احتجاجات وسكنسن الأميركية تأخذ طابعاً مسلحاً

اندلعت الاضطرابات بعد ساعات من إعلان حاكم وسكنسن الديمقراطي حالة الطوارئ (أ.ف.ب)
اندلعت الاضطرابات بعد ساعات من إعلان حاكم وسكنسن الديمقراطي حالة الطوارئ (أ.ف.ب)
TT

احتجاجات وسكنسن الأميركية تأخذ طابعاً مسلحاً

اندلعت الاضطرابات بعد ساعات من إعلان حاكم وسكنسن الديمقراطي حالة الطوارئ (أ.ف.ب)
اندلعت الاضطرابات بعد ساعات من إعلان حاكم وسكنسن الديمقراطي حالة الطوارئ (أ.ف.ب)

تصاعدت أعمال العنف في مدينة كينوشا بولاية وسكنسن الأميركية وأخذت طابعا مسلحا في بعض الشوارع، مع تزايد وتيرة الاحتجاجات لليلة الثالثة على التوالي بعد إطلاق الشرطة النار على رجل أسود. وسائل إعلام أميركية نقلت عن السلطات الأمنية في المدينة، أن ثلاثة أشخاص أصيبوا بطلقات نارية في الاشتباكات ليلة الثلاثاء الأربعاء، توفي اثنان منهم والثالث في حالة خطرة. وتناقلت محطات التلفزة مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر اشتباكا بين مدنيين، وفيه عدة أشخاص يهرعون صوب رجل مسلح طُرح أرضا على ما يبدو.
وكالة «رويترز» قالت إن الناس طاردوا رجلا كان يركض في الشارع وبحوزته بندقية، حيث اعتقدوا أنه أطلق النار على رجل آخر. وسدد أحد المطاردين ركلة للمسلح بعد أن سقط أرضا. وحاول شخص آخر انتزاع السلاح منه وأصيب بالرصاص من مسافة قريبة فسقط على الأرض. وفي مقطع آخر يظهر مسلح وهو يطلق النار على من يهرولون نحوه، حيث يسقط أحدهم أرضا فيما سُمع دوي طلقات نارية أخرى.
وظهر في مقطع آخر رجل أصيب بجرح بالغ في ذراعه وهو جالس أرضا وبرفقته آخر يحمل بندقية، بينما كانت الشرطة تقترب. وظهر في فيديو آخر رجل أصيب في الرأس فيما هرع البعض لمساعدته في محاولة محمومة لمداواة جروحه والحيلولة دون غيابه عن الوعي. كما أظهرت مقاطع أخرى مشاهد لأناس يركضون ويصرخون في ظل وابل من الرصاص وآخرين يعالجون جروحا ناجمة عن الأعيرة النارية.
وفرضت الشرطة في نهاية الأمر الهدوء إلى المدينة بعدما استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاط ضد محتجين تحدوا حظر التجوال. وطاردت الشرطة متظاهرين تجمعوا أمام مبنى محكمة ومتنزه مجاور في وسط كينوشا. ونشرت ما لا يقل عن أربع سيارات دورية مدرعة استخدمها أفراد الأمن في إطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع على المحتجين الذين رشق العديد منهم الشرطة بزجاجات مياه وحجارة ومفرقعات وغيرها. لكن لم يسجل وقوع هجمات على المباني والأملاك العامة والخاصة ولم يتم إضرام النيران فيها، كما حدث ليلة الاثنين.
واندلعت الاضطرابات بعد ساعات من إعلان توني إيفرز حاكم وسكنسن الديمقراطي حالة الطوارئ وتعهد بنشر المزيد من أفراد الحرس الوطني بهدف استعادة الأمن والنظام في المدينة. وتعصف الاحتجاجات بمدينة كينوشا منذ يوم الأحد الماضي عندما أطلقت الشرطة النار على جاكوب بليك (29 عاما) فأصيب في ظهره، بينما كان يبتعد عن شرطيين ويفتح باب سيارته حسبما ظهر في فيديو صوره أحد المارة وانتشر على صفحات التواصل الاجتماعي. وقال شهود إن ثلاثة من أبنائه الصغار كانوا في السيارة. وقالت أسرته ومحاموه يوم الثلاثاء قبل ساعات من اندلاع أحدث جولة من الاشتباكات إن الشرطة تركته بلا حراك «يصارع الموت». غير أن والدته دعت المتظاهرين إلى الهدوء والابتعاد عن أعمال العنف. وفي وقت لاحق أعلن الأطباء أن بليك أصيب بشلل لا يعرف ما إذا كان دائما أم مؤقتا. ودارت اشتباكات بين الشرطة والمحتجين مساء الثلاثاء وفي الساعات الأولى من الأربعاء.
وأطلقت شرطة مكافحة الشغب طلقات مطاطية وقنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل صوت لتفريق المحتجين الذين تحدوا حظر التجول. ونقلت «رويترز» عن صحيفة «شيكاغو تريبيون» أن أحد الشهود أبلغها أنه كان وسط مجموعة تهتف «حياة السود مهمة» عندما بدأ إطلاق النار، وأنه حاول إنقاذ حياة ضحية من الضحايا لكن دون جدوى. وأضاف «ركض هذا الرجل الذي يحمل سلاحا كبيرا بجوارنا في وسط الشارع وصرخ الناس قائلين: أطلق النار على أحدهم! وحاول الجميع التصدي للرجل ومطاردته ثم بدأ في إطلاق النار مجددا». وأثارت هذه التطورات تساؤلات عدة عن الجهات التي تقف وراء تصعيد الاحتجاجات وأعمال العنف. وطرح البعض فرضيات التوظيف السياسي لما يجري قبل أقل من 70 يوما على الانتخابات الرئاسية.
وكالة «رويترز» كانت نقلت عن شهود عيان قولهم إن معظم الحرائق التي ألحقت أضرارا بالحي التجاري في مدينة كينوشا الذي تشغله غالبية من السود، كان البيض المحرضين عليها. كما سجل قيام مجموعات أخرى بمهاجمة رجال الشرطة عمدا، لتحويل المظاهرات السلمية إلى عنيفة.
وهاجم الرئيس الأميركي دونالد ترمب «الحكام الضعفاء» من الديمقراطيين بسبب تعاملهم مع المتظاهرين، داعيا إلى دعم إنفاذ القانون، وكتب على «تويتر» الأسبوع الماضي، «أنا أؤيد القانون والنظام وقمت باتخاذ إجراءات!».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