كمالا هاريس... «فرس» الديمقراطيين إلى البيت الأبيض

وضع بايدن الصحي قد يجعلها أول رئيسة أميركية سوداء

كمالا هاريس... «فرس» الديمقراطيين إلى البيت الأبيض
TT

كمالا هاريس... «فرس» الديمقراطيين إلى البيت الأبيض

كمالا هاريس... «فرس» الديمقراطيين إلى البيت الأبيض

يجمع العديد من المراقبين والمحللين وحتى السياسيين، على أن كمالا هاريس التي اختارها جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية، كي تكون نائبة له تشكل نموذجاً رائداً في مسيرتها الشخصية والسياسية. لا بل إن أصولها اللاتينية الأفريقية والآسيوية الهندية، تختصر «الحلم الأميركي» للعديد من المهاجرين إلى الولايات المتحدة. فهي ابنة زوجين من المهاجرين، والدها من جامايكا ووالدتها من الهند. ولقد دفعها نجاحها وطموحها لأن تغدو أول مدعية عامة سوداء لولاية كاليفورنيا، وأول امرأة في هذا المنصب، وكذلك أول امرأة من أصول جنوب آسيوية تفوز بمقعد في مجلس الشيوخ الأميركي. وها هي الآن تسعى لكي تصبح أول من يتولى منصب نائب رئيس الولايات المتحدة.
كمالا هاريس، التي ستزامل جو بايدن في «بطاقة» الديمقراطيين بالسباق الرئاسي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وُلدت يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) 1964 في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا. وكان والدها دونالد هاريس أستاذا للاقتصاد في جامعة ستانفورد الشهيرة، ووالدتها شيامالا غوبالان كانت باحثة بارزة في سرطان الثدي. لكنّ والديها انفصلا عندما كانت هاريس في الخامسة تقريباً، وتولت والدتها (توفيت عام 2009) تربيتها مع شقيقتها الصغرى مايا، وهي بدورها محامية لامعة ومستشارة لشقيقتها.
نالت هاريس درجة البكالوريوس من جامعة هوارد في العاصمة الأميركية واشنطن، ثم درست القانون في كلية هايستينغز للحقوق بجامعة كاليفورنيا. وكانت تحدثت كثيرا خلال ترشحها للرئاسة عن مدى تأثير الجامعتين في تشكيل هويّتها وآرائها حول الصراع العرقي والعدالة في أميركا، قبل أن تصبح مدعية حيث شغلت منصب المدعي العام لسان فرنسيسكو لولايتين (من العام 2004 وحتى 2011).

مرشحة رئاسة مقبلة محتملة
وبينما يعتقد كثيرون أن بايدن، الذي سيبلغ 78 سنة عند تسلمه الرئاسة، لن يترشح لولاية ثانية في حال انتخابه، فهم يرجحون أن تكون هاريس الأوفر حظاً في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي بعد أربع سنوات من الآن. وهذا قد يمنحها فرصة أكبر في دخول التاريخ، كأول رئيسة سوداء للولايات المتحدة.
سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي السابقة في عهد باراك أوباما، قالت عنها: «السيناتورة هاريس قائدة عنيدة ورائدة ستكون شريكة رائعة في حملة الانتخابات». وللعلم، كانت رايس بين الشخصيات المطروحة لدى بايدن لاختيارها على بطاقته.
من ناحية أخرى، منذ انسحاب هاريس من السباق الرئاسي وتأييدها لبايدن، فإنها صعّدت انتقاداتها للرئيس دونالد ترمب في العديد من القضايا... من تعاطيه مع أزمة تفشي «كوفيد - 19» إلى العنصرية، ووصولاً إلى الهجرة. وكتبت في تغريدة أخيراً «خطاب ترمب العنصري المتكرر يحاول توجيه اللوم في إخفاقاته المتعلقة بفيروس (كورونا) لأي شخص ما عداه». وأضافت «هذه مسألة خطيرة وخاطئة ولها تداعيات في الحياة الفعلية على الأميركيين الآسيويين والمهاجرين الآسيويين».
انتخبت هاريس مدعية عامة لكاليفورنيا عام 2010 وأُعيد انتخابها في 2014، وفي العام نفسه تزوجت دوغلاس إيمهوف، وهو محامٍ أبيض لديه ولدان من زواج سابق. وإبان عملها كمدعية عامة للولاية، ارتبطت بعلاقة عمل وثيقة مع ابن بايدن الراحل بو، الذي كان يتولى المنصب نفسه في ولاية ديلاوير. وتوفي بو بايدن بالسرطان عام 2015 إلا أن فشل هاريس بإنجاز إصلاحات قضائية جنائية جريئة عندما كانت مدعية عامة، أثّر سلبياً على حملتها الرئاسية وحرمها تأييد العديد من الناخبين السود.
مع هذا، ببداية عام 2017 أصبحت من بين أصغر أعضاء مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، إذ إنها، في 8 نوفمبر 2016 هزمت منافستها الديمقراطية لوريتا سانشيز لخلافة السيناتورة المتقاعدة باربرا بوكسر. وأصبحت ثالث امرأة في كاليفورنيا تفوز بمقعد في مجلس الشيوخ، وأول أميركية من أصول جامايكية وهندية في هذا المنصب.
سطوع نجمها باكراً

منذ عام 2008 عندما بدأ نجم هاريس، حظيت باحترام وتقدير معظم قيادات الحزب الديمقراطي. وفي فبراير (شباط) 2016 صوّت مؤتمر الحزب الديمقراطي لصالح هاريس بنسبة 78 في المائة، أكثر بـ18 في المائة من النسبة المطلوبة وهي 60 في المائة لضمان ترشيح الحزب. وفي 8 نوفمبر 2016 وفور إعلان فوزها تعهدت هاريس بحماية المهاجرين من سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفي 21 يناير (كانون الثاني) عام 2017 أي في اليوم الثاني على تنصيب ترمب، وصفت هاريس رسالته «بالمظلمة»، خلال مشاركتها في أكبر مظاهرة نسائية في واشنطن.
وفي 28 يناير أدانت هاريس القرار الرئاسي الذي أصدره ترمب لمنع مواطني سبع دول غالبيتها مسلمة من دخول الولايات المتحدة، واصفة القرار بأنه يحظر المسلمين. ثم في فبراير، اعترضت على ترشيح بيتسي دي فوس وزيرة للتعليم وجيف سيشنز وزيراً للعدل. وفي أول خطاب لها أمام الكونغرس خصّصت 12 دقيقة لانتقاد سياسات ترمب تجاه المهاجرين. وفي مارس (آذار) طالبت باستقالة سيشنز بعدما تحدثت تقارير عن اتصاله بالسفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك مرتين. وبعد صدور تقرير المحقق الخاص روبرت مولر في قضية التدخل الروسي في انتخابات 2016 وإعاقة التحقيقات، دعمت هاريس المطالبة بعزل الرئيس ترمب.
مهارة وصرامة
في مجلس الشيوخ استخدمت هاريس مهارتها وأسلوبها الصارم في الاستجواب الذي اكتسبته من عملها كمدعية عامة، ولا سيما، في جلسة تثبيت تعيين القاضي بريت كافانو في المحكمة العليا، وهو ما أشار إليه الرئيس ترمب منتقدا إياها من طريقة استجوابها القاسية للقاضي خلال الجلسة. ويُعتقد أنها ستستخدم هذه المهارات في مناظرتها الوحيدة مع نائب الرئيس مايك بنس في أكتوبر المقبل بولاية يوتا.
هاريس كانت قد أطلقت حملتها الرئاسية في مطلع 2019 يوم ميلاد مارتن لوثر كينغ جونيور (15 يناير)، خلال تجمع حضره 20 ألف شخص في أوكلاند.
واشتبكت مع بايدن في مناظرة الديمقراطيين الأولى، مندّدة بمعارضة السيناتور السابق في السبعينات برامج نقل التلاميذ والاختلاط في الحافلات للحد من الفصل العنصري في المدارس. وقالت: «كانت هناك فتاة صغيرة في كاليفورنيا ضمن الصف الثاني الذي شمله الاختلاط في مدرستها، وكانت تنتقل بالحافلة إلى المدرسة كل يوم... تلك الفتاة الصغيرة هي أنا».
أتاح لها هذا إحراز تقدم في الاستطلاعات، لكن لفترة قصيرة، إذ انسحبت من السباق في ديسمبر (كانون الأول) 2019 وأعلنت تأييدها لبايدن. ورغم حدة المناظرة، أوضح بايدن أنه لا يكنّ أي ضغينة لهاريس، ووصفها بأنها «ذكية من الصف الأول، ومرشحة من الصف الأول، ومنافسة حقيقية».
صوّتت هاريس لصالح عزل ترمب إبان محاكمته في مجلس الشيوخ. وسعيا لإلحاق الهزيمة به أكدت الحاجة لإعادة تشكيل «تحالف أوباما» الذي يضم أميركيين من أصول أفريقية وإسبانية ونساء ومستقلين وجيل الألفية.

