تجربة حملة بوش الأب بارقة أمل لترمب

كان جورج بوش الأب واقعاً في مأزق انتخابي. كان ذلك في شهر يوليو (تموز) 1988 حين كان مايكل دوكاكيس، مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة، قد دخل المعترك الانتخابي بصفة رسمية بعد مؤتمر الحزب الديمقراطي. وعكس استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب» أن مركز بوش متراجع بمقدار 17 نقطة عن منافسه الديمقراطي.
بيد أن جورج بوش الأب كان يملك خارطة طريق واضحة نحو الفوز.

عقد كبار مساعدي بوش، قبل شهر واحد من ذلك، اجتماعاً خاصاً بعيداً عن الأنظار وبعيداً كذلك عن المقر الرسمي للحملة الانتخابية، وذلك في فندق جيفرسون بالعاصمة واشنطن، من أجل استعراض مجلد سميك من بيانات الاقتراع وبيانات جماعات الضغط المعنية. وأظهرت أبحاث حملة بوش أن سجل السيد دوكاكيس لم يكن معروفاً بصفة جيدة، وأن بعضاً من المواقف الليبرالية المتخذة من جانبه، لا سيما تأييده المعلن لمنح السجناء إجازات خارج السجون مع معارضته القوية لعقوبة الإعدام، قد تكون السبب الحقيقي في إغراقه انتخابياً.
واصلت حملة بوش عملها، ودخلت الخطة التي وضعت في تلك الغرفة المغلقة حيز التنفيذ. وكما أبلغني لي أتواتر، مدير الحملة آنذاك، فإن الخطة استندت إلى تجريد دوكاكيس من كل ما يستند إليه من ركائز للفوز، بدءاً من الخطاب قوي اللهجة والأسلوب الذي ألقاه بوش في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في أغسطس (آب) من العام نفسه وحتى يوم انعقاد الانتخابات الرئاسية.
ولم ينجح بوش في التغلب على الميزة التي حققها دوكاكيس في استطلاعات الرأي الصيفية فحسب، بل تمكن من هزيمته بكل سهولة بهامش بلغ 53 في المائة مقابل 46 في المائة، إذ حاز على أصوات 40 ولاية دفعة واحدة.
وبغير طريقة من الطرق، كانت حملة بوش الرئاسية لعام 1988. مع وجود أتواتر على رأس المخططين الاستراتيجيين في الحملة، قد استحدثت ما عُرف منذ ذلك الحين بالحملات الانتخابية السلبية. ولعل أبرز ما نذكره من تاريخ تلك الحملة نجاح المعسكر الجمهوري في إلصاق قضية ويلي هورتون بدوكاكيس، وهي قضية المواطن الأميركي من أصول أفريقية الذي ارتكب جريمة اغتصاب بحق مواطنة أميركية بيضاء من ولاية ماريلاند وطعن صديقها في نفس الحادثة خلال وجوده خارج السجن ضمن برنامج إجازات السجناء في ولاية ماساتشوستس التي كان دوكاكيس حاكماً لها في تلك الأثناء.
وفي الوقت الذي يواجه فيه الرئيس دونالد ترمب أجواء مماثلة لأجواء ثمانينات القرن الماضي الانتخابية في معرض منافسته الرئاسية الشرسة ضد المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن، يمكننا القول بأنه يدير واحدة من أعنف الحملات الانتخابية الرئاسية وأشدها حدة منذ هزيمة دوكاكيس على يد بوش الأب من قبل. كما ينظر صقور المعسكر الجمهوري راهناً إلى السباق الرئاسي لعام 1988 على اعتباره بصيص الأمل أمامهم في خضم مشهد سياسي تخيم عليه سحب شديدة القتامة.
ورغم الاختلافات القائمة كافة ما بين المرشحين الديمقراطيين، فإن هزيمة مايكل دوكاكيس ظلت لفترة طويلة نسبياً بمثابة درس شديد القسوة في مدى السرعة التي يمكن أن يتغير بها الرأي العام الأميركي، وكيف أن استطلاعات الرأي الصيفية هي ذات أثر سريع الزوال، وكيف يمكن للمؤتمرات الحزبية المُعدة بكل عناية وحذر أن تأتي بأبلغ تأثير في خضم الحملة الانتخابية المتعثرة.
ومع بدء اجتماع الحزب الجمهوري الليلة من أجل ترشيح ترمب لولاية رئاسية ثانية، انطلق الرئيس رفقة حلفائه السياسيين والإعلاميين في هجمة شرسة على معسكر بايدن ورفيقته الانتخابية السيناتور كامالا هاريس. وهناك خط مباشر وواضح بين الحملة الإعلامية القاسية التي شنها جورج بوش الأب ضد دوكاكيس لوصمه بأنه ليبرالي يساري بالغ التطرف، والتيمات العنصرية التي واكبت «شخصنة» قضية ويلي هورتون وإلصاقها بدوكاكيس وقتذاك، وبين ما تعكسه وتجسده حملة ترمب الانتخابية حالياً.
فاز جورج بوش الأب الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس آنذاك في انتخابات عام 1988 الرئاسية عن طريق كيل الاتهامات ضد دوكاكيس الذي كان قابعا في ولاية ماساتشوستس، على اعتباره من أبناء النخبة الثرية من خريجي الجامعات المرموقة من غير ذوي الصلات الحقيقية والمباشرة بقضايا الأمة الأميركية ذات الأهمية. ولعب بوش الأب بمهارة فائقة على وتر القضايا الأميركية الساخنة، لا سيما الضرائب والجريمة، والتي برهنت مراراً وتكراراً عن فعاليتها البالغة ضد رجال المعسكر الديمقراطي، وهي نفس القضايا والتيمات التي تتبناها حملة ترمب راهنا ضد بايدن وهاريس.
يقول تشارلي بلاك، وهو مستشار انتخابي أسبق لدى جورج بوش الأب: «لا أعتبر نفسي من أبرز مؤيدي دونالد ترمب أو أكثرهم حماسة في العالم، ولكنني أبلغ أصدقائي بأن موقف الرجل ليس ميئوساً منه تماماً. فهناك بحوزة ترمب الكثير من الذخيرة التي يمكنه إطلاقها ضد معسكر بايدن. ولكن السؤال البارز في تلك الأثناء هو: هل لدى المعسكر الجمهوري مرشح يتسم بالقدر الكافي من الانضباط لمواصلة القتال؟».
وعليه، إن كان سباق عام 1988 الانتخابي يحمل دلالات تحذيرية لبايدن ومعسكره الديمقراطي، فإن هناك بعض الاختلافات الجوهرية الواضحة ما بين التجربة السابقة والحملة الجارية التي تقترب من بلوغ أعلى مستوياتها مع إنهاء المعسكر الديمقراطي لمؤتمره الانتخابي الأسبوع الماضي.
يعتبر بايدن معروفاً بصورة لم يحظ بها دوكاكيس قبل السباق، كما أنه برهن على تحليه بمرونة فائقة فيما يتعلق بالظهور الإعلامي بأكثر مما كانت عليه الأوضاع لدى دوكاكيس. أما بالنسبة إلى ترمب، فهناك شريحة من الناخبين تحمل حياله نظرة بالغة السلبية، ومرجع ذلك بدرجة كبيرة جائحة «كورونا» التي أتت على حياة أكثر من 175 ألف مواطن في الولايات المتحدة مع العصف الشديد بأركان الاقتصاد.
تعاني الأمة الأميركية حالياً من حالة شديدة من الإحباط بأكثر مما كانت عليه الأمور أثناء المواجهة الرئاسية بين مايكل دوكاكيس وجورج بوش الأب، والذي كان يشغل منصب نائب الرئيس الأسبق رونالد ريغان بكل فعالية ومصداقية. وعكس استطلاع للرأي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» بمشاركة من «سيينا كوليج» في يونيو (حزيران) الماضي أن نسبة 58 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أفادوا بأن «الأمة تتحرك على المسار الخاطئ». وفي استطلاع آخر للرأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» رفقة شبكة «إيه بي سي» الإخبارية في خريف عام 1988، كانت نسبة أقل بلغت 46 في المائة من الناخبين المسجلين ترى الشيء نفسه.
وقالت سوزان استريتش، وكانت مديرة الحملة الانتخابية لدوكاكيس: «ستكون الأمور عسيرة للغاية بالنسبة لهم: فإن جوزيف بايدن شخصية معروفة لدى الجميع، والطريقة التي تنفجر بها البالونات تعتمد بالأساس على استغلال ضعف موقف الطرف المناوئ».
كما أن دوكاكيس المعتد بنفسه للغاية والمحتقر للألاعيب السياسية بشدة كان رافضاً لتصديق أن هذا النوع من هجمات المعسكر الجمهوري آنذاك سيُلحق به أدنى قدر من الأذى، ولم يسمع أو يستجب لنصائح مساعديه بالمقاومة ورد الهجوم بمثله، الأمر الذي أتاح لجورج بوش الأب أن يتجاوزه ويتفوق عليه.
وقال دوكاكيس في مقابلة أجريت معه مؤخراً: «لقد ارتكبت حماقة بالغة بعدم الرد عليهم وقتها. ولقد دفعت ثمن ذلك غالياً. وهذه التيمة ذات الصلة بعقوبة الإعدام تتعلق بنشأة كل واحد منا، فأنا من مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس وجورج بوش من هيوستون في ولاية تكساس. وولايتي بها أقل معدل لجرائم القتل في الولايات المتحدة بأسرها، حتى أن أغلب مواطني الولاية أنفسهم لا يعرفون ذلك».
وفيما يبدو أنه برهان على أهم الاختلافات ما بين عام 1988 والسباق الحالي، فإن ردود فعل بايدن تتسم بالعدائية الشديدة ضد هجمات ترمب ومعسكره الجمهوري. ويقول جون ساسو، وهو كبير المحللين الاستراتيجيين في حملة دوكاكيس: «لقد أداروا حملة انتخابية جيدة. كانوا يعرفون تماماً ما يأخذون وما يتركون. ويبدو أنهم يعرفون الأمور منزوعة المصداقية في هذا الخضم الهائل من الاتهامات ومحاولات التشهير والتشويه المرتبة، ولا يلقون لها بالاً».
ومع ذلك، كان أحد الدروس المستفادة من حملة جورج بوش الأب هو أن العديد من الناخبين لا يشرعون في إبداء الاهتمام الوثيق بالسباق الانتخابي الرئاسي حتى أواخر فصل الصيف. ولقد اختار بايدن رفيقته في السباق الانتخابي كامالا هاريس ذات السجل الليبرالي اللامع مع الخبرة القليلة في القضايا السياسية الوطنية، ما قد يثير شهية ترمب ومعسكره الجمهوري لشن المزيد من الهجمات. كما أن تفوق بايدن على ترمب لا يتوازى مع الميزة التي حققها دوكاكيس على بوش في منتصف صيف عام 1988، إذ أن الرئيس ترمب يعتبر قاب قوسين أو أدنى من الفوز بفترة رئاسية ثانية، لا سيما في بعض الولايات التي تحتدم فيها الصراعات الانتخابية منذ فترة ليست بالطويلة.
يقول تشارلي بلاك: «يكمن التشابه في أن بايدن ملتزم بكم هائل من الأفكار التقدمية والاشتراكية، وكل ما يمكن قوله عن ذلك، من أجل توحيد أواصر الحزب الديمقراطي». أما ترمب، من جهة أخرى، كما يقول «فيمكنه استغلال التحالف بين بايدن والسيناتور بيرني ساندرز في تصوير منافسه الديمقراطي على أنه سياسي ليبرالي أبعد ما يكون عن أرض الواقع، بنفس الوسيلة التي استعان بها بوش الأب في تصوير مايكل دوكاكيس من قبل، رغم الخلاف الواضح بين بايدن وساندرز بشأن الكثير من القضايا».
ومع ذلك أيضاً، وكما أضاف بلاك، «ينبغي أن يكون لدى المعسكر الجمهوري الكثير من الأمل. ومن شأن محترفي العمل السياسي أن يكونوا في موضع متقدم في هذه المرحلة الراهنة. فإن نقطة التحول الرئيسية هي المؤتمر الانتخابي».
كان جورج بوش الأب يكافح كفاحاً مريراً مع وصوله إلى مرحلة مؤتمر الحزب الجمهوري في مدينة نيو أورليانز في منتصف أغسطس 1988. وكان يحاول التغلب على التاريخ الحزبي القاتم من خلال قيادة الحزب إلى الولاية الثالثة على التوالي داخل عتبات البيت الأبيض.
تقول جانيت مولينز غريسوم، وكانت نائبة مدير السياسات الوطنية في حملة جورج بوش الأب الانتخابية: «كان بوش متأخراً عن الركب الانتخابي لأسباب عدة واضحة. فلقد أمضى ثمانية أعوام شاغلاً منصب نائب الرئيس رونالد ريغان، وكان رجال البيت الأبيض الأقوياء دوماً ما يشككون في أن جورج بوش الأب إذا تولى رئاسة البلاد لن يكون محافظاً بالقدر الكافي. كما أنه عانى من كم كبير من التغطية الصحافية والإعلامية السيئة في تلك الأثناء».
وأضافت غريسوم: «كانت نقطة التحول المهمة تتمثل في مؤتمر الحزب الجمهوري. فلقد كانت الفرصة الذهبية بالنسبة إلينا لإعادة تقديم شخصية جورج بوش الرئاسية على الملأ من دون مرشحات. ولقد رآه الناس من خلال المؤتمر ومن خلال الخطاب الذي ألقاه في المؤتمر، في صورة جديدة ولطيفة للغاية من دون ضرائب أو قيود جديدة من أي نوع».
