عادة، لا يجذب اسم وزير الصحة الأميركي وعمله انتباه الإعلام الدولي. بل أحياناً كثيراً لا يصل اسمه إلى مسامع الصحافة المحلية إلا في حالات بسيطة عند صدور قرار تعيينه أو إقالته، وبينهما أحياناً ينشر عنه بعض الأخبار القليلة. إلا أن فيروس «كوفيد - 19» أدى إلى شهرة عدد من العلماء والخبراء والأطباء والمسؤولين الذين تصدّرت أسماؤهم وأعمالهم وتصريحاتهم الصفحات الأولى للصحف وعناوين الأخبار.
من المسؤولين، برز اسم أليكس عازار وزير الصحة والخدمات الإنسانية في الولايات المتحدة، الذي ارتبط وسيربط التاريخ اسمه بظهور وتفشي جائحة «كوفيد - 19» في البلاد، وعجز جهازها الصحي عن احتواء الأزمة، وسط نقص في الموارد الصحية من اختبارات وأمصال وأجهزة وبحوث معملية وصدور تصريحات متضاربة ومضللة.
أليكس عازار (53 سنة) هو رسمياً المسؤول المنوطة به مهمة إدارة السياسات الصحية، وليس الجوانب العلاجية التقنية، فضلاً عن تجميل وجه إدارة الرئيس دونالد ترمب في استجابتها للجائحة. ومن ثم، سيرتبط اسمه – حسب كثيرين – بالفشل الأميركي في مواجهة جائحة القرن الحادي والعشرين.
خلال عمل عازار مستشاراً لوزارة الصحة في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، لعب الرجل دوراً مهماً في الاستجابة لفيروس الجمرة الخبيثة عام 2001، وضمان وجود لقاح لمرض الجدري. وعام 2015 عندما كان يحتل منصب نائب وزير الصحة تعامل بشكل جيد مع تفشي فيروس «سارس»، وقاد جهود الحكومة الأميركية لتشجيع ابتكار الأجهزة الصيدلانية والطبية.
إلا أن الأزمات تكشف القدرات، ولا جدال في أن «كوفيد - 19» كشف الغطاء عن تقصير وتراجع أحوال الخدمات الصحية في الولايات المتحدة. فمن كان يصدق أن أغنى قوة في العالم، بكل ما تملكه من خبرات وتكنولوجيا وتقدم علمي مذهل، تقف عاجزة عن التصدي لهذا الفيروس، وتتصدر دول العالم في أعداد الإصابات والوفيات. ويؤدي النقص الكارثي في المعلومات عن الفيروس إلى انهيار الأسواق المالية وصراعات في الدوائر السياسية الداخلية ولعبة إلقاء اللوم على منظمة الصحة تارة، والصين تارة أخرى. وألقت وسائل الإعلام بثقل وتبعات تفشي الوباء على كاهل وزير الصحة أليكس عازار الذي تولي منصبه في نهاية يناير (كانون الثاني) 2018.
- بطاقة شخصية
لكن من هو أليكس عازار؟
عازار ولد عام 1967 في بلدة جونزتاون بولاية بنسلفانيا، وهو يتحدّر من جذور لبنانية وأوكرانية، إذ هاجر جده لأبيه من لبنان إلى الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين. وبعدما أنهى دراسته الابتدائية والثانوية، درس عازار الاقتصاد في كلية دارتموث، التي تعد إحدى أعرق الجامعات الأميركية وأرقاها، عام 1988. وبعدها تخرّج مجازاً بالقانون من كلية الحقوق في جامعة ييل، التي تُعد أهم كلية حقوق في الولايات المتحدة، عام 1991. وعلى الأثر، عمل بمحكمة الاستئناف الأميركية، ثم محامياً في مكتب محاماة وايلي رين بالعاصمة واشنطن. ومنذ عام 2001 حتى عام 2007 عمل مستشاراً لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية، قبل أن يستقيل ويعمل في منصب نائب رئيس شركة إيلاي ليلي لخدمات الرعاية الصحية، ثم رئيساً للفرع الأميركي (الأكبر) في الشركة العملاقة في يناير 2012 ومسؤولاً عن عمليات الشركة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
في تلك الفترة، واجه عازار انتقادات لاذعة بسبب ارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير تحت قيادته، إذ وصل تكلفة الإنسولين (الأكثر مبيعاً لشركة إيلاي ليلي) إلى أكثر من 3 أضعاف سعره. كذلك، واجهت الشركة في عهده دعاوى قضائية بتهم استغلال نظام تسعير الأدوية لزيادة أرباحها من الإنسولين. كما وجّه انتقادات شديدة لبرنامج «أوباما كير» للرعاية الصحية. واستقال من الشركة في يناير 2017.
- نشاطه الحزبي
نشط أليكس عازار، في هذه الفترة أيضاً، داخل صفوف الحزب الجمهوري، وساهم في حملات كل من مايك بنس (نائب الرئيس الحالي) والسيناتور ميتش ماكونيل (زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ). وأيضاً ساهم في حملة دونالد ترمب خلال السباق الانتخابي عام 2016.
في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، أعلن ترمب عبر «تويتر» عن ترشيحه عازار لمنصب وزير الصحة. وأثار هذا الإعلان في حينه مخاوف كثير من المدافعين عن الرعاية الصحية، مستشهدين بسجل الرجل في رفع أسعار الأدوية، ومعارضته برنامج «أوباما كير» وميوله الصريحة للتوجه الرأسمالي وأفكار السوق الحرة في تلبية احتياجات الرعاية الصحية للأميركيين. لكن رغم تلك الانتقادات، وافق مجلس الشيوخ حيث الغالبية للجهوريين على ترشيحه للمنصب بسلاسة، ومن دون معارضة قوية.
- هل يتحمّل المسؤولية؟
اليوم، يتساءل البعض، هل من الإنصاف إلقاء اللوم على إدارة ترمب، وعلى أليكس عازار بصفته وزير الصحة والخدمات الإنسانية، عن جائحة عالمية ظهرت بدايةً في مدينة ووهان الصينية؟
الإجابة السريعة هي النفي. إلا أن الإعلام الأميركي ألقى على هذا الرجل اللوم في الاستجابة الفيدرالية التي وصفها بـ«المخزية» في التنبؤ والتأهب لمواجهة مخاطر تفشي الفيروس القاتل. فقد كشفت وكالة رويترز في شهر مارس (آذار) الماضي أن الوزير عازار أبقى تقارير عن تهديدات تفشي ما بات يُعرف بفيروس «كوفيد - 19» «سرّية» بناء على أوامر من البيت الأبيض. وكان الأمر، على ما يبدو، جزءاً من استراتيجية إعلامية للبيت الأبيض لتجنب إثارة المخاوف والحفاظ على استقرار الأسواق المالية.
أيضاً، أشارت تسريبات من مصادر مطلعة في البيت الأبيض أن الرئيس ترمب قلّل عمداً من الاختبارات المبكرة للإصابات بالفيروس، معتبراً أن الأرقام المرتفعة ستضرّ بفرص إعادة انتخابه. وأشارت التسريبات أن الرئيس لم يعمد إلى توسيع تقديم الاختبارات في بداية تفشي الجائحة، وتردد في إطلاق حملة لتعميم الاختبارات، ما كان من شأنه حصر مناطق تفشي الفيروس.
من ناحية ثانية، ذكر موقع «بوليتيكو» الإخباري في مارس الماضي أن من يحقق في كيفية تعامل إدارة ترمب مع تفشي «كوفيد - 19» سيدرك أن أحد الأسباب يرجع جزئياً للتأخر في توفير الاختبارات. ولقد دافع «بوليتيكو» عن وزير الصحة عازار، مشيراً إلى أنه حذّر ترمب من أن الفيروس يهدد بأن يصبح أزمة كبيرة، بيد أن ترمب رفض تلك التحذيرات.
لكن في المقابل، أفادت وكالة «آسوشييتد برس» أن عازار استسلم لمطالب البيت الأبيض في بداية ظهور الفيروس، بإحجامه عن نشر توجيهات «مركز ضبط الأمراض» الأميركي التي توصي الأميركيين بالامتناع عن السفر. وإبان الشهور التالية لانتشار الفيروس، أيّد عازار تصريحات الرئيس ترمب، حينما قال الأخير إن الفيروس «سيختفي مع حلول الطقس الحار»، وأيضاً لجوءه إلى التقليل من شأن الفيروس، في حين أقرّ مسؤولو الصحة العامة الآخرون بأن خطره المميت يبلغ 10 أضعاف خطر فيروس الإنفلونزا.