يساريو الحزب الديمقراطي حذرون
مع هذا قد لا تكون هاريس المرشحة المفضلة للجناح اليساري الراديكالي في الحزب الديمقراطي، الذي يمثله السيناتور المستقل بيرني ساندرز والسيناتورة إليزابيث وارين. وليس من الواضح حتى الساعة ما إذا كان اختيارها سيقنع تلك القاعدة على التصويت لها ولبايدن، مع أن غالبية قاعدة الحزب، تعتبر أن الهدف الآن هو إسقاط ترمب. فهاريس تصنّف على أنها من «المؤسسة» الحزبية رغم التحولات التدريجية التي طرأت على بنية الحزب الديمقراطي، مع نمو تيار يسار الوسط فيه. وهي تدافع عن سجلها بالقول إنها وجدت نفسها تتفاوض باستمرار على حل وسط بين قوتين قويتين: الشرطة واليسار في واحدة من أكثر الولايات ليبرالية في أميركا. وبالمناسبة، كان استخدام الشرطة للقوة مسألة خلافية في سان فرنسيسكو قبل فترة طويلة من تولي هاريس مهامها. فمن عام 2001 إلى عام 2004 - حسب صحيفة «سان فرنسيسكو كرونيكل» - كان هناك المزيد من الشكاوى حول استخدام القوة في المدينة، أكثر من مدن سان دييغو وسياتل وأوكلاند وسان خوسيه مجتمعة. ومن عام 2002 إلى عام 2005 شكل السود أقل من 8 في المائة من سكان المدينة لكنهم شكلوا أكثر من 40 في المائة من اعتقالات الشرطة. ويؤكد مدير مكتبها السابق سيلارد هندرسون، الذي يدير الآن الوكالة التي تحقق في الشكاوى المتعلقة بالشرطة في سان فرنسيسكو، أن هاريس طلبت من موظفيها عدم مقاضاة الاعتقالات على أساس عنصري.

انتقالها الثقافي نحو السود
هاريس نالت تحصيلها العلمي في مدارس ذات غالبية بيضاء طوال حياتها، من المدرسة الابتدائية في بيركلي بكاليفورنيا، إلى المدرسة الثانوية في مدينة مونتريال الكندية، التي هاجرت إليها مع والدتها وأختها، وواجهت فيها صعوبات لتعلم اللغة الفرنسية. لقد كانت الحياة المهنية لوالديها وقصتهما الشخصية مرتبطة في المؤسسات ذات الأغلبية البيضاء. ولهذا تعمّدت هاريس أن تكون محاطة بالطلاب السود وبثقافة السود وتقاليدهم، وحقاً التحقت بجامعة هوارد التي أسست في العاصمة واشنطن عام 1867 وتعد جوهرة التاج للكليات والجامعات التي يرتادها السود تاريخياً.
واليوم، هاريس التي تجهد لتقديم فلسفة خاصة بها، في ظل الاستقطاب الحاد الذي يشهده الحزب الديمقراطي والمجتمع الأميركي عموما، تقدم نفسها على أنها صاحبة حلول عملية بدلا من الرؤى الشاملة. وبينما يعتقد كثيرون بأنها قد تمثل التغيير المطلوب، قليلون منهم يستطيعون تحديد نوع التغيير الذي ستحدثه. البعض يقول إنها براغماتية أكثر منها آيديولوجية، وبأنها شخصية عملية تسأل دائماًعن انعكاس أي قرار على حياة الناس.

لا تعارض مع أفكار بايدن
والنتيجة حتى الآن، أن أي جهة حزبية أو سياسية لم تصنّف هاريس... وهل هي من يسار الوسط أو يمين أقصى اليسار أو في أي مكان بينهما. ولكن، مع تسميتها رسمياً على بطاقة ترشيح بايدن، يرى العديد من المراقبين أن عملية تسوية ملائمة كبيرة ستجريها معه للتوافق على برنامج سياسي موحّد، يزيل الفوارق القائمة بينهما، رغم أن أفكارها ليست بعيدة عما يؤمن به بايدن. فهي تؤيد الرقابة على الأسلحة وحل قضية المواطنة بالنسبة لأطفال المهاجرين غير الشرعيين وأوليائهم، ولو عبر قرارات تنفيذية رئاسية، كالتي اتخذها ترمب وقبله أوباما في مواجهة اعتراضات الكونغرس.
وتؤيد هاريس تقديم مساعدات للمستأجرين وحوافز ضريبية للطبقة الوسطى بقيمة 6 آلاف دولار، بما يوفر مزايا ملموسة على المدى المباشر. وتدافع عن دعوتها لرفع رواتب المعلمين بمعدل 13500 دولار، لمساواتهم بفئات المهنيين المتعلمين، بما يضمن تحسين نتائج الطلاب وبيئة التعليم، ليتبين بعدها أنه اقتراح يتطابق مع برامج نقابات المعلمين.
وتعهدت هاريس بفرض غرامات قاسية على الشركات التي تميز في الأجر بين النساء والرجال، في اقتراح مباشر لم يطرحه أي ديمقراطي، ويتوقع أن يوافق بايدن عليه أيضا. ومن المعروف عموما أن المرأة العاملة الأميركية تحصل على 80 سنتا مقابل كل دولار يحصل عليه الرجل. وقالت إن إلغاء برنامج الحماية الصحية المعروف بأوباما كير، هو رسالة بأن التأمين الصحي «ترف» وليس حقا مدنيا.

سياسة خارجية تقليدية
من ناحية أخرى، ورد اسم هاريس بين القيادات الديمقراطية التي كانت هدفاً للرسائل المفخخة التي أرسلت عبر البريد. ودافعت وحدها عن النائبة الأميركية المسلمة إلهان عمر التي انتقدت ما سمته بـ«اللوبي اليهودي». وقالت إنه ينبغي أن نحظى بصوت يحترم النقاش حول السياسات بما يضمن دعم إسرائيل والولاء للوطن، وبأن هناك فارقاً بين انتقاد السياسات والسياسيين ومعاداة السامية. لكنها، خلال مؤتمر «أيباك» قالت إن إسرائيل ينبغي ألا تكون قضية خلافية بين الحزبين وتعهدت العمل ما في وسعها لضمان أمنها وحقها في الدفاع عن نفسها، ورفضت حركة المقاطعة ضدها. كما أنها ساهمت مع أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ في إصدار قانون يعترض على قرار مجلس الأمن الدولي 2334 الذي يدين إسرائيل بسبب بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما صوتت على قرار في مجلس الشيوخ للاحتفال بالذكرى الخمسين «لتوحيد القدس».
في أبريل (نيسان) 2017 إثر هجمات خان شيخون الكيميائية في سوريا، وصفت هاريس الرئيس السوري بشار الأسد بأنه «ليس فقط ديكتاتورا وحشيا ضد شعبه، بل إنه مجرم حرب لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهله». ودعت الرئيس ترمب إلى وضع استراتيجية مع الكونغرس حول سوريا بالتنسيق مع الحلفاء.
عام 2018 وقعت مع 18 سيناتوراً ديمقراطياً على رسالة تطالب ترمب بالحصول على موافقة الكونغرس قبل توجيه أي ضربة ضد كوريا الشمالية. كما اعتبرت انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران بأنه يعرض الأمن القومي للخطر ويعزل الولايات المتحدة عن حلفائها، واصفة الاتفاق بأنه أفضل وسيلة لمنع طهران من الحصول على السلاح النووي وتجنب صراع كارثي في الشرق الأوسط. وفي المقابل، صوّتت في مجلس الشيوخ على قرارات لوقف المساعدات العسكرية للسعودية أو على صفقات السلاح على خلفية حرب اليمن.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.