى صدقيّة أن القرار لا علاقة له بالانتخابات الرئاسية».
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان قد أشار في خطاب قبوله ترشيح الحزب الجمهوري الأسبوع الماضي كحدث من الماضي، رغم أن الولايات المتحدة ما زالت هي البؤرة الرئيسية لانتشار الوباء في العالم، حيث قارب عدد الإصابات فيها 6 ملايين، وزاد عدد الوفيّات عن 183 ألفا. ويذكر أن الإدارة الأميركية قد خصّصت موارد ضخمة لتمويل «عملية السرعة القصوى» لتطوير لقاحات ضد «كوفيد - 19» في أقصر فترة ممكنة، وكان الرئيس الأميركي قد أشار غير مرة إلى «مؤامرة تقوم بها الدولة العميقة، أو بعض الجهات في وكالة الأدوية، لعرقلة مساعي المختبرات من أجل التعاقد مع متطوعين لتجربة اللقاح والحيلولة دون إنجازه قبل الانتخابات الرئاسية».
ويذكر أيضا أن مدير الوكالة ستيفين هان كان قد تعرّض لانتقادات قاسية بعد عرضه معلومات مزيّفة حول فاعلية العلاج عن طريق بلازما المتعافين من «كوفيد - 19» الذي وصفه الرئيس الأميركي في 23 الشهر الماضي بأنه «خطوة تاريخية حقا في مكافحة الفيروس الصيني».
ومن الجبهات الأخرى التي تتابع منظمة الصحة تطوراتها بقلق شديد أيضا، اتساع التيارات والاحتجاجات الشعبية المناهضة لتدابير الوقاية، وبخاصة الكمامات الواقية والتباعد الاجتماعي، والتي تتخذ أبعادا سياسية واضحة كما حصل مؤخرا في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وقبل ذلك في البرازيل والولايات المتحدة. ويخشى خبراء المنظمة ليس فقط من اتساع هذه الاحتجاجات، بل أيضا من تأثيرها المباشر على تراخي المواطنين بشكل عام في التقيّد بتدابير الوقاية الأساسية، وعلى قدرة الحكومات أو استعدادها لفرض الإجراءات اللازمة لاحتواء الوباء إلى أن يتمّ تطوير لقاح ضده.
ودعت منظمة الصحة إلى مضاعفة الجهود لدحض المواقف التي تصدر عن هذه الجهات، كالذي صدر عن أحد السياسيين الإيطاليين البارزين فيتّوريو زغاربي، وهو نائب في البرلمان ووزير سابق وأشهر خبراء الفن في إيطاليا، الذي أصدر قرارا بمنع استخدام الكمامات في مدينة «سوتري» التي يرأس بلديتها.
وبعد الاضطرابات التي انتهت بها المظاهرة المناهضة لتدابير الوقاية في برلين يوم السبت الماضي وشاركت فيها تنظيمات اليمين المتطرف التي حاولت اقتحام مبنى البرلمان رافعة شعارات ورايات نازية، من المقرر أن تخرج مظاهرة مماثلة يوم السبت المقبل في العاصمة الإيطالية روما تحت شعار «الكوفيد خدعة، هلمّوا نحرّر إيطاليا».


مقالات ذات صلة

ترمب يخطط للانسحاب مجدداً من «منظمة الصحة العالمية»

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ومرشحه لمنصب وزير الصحة روبرت كيندي يوم 23 أكتوبر الماضي (أ.ب)

ترمب يخطط للانسحاب مجدداً من «منظمة الصحة العالمية»

أفاد أعضاء في الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بأنه يدرس الانسحاب من «منظمة الصحة العالمية» في اليوم الأول لتوليه السلطة في 20 يناير.

هبة القدسي (واشنطن)
صحتك صورة توضيحية لفيروس «كوفيد-19» (أرشيفية - رويترز)

«كوفيد» الطويل الأمد لا يزال يفتك بكثيرين ويعطّل حياتهم

منذ ظهور العوارض عليها في عام 2021، تمضي أندريا فانيك معظم أيامها أمام نافذة شقتها في فيينا وهي تراقب العالم الخارجي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)

مايوت... أفقر أقاليم فرنسا تجهد لمحو آثار الإعصار المدمّر

شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
TT

مايوت... أفقر أقاليم فرنسا تجهد لمحو آثار الإعصار المدمّر

شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)

بعد أسبوع من أسوأ إعصار يضربها منذ ما يقرب من قرن، لا تزال جزيرة مايوت الفرنسية الفقيرة الواقعة في المحيط الهندي تجهد لإحصاء عدد القتلى واستعادة الخدمات الأساسية ومساعدة السكان المحاصرين، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

والمستشفيات التي تعاني بشكل دائم نقصاً في الإمكانات تكتظ بالمرضى الذين يعانون ليس من الإصابات المرتبطة بالإعصار «شيدو» فحسب، بل أيضاً من الجفاف وسوء التغذية والأمراض. وفي المستشفى الرئيس في مايوت بالعاصمة مامودزو، يواجه الأطباء سلسلة من الأزمات.

وقال الدكتور روجيه سرحال، رئيس قسم التوليد وأمراض النساء في المستشفى: «فقدنا 40 في المائة من غرف المرضى؛ أي نحو 50 إلى 60 سريراً. هناك الكثير من المرضى يأتون إلى المستشفى، وليس لدينا مكان لاستقبالهم».

وفي ظل الإعصار الذي ضرب الأرخبيل في نهاية الأسبوع الماضي مصحوباً برياح سرعتها 220 كيلومتراً في الساعة، أجبرت الأضرار البنيوية التي لحقت بالمستشفى الموظفين على فرز المرضى، وإعطاء الأولوية لأكثر الحالات شدة.

تم تأكيد وفاة خمسة وثلاثين شخصاً حتى أمس (الجمعة) في مايوت، لكن وزيرة الصحة الفرنسية جنفييف داريوسيك، حذرت من أن أي تقديرات من المرجح أن تكون أقل بكثير من الأعداد الحقيقية «مقارنة بحجم الكارثة».

سيندو محمدي يجلس على السرير في المستشفى بعدما أصيب خلال مرور الإعصار «شيدو» (أ.ب)

* دمار شامل

دمرت العاصفة أحياء بأكملها، وتجاهل العديد من الناس التحذيرات، معتقدين أن العاصفة لن تكون شديدة للغاية. والأسوأ من ذلك أن العديد من المهاجرين تجنبوا الملاجئ خوفاً من الترحيل، حسبما قالت السلطات، مضيفة أنه قد يكون هناك مئات أو ربما آلاف الوفيات.

ويخشى الأطباء أن يؤدي نقص المياه النظيفة والكهرباء إلى أزمة صحية. وقال الدكتور فنسان جيل، مدير الطوارئ الطبية في المستشفى: «يأتي المرضى لأن أمراضهم لم تعالَج، ولا ماء ولا كهرباء. نحن قلقون بشأن الأوبئة، مثل تفشي مرض الكوليرا الذي أوقفناه قبل أشهر فقط».

ويواصل طاقم المستشفى العمل بلا كلل، لكن الموارد تنفد بشكل مقلق. وقال سرحال: «إذا هطلت الأمطار سيكون الأمر كارثياً».

من بين المرضى الراقدين في المستشفى، سيندو محمدي (54 عاماً) الذي كُسرت ذراعه والتوى كاحله أثناء العاصفة التي دمرت منزله تماماً. وقال: «أمي مريضة، وأنا مريض، وأحد أطفالي الستة مريض. عائلتي بحاجة إلى تناول الطعام، وبما أني الشخص الذي يحصّل الرزق، فليس لدى أمي وأطفالي شيء الآن».

وأضاف: «لست وحدي. هناك الكثير منا فقدوا كل شيء. أريد من الحكومة أن تهتم بنا، وأن تمنحنا الطعام ومكاناً للنوم».

يُذكر أن مايوت التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، هي أرخبيل يقع بين مدغشقر والقارة الأفريقية. ومما يزيد الاكتظاظ أن قرابة 100 ألف مهاجر يعيشون فيها.

وعانى أفقر أقاليم فرنسا ما وراء البحار لفترة طويلة من الإهمال ونقص الاستثمار؛ لذا يعيش نحو 75 في المائة من سكان مايوت في فقر، في حين أن البنية التحتية للأرخبيل غير مجهزة لتحمل كارثة بهذا الحجم.

نساء يغسلن ملابس في أحد شوارع مامودزو عاصمة مايوت بما جمعنه من مياه الأمطار (أ.ب)

وبينما تبذل سلطات باريس جهوداً لتقديم المساعدات الطارئة، بما في ذلك النقل الجوي للمياه والغذاء، تبقى الحاجات كبيرة بالنظر لحجم الكارثة. ولا يزال مطار مايوت مغلقاً أمام الرحلات المدنية بسبب الأضرار، الأمر الذي يعرقل الخدمات اللوجستية.

وأقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته مايوت أمس (الجمعة)، بخطورة الوضع وتعهد بإعادة البناء. لكنه واجه انتقادات من السكان المحبطين من بطء وتيرة المساعدات. وقدرت وزارة الداخلية الفرنسية أن 70 في المائة من السكان تأثروا بشكل خطير، وأن العديد منهم أصبحوا بلا مأوى وعرضة للخطر بعد هذه الكارثة الطبيعية.