استياء روسي من أداء تركيا في شمال غربي سوريا

توقعات في موسكو بتفاقم الموقف واندلاع مواجهات جديدة

TT

استياء روسي من أداء تركيا في شمال غربي سوريا

تزايدت الترجيحات في موسكو حول احتمال احتدام الموقف في إدلب، على وقع الانتهاكات المتواصلة والصراعات الداخلية بين الفصائل المسلحة، وفشل تركيا في ضبط الموقف. واللافت أن خبراء في روسيا ربطوا بين الوضع المتفاقم في إدلب وخطوات موسكو لتعزيز وتوسيع حضورها العسكري المباشر على الأرض، في إطار الاتفاق الجديد الذي وقعه الروس مع السلطات السورية أخيراً لتوسيع مساحة الأراضي الملحقة بقاعدة «حميميم»، قرب اللاذقية.
وبدا أن الاستياء الروسي بسبب تصاعد التوتر حول إدلب تزايد في الفترة الأخيرة. واتخذت بيانات وزارة الدفاع الروسية لهجة أكثر حدة، خصوصاً حيال الدور المطلوب من تركيا. ودعت الوزارة، في بيان لها أمس، أنقرة إلى اتخاذ إجراءات لـ«ضمان النظام» على الأراضي التي تنتشر فيها القوات التركية، ووقف ما وصف بأنه «أنشطة إجرامية» للجماعات المسلحة الموالية لها.
وأوضح رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، اللواء ألكسندر شيربيتسكي، أن الجانب الروسي «رصد اشتباكات كثيرة بين مختلف الفصائل المسلحة، ما أسفر عن سقوط قتلى بين المدنيين». وقال إن «هذه الأعمال غير القانونية تؤدي إلى تفاقم أزمة اجتماعية واقتصادية عميقة، وتهدد حياة وسلامة الآلاف من المدنيين السوريين»، لافتاً إلى أن «عناصر الجماعات المسلحة الموالية لتركيا تقوم بسرقة ممتلكات المواطنين والمعدات في المنشآت الحيوية الخاصة بتزويد السكان بالمياه والكهرباء».
ودعا شيربيتسكي الجانب التركي إلى «اتخاذ إجراءات لضمان النظام في الأراضي التي تنتشر فيه القوات المسلحة التركية، ووقف الأنشطة الإجرامية للجماعات المسلحة الخاضعة لسيطرتها».
وكانت موسكو قد تجنبت في السابق توجيه انتقادات إلى تركيا، أو إلى المجموعات المسلحة السورية القريبة منها، ووجهت أصابع الاتهام في كل الهجمات التي انطلقت من إدلب ومحيطها إلى الفصائل التي لا تخضع لسيطرة تركية، ما لفت الأنظار إلى دوافع موسكو لتغيير لهجتها حيال الفصائل المدعومة من جانب تركيا.
وفسر خبراء روس ذلك بتوقعات روسية لتفاقم الموقف في المحافظة، واحتمال اندلاع مواجهات جديدة. وأفادت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» بأنه يجري «ارتسام عمليات قتالية جديدة في الأفق السوري، يُنتظر أن يشارك فيها الطيران الحربي الروسي». ولفتت إلى أن «خطط القوات الروسية للاستقرار في سوريا لفترة طويلة، وهو ما يؤكده الاتفاق الموقع مع نظام بشار الأسد، بإنشاء مركز طبي لرعاية الطيارين الحربيين الروس وتأهيلهم في محافظة اللاذقية السورية، تواجه تساؤلات جدية، على خلفية مقتل جنرال روسي في سوريا أخيراً».
ونقلت أن «إحدى الجماعات الموالية لتركيا أقرت بمسؤوليتها عن العملية الإرهابية التي أودت بالجنرال. وإذا كان المسلحون الذين تمولهم أنقرة قد ظهروا بالفعل في وسط سوريا، وفي الأراضي التي تسيطر عليها قوات الأسد، فإن القيادة الروسية في حاجة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية عند مرافقة القوافل في مناطق الصراع المحتملة».
أكثر من ذلك، فقد اتهم خبراء تحدثت معهم الصحيفة أنقرة بأنها «تنظم عمليات عسكرية ليس فقط ضد النظام السوري، إنما ضد العسكريين الروس. ويبدو أن هذا النشاط القتالي من جانب أنقرة سوف يزداد».
ورأى الخبراء أن الصدام المقبل بين الجيش السوري والقوات التركية لن يكون في صالح موسكو التي ستدعم القوات الحكومية بالطيران، لكنها لا تمتلك في إدلب قوة مكافئة للقوات التي تمتلكها أنقرة، ما يعني أن احتمال تعرض القوات الروسية لخسائر على أيدي الفصائل التي تدعمها أنقرة وارد.
ولفت الخبير العسكري ألكسندر أوفشينيكوف إلى أن قرار إنشاء مركز طبي قرب حميميم تضمن إشارة للمركز بأنه سيكون «مركزاً لإعادة التأهيل في البحر الأبيض المتوسط»، مشيراً إلى أن «القيادة الروسية تدرك جيداً أن الطيارين الروس في سوريا لا يزال أمامهم عمل قتالي يقومون به. وهناك حاجة إلى نظام إعادة تأهيل لهم في المنطقة المجاورة مباشرة لقاعدة حميميم الجوية العسكرية».
وربط خبير آخر، وهو ألكسندر سيتنيكوف، بين مقتل اللواء الروسي فياتشيسلاف غلادكيخ أخيراً في محافظة دير الزور وقيام تركيا بإنشاء غرفة عمليات «درع السلام» لتنسيق العمليات العسكرية في سوريا كافة، مشيراً إلى أن ما يحدث على الأرض فعلاً هو «تعزيز وجود تركي طويل الأمد، بصفته قوة احتلال في هذا الجزء من سوريا».
وسبب الربط بين الأمرين، وفقاً للخبير، أن أنقرة باتت تتصرف بطريقة أخرى. وفضلاً عن احتمال وقوف أطراف مدعومة من جانبها وراء قتل اللواء الروسي، فقد قامت عن «طريق الخطأ» بإسقاط طائرتين أميركيتين مسيرتين، لافتاً إلى أن هذا «الخطأ» قد يكون مقصوداً بسبب تفاقم استياء تركيا من تحركات واشنطن العسكرية في المنطقة.
ورأى الخبير أن «التطورات الجارية يمكن أن تكون حلقات في سلسلة واحدة» تحمل دلالة على رسائل تركية للروس والأميركيين، مفادها: «لا تتدخلوا في هذه المنطقة، فهي لنا»، مشيراً إلى طموحات توسعية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان في منطقة إدلب، و«هذه المنطقة إذا ظهرت كردستان بصفتها دولة، فإنها ستندرج بلا شك في عداد تركيا، وسيكون مصيرها في الغالب مشابهاً لمصير شمال قبرص»، مشيراً إلى أن احتمال وقوع هذا التطور سوف يزداد بشكل كبير مع سقوط الأسد.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.