«المظاهرات الراهنة قد تنتهي مثل سابقتها، وقد يُسجن بعض المحتجين أو يتعرضون للإخفاء القسري، ولن يتمكن الباقون من الصمود أمام قوة سلاح الميليشيات، وانقسامها بين مؤيدة لها ومعارض»... بهذه الكلمات لخصت فاطمة محمد، إحدى سكان جنوب العاصمة، رؤيتها لإمكانية أن تُحدث مثل هذه التحركات الشبابية تغييراً جوهرياً في قادم الأيام في الواقع الليبي.
وقالت الناشطة، التي سبق لها العمل مع عديد من منظمات المجتمع المدني، في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «الوضع القائم في البلاد يصعب تغييره سريعاً في ظل ضعف الشارع السياسي حالياً، وتسلط الميليشيات المسيطرة على المشهد العام في الغرب وتغوّلها، لكننا مع ذلك لن نفقد الأمل في التغيير».
من جانبه، رأى الباحث الليبي ورئيس مؤسسة «السليفيوم للأبحاث والدراسات» جمال شلوف، أن عملية التظاهر السلمي في ليبيا مسألة نادرة، إذ إن «الظاهرة الأبرز للعقد الأخير وتحديداً بعد ثورة 17 فبراير (شباط) عام 2011 كانت مواجهة الحراك السلمي بالقمع الدموي». وأوضح شلوف في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أنه لمدة اقتربت من 42 عاماً هي فترة حكم الرئيس الراحل معمر القذافي، ظلت فكرة التظاهر والاحتجاج السلمي من المحرمات التي تترتب عليها عقوبتا السجن أو الإعدام، لافتاً إلى أن «شرارة الثورة كانت مظاهرات سلمية، لكن للأسف عاد النهج القديم في قمع الحراك السلمي».
وتذّكر شلوف المواجهات الدامية التي وقعت بحق متظاهرين سلميين في السنوات الماضية، أبرزها حادثة غرغور، ثم «جُمعة إنقاذ بنغازي»، وصولاً إلى مظاهرات ساحة الكيش عام 2015، التي دعا فيها المتظاهرون المجتمع الدولي لتسليح «الجيش الوطني» في حربه ضد الإرهاب، لكن تم استهدفهم بصواريخ من تنظيم «داعش» وأتباعه، مستكملاً: «في جميع هذه الأحداث كانت النتيجة واحدة، وهي سقوط ضحايا ثم محاولات تهدئة الرأي العام، يعقبها تجاهل تام من السلطة».
وتابع: «حتى حراك (لا للتمديد لـلمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته)، والذي نجح في الدفع لإجراء انتخابات مجلس النواب عام 2014، كانت نتيجته مؤسفة، حيث سعت ميليشيات (فجر ليبيا) إلى الانقلاب على الإرادة الشعبية بقوة السلاح».
وتوقع رئيس مؤسسة «السليفيوم للأبحاث والدراسات، عدم قدرة حراك طرابلس على إحداث أي تغييرات جوهرية، مستنداً إلى أن «الميليشياوي والمرتزق وغيرهما يقتاتون من النهب الممنهج للمال العام، وبالتالي لن يسمحوا بأي محاولة لتغيير الواقع الراهن وسيقاتلون بكل قوة لمنع ذلك»، ورجح «الاستمرار في محاولات قمع الحراك الشعبي بأشكال عدة، أو تحويل مساره عبر اختراقه من تلك الميليشيات لتشويه صورته».
في السياق ذاته، قال الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا عبد المنعم الحر، إن غياب ثقافة التظاهر دفعت بالمسؤول الليبي إلى عدم قدرته على التفريق بين المظاهرة السلمية والفوضى، وبالتالي لم يجد أمامه إلاّ مواجهتها باستخدام القوة المفرطة كما اعتاد، لذا تنتهي عادةً بإراقة الدماء.
وتابع الحر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف البعض يسقط قتيلاً، أو يُعتقل تعسفياً، وكل معتقلي حراك سلمي تختلف مدة سجنهم عن الآخرين»، وقال: «هناك من دخل المعتقل منذ ست سنوات ولم يخرج إلى الآن ولا يُعرف مصيره مثل معاذ بنون، الذي اعتُقل على خلفية مظاهرات إسقاط المؤتمر الوطني، وبالطبع عائلات القتلى خلال المظاهرات السابقة لم يحصلوا على أي تعويضات عن فقدان أبنائهم». ويرى الحر أن «القمع الذي يمارَس ضد المتظاهرين وتداعياته على أسرهم يتسبب في عزوف قطاعات أخرى بالمجتمع عن المشاركة في أي احتجاجات مستقبلية».
وفيما يتعلق برد فعل المنظمات والمجتمع الدولي تجاه قمع المظاهرات السلمية، يشير الحر إلى أنها «لا تخرج عن إطار المواقف المعروفة والمكررة من المطالبة بفتح تحقيق، وعدم استخدام القوة المفرطة، وتسليم الجناة، وإطلاق سراح المعتقلين»، وقال: «جميع هذه المطالب يتم إهمال متابعاتها وتتحول إلى بيانات ورقية عندما تقع انتهاكات جديدة».
وبالمثل لا يبتعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازي ميلاد الحراثي، عن الآراء السابقة، لكنه استبعد استمرار المظاهرات الراهنة لفترة طويلة في ظل الغياب الدائم للتنظيمات السياسية والمدنية القوية بالشارع الليبي التي تستطيع نشر وتوسيع رقعة الاحتجاجات عبر مشاركة مختلف النقابات وقطاعات الأعمال والتجار بها.
وقال الحراثي لـ«الشرق الأوسط»: «قد يخطئ البعض بضرب المثال بثورة 17 فبراير كدليل على نجاح الإرادة الشعبية في فرض قرارها»، ورأى أن «هذا غير صحيح»، مستدركاً: «نعم الثورة كانت بدايتها مظاهرات سلمية ولكن ضربات حلف الناتو هي من أسقطت نظام القذافي بعدما دمّرت البنية التحتية، ويعاني الشباب اليوم جراء ذلك تهدم محطات الكهرباء والمياه».
في السياق ذاته، يتوقع محمد معزب عضو المجلس الأعلى للدولة ومقره طرابلس، أن تؤدي «الضغوط الشعبية إلى تغيير جزئي بالمشهد الراهن»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحراك الراهن أزعج بلا جدال رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورفقاءه، وهذا قد يجبرهم على اعتماد إصلاحات وتحسين للخدمات، ولكن من المستبعد أن تُحدث تغييراً كلياً في المشهد العام باستقالة المجلس». وانتهى معزب إلى أن «تشتت قوى الشباب رغم صدق الشعارات والمعاناة التي يشعرون بها، فضلاً عن إمكانية اختراقهم سياسياً، دائماً ما يؤدي لانتهاء المظاهرات بلا نتائج».
المظاهرات في ليبيا... من قمع نظام القذافي إلى نيران الميليشيات
عودة النهج القديم في مواجهة الحراك السلمي
المظاهرات في ليبيا... من قمع نظام القذافي إلى نيران الميليشيات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة