«تيك توك» يفجّر تنافساً عالمياً وسط ملاحقات «الحظر»

«تيك توك» يفجّر تنافساً عالمياً وسط ملاحقات «الحظر»
TT

«تيك توك» يفجّر تنافساً عالمياً وسط ملاحقات «الحظر»

«تيك توك» يفجّر تنافساً عالمياً وسط ملاحقات «الحظر»

يبدو أن تطبيق التواصل الاجتماعي «تيك توك» لن يتوقف عن إثارة الجدل؛ فمن جنوب شرقي آسيا إلى الولايات المتحدة مروراً بمنطقة الشرق الأوسط، أدى المحتوى المنشور عبره إلى سجن مستخدمين في بعض الدول، وفجّر التطبيق صراعات اجتماعية وسياسية وصلت إلى تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بحظره حال عدم بيع حق استخدامه داخل بلاده إلى شركة أميركية. هذا ما دفع شركة «مايكروسوفت» إلى تقديم عرض لشراء التطبيق في أميركا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، ومن المنتظر أن يتم عقد الاتفاق حال إتمامه، قبل منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل.
التطبيق كان قد أُطلق في الصين خلال سبتمبر 2016 تحت اسم «دو يين» Douyin، في حين أن الشركة الصينية «بايت دانس»، مالكة التطبيق أسّست عام 2012. وفي نهاية عام 2017 اشترت الشركة «تطبيق (ميوزيكال) الأميركي ودمجته مع التطبيق الخاص بها، وأطلقته عالمياً تحت اسم «تيك توك».
ويسمح هذا التطبيق لمستخدميه بإنتاج فيديوهات قصيرة بهدف «تشجيع الإبداع، وتحقيق المتعة»، بحسب موقع «تيك توك»، لكن الرئيس ترمب يقول إنه يمكن عبر التطبيق الحصول على معلومات الهواتف وإتاحتها للصين.
يعتبر «تيك توك» نموذجاً على قدرة القوة الناعمة الصينية، وهو ما أغضب ترمب الذي يدرك أن سيطرة الصين على تطبيق بهذا الحجم، سيُمكنها من التأثير في السياسة الأميركية، بغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض، بحسب ما يقدر الكاتب هايميش مكراي، في مقال نشره موقع «الإندبندنت» البريطاني خلال الشهر الحالي، مشيراً إلى أنه في حال تمكنت «مايكروسوفت» من شراء التطبيق، فإنه سيُمكنها التنافس مع «فيسبوك» و«غوغل».
وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، قال أحمد عصمت، الباحث المصري في تكنولوجيا الإعلام والتحوّل الرقمي، أن «التطبيق يحقق عوائد تجارية أكبر من التطبيقات الأوروبية أو الأميركية، نتيجة سهولة التفاعل معه، وهذه السهولة تحقق معدلات وصول أعلى، ما يزيد انتشاره». وأردف: «هذا هو لُب الصراع، وأساس المنافسة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية».
إلا أن أنس بنضريف، الصحافي المغربي المقيم في هولندا، يعتقد أن «كون التطبيق صينياً، يفجّر مخاوف من تسريب البيانات إلى بكين، وهذا ما يفسر ظهور أصوات في أميركا تطالب بمنعه، وصدور قرار بحظره في الهند، حيث يوجد 119 مليون مستخدم نشط على التطبيق».
ويُذكر أن الهند، التي كانت تعتبر أكبر أسواق «تيك توك» على مستوى العالم، حظرت التطبيق أخيراً، ضمن نحو 59 تطبيقاً آخر، بسبب «مخاوف من سرقة بيانات المستخدمين، ونقلها (خلسة) خارج الهند»، وفقاً للبيانات الهندية الرسمية. وهو ما نفاه «تيك توك»، مؤكداً أنه «لا يشارك بيانات مستخدميه مع أي حكومات أجنبية، بما في ذلك الحكومة الصينية».
وخوفاً على «الأمن القومي» اقترح وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في وقت سابق، أن «تتخذ أميركا إجراءات ضد تيك توك، وتطبيقات أخرى صينية تنقل البيانات إلى جهاز الأمن القومي الخاص بها»، حسب قوله.
الدكتورة نائلة حمدي، أستاذ الإعلام بالجامعة الأميركية بالقاهرة، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار حظر التطبيق في الهند قرار سياسي، وتهديد الولايات المتحدة الأميركية بحظر التطبيق هو جزء من الصراع السياسي بين الصين وأميركا، ويظهر هذا بوضوح من التصريحات الرسمية الأميركية، حيث تخشى واشنطن من سيطرة الصين على تطبيق يمتلك عدداً كبيراً من المستخدمين».
من جهته، أفاد عصمت - المقيم حالياً في بريطانيا - إنه «في إطار الصراع السياسي والاقتصادي بين الدول، شكّلت بريطانيا أخيراً لجنة للبحث والتدقيق في مدى أمان التطبيق، وحفاظه على سرية معلومات مستخدميه». وأشار إلى أن «التطبيق حقّق معدلات نمو في بريطانيا أخيراً بنسبة 76 في المائة، أي نحو 8.12 مليون شخص».
وما يستحق الإشارة أيضاً، أنه قد زاد انتشار «تيك توك» فترة «العزل المنزلي» وسط تداعيات جائحة «كوفيد - 19»، لتتجاوز عدد مرات تحميل التطبيق 2 مليار مرة. وبذلك بات أول تطبيق يتخطى حاجز المليارين بعد «فيسبوك» و«واتساب» و«إنستغرام» و«ماسنجر» منذ عام 2014. وفقاً لموقع «سينسور تاور» الذي يقيس عدد مرات تحميل التطبيقات الإلكترونية على الهواتف المحمولة. وأوضح الموقع أن «التطبيق جرى تحميله 315 مليون مرة في الربع الأول من العام الجاري، وهو رقم لم يحققه أي تطبيق من قبل في المدة نفسها».
الصحافي المغربي، بنضريف لفت في لقائه مع «الشرق الأوسط» كذلك إلى أن «التطبيق يعتبر ثاني أكثر تطبيق حُمّل عام 2019. ويستخدمه خصوصاً، ما يطلق عليهم جيل «زد» (Z). وهو الجيل الذي ملّ من كثرة الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، وخلقت عنده تخمة إخبارية، فهرب إلى «تيك توك» بحثاً عن الترفيه، وبخاصة أن التطبيق سهل الاستخدام، ولا يحتاج انتشار المحتوى عليه على عدد متابعي منتج المحتوى كالتطبيقات الأخرى». واستطرد بنضريف أن «الجمهور فرّ من تلاسُنات منصّات التواصل، وطلب اللجوء الرقمي لـ(تيك توك)».
وبالفعل، حقق التطبيق رواجاً على مستوى العالم ليصل عدد مستخدميه لـ100 مليون مستخدم في أميركا، ويدخل في منافسة قوية مع «فيسبوك»، مما يصعّد الصراع السياسي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة، حيث تخشى الأخيرة أن «يُمكن التطبيق الصين من التأثير على العمل السياسي في أميركا، عبر سيطرتها على تطبيق واسع الانتشار بين الشباب»، وفقاً لتقرير نشرته مجلة «الإيكونوميست» الشهر الحالي.
وتتفق د. نائلة حمدي على أن «تيك توك جذب جيل الأعمار الصغيرة الباحثة عن مساحة للترفيه، وازداد انتشاره بعد ظهور (كوفيد - 19) وتداعياته بعد انضمام جيل جديد أكبر سناً إلى قائمة مستخدمي التطبيق، بهدف التنفيس والترفيه».
ومن تونس، ترى الدكتورة نهى بلعيد، أستاذ الإعلام والاتصال الرقمي بتونس، أن «الطابع الرسمي الذي تفرضه بقية التطبيقات، واعتماد تيك توك على ترويج محتوى كوميدي، جذب المزيد من المستخدمين، الباحثين عن وسيلة للترفيه، خلال أزمة (كوفيد - 19)». وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «التطبيق لقى رواجاً واسعاً إبّان فترة العزل المنزلي في تونس لدى الكبار، وانضم بعض الفنانين إلى مستخدميه من المراهقين، الذين كانوا يسيطرون على التطبيق قبل ظهور الجائحة».
لكن الدكتور أيمن ندا، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، برر الإقبال على هذه التطبيقات بـ«السعي وراء الشهرة، وتحقيق الثراء السريع»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «سهولة التعامل مع (تيك توك)، أدى إلى انتشاره عالمياً، وساعد على ذلك، دخولنا عصر التتفيه الإعلامي وليس الترفيه».
أما في مصر، فقد احتل «تيك توك» المرتبة العاشرة بين التطبيقات الأكثر شعبية خلال 2019 وفقاً لتقرير «وي آر سوشال» We are Social الصادر في يناير (كانون الثاني) الماضي. إذ يستخدمه نحو 24 في المائة من مستخدمي الإنترنت في مصر، البالغ عددهم 54.74 مليون شخص، بينما يحتل التطبيق المرتبة السابعة على مستوى العالم بعدد مستخدمين يصل إلى 800 مليون شخص، وفقاً للتقرير نفسه.
من جهة ثانية، يعتقد مراقبون أن «الرقم الفعلي لعدد مستخدمي تيك توك الآن يتجاوز المليار شخص، معظمهم في الصين بنسبة 57 في المائة». وآخر إحصاء رسمي أعلنه الموقع عن عدد مستخدميه كان في يوليو (تموز) عام 2018، وبلغ 500 مليون مستخدم.
عودة إلى مصر، حقق التطبيق بعض النجاحات في مصر، كان أبرزها، على حد قول عصمت، «حملة الترويج لمصر بـ«هاشتاغ» No place like Egypt الذي حصد 1.7 مليار مشاهدة، ونشر فيه نحو 2000 فيديو». لكن وفق مراقبين «تحوّل هذا النجاح إلى حملة انتقادات واسعة أخيراً، في أعقاب توقيف ناشطات مصريات، لنشرهن محتوى وصف بأنه يشجع الفتيات على انتهاك تقاليد المجتمع - حسب هؤلاء المراقبين».
هذا، واعترض أيمن ندا على «ما وصفه بـ(التضييق) تجاه مستخدمي التطبيق في مصر»، قائلاً إن «التضييق الأمني ليس الحل. والتعامل مع مثل هذه التطبيقات، يتطلب العمل على تعليم وتثقيف المجتمع والشباب». والواقع أنه في التاسع من يوليو (تموز) الماضي، دافع التطبيق عن المحتوى الذي ينشره، وأصدر «تيك توك» تقريراً حول الشفافية يُقيم النصف الثاني من عام 2019. وقال إنه «تم حذف 49.247.689 فيديو، لمخالفته شروط النشر، وهي أقل من نسبة 1 في المائة من الفيديوهات المنشورة على الموقع خلال الشهور الستة الأخيرة من 2019». ووفق التقرير فإن «98.2 في المائة من الفيديوهات حُذفت قبل الإبلاغ عنها».
وبحسب التقرير، جاءت الهند على رأس القائمة من حيث عدد الفيديوهات المحذوفة، حيث حذف «تيك توك» نحو 16.5 مليون مقطع فيديو، تليها الولايات المتحدة بعدد 4.6 مليون مقطع فيديو، ثم باكستان بعدد 3.7 مليون مقطع فيديو، وبريطانيا بعدد 2 مليون فيديو، ثم روسيا بعدد 1.2 مليون مقطع فيديو.



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام