تحرير الحياة من قبضة العادة والزمن

ترحال عزت القمحاوي في «غرفة المسافرين»

تحرير الحياة من قبضة العادة والزمن
TT

تحرير الحياة من قبضة العادة والزمن

تحرير الحياة من قبضة العادة والزمن

يشيد الروائي عزت القمحاوي كتابه «غرفة المسافرين»، الصادر أخيراً عن «دار النشر المصرية اللبنانية» بالقاهرة، على طراز عامر بالمشاهدة والخيال، فيبدو كأنه ترحال مفتوح بحيوية على براح الزمان والمكان، يوسع من مدارك الحياة، ويكشف فيها لقطات وزوايا نظر جديدة وطازجة.
تنعكس هذه الروح على قاموسه واستعاراته اللغوية، فلا تقتصر على فضاء المطارات والمزارات وطرائق السياحة، بل نجد ما يشي بالترحال داخل النفس البشرية، ولو عبر حكاية مُلهمة، لذا يستهل كتابه بفرضية يُشارك بها قارئه وهي أن «من لم يسافر، ولو عبر قصة في كتاب، لم يعش سوى حياة واحدة قصيرة»، فالسفر لديه ولع نبيل «يُوحّد البشرية»، قادر على جمع شتات الإنسان في كل مكان منذ ألم الوجود الأول، وهو ذلك الزاد الذي يقتات عليه ما استطاع إلى الحياة سبيلاً، ووسيلته للعيش المُكثف «طالما أن وقتنا على الأرض محدود».
تنحاز «غرفة المسافرين» للسفر باعتباره الفعل الإنساني القادر على ضخ المشاعر في أوردة العمر القصير، سواء تلك التي ترتبط بزيارة أي مكان جديد، أو تلك الأسفار المُلهمة في الأدب والسينما، إذ يعيد قراءة أعمال أدبية عالمية، ترافقه في أسفاره، وتتبادل معه الموقع في حقيبته، إلى أن جمعهما «الآي باد» في مكتبته الإلكترونية التي حلًت محل الكتب الورقية في أسفاره، لا سيما «الموت في فينيسيا» لتوماس مان، و«الأمير الصغير» لأنطوان دو سانت إكزوبري، مروراً بنصوص مُتفرقة منها كتاب تاركوفسكي «النحت في الزمن»، و«مدن لا مرئية» للكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو، والأرجنتيني ألبرتو مانجويل، مروراً بسرديات لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس، واتكاءات متفرقة من القصص الديني والتاريخي، كما في رحلة نوح وطوفانه، وسليمان وملك الموت، وأخرى ترتكز على ملاحم شعرية تاريخية على غرار أوديب وجلجامش.
يسعى الكتاب، الذي يقع في 235 صفحة، إلى تحرير الحياة من تهديدات الزمن المقيمة «الزمن عدونا الخفي نرى أثر عبوره فحسب، ونسافر على أمل الإمساك به. يبدو المكان، ظاهرياً، هدف مطاردتنا، لكن في العمق نحن نطارد الزمن: نعود إلى أماكن الطفولة بأمل يائس في استرداد الزمان الذي قضيناه فيها، ونسافر إلى أماكن جميلة بعيدة، وفي داخلنا تصور ساذج بأن الموت لا يصلها»، وتحرير يوميات الحياة من «عاديتها» عبر محاولة التفتيش في عناصر السفر عن ملامح للتدبر والدهشة. هو يرى مثلاً في الطائرة التي يرتادها المسافر أبعد من مجرد وسيلة مواصلات ضخمة، بل وسيلة فانتازية لـ«تمثيل الحياة»، ففضاء الطائرة جله لدى الكاتب أقرب لعرض مسرحي يتقاسم بطولته الركاب وطاقم الضيافة ليندمجوا جميعاً في نص غير مكتوب «يشربون، ويأكلون، يتمشون، ينامون، يقرأون، يتبادلون التحايا ونظرات الإعجاب، يلتقطون لأنفسهم صوراً تذكارية مع نجوم ذلك المجتمع الطيب ويطلبون توقيعاتهم على دفاتر يومياتهم»، لقطات تشق عرض السماء، وهي تمارس روتين الأرض ودرامياته، فالطائرة حياة المسافرين المؤقتة، وأحياناً ساعاتهم الخطرة، إنها العالم الأرضي وهو يحلق عالياً».
