تحديات ماكرون الأربعة في زيارته الثانية للبنان

أديب متحدثاً مع صاحب منزل متضرر من انفجار مرفأ بيروت أمس (أ.ف.ب)
أديب متحدثاً مع صاحب منزل متضرر من انفجار مرفأ بيروت أمس (أ.ف.ب)
TT

تحديات ماكرون الأربعة في زيارته الثانية للبنان

أديب متحدثاً مع صاحب منزل متضرر من انفجار مرفأ بيروت أمس (أ.ف.ب)
أديب متحدثاً مع صاحب منزل متضرر من انفجار مرفأ بيروت أمس (أ.ف.ب)

نجحت ضغوط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصل مساء أمس (الاثنين) إلى بيروت، على المسؤولين والسياسيين اللبنانيين في حمل الرئيس ميشال عون على إجراء المشاورات البرلمانية التي تأخرت كثيراً، وعلى توفير ما يشبه الإجماع على تكليف سفير لبنان في برلين مصطفى أديب لتشكيل الحكومة العتيدة. ولم يكن تزامن الاستشارات مع عودة ماكرون إلى بيروت من قبيل الصدف. ذلك أنه «حذّر» المسؤولين والسياسيين بأنه «عائد» إلى لبنان للتحقق من التقدم الذي حصل. ووفق مصادر واسعة الاطلاع في باريس، فإنه أمضى كثيراً من وقته طيلة نهاية الأسبوع المنصرم في التواصل مع بيروت للدفع باتجاه «أوسع تأييد» لمصطفى أديب الذي خرج من «قبعة» تجمع رؤساء الحكومة السابقين، وبتزكية من الرئيس سعد الحريري شخصياً، ما يشكل فارقاً أساسياً مع حكومة حسان دياب التي وصفت بحكومة «اللون الواحد»، بينما الحكومة القادمة يفترض أن تحظى بـ«أوسع دعم»، وعلى رأسه دعم قادة الطائفة السنية، وهو ما سعت إليه باريس منذ البداية.
كذلك حصد ماكرون نجاحاً لدى «حزب الله» وأمينه العام بقوله: «نحن منفتحون على أي مناقشة بناءة، شرط أن تكون حواراً لبنانياً». في إشارة منه إلى دعوة ماكرون لمجيء «ميثاق سياسي وطني جديد». ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أمرين الأول، أن ماكرون بمجيئه المبكر إلى بيروت بعد 48 ساعة على انفجار المرفأ، أثار موجة تعاطف واهتمام بلبنان، الأمر الذي عكسه تواتر الزوار والدعم متعدد الأشكال الذي انصب عليه. والثاني، أنه «أيقظ» الرغبة في الإصلاح لدى الرئيس عون الذي يطالب اليوم بـ«الدولة المدنية» كمدخل لإعادة ترميم صورته المتآكلة بسبب 4 سنوات من الحكم الحافل بالأزمات، والذي أوصل لبنان، وفق التقارير الدولية، إلى القعر اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، ونصف اللبنانيين إلى حافة الجوع.
بيد أن ما حقّقه ماكرون حتى اليوم، رغم أهميته، ليس سوى «نصف نجاح» إذ ما زالت تواجه مساعيه، بحسب مصادر سياسية واسعة الاطلاع في باريس، 4 تحديات رئيسية، أولها تشكيل حكومة أديب. ماكرون يريد حكومة «تحظى بأوسع مروحة من الدعم»، وهذا الأمر تحقق من خلال التسمية. إلا أن طبيعتها) تكنوقراطية، مستقلة عن الأحزاب، مستعدة للسير بالإصلاحات...)، وطريقة تشكيلها ستوفران مؤشرات على مدى استعداد الطبقة السياسية في لبنان للتخلي عن مبدأ المحاصصة والتمسك بالحقائب «الدسمة»؛ خصوصاً ترك الطريق مفتوحة أمامها للقيام بالإصلاحات التي يراها المجتمع الدولي، وعلى رأسه فرنسا، ضرورية لمساعدة لبنان للنهوض. وبالنظر لتقاليد السياسيين في لبنان في العقود الأخيرة، ولقدرة النظام السياسي على امتصاص الصدمات، سيكون من المخاطرة الرهان على استفاقة الحس الوطني وتغليب المصلحة الجماعية لديهم، إذ إن التجربة لا تشي بذلك بتاتاً.
يكمن التحدي الثاني بالنسبة للرئيس الفرنسي في توفير عناصر النجاح للحكومة الجديدة التي تريد باريس تشكيلها بأسرع وقت، لوضع حد للفراغ المؤسساتي. ولا يقتصر هذا التحدي على الداخل اللبناني الذي لكل طرف فيه حساباته المحلية والخارجية، بل له بعدان إقليمي ودولي متلازمان. وليس سراً أن ماكرون تواصل مع واشنطن وموسكو وبرلين وبروكسل والرياض وأبوظبي وطهران والدوحة... لتوفير ما يمكن تسميته «شبكة أمان» للبنان، وهو يحظى في تحركه بدعم أوروبي و«تفهم» أميركي، من باب تأكيده على أن «لبنان ليس ورقة خاسرة» وإن تركه لمصيره سيكون بمثابة تقديمه «هدية» لـ«حزب الله» وإيران. وبكلام آخر، يحتاج ماكرون لإخراج لبنان من مربع التجاذب وتصفية الحسابات بين إيران والولايات المتحدة، وبين إيران والبلدان الخليجية. لذا، فإن القبول المبدئي للوساطة الفرنسية ولغرض إنقاذ لبنان يفترض ترجمة الوعود إلى وقائع وأفعال، وعنوانها توفير الدعم للبنان سياسياً ومالياً واقتصادياً. من هنا، أهمية أن تنجح فرنسا في تعبئة مجموعة الدعم للبنان وإعادة تفعيل مقررات مؤتمر «سيدر» للعام 2018 ودفع المؤسسات المالية الدولية للتعاون مع لبنان، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.
بيد أن كل هذا الحراك رغم أهميته، يبقى ناقصاً إن لم يتجاوب الشارع اللبناني مع الحكومة ورئيسها، وهو ما يشكل التحدي الثالث. من هنا، حاجة ماكرون لـ«تسويقها» لدى الرأي العام اللبناني الذي اكتوى بالوعود التي لا تنفذ. وتجدر الإشارة إلى أن المصادر الرئاسية تصرّ على أن «خريطة الطريق» التي تطرحها للبنان ليست سوى استعادة لما يطلبه الشارع. لذا، تتعين متابعة ردود الأفعال للشارع والمجتمع المدني ونشطائه لما أفرزته الطبقة السياسية لأن الحكومة المنتظرة تحتاج للقبول بشرعيتها وبفعاليتها. يبقى أن التحدي الأخير لـماكرون عنوانه تفصيل ما اقترحه من أنه يريد للبنان «ميثاقاً سياسياً جديداً» وتجديداً للطاقم السياسي الذي يعيد استنساخ نفسه. لكن دون هذا المشروع عقبات وانقسامات لا بد أن تظهر سريعاً عندما يبدأ البحث الجدي به إذا ما حدث ذلك يوماً.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».