بعد رفض طلبات ترخيص بنائها... فلسطينيون يهدمون منازلهم بأنفسهم في القدس الشرقية

فلسطيني يقف وسط حطام منزله (أ.ف.ب)
فلسطيني يقف وسط حطام منزله (أ.ف.ب)
TT

بعد رفض طلبات ترخيص بنائها... فلسطينيون يهدمون منازلهم بأنفسهم في القدس الشرقية

فلسطيني يقف وسط حطام منزله (أ.ف.ب)
فلسطيني يقف وسط حطام منزله (أ.ف.ب)

في الثاني من يونيو (حزيران)، هدم الفلسطيني علاء برقان بنفسه منزله في جنوب القدس الشرقية المحتلة بعد أن وضعته بلدية القدس أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يهدم هو البناء الذي عدّته المحكمة غير قانوني، أو تقوم البلدية بذلك على نفقته.
ويلجأ عدد كبير من الفلسطينيين إلى بناء منازل أو محال تجارية وغيرها من المنشآت على أراضيهم في القدس الشرقية من دون الحصول على ترخيص من البلدية الإسرائيلية التي يتهمونها بالمماطلة في إعطاء التراخيص أو رفض إعطائها مطلقاً بحجج مختلفة. بينما تقول البلدية إن هذه الأبنية تفتقر إلى معايير البناء القانونية.
ويقول علاء (35 عاماً) وهو عامل مياوم: «تقدمت بطلب للبلدية للحصول على ترخيص لكن دون جدوى»، فأقدم على بناء منزله رغم ذلك. ويضيف: «دفعت نحو 75 ألف شيكل (قرابة 22 ألف دولار) للمحامي ولمسح الأرض، لكن قرار المحكمة أكد الهدم»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
واستأجر علاء جرافة قامت بجرف البناء أمام عينيه.
وحسب الأب لأربعة أصغرهم فتاة في الثامنة، قررت المحكمة الهدم بحجة أن البناء غير مرخص، وفرضت على علاء دفع غرامة بقيمة 60 ألف شيكل (قرابة 17500 دولار): «دفعت منها حتى الآن 20 ألفاً».
وكان برقان قد صرف كل مدخراته على المنزل الذي بلغت مساحته 135 متراً مربعاً، وكلّفه نحو 800 ألف شيكل. ويسكن اليوم مع عائلته في بيت يدفع بدل إيجاره 2800 شيكل (نحو 820 دولاراً) شهرياً. ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية بحسرة وهو يقف على حطام منزله: «الهدم باليد صعب جداً، أمضيت أربع سنوات وأنا أجهّز المنزل».
وتقول بلدية القدس إنه تمّ هدم 44 منزلاً في القدس الشرقية حتى النصف الأول من العام، بينها منازل هُدمت ذاتياً. في حين تشير أرقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، إلى هدم 81 منشأة في شرق المدينة في الفترة نفسها، بينها 44 هدمها أصحابها.
وقد تحتوي المنشأة الواحدة على وحدات سكنية عدة.
واحتلّت إسرائيل القدس الشرقية التي يزيد عدد سكانها من الفلسطينيين اليوم على 300 ألف نسمة بعد حرب عام 1967، وضمتها لاحقاً في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
ويقول الفلسطينيون إن هدف سياسة الهدم تهجيرهم وتفريغ المدينة منهم.
ويقول مستشار بلدية القدس لشؤون القدس الشرقية بن أفرهامي، إن «أسباباً قانونية مختلفة تقف وراء أوامر الهدم في شقِّي المدينة»، ومن بينها البناء دون تراخيص أو بناء وحدات سكنية إضافية غير مشمولة بالترخيص. ويضيف: «عمليات الهدم تتم بموجب حكم محكمة إسرائيلية وتخضع لفحص قانوني دقيق للغاية».
وتشير نشرة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة الصادرة في أبريل (نيسان) 2019، إلى قيود في نظام التخطيط الذي تنفّذه إسرائيل في القدس الشرقية يجعل «الحصول على رخص بناء عملياً ضرباً من المستحيل».
وحسب النشرة، فإن المساحة المخصصة لتشييد المباني في القدس الشرقية لا تزيد على 13%، وجزء كبير منها مستغَلّ أصلاً. بينما هناك نسبة 35% مخصصة للمستوطنات في القدس الشرقية، حسب النشرة.
ويرى مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، أن الهدم الذاتي «مهين جداً»، و«يترك آثاراً نفسية كبيرة» على العائلة، «إلى جانب الأعباء المالية». ويقول إن كثيرين يلجأون إلى الهدم الذاتي بسبب الرغبة في تجنب أعباء مالية إضافية، مشيراً إلى «ارتفاع نسبة الفقر في المدينة حيث تزيد على 80%».
كما يفضل الفلسطينيون، وفق قوله، اللجوء إلى الهدم الذاتي، «رغبةً في تجنب التعرّض للاعتقال من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في حال لم يتمكنوا من دفع تكاليف الهدم للبلدية».
وهدمت عائلة شلالدة الفلسطينية في الثاني من يوليو (تموز) وحدتين سكنيتين في بلدة الطور في شرق القدس تبلغ مساحتهما 130 متراً، بشكل ذاتي أيضاً.
وتقول صاحبة إحدى الشقق وتدعى سارة شلالدة، الأم لستة أطفال، إن الأمر ترك تأثيراً نفسياً سيئاً على طفلتها تالا (9 سنوات) التي «كانت تحلم بغرفة كبيرة تجمعها وشقيقتيها». وتضيف أنه «شعور صعب، حلمٌ وهُدم، كنّا على وشك الانتقال للسكن فيه، أردنا التخفيف من تكاليف الإيجارات».
ووفقاً لمكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، تسبب الهدم الذاتي الذي تمّ في القدس الشرقية خلال النصف الأول من العام الجاري في تشريد 65 طفلاً، وتأثر 85 طفلاً آخر.
ويعاني الفلسطينيون في القدس الشرقية من أزمة سكن. وحسب رئيس اتحاد الإسكان المقدسي محمود زحايكة، يحتاجون إلى ما بين 30 و40 ألف وحدة سكنية.
ويرى زحايكة أن الفلسطينيين «يضطرون إلى البناء دون ترخيص بسبب التكلفة العالية للإيجارات وللتراخيص على حد سواء، ولقلة التراخيص التي تمنحها البلدية». ويوضح أن «متوسط الإيجارات في القدس يصل إلى 800 دولار شهرياً، مع تفاوت بين منطقة وأخرى، بينما يبلغ متوسط تكلفة ترخيص بناء الشقة الواحدة 50 ألف دولار». ويشير إلى أن بلدية القدس تمنح تراخيص البناء «لـ20% فقط من المقدسيين. وقد تستغرق الإجراءات خمس سنوات على الأقل».
ويقول بن أفراهامي من جهته إن البلدية «تعطي نحو 250 ترخيص بناء للفلسطينيين كل عام».
ورغم خطر الهدم الماثل أمامهم باستمرار، يتمسك الفلسطينيون بالبناء على أمل أن يكونوا من المحظيين الذين يحصلون على ترخيص.
ويقول علاء: «أمضيت كل حياتي أسكن في بيوت مستأجرة... لا يريدوننا أن نبقى في هذه البلد. مع ذلك نحن مرابطون هنا».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.