«خانة الشواذي»... رواية المنفى السياسي

الركابي يعود إلى مدينته الأولى في عمله الجديد

«خانة الشواذي»... رواية المنفى السياسي
TT

«خانة الشواذي»... رواية المنفى السياسي

«خانة الشواذي»... رواية المنفى السياسي

في رواية «خانة الشواذي» للروائي عبد الخالق الركابي الصادرة عن المؤسسة العربية للنشر في بيروت عام (2019)، يعود بنا الروائي إلى مسقط رأسه، مدينته الأثيرة (بدرة) الحدودية المحاذية لإيران لتكون فضاءً لحركة الأحداث والصراعات التي ستشهدها الرواية، وبذا ستكون هي البنية المكانية المولدة للأحداث اللاحقة، وإن كانت تمتد مكانياً إلى مدينة بغداد أيضاً، كما تتحرك زمنياً عبر فترات زمنية مختلفة من تاريخ العراق، من خلال إشارات دالة تضيء تاريخية الزمان والمكان معاً.
ويبدو أن عودة عبد الخالق الركابي إلى مدينة بدرة، ليست من باب النوستالجيا الطفولية، بل لارتباط ذلك بعنوان الرواية، حيث اعتادت الحكومات العراقية المتعاقبة على إرسال المعارضين السياسيين إلى المنفى في مدينة بدرة. وهذه الثيمة، أعني حجز المنفيين في بدرة، كانت جوهر رواية عراقية سابقة هي «المبعدون» للروائي هشام توفيق الركابي، وهو ما يفتح الباب للحديث عن ظاهرة رواية المنفى في الأدب العراقي.
هذه الرواية، تختلف عن رواية «المبعدون» لأنها اكتفت بالتقاط أنموذج فردي واحد متمثل في وصول المنفية السياسية (ملاك عيسى) إلى بدرة لأسباب سياسية. وتتحرك الرواية بين جيلين أو أكثر، من أبناء بدرة، فهي، إلى حد ما، رواية أجيال.
يبدأ السرد الروائي من خلال شخصيات الجيل الأحدث من منطقة الحاضر، لكنه سرعان ما يعود لتقليب صفحات الذاكرة للتعريف بشخصيات الجيل الأول.
ويبدو أن الروائي كان قد وضع هيكلاً دقيقاً لروايته، يقرب من هيكل القصص البوليسية، ذلك أنه كان لا يقدم الحقائق في وقت مبكر، أو دفعة واحدة، بل يرجئها، لتشويق القارئ، ولأن موعد الكشف عنها لم يحن بعد. لذا كان المؤلف يطلق على ذلك مصطلح «كلمات متقاطعة»، أو «نصف الحقيقة»، أما النصف الآخر فكان يرجئه إلى الصفحات الأخيرة من الرواية، بعد أن راحت تتكشف تدريجياً الشفرات والرموز والأسرار الغامضة التي بقيت طيلة هذا الوقت مجهولة.
ورغم كون الرواية متعددة الأصوات (بوليفونية) تشارك في سرد أحداثها الكثير من الشخصيات الأساسية والثانوية في الرواية، إلا أن الراوي الرئيس المهيمن على السرد، وبطل الرواية هو (نزار) الطالب في أكاديمية الفنون، والذي يجمع بيديه كل خيوط السرد وأسراره.
ويبدو لي أن (نزار) ليس من أبناء مدينة بدرة، وإنما من إحدى قرى بعقوبة، وأن معظم المعلومات التي استقاها كانت من خلال خزين رسائل صديقه (طه طاهر) ابن مدينة بدرة، الذي هاجر إلى كندا، فضلاً عن ملف التحقيق مع والده (طاهر) الذي احتفظ به المحامي (نجيب بيك) وسلمه في النهاية إلى (نزار) وفيه الإجابات الحاسمة عن الكثير من الأسئلة والأسرار الغامضة التي لم يكشف عنها من قبل. ويمكن القول بأن (نزار) يعد أيضاً بمثابة مؤلف الرواية، لأنه كان دائماً يتحدث عن وجود مثل هذه الرواية والتي تتطلب روائياً محترفاً لكتابتها، وتحويل مادتها الخاصة إلى عمل فني مقبول، وهو ما يضع الرواية في فضاء الميتاسرد.
ومن الملاحظ أن الروائي قد آثر أن يضع هندسة سردية خاصة لروايته من خلال عملية التمفصل الروائي تساهم في تحقيق الوظائف الأساسية للسرد، وفي مقدمتها التمهيد لخلق الجو الروائي، والتعريف بالشخصيات الأساسية، والإيماء إلى عناصر الصراع داخل الرواية، وتصعيد هذا الصراع تدريجياً نحو الذروة climax، وأخيراً السير بالسرد نحو انحلال الذروة Anti - Climax. ولذا وجدنا المؤلف يقسم روايته إلى أربعة أبواب أساسية، سرد هذه الأبواب الأربعة يتم من خلال شاشة وعي بطل الرواية (نزار)، وكل باب من هذه الأبواب يحتوي على مجموعة من الفصول التي يتناوب على سرده عدد من الرواة.
هذه الهندسة الروائية ليست اعتباطية، وإنما مدروسة جيداً. إذ يقتصر الباب الأول «كلمات متقاطعة» على التعريف بالعالم الروائي وشخصياته، ليضع القارئ داخل المشهد الحقيقي، وليكون قادراً على سبر أغوار الأحداث الأساسية المتصاعدة في الرواية. ويكون الإيقاع الروائي في هذا الباب هادئاً وبطيئاً من خلال الاعتماد على الوصف والتعريف والإضاءة.
أما الباب الثاني «حب خلف الأسلاك» فيشهد تصعيداً جزئياً في الأحداث الروائية، حيث يلقي المؤلف حجراً ليحرك البركة الساكنة. ويتمثل هذا الحجر بوصول منفية سياسية هي (ملاك عيسى) إلى بدرة، وهو حدث استثنائي في تاريخ المدينة يستقطب اهتمام الناس، ويلفت نظرهم إلى موضوع النفي السياسي الذي صار يشمل المرأة، بالإضافة إلى الرجل. ويبدأ الإيقاع السردي في هذا الباب بالتوتر والشد والتصاعد تدريجياً.
أما في الباب الثالث «نصف الحقيقة» فيضعنا المؤلف في ذروة الحدث الروائي وصراعاته، لكنه يخفي نصف الحقيقة الأخرى في جزء من اللعبة التي تعتمدها القصة البوليسية عادة بالإبطاء والمواربة والإرجاء حيث تميز الإيقاع الروائي هنا بالتسارع والتفجر أحياناً.
ويأتي الباب الرابع والأخير «الماضي حاضراً» ليضع النقاط على الحروف ويستكمل النصف الآخر من الحقيقة، من خلال تقديم تأويل وتفسير للكثير من النقاط الغامضة التي حيرت القارئ. وينحو الإيقاع الروائي في هذا الباب إلى الاستقرار الجزئي تماماً مثل «القرار» في مقطوعة موسيقية.
يبدأ الروائي روايته باستهلال مثير وواعد، كنا نتوقع أن نجد له مثيلاً في الفصول التالية، وأن لا يظل يتيماً ومحدوداً. إذْ نجد في هذا الاستهلال نمطين من السرد: سرد بالكاميرا السينمائية، وسرد بالكتابة الروائية:
«وتتبعت عدسة الكاميرا الحفرة حتى سويت بالأرض، فلم تعد تتميز عنها إلا بنوع التراب في تناقضه مع حفرة الأعشاب، وقام المصور بعدها بحركة بطيئة من عدسته استعرض بها المقبرة التي بدت أقرب إلى حديقة». (ص 7) ونكتشف لاحقاً أن هذا السرد بالكاميرا كان جزءاً من فيديو عن عملية دفن (طه) في إحدى المقابر الكندية.
ثم ينتقل السرد، ربما عبر (عين كاميرا) أخرى إلى بطل الرواية وراويها الأساسي (نزار) وهو جالس خلف مكتبه في شارع حيفا ببغداد، بعد مرحلة التغيير بعد الاحتلال، يتأمل شاشة اللابتوب وهو يستذكر صديقه (طاهر) الذي هاجر إلى كندا، من خلال توظيف ضمير المتكلم (أنا) الأوتوبيوغرافي، والذي ميز سرده في الأبواب الأربعة.