كانت محاولة إعادة طرح شخصية بوش قد مهدت الأجواء تماماً للإعداد لشن الهجمات السياسية الجديدة. فلقد جرى الإعراب عن خطة الحملة الانتخابية لإطاحة دوكاكيس بين طيات خطاب مؤتمر الحزب الجمهوري بصورة لا تحتمل اللبس، ممتزجة ببراعة فائقة بالحديث المستمر عن الأمة الأميركية الأكثر لطفاً وهدوءاً. ولقد جال بوش في عجالة على المواقف كافة التي اتخذها دوكاكيس من قبل، مما قد عكف مساعدوه على مراجعته سطراً بسطر في غرفة فندق جيفرسون المغلقة في العاصمة واشنطن.
وقال جورج بوش الأب في خطابه: «هل ينبغي علينا أن نطلب من معلمي المدارس في بلادنا أن يقودوا أطفالنا على مسيرة عهد الولاء للعلم الأميركي؟»، وذلك في مثال واحد فقط كان يحاول من خلاله إبلاغ الجمهور الحاضر أن حاكم ولاية ماساتشوستس قد استخدم حق النقض «فيتو» في رفض مشروع قانون يتضمن هذا الشرط على وجه التحديد، وأضاف أن «خصمي قال كلا، ولكنني أقول نعم».
وعبر خطابات الحملة الانتخابية وفي الراديو والتلفاز والرسائل البريدية، وغيرها من وسائل الإعلام، استعان جورج بوش بسجل دوكاكيس كي يجعل منه خصماً مباشرا للطبقة الوسطى الأميركية. واستخدم كلمات خصمه نفسها في كيل الاتهامات ضده، مثل كونه يحمل عضوية كاملة لدى «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية».
كما أثار خصوم دوكاكيس التساؤلات بشأن لياقته العقلية، وذلك قبل أن يواجه بايدن الهجمات نفسها بعقود طويلة. وانطلقت جماعات الضغط المحافظة في بث الشائعات على أن دوكاكيس كان يُخفي حقيقة مفادها أنه قد تلقى علاجاً مسبقاً من الاكتئاب.
ومع وصول فصل الصيف في ذلك العام إلى نهايته، سُئل الرئيس الأسبق رونالد ريغان عما إذا كان ينبغي على دوكاكيس الإفصاح عن سجلاته الطبية الشخصية، فأجاب الرئيس وقتها قائلاً: «تعلمون أنني لن أُقدم أبداً على اختيار مرشح غير صالح لتولي المهام الرئاسية».
بيد أن ريغان صرح في وقت لاحق بأن تعليقه السابق كان مزحة سخيفة. ولكن سواء عن قصد أو عن غير قصد، نجحت تلك المزحة في تعزيز الشائعات الرائجة وقتها ونقلها إلى مركز اهتمام الرأي العام الأميركي آنذاك. وما كان من دوكاكيس إلا أن دعا إلى عقد مؤتمر صحافي عاجل ليعلن فيه أنه لم يكن يعاني من أي مرض عقلي في حياته.
لكن في أكثر هجماته السياسية تدميراً، استغل جورج بوش الأب قضية ويلي هورتون أيما استغلال، والتي كانت تُشكل الملحق الأول في القضية العامة التي طرحت بشأن دوكاكيس وسياسات العدالة الجنائية الليبرالية المعتمدة لديه. وتحول برنامج إجازات السجناء إلى أحد العناصر الأساسية التي ارتكز إليها بوش في هجماته على دوكاكيس، والتي أسهمت من نواحٍ عدة في تأطير هوية السباق الانتخابي الرئاسي في عام 1988.
وعمدت حملة جورج بوش الأب الانتخابية إلى إنتاج إعلان يهاجم برنامج إجازات السجناء في ولاية ماساتشوستس. وأظهر الإعلان سلسلة من السجناء الذين يمرون عبر الباب الدوار في السجن، غير أنه لم يذكر هورتون على الإطلاق. وجاء الإعلان الذي كان من إنتاج إحدى لجان العمل السياسي المستقلة ليعكس صورة مشؤومة للغاية لشخصية ويلي هورتون. وقال صوت المذيعة المصاحب للإعلان: «لا يعارض مايكل دوكاكيس عقوبة الإعدام فحسب، وإنما قد سمح لمرتكبي جرائم القتل من الدرجة الأولى بالحصول على إجازات من الدرجة الأولى خارج السجون».
ونفى السيد أتواتر أي صلة تُذكر بين حملة جورج بوش والحملة الإعلانية التي ظهرت فيها صورة المجرم ويلي هورتون. غير أن دوكاكيس لم يصدق ذلك على الإطلاق. وبصرف النظر تماماً عن حقيقة الأمر، دائماً ما أوضح أتواتر أن «حكاية» ويلي هورتون كانت بمثابة مفتاح النصر بالنسبة إلى جورج بوش الأب. ولقد قال عن ذلك: «إذا كان بإمكاني المزيد من الترويج لاسم ويلي هورتون فسوف نربح الانتخابات بكل تأكيد».
أما بالنسبة إلى حملة دونالد ترمب الانتخابية، يبدو أن دروس عام 1988 قد جرى استيعابها حتى قبل أن ينتهي الحزب الديمقراطي من مؤتمره الوطني. فيوم الخميس الماضي، وفي تصريحات صادرة من ولاية بنسلفانيا قبل ساعات من خطاب قبول بايدن لترشيح الحزب الديمقراطي، شن ترمب هجوماً جديداً على هاريس تحمل أصداء ذات صلات مباشرة تذكرنا بقضية ويلي هورتون القديمة.
وقال ترمب: «عندما كانت السيدة كامالا هاريس تشغل منصب المدعي العام في سان فرانسيسكو قامت بوضع مهرب للمخدرات يقيم في البلاد بصورة غير مشروعة ضمن برنامج للتوظيف بدلاً من أن تزج به في السجن. وبعد مرور أربعة أشهر على ذلك، قام نفس المجرم بسرقة امرأة تبلغ من العمر 29 عاماً، وصدمها بسيارة دفع رباعي، مما أسفر عن كسر جمجمة السيدة والقضاء على حياتها».
وخلال صيف 1988، كانت حملة دوكاكيس الانتخابية قد انتابها قدر من الهدوء الخادع إثر استطلاعات الرأي العام التي أظهرت أنه يسير على طريق الفوز لا محالة. كما علم رجال حملة جورج بوش من بعض المستشارين في ولاية ماساتشوستس، ممن كانوا يعملون في حملات مضادة للسيد دوكاكيس، أنه سيلتزم الصمت التام إذا ما تعرض للهجوم في الفترة المقبلة.
وقالت استريتش إن دوكاكيس قد رفض فكرتها القائلة بأن يقود مؤتمر الحزب الديمقراطي في قسم الولاء للعلم الأميركي، وهي الخطوة التي اعتبرت أنها ربما تخفف من حدة هجمات المعسكر الجمهوري آنذاك، وقال جون ساسو: «لقد سمح دوكاكيس لحملة بوش أن تحدد له موقفه ومجالات تحركه خلال تلك الفترة العصيبة وبطريقة مشوهة للغاية».
كان جورج بوش الأب يتمتع بقدر فائق من اللطف والكياسة، ولقد أخبر مستشاريه بأنه يرى الحملات الانتخابية السلبية من الأمور المقيتة للغاية. ولكن عندما حذروه من أن هذه هي الطريقة الوحيدة أمامهم للفوز بالانتخابات الرئاسية، شجعهم وأيد توجهاتهم بقوة لدرجة أنه لم يتخل عن دماثة أخلاقه عند اعتذاره عن فحوى حملته الانتخابية بعد فوزه برئاسة البلاد.
واستغرق الأمر أسابيع عدة من دوكاكيس ليصل إلى ذلك المستوى. وبحلول نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 1988، تبنى دوكاكيس ما كان يشكل خط جورج بوش الرئيسي في الهجوم. وقال: «إنني سياسي ليبرالي على خُطى فرانكلين روزفلت، وهاري ترومان، وجون كينيدي». غير أن الأوان كان قد فات على ذلك.
وفي حين أن ترمب يواجه منحدراً أكثر صعوبة، بيد أن هناك عدداً من السبل التي يراها الجمهوريون كوسيلة من وسائل إعادة إحياء مجريات حملة جورج بوش القديمة. ويحاول ترمب تصوير بايدن على أنه أسير من أسرى تيار اليسار. كما يحاول شيطنة شخصية هاريس. واستغل حلقات الاضطرابات المدنية في غير مكان مثل مدينة شيكاغو.
ولكن مع انتهاء مؤتمر الحزب الديمقراطي وتهيئة الأجواء لانطلاق مؤتمر الحزب الجمهوري باتت الفترة الزمنية المتبقية وجيزة للغاية. وتقول استريتش: «تكمن المشكلة لدى ترمب في أنه لم يعثر على شخصية ويلي هورتون بعد. ولكنه يواصل البحث».
* خدمة «نيويورك تايمز»