فرنسا تريد حكومة لبنانية سريعاً

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان (الوكالة المركزية)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان (الوكالة المركزية)
TT

فرنسا تريد حكومة لبنانية سريعاً

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان (الوكالة المركزية)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان (الوكالة المركزية)

استبق وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان وصول الرئيس إيمانويل ماكرون إلى بيروت الاثنين القادم، في زيارته الثانية منذ الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت أوائل أغسطس (آب) الجاري، بقرع ناقوس الخطر وتوجيه رسائل بالغة القسوة للمسؤولين وللطبقة السياسية اللبنانية.
ورغم أن لودريان معروف باعتداله وبابتعاده عن التصريحات المثيرة، فإنه في الملف اللبناني قرر خلع القفازات الدبلوماسية والتعامل معه بصراحة شديدة. وبعد أن «أّنب» السياسيين اللبنانيين، قبل حوالي الشهر، في جلسة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ قائلا لهم: «بربكم، ساعدوا أنفسكم حتى نستطيع مساعدتكم»، الأمر الذي كرره في بيروت بمناسبة زيارته منفردا للبنان قبل التفجير الأخير، ها هو اليوم يذهب أبعد من ذلك. والأرجح أن لودريان، وجد من الضروري أن يضاعف «جرعات» التقريع لعلها تفيد في إحداث صدمة مطلوبة لدى السياسيين اللبنانيين.
ويعد كلام لودريان تمهيدا لوصول ماكرون إلى بيروت ودفعاً للتجاوب مع «خريطة الطريق» التي طرحتها فرنسا والتي سيعمد ماكرون إلى ترجمتها على أرض الواقع وذلك على ثلاثة أصعدة: الإسراع في إعادة ترميم ما تهدم في بيروت مؤخرا، التعجيل في ملء الفراغ المؤسساتي من خلال الوصول إلى تشكيل حكومة جديدة، والسعي إلى توفير توافق حول طبيعة الإصلاحات المطلوبة دوليا والتي تشكل «بوابة العبور» لحصول لبنان على المساعدات الدولية لإخراج اقتصاده من الهاوية وإعادة إنعاش عملته الوطنية.
في هذا السياق، يمكن فهم تصريحات لودريان الحادة التي أدلى بها صباح أمس لإذاعة «آر تي إل». وبعد أن نبه الأربعاء من أن لبنان «أصبح على شفير الهاوية»، ذهب أمس إلى القول إن هذا البلد «يواجه خطر الزوال في حال لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية»، في إشارة منه إلى الإصلاحات الملحة. وفي هجوم غير مسبوق على الطبقة السياسية اللبنانية اعتبر لودريان أن أطرافها «يدمّرون أنفسهم وبعضهم بعضاً لتحقيق إجماع على التقاعس عن العمل»، مضيفا أن أمراً كهذا «لم يعد ممكنا ونحن نقول ذلك بقوة».
من هنا حكمه القاسي عليها، إذ رأى أن الإصلاحات المطلوبة لا يمكن أن تقوم بها هذه الطبقة، ما يعني عمليا رغبة باريس في وصول وجوه جديدة إلى السلطة ومن خلال تشكيل الحكومة العتيدة التي تصفها باريس بـ«حكومة مهمات». وهذه الحكومة يتعين الإسراع في تشكيلها فيما الوضع السياسي في لبنان يبدو بالغ التعقيد والسلطات تتحرك ببطء شديد ولم يعرف بعد إن كان وصول ماكرون سيترافق مع تعيين رئيس حكومة جديد، فيما الاتصالات تدور في فراغ. وأشار لودريان إلى أن ثمة «حاجة ملحة» إنسانيا وصحيا وسياسيا للإسراع «إذا أردنا أن يبقى هذا البلد واقفا على قدميه». ولا تخفي باريس «خيبتها» من تعاطي الطبقة السياسية مع مشاكل لبنان وتفضيلها مصالحها الخاصة على إنقاذ البلد مما آلت إليه أوضاعه.
ورسم الوزير الفرنسي صورة قاتمة للوضع اللبناني حيث «نصف الشعب يعيش تحت خط الفقر، وحيث شريحة الشباب تائهة، وحيث البطالة وصلت إلى حد مرعب، فيما التضخم بلغ مستويات خيالية». ومجددا، لوح لودريان بورقة المساعدات وبحاجة لبنان إلى الاستفادة اليوم من التعاطف الدولي، ولذا يتعين الإسراع في تشكيل حكومة جديدة لتقوم بـ«الإصلاحات الأساسية». ولمن لم يستوعب بعد جدية المجتمع الدولي، جدد لودريان القول إنه «لا يوجد شيك على بياض لحكومة لا تضع الإصلاحات التي يعرفها الجميع موضوع التنفيذ»، ذاكرا منها الخدمات العامة والقطاع المصرفي. أما رسالة لودريان الأخيرة فهي تذكير للبنانيين بأن هذه المهمات تقع على عاتقهم وعليهم التعويل على أنفسهم وليس على الآخرين، مضيفا أن الرئيس ماكرون سيعيد تذكير اللبنانيين بواجباتهم في زيارته الجديدة التي تبدأ الاثنين مساء.
منذ زيارته الأولى في 6 الشهر الجاري إلى لبنان، لم تتوقف الاتصالات بين قصر الإليزيه وبيروت عبر القنوات التقليدية ومباشرة من أجل الوصول إلى «خريطة الطريق» وغربلة الوضع السياسي. وقالت مصادر متابعة للجهود التي تبذلها باريس إن ماكرون سيذهب إلى بيروت «للحصول على نتيجة» وليس فقط لتكرار ما قاله المرة الماضية. وعمليا، المطلوب التوصل إلى تفاهم حول اسم رئيس الحكومة الجديد «إذا لم يكن قد تم ذلك قبل وصوله» والسعي لتدوير الزوايا بالاستناد إلى الدعم الذي تحظى به مهمته أوروبيا ودوليا وإلى اتصالاته وحول جدية الأطراف التي ستمثل في الحكومة للسير بالبنود الإصلاحية. وليس مستبعدا، في حال كللت مهمة ماكرون بالنجاح، أن تتطوع باريس بالدعوة لمؤتمر ثان على غرار مؤتمر «سيدر» لإعادة التأكيد على دعم لبنان وبقاء الالتزامات السابقة سارية المفعول رغم مرور عامين ونصف العام عليها. وتريد باريس من اللبنانيين أن يضعوا اليوم جانبا خلافاتهم السياسية وأن يركزوا الجهود على إنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي والصحي والاجتماعي وهي المهمة التي يتعين على الحكومة الجديدة أن تتنكبها وهو ما يفهم من تسمية «حكومة مهمات». أما المسائل السياسية فترى أنه يمكن تركها لمرحلة لاحقة أكان ذلك في انتخابات مبكرة أو في انتخابات أو غير مبكرة. وردت مصادر دبلوماسية فرنسية، وفق ما نقلته عنها وكالة الصحافة الفرنسية، على اتهامات التدخل بالشؤون اللبنانية الداخلية التي تسمع داخل فرنسا وفي لبنان بالقول إنه «يعود للبنانيين» السير بالإصلاحات و«ليس لفرنسا إطلاقا نية التدخل» فيما يعني لبنان وهي لا تفرض شيئا على اللبنانيين.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.