ومن هذه اللحظة، وبحضور (اللابتوب) تبدأ تتشكل فصول هذه الرواية، وهي تجمع بين الماضي والحاضر من جهة وبين جيل الآباء، وجيل الأبناء والأجداد، من جهة أخرى، ولتنقل صفحات حية من تاريخ العراق السياسي الحديث وبشكل خاص المنفى السياسي فيه.
ومن باب الوفاء لذكرى صديقه الراحل (طه طاهر) شعر (نزار) بمسؤوليته في إنجاز ترميم لوحته الفنية المتميزة التي تعرضت إلى السرقة والتلف بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. وأيضاً في إنجاز كتابة الرواية التي وعد بها صديقه (طه).
وتحيل عملية ترميم اللوحة وإعدادها للعرض في معرض فني شامل للرواد، مكانة خاصة، حيث نشاهد (نزار) وهو منهمك ليل نهار لإنجاز عملية صيانة اللوحة. ومثلما أطلت هذه اللوحة على المشهد الروائي منذ البداية، فإنها عادت إلى لعب دور أكبر في نهاية الرواية، وخاصة عند عرضها في المعرض الفني الشامل، حيث أثارت الإعجاب، ولفتت انتباه المحامي (نجيب بك) من خلال اللقاء التلفزيوني الذي أجراه التلفزيون مع (نزار) والذي استغرق ثلاث دقائق، حيث أدى اهتمام المحامي (نجيب بك) إلى كشف الحقائق المجهولة عن مصير (طاهر) وبراءته، استناداً إلى ملف التحقيق الذي سلمه المحامي إلى نزار، ليكون المادة الأساسية للباب الرابع والأخير من الرواية والموسوم بـ«الماضي حاضراً» والذي عمد فيه المؤلف إلى استحضار الماضي المندرس ووضعه على منصة الحاضر، وربما يمكن القول، تأويلياً، إن الدور الذي لعبته لوحة (طاهر) الفنية شبيه إلى حد ما بدور لوحة (الموناليزا) لدافنشي في رواية (شفرة دافنشي) للروائي (دان براون)، فكلتاهما مهدت الطريق لفك الشفرات السرية الغامضة في الروايتين.
ورغم النسق الخطي المتصاعد لحركة الأحداث الروائية، إلا أن الزمن كان غالباً ما يتعرض لانكسارات وانقطاعات وارتدادات بفعل سرد الذاكرة الذي استحضر أكثر من فترة زمنية منصرمة ومنسية.
لقد كان الروائي عبد الخالق الركابي يحرك الأحداث والحبكات والشخصيات الروائية وفق تراتب خاص تمليه ضرورات السرد والتصعيد المستمر للصراع الروائي. وكانت أغلب أشكال السرد والاستذكار يتم من خلال وعي الشخصيات القصصية المختلفة، وهو وعي مبأر، لأنه يستغور الأعماق الداخلية لهذه الشخصيات التي كانت تقدم وجهات نظرها تجاه الأحداث والواقع الاجتماعي.
ومع أن السرد المهيمن في الرواية هو سرد بطلها (نزار)، الذي هو راويها الضمني، ووكيل المؤلف، إلا أن الكثير من شخصيات الرواية الرئيسة والثانوية قد أسهمت بفاعلية في صياغة نسيج الرواية، مما يجعل الرواية متعددة الأصوات (بوليفونية) لأنها أفسحت المجال للأصوات الأخرى لتعبر عن وجهات نظر بوسائل مختلفة.
هذا ويستدرجنا عنوان الرواية «خانة الشواذي» بوصفه عتبة نصية دالة، كما يذهب إلى ذلك الناقد الفرنسي جيرار جينيت، إلى الطبيعة السياسية لهذه الرواية خاصة عندما يوضع أحد المنفيين فيها. ومصطلح «خانة الشواذي» مصطلح شعبي عراقي يوظف للإشارة إلى المقاعد الخلفية في الحافلات القديمة، ويخصص عادة للفقراء، حيث يعاني الجالسون فيها من اهتزازات الحافلة ومطبات الطريق، وأحياناً يتقافزون مثل القرود أو «الشواذي». (ص 23)
- ناقد عراقي



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.