حياة المصريين بتنوّعها في معرض جماعي بالقاهرة

بمشاركة 11 تشكيلياً من جيلي «الوسط» و«الشباب»

حياة المصريين بتنوّعها في معرض جماعي بالقاهرة
TT

حياة المصريين بتنوّعها في معرض جماعي بالقاهرة

حياة المصريين بتنوّعها في معرض جماعي بالقاهرة

تحت عنوان معرض «صيف نوت 2» يجمع «غاليري نوت» بالزمالك أعمال 11 تشكيلياً بهدف تحقيق حالة من الحراك الفني قبل انطلاق الموسم الفني الجديد في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، يضم المعرض لوحات من كافة المدارس الفنية ومختلف الفئات العمرية للفنانين، حيث يشارك بالمعرض أكاديميون وتشكيليون معروفون من جيل الوسط، بجانب مجموعة من المواهب الشابة.
حين يتنقل زائر المعرض بين الأعمال المشاركة بالمعرض يلفت نظره التنوع الفني، لا سيما أن المعرض لم يتقيد بثيمة معينة، ما يجعلك أمام إطلالة على الفنون المختلفة، وهو ما يتيح الربط بين الفنانين والخبرات الإبداعية في أجواء ثرية، تقول مها فخر الدين مديرة الغاليري لـ«الشرق الأوسط»، «يختلف هذا المعرض عن (صيف نوت 1) في أن الأول كان كأي معرض صيفي في الغاليريهات الأخرى يضم مجموعة لأعمال الموسم السابق استعداداً لموسم جديد، إلا أن المعرض الحالي يقدم أعمالاً جديدة لنخبة متنوعة من الفنانين».
تقف طويلاً أمام التجربة التشكيلية الأولى لمهندس الديكور سيد عبد المقصود، بكل زخمها الإنساني، حيث يحتشد الشخوص في مشاهد يومية من القرية المصرية، فنجد أنفسنا بين المزارع نعيش مع الفلاحين المصريين، وقد أبرز الفنان تعاونهم ومعاناتهم مع الحياة اليومية وبساطة عيشهم، حيث يعملون أو يرقصون، أو يتزاورون ويتسامرون في جلسات دافئة نهاراً أو ليلاً، كما نلمس اهتمام الفنانة عزة فخري، بالمباني في القرى، وبسطوح واجهاتها، وبحياة الناس، ليكون التكامل للحياة البسيطة الخالية من تعقيدات وصخب حياة المدن.
بينما يبرز شغف الفنان حسني أبو بكر، ببهجة مصر وأفراحها، فنشاهد على مسطح لوحاته ليالي سعيدة مثل يوم الزفاف والمولد واحتفالات شهر رمضان، إلى جانب دلال «بنت البلد» والباعة في الأسواق، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، «اكتشفت كنزاً ضخماً من المواقف الإنسانية تزخر به مصر في شتى مناحي الحياة، وقررت أن أقوم بدوري كفنان في إظهار هذا الكنز والمخزون البصري من خلال لوحاتي في تجربة تشكيلية تستعرض الحياة في مصر، واستدعى فيها كل تفاصيل مشاهد لمستها وعايشتها، ولو جزئياً».
ويتقمص أبو بكر دور فريق عمل لإنتاج مسلسل درامي يرصد ويؤرخ لظواهر وسلوكيات في طريقها للاندثار بفعل تطور الحياة، ويقول: «قررت أن أترك أرشيفاً بصرياً للأجيال القادمة يدلهم كيف هي الحياة في مصر الآن».
ومن بين المشاركين في المعرض المستمر حتى منتصف شهر سبتمبر بالعام الحالي، الفنانة رغدة أحمد، التي تستند كل لوحة من لوحاتها إلى حكاية مختلفة أكثر من تفاصيل الجسد، وعبر مشروع «المرسم» للفنان محمد عبد الهادي، نتعرف على يوميات تشكيلي مصري، إذ تُعد الأعمال بمثابة سيرة ذاتية له: «رسمت اللوحات من واقع أحداث مررت بها في حياتي الخاصة، كما أنّها تجسيد لأحلامي وهمومي، وانعكاس في الوقت نفسه لحياة الإنسان المصري الثرية ثقافياً وبصرياً».
فيما تأتي أعمال الفنان الدكتور محمد المسلماني، أستاذ مساعد بقسم التصميم كلية التربية الفنية جامعة حلوان، وعددها 14 لوحة، استلهاماً من تعلق صغيرتيه بالدمى، ولذلك تصور لقطات من لعب الطفلتين بها تحت عنوان «أنا والعروسة» يقول: «عندما أشاهد ابنتيّ تلعبان بالدمى، أو تعزفان الموسيقى بعيداً عن الألعاب الإلكترونية، أسعد كثيراً، وأتذكر أيامنا الحلوة زمان، وقد أردت تجسيد هذه اللحظات السعيدة البريئة لعلنا نستعيدها». يرى المسلماني أن فكرة إقامة معرض جماعي في الوقت الراهن مهمة للغاية، لأنها تمنحنا الإحساس بعودة الحياة لطبيعتها، وتكون بمثابة التقاط الأنفاس في حالة عودة مخاطر (كورونا)».
فيما يلتقط الفنان جورج يوسف، الملقب بـ«عاشق النوبة»، لقطات من الجنوب المصري ليجسدها في لوحاته بألوان الباستيل، على مساحات كبيرة، ومن ذلك لوحة «راعي الأغنام»، التي تنقلنا إلى قلب البيئة النوبية، ويبرز دورها في الحضارة المصرية القديمة من ثبات الأرض والجبال الراسية في شموخ، إضافة إلى حرارة الشمس من خلال الألوان الزاهية القوية التي اهتم فيها بخلط الألوان، وتراكيبها، لتصبح أكثر حيويةً وثراءً، يصفها قائلاً: «هي أرض الذهب، وجزء غالٍ من الأرض المصرية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».