وحينما أعلن ترمب، منذ أسبوعين، عن التفويض باستخدام بلازما المتعافين كعلاج طارئ للمصابين بالفيروس، واستصدار تصريح من «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية بالسماح بعلاج البلازما، دافع عازار عن ترمب في وجه التهم التي وجّهت له بالضغط على «إدارة الغذاء والدواء» لإصدار هذا التصريح، على الرغم من غموض مدى فاعلية هذا العلاج. وبالفعل، دافع عازار عن اتهام ترمب «الدولة العميقة» بتعمّد تأخير التوصل إلى لقاح وعلاج إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. ورفض وزير الصحة، أيضاً، التهم القائلة إن إدارة ترمب ضغطت على «إدارة الغذاء والدواء» للإجازة السريعة لعلاج «كوفيد - 19» باستخدام البلازما قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية.
- ولاء مطلق لترمب
باختصار، كان أليكس عازار، منذ ظهور فيروس «كوفيد - 19» حتى اليوم، الرجل المسؤول عن الدفاع عن سياسات البيت الأبيض وتلميع صورة الرئيس ترمب والدفاع الدؤوب عن تصريحاته ومقترحاته وأفكاره في مواجهة «كوفيد - 19». ومن الواضح أن عازار يتوافق تماماً مع توجهات رئيسه، عكس كثير من وزراء الصحة السابقين. ومما ذكر عنه، وفق صحيفة «نيويورك تايمز» أنه عمل على شطب كل اللوائح التي صدرت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، واستمتع بإصدار لوائح جديدة.
المدافعون عن عازار يقولون إن وزارة الصحة الأميركية علمت بخطر الفيروس في بداية يناير 2020. وبادر عازار إلى إبلاغ الرئيس ترمب بالأمر يوم 19 يناير 2020. ومن ثم كافح لجذب انتباه ترمب للخطر الداهم، ولكن على الرغم من تحذيرات عازار، اتجه ترمب نحو التقليل من شأن الفيروس، وقدرة إدارته على السيطرة عليه.
غير أن الإعلام الأميركي ينسب إلى عازار قوله في 28 يناير 2020 إن إدارة ترمب لا تخطط لإعلان حالة طوارئ صحية مع انتشار فيروس «كوفيد - 19» في الصين، وتأكيده في حينه أن الخطر على الأميركيين ضئيل، وليس هناك سوى 5 حالات مؤكدة فقط في الولايات المتحدة. ولكن في اليوم نفسه، كان عازار قد طلب من الحكومة الصينية الموافقة على دخول فريق من خبراء مركز ضبط الأمراض إلى مدينة ووهان للتعرف على المزيد عن الفيروس، وأشاد عازار يومذاك بمساعدة الصين.
- انتقادات بالجملة
توالت الانتقادات لوزير الصحة خلال شهري فبراير (شباط) ومارس بسبب قلة الاستعداد والتقاعس، ما أدى إلى سرعة تفشي الجائحة. وانتقدت وسائل الإعلام خصوصاً نقص اختبارات الكشف عن الإصابات. ففي أوائل مارس 2020 ركز النقاد على النقص الكبير في الاختبارات، إذ بينما أجرت الصين في ذلك الوقت اختبارات على أكثر من مليون شخص، أُجري في الولايات المتحدة أقل من 500 اختبار. وفي 25 أبريل (نيسان) 2020 أفاد كثير من وسائل الإعلام أن البيت الأبيض كان يدرس خطة لعزل عازار بسبب الإحباط من طريقة معالجته التفشي، ولكن في اليوم التالي غرّد الرئيس أن هذه التقارير «مزيفة» وأنه لا ينوي الاستغناء عن وزيره.
أخيراً، في 10 أغسطس (آب) الحالي كان أليكس عازار يرأس وفداً أميركياً رفيع المستوى إلى تايوان ليغدو أول مسؤول أميركي يزور تايوان منذ عام 1979. وقال الوزير إنه ينقل دعم الرئيس ترمب والولايات المتحدة لتايوان في قضايا الصحة ومواجهة «كوفيد - 19». ووقّع مذكرة تفاهم للتعاون الطبي بين البلدين. غير أن المراقبين أكدوا أنه كانت للزيارة أهداف سياسية أخرى لا علاقة لها بالصحة العامة، على رأسها استفزاز السلطات الحاكمة في الصين التي تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها، وتعهدت بضم الجزيرة بالقوة إذا لزم الأمر.
أليكس عازار... مدافع شرس عن ترمب في مواجهة «كورونا»
وزير الصحة الأميركي متحدر من جذور لبنانية وأوكرانية
أليكس عازار... مدافع شرس عن ترمب في مواجهة «كورونا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة