بعد أربع سنوات على وجودها في العاصمة الليبية طرابلس، تواجه حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، تحدياً من نوع مختلف يعكس وفقاً لمصادر ومحللين ومواطنين صراعاً بين ترويكا وأجنحة هذه الحكومة.
وللمرة الأولى منذ دخولها المدينة نهاية عام 2015 بعد اتفاق الصخيرات الذي رعته بعثة الأمم المتحدة، تتعرض الحكومة لمظاهرات حاشدة يشارك فيها بضعة آلاف من المتظاهرين الذين عكست هتافاتهم إلى حد كبير النوايا الحقيقية للقائمين على تدبيرها.
وأمهل منظمو الحراك الذي يقود مظاهرات طرابلس، السراج والمجلس الأعلى للدولة الموالي له 24 ساعة لإعلان استقالاتهم «احتراماً لإرادة الشعب»، والإفراج عن قياداتهم المعتقلين، مهددين بإعلان عصيان مدني في حال رفض مطالبهم.
لكن مسؤولاً في «الجيش الوطني» الذي يقوده المشير خليفة حفتر اعتبر أن «مثل هذه المظاهرات، ليست عفوية، بل بالطبع مدبرة. لم يخرج هؤلاء المحتجون ضد تركيا أو (المرتزقة الموالين لها) الذين يقاتلون في صفوف ميليشيات الحكومة، لكنهم خرجوا للمطالبة بالحصول على الدولارات التي يتم منحها كرواتب شهرية للمرتزقة».
ولم يسع «الجيش الوطني» لاستغلال المظاهرات أو للتلميح إلى لعبه أي دور فيها، وهو ما يوافق عليه دبلوماسي غربي يعمل في ليبيا من مقره في تونس، إذ يقول: «بالتأكيد ليست لحفتر أي علاقة بهذه المظاهرات، ولا السلطات المنافسة في شرق البلاد... إذا كان بمقدور حفتر أن يدبر مظاهرات مماثلة لكان قد دخل طرابلس في أول شهر ولم ينسحب منها بعد مرور 14 شهراً من حملته العسكرية المتعثرة للسيطرة على العاصمة».
لكن طرابلس شهدت خلال تلك المعركة غير المكتملة فصولها، مظاهرات مناوئة لحفتر بسبب ما اعتبره منظموها «عدواناً على المدينة». بل إن المظاهرات التي تتكرر الآن مشاهدها منذ ثلاثة أيام، ولم تتضمن هتافاً واحداً مؤيدا للجيش، رفعت صورة حفتر إلى جانب السراج ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح باعتبارهم شخصيات مرفوضة.
وكان لافتاً انضمام عناصر من الشرطة إلى المتظاهرين الذين رددوا شعار «الشرطة والشعب وليبيا وبس»، في تعديل على الهتاف الذي كان يردد إبان نظام العقيد الراحل معمر القذافي قبل سقوطه ومقتله عام 2011 إذ دخلت عناصر من قوات مكافحة الشغب وعناصر مسلحة من كتيبة «النواصي» التابعة لحكومة «الوفاق» إلى مكان الاحتشاد بميدان الشهداء.
ويعتقد أن فتحي باشاغا وزير الداخلية بحكومة «الوفاق» الذي يزور تركيا حالياً، هو المهندس الحقيقي لهذه المظاهرات، علما بأنه المسؤول الوحيد في الحكومة الذي استبق هذه المظاهرات بدعوة المواطنين إلى الخروج للتعبير عن آرائهم حيال الوضع الحالي للبلاد. ويذهب الكثيرون إلى أن حديث السراج عن تغيير حكومي يركز بصورة خاصة على الوزارات الخدمية ذات الصلة بالمشاكل اليومية للمواطنين، يشمل باشاغا أيضاً.
وعرض فيديو بثته وزارة الداخلية بحكومة «الوفاق» على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» جانبا من الجهود التي تبذلها إدارة إنفاذ القانون فرع طرابلس بالإدارة العامة للعمليات الأمنية في حفظ الأمن داخل العاصمة والسهر على راحة المواطنين. وبثت تصريحات لمسؤول أمني يؤكد على أن «دور الشرطة تأمين المظاهرات السلمية والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة».
ودخلت «عملية بركان الغضب» التي تشنها قوات «الوفاق» أمس، على خط المظاهرات، بالإعلان عن وجود عناصرها بشكل رسمي للمرة الأولى في ميدان الشهداء بهدف «محاربة الفساد داخل المؤسسات وطرد المرتزقة الروس من الحقول النفطية، وطرد المرتزقة والجنجاويد بمنطقة سرت والجفر ومطالبة وزارة العدل والنائب العام بإصدار مذكرات قبض في مجرمي الحرب والمتورطين في دماء الليبيين».
وهذه المطالب هي نفسها أدبيات حكومة «الوفاق» تجاه المشير حفتر الذي شهدت ساحة التظاهر في السابق مظاهرات داعمة له، لكنها لاحقاً انقلبت عليه ونظمت مظاهرات مناوئة له.
جرى الأمر في شهر مايو (أيار) عام 2014 حين تجمع الآلاف من سكان المدينة ومدن ليبية أخرى في مظاهرات مؤيدة للواء حفتر آنذاك، الذي اعتبرها بمثابة تفويض شعبي له لمحاربة الإرهاب. وفي نفس المكان التقليدي للمظاهرات، «ساحة الشهداء» وسط العاصمة طرابلس اندلعت في السابق اشتباكات بين مؤيدي حفتر ومعارضيه.
واعتادت ميليشيات طرابلس التي تتنازع فيما بينها على مناطق السلطة والنفوذ، إطلاق الرصاص لمنع أي مظاهرات مناوئة لها، وارتكبت عناصرها سلسلة من الجرائم بحق المتظاهرين. واختفت العناصر التي شاركت في قمع المتظاهرين في يومهم الأول من شوارع العاصمة، ما يوحي وفقاً لسكان محليين بصدور تعليمات لها بتجنب الظهور أو إطلاق النار.
ونقلت صحيفة «المرصد» الليبية عبر موقعها الإلكتروني عن مصادر أمنية أن «شعبة الاستخبارات التركية الموجودة في طرابلس، وجهت باختراق المظاهرات من خلال عناصر موالية تطالب بمطالب تتماشى معها»، مشيرة إلى «اجتماعات عقدت في قاعدتي معيتيقة وأبوستة البحرية مع قيادات لمجموعات مسلحة».
احتجاجات طرابلس... من يتظاهر ضد من؟
احتجاجات طرابلس... من يتظاهر ضد من؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة