المظاهرات في ليبيا... من قمع نظام القذافي إلى نيران الميليشيات

عودة النهج القديم في مواجهة الحراك السلمي

مظاهرة مناهضة لحكومة «الوفاق» في طرابلس الثلاثاء الماضي (رويترز)
مظاهرة مناهضة لحكومة «الوفاق» في طرابلس الثلاثاء الماضي (رويترز)
TT

المظاهرات في ليبيا... من قمع نظام القذافي إلى نيران الميليشيات

مظاهرة مناهضة لحكومة «الوفاق» في طرابلس الثلاثاء الماضي (رويترز)
مظاهرة مناهضة لحكومة «الوفاق» في طرابلس الثلاثاء الماضي (رويترز)

«المظاهرات الراهنة قد تنتهي مثل سابقتها، وقد يُسجن بعض المحتجين أو يتعرضون للإخفاء القسري، ولن يتمكن الباقون من الصمود أمام قوة سلاح الميليشيات، وانقسامها بين مؤيدة لها ومعارض»... بهذه الكلمات لخصت فاطمة محمد، إحدى سكان جنوب العاصمة، رؤيتها لإمكانية أن تُحدث مثل هذه التحركات الشبابية تغييراً جوهرياً في قادم الأيام في الواقع الليبي.
وقالت الناشطة، التي سبق لها العمل مع عديد من منظمات المجتمع المدني، في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «الوضع القائم في البلاد يصعب تغييره سريعاً في ظل ضعف الشارع السياسي حالياً، وتسلط الميليشيات المسيطرة على المشهد العام في الغرب وتغوّلها، لكننا مع ذلك لن نفقد الأمل في التغيير».
من جانبه، رأى الباحث الليبي ورئيس مؤسسة «السليفيوم للأبحاث والدراسات» جمال شلوف، أن عملية التظاهر السلمي في ليبيا مسألة نادرة، إذ إن «الظاهرة الأبرز للعقد الأخير وتحديداً بعد ثورة 17 فبراير (شباط) عام 2011 كانت مواجهة الحراك السلمي بالقمع الدموي». وأوضح شلوف في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أنه لمدة اقتربت من 42 عاماً هي فترة حكم الرئيس الراحل معمر القذافي، ظلت فكرة التظاهر والاحتجاج السلمي من المحرمات التي تترتب عليها عقوبتا السجن أو الإعدام، لافتاً إلى أن «شرارة الثورة كانت مظاهرات سلمية، لكن للأسف عاد النهج القديم في قمع الحراك السلمي».
وتذّكر شلوف المواجهات الدامية التي وقعت بحق متظاهرين سلميين في السنوات الماضية، أبرزها حادثة غرغور، ثم «جُمعة إنقاذ بنغازي»، وصولاً إلى مظاهرات ساحة الكيش عام 2015، التي دعا فيها المتظاهرون المجتمع الدولي لتسليح «الجيش الوطني» في حربه ضد الإرهاب، لكن تم استهدفهم بصواريخ من تنظيم «داعش» وأتباعه، مستكملاً: «في جميع هذه الأحداث كانت النتيجة واحدة، وهي سقوط ضحايا ثم محاولات تهدئة الرأي العام، يعقبها تجاهل تام من السلطة».
وتابع: «حتى حراك (لا للتمديد لـلمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته)، والذي نجح في الدفع لإجراء انتخابات مجلس النواب عام 2014، كانت نتيجته مؤسفة، حيث سعت ميليشيات (فجر ليبيا) إلى الانقلاب على الإرادة الشعبية بقوة السلاح».
وتوقع رئيس مؤسسة «السليفيوم للأبحاث والدراسات، عدم قدرة حراك طرابلس على إحداث أي تغييرات جوهرية، مستنداً إلى أن «الميليشياوي والمرتزق وغيرهما يقتاتون من النهب الممنهج للمال العام، وبالتالي لن يسمحوا بأي محاولة لتغيير الواقع الراهن وسيقاتلون بكل قوة لمنع ذلك»، ورجح «الاستمرار في محاولات قمع الحراك الشعبي بأشكال عدة، أو تحويل مساره عبر اختراقه من تلك الميليشيات لتشويه صورته».
في السياق ذاته، قال الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا عبد المنعم الحر، إن غياب ثقافة التظاهر دفعت بالمسؤول الليبي إلى عدم قدرته على التفريق بين المظاهرة السلمية والفوضى، وبالتالي لم يجد أمامه إلاّ مواجهتها باستخدام القوة المفرطة كما اعتاد، لذا تنتهي عادةً بإراقة الدماء.
وتابع الحر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف البعض يسقط قتيلاً، أو يُعتقل تعسفياً، وكل معتقلي حراك سلمي تختلف مدة سجنهم عن الآخرين»، وقال: «هناك من دخل المعتقل منذ ست سنوات ولم يخرج إلى الآن ولا يُعرف مصيره مثل معاذ بنون، الذي اعتُقل على خلفية مظاهرات إسقاط المؤتمر الوطني، وبالطبع عائلات القتلى خلال المظاهرات السابقة لم يحصلوا على أي تعويضات عن فقدان أبنائهم». ويرى الحر أن «القمع الذي يمارَس ضد المتظاهرين وتداعياته على أسرهم يتسبب في عزوف قطاعات أخرى بالمجتمع عن المشاركة في أي احتجاجات مستقبلية».
وفيما يتعلق برد فعل المنظمات والمجتمع الدولي تجاه قمع المظاهرات السلمية، يشير الحر إلى أنها «لا تخرج عن إطار المواقف المعروفة والمكررة من المطالبة بفتح تحقيق، وعدم استخدام القوة المفرطة، وتسليم الجناة، وإطلاق سراح المعتقلين»، وقال: «جميع هذه المطالب يتم إهمال متابعاتها وتتحول إلى بيانات ورقية عندما تقع انتهاكات جديدة».
وبالمثل لا يبتعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازي ميلاد الحراثي، عن الآراء السابقة، لكنه استبعد استمرار المظاهرات الراهنة لفترة طويلة في ظل الغياب الدائم للتنظيمات السياسية والمدنية القوية بالشارع الليبي التي تستطيع نشر وتوسيع رقعة الاحتجاجات عبر مشاركة مختلف النقابات وقطاعات الأعمال والتجار بها.
وقال الحراثي لـ«الشرق الأوسط»: «قد يخطئ البعض بضرب المثال بثورة 17 فبراير كدليل على نجاح الإرادة الشعبية في فرض قرارها»، ورأى أن «هذا غير صحيح»، مستدركاً: «نعم الثورة كانت بدايتها مظاهرات سلمية ولكن ضربات حلف الناتو هي من أسقطت نظام القذافي بعدما دمّرت البنية التحتية، ويعاني الشباب اليوم جراء ذلك تهدم محطات الكهرباء والمياه».
في السياق ذاته، يتوقع محمد معزب عضو المجلس الأعلى للدولة ومقره طرابلس، أن تؤدي «الضغوط الشعبية إلى تغيير جزئي بالمشهد الراهن»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحراك الراهن أزعج بلا جدال رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورفقاءه، وهذا قد يجبرهم على اعتماد إصلاحات وتحسين للخدمات، ولكن من المستبعد أن تُحدث تغييراً كلياً في المشهد العام باستقالة المجلس». وانتهى معزب إلى أن «تشتت قوى الشباب رغم صدق الشعارات والمعاناة التي يشعرون بها، فضلاً عن إمكانية اختراقهم سياسياً، دائماً ما يؤدي لانتهاء المظاهرات بلا نتائج».



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.