في هذا السياق، يستدعي القمحاوي «كمال» بطل رواية «رجوع الشيخ» لعبد الحكيم قاسم وهو على متن الطائرة، الذي يتخيله بقوله «لم ينطل عليه تمثيل الحياة، وظل محافظاً على وساوسه بشأن ذلك الكيان الجسيم المعلق في الهواء، وبقي في انتظار احتمال السقوط الوارد جداً، وبدلاً من تأمل جمال المضيفات، ترك العنان لغضبه من طريقتهن في التزين على طراز واحد في قص الشعر وطلاء الشفتين وتكحيل العينين. حتى ابتسامتهن اعتبرها تكشير أنياب، ولم يعجبه أنهن يضعن أمام المسافرين وجبات موحدة، وعندما اختفين توهم أنهم يدبرن مؤامرات شريرة، لم تلبث أن أسفرت عن اهتزاز مخيف للوحش الطائر». ينظر القمحاوي لبطل «رجوع الشيخ»، المُرتعد من «تمثيل الحياة» على متن طائرة، باعتباره نموذجاً للكثيرين الذين ينظرون لهبوط الطائرة كطوق نجاة، وفي تلمس الأرض سيطرة على حيواتهم، تلك الوجوه التي التقت على سطح الطائرة لساعات طويلة، الآن يعودون غرباء من جديد أمام مخرج الحقائب يتدافعون بجشع على باب الخروج.
وأياً ما كانت وجهة السفر، يرى الكاتب أن كل الأماكن تصلح موضوعاً للحلم، فالأماكن، على حد تعبيره، لديها القدرة على خلق مجانين يعشقونها، والعاشق قد يجهل أسباب عشقه، فضوضاء القاهرة التي قد تنتهك لحظات الحميمية قد تكون هي جل أحلام آخرين ملوّا من سكون مدنهم، ولعل هذا الطرح واحد من أبرز أسئلة الكتاب، عن تلك المشاعر والأحاسيس التي تتشربها الأماكن، التي قد لا تكون سوى وحي مخيلة السائح، أو زخارف نصوص الكُتاب والرحالة.
ينحاز الكتاب لرُواة القصص في كل لحظات الرحلة، بداية من الدليل السياحي، وحتى موظف الفندق، مروراً ببائع عابر لسلال من البامبو، أو نادل المطعم الذي قد يحكي لك قصصاً أسطورية لمؤسسي المكان، ينظر لهم جميعاً باعتبارهم أجزاء من الحكاية الخاصة التي بوسع كل إنسان أن يحتفظ بها كموطن للذكرى، كما ينحاز الكاتب هنا لروح الدهشة والطفولة في تلقي الأشياء، إلا أنه في موضع آخر من الكتاب يجد في السفر خطة قد تُفيد المسافر الموشك على الموت في الركض بين عجائب الدنيا الضخمة الصاخبة، أو ما يصفه بـ«حرق ما تبقى له من وقت في الحياة دون تفكير في معضلة الفناء»، ويستدعي هنا من ذاكرته السينمائية، التي يمتلئ الكتاب بمشاهدها، فيلم «ذا باكيت ليست» لبطليه الملياردير (جاك نيكلسون) والفقير (مورجان فريمان) اللذين يجمعهما القدر في غرفة في مستشفى ليضعا سوياً قائمة بالأحلام التي يرغبان في تحقيقها بعد الشفاء، وبعدما يُعلمهما الطبيب أن أيامهما باتت معدودة يقرران رغم المرض المقيم تحقيق رحلتهما وأحلامهما حول العالم في ارتحال من الرغبات المؤجلة، وكأن الحياة ابنة تلك اللحظات القصيرة العابرة.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.