التقى أعضاء بعثة الأمم المتحدة في مالي، ليل أول من أمس (الخميس)، رئيس مالي المخلوع إبراهيم أبو بكر كيتا، ومسؤولين آخرين احتجزهم متمردون عسكريون منذ انقلاب وقع قبل أيام. ولم ترد أنباء ولا تصريحات عن كيتا منذ يوم الثلاثاء عندما حل البرلمان ثم استقال بعد اعتقاله تحت تهديد السلاح، مما عمَّق أزمة تواجهها البلاد في وقت تحاول فيه صد تمرد جماعات مسلحة متشددة. وأعلنت البعثة أن عدداً من أعضائها التقوا الرئيس المخلوع كيتا، وشخصيات أخرى معتقلة لدى المجموعة العسكرية الحاكمة، بينما صرح مسؤول من الانقلابيين بأنه تم إطلاق سراح وزير الاقتصاد وأحد المقربين من رئيس الدولة. وقالت البعثة على «تويتر»: «مساء أمس، توجه فريق لحقوق الإنسان في البعثة إلى كاتي في إطار مهمته لحماية حقوق الإنسان، وتمكن من لقاء الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا ومعتقلين آخرين». من جهته، صرح مسؤول في المجلس العسكري لوكالة الصحافة الفرنسية، طالباً عدم الكشف عن اسمه: «أطلقنا سراح اثنين من السجناء هما وزير المال والاقتصاد السابق عبد الله دافي وسابان محمودو» السكرتير الخاص للرئيس.
واتسمت شوارع العاصمة باماكو بالهدوء لليوم الثالث على التوالي أمس (الجمعة)، قبل تجمع حاشد يخطط له تحالف معارض قاد الاحتجاجات المناهضة لكيتا قبل الانقلاب، وأشاد منذ ذلك الحين بالمتمردين الذين انقلبوا عليه. وتعهد قادة المجلس العسكري بالإشراف على مرحلة انتقالية تفضي لإجراء انتخابات خلال وقت «معقول». لكن الانقلاب العسكري أثار استياء قوى دولية وإقليمية تخشى أنه قد يزيد من الاضطرابات في المستعمرة الفرنسية السابقة وفي كل منطقة الساحل الأفريقي في غرب القارة.
وعلق الباحث في جامعة كنت البلجيكية إيفان غيشاوا على «تويتر»، بأن «المجموعة العسكرية (...) لا تريد خسارة دعم الأسرة الدولية، ومن ضمنها (برخان). يبدو أن الهدف كان يتركز على طرد إبراهيم أبو بكر كيتا والمقربين منه من السلطة».
ومن المقرر أن يصل وفد من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) قريباً إلى باماكو بعد أن عقدت المجموعة قمة طارئة، أول من أمس (الخميس). وقال متحدث باسم رئيس البعثة التي يقودها الرئيس النيجيري السابق جودلاك جوناثان، إن الوفد يعتزم «التفاوض للتوسط من أجل إطلاق سراح الرئيس وضمان تولي حكومة دستورية»، لكنه أشار إلى أن موعد الزيارة لم يتأكد بعد.
وعلقت «إيكواس» بالفعل عضوية مالي وأغلقت الحدود معها وأوقفت أي تدفقات مالية لها.
وحرصت المجموعة العسكرية التي استولت على السلطة في مالي على التأكيد أن «السلام في مالي أولويتنا»، وأن القوات الإقليمية والأجنبية المنتشرة في البلاد «تبقى شريكتنا»، في إشارة إلى بعثة الأمم المتحدة في مالي وقوة برخان الفرنسية وقوة مجموعة دول الساحل الخمس وتجمع القوات الخاصة الأوروبية «تاكوبا» المكلفة مواكبة العسكريين الماليين.
وشكّل الانقلاب العسكري ضربة لاستراتيجية فرنسا في الساحل، حيث تنشر أكثر من خمسة آلاف عسكري لمكافحة المسلحين بالتعاون مع الحكومات المحلية. ومع رحيل كيتا من السلطة خسرت فرنسا أحد محاوريها الرئيسيين في الساحل منذ 2013 في بلد تركز فيه القوة المستعمرة السابقة القسم الأكبر من مجهودها العسكري. ورأى الرئيس إيمانويل ماكرون أن «مكافحة التنظيمات الإرهابية والدفاع عن الديمقراطية ودولة القانون لا ينفصلان». وتابع في تغريدة: «إن التخلي عن ذلك يعني التسبب بانعدام الاستقرار وإضعاف معركتنا. وهذا غير مقبول»، داعياً إلى «إعادة السلطة إلى المدنيين». واعتبر خبير منطقة الساحل في مجموعة الأزمات الدولية جان إرفيه جيزيكيل «إنها اليوم عودة إلى حدّ ما إلى خانة الانطلاق»، مضيفاً: «ثماني سنوات من الجهود والاستثمار والحضور أفضت في النهاية إلى العودة بالوضع في مالي إلى وقت الانقلاب عام 2012 مع وضع مضطرب أيضاً في باماكو وانتفاضات مسلحة أكثر عنفاً وأعمال عنف متزايدة بين المجموعات». وقال الخبير: «على فرنسا ودول الساحل والشركاء الآخرين أن تراجع حقاً الخيارات الاستراتيجية التي قامت بها في السنوات الماضية. لا يمكن ضمان أمن منطقة بشكل مستديم من دون تغيير أنماط الحكم فيها». وعدّ مايكل شوركين من مركز «راند» الأميركي للدراسات أن «هذا الانقلاب نكسة لفرنسا» التي استثمرت بزخم منذ سبع سنوات لمحاولة مساعدة مالي على الخروج من المأزق، مضيفاً أنه «في الوقت نفسه، من المحتمل من حيث المبدأ أن يفضي ذلك إلى نتيجة إيجابية في المستقبل، إذا سُمح بتنصيب حكومة أكثر فاعلية وشرعية»، مشدداً على أن «مالي في عهد إبراهيم أبو بكر كيتا لم تكن تحقق سوى تقدم ضئيل، أو ربما لا تقدم على الإطلاق» على الصعيد الأمني. وكانت السلطات الفرنسية تشكك في الأحاديث الخاصة في قدرة الرئيس المالي السابق على تحقيق تقدم على صعيد الأمن والحوكمة في بلاده. ومن المتوقع أن يؤدي الانقلاب والبلبلة السياسية التي قد تليه إلى تعقيد مهمة الدبلوماسيين والعسكريين الفرنسيين. وأوضح قصر الإليزيه: «يجب التركيز على عودة سلطة مدنية ودولة القانون، مع أولوية أخرى هي عدم تلاشي الالتزام بمكافحة الإرهاب».
لكنّ أحد ثوابت استراتيجية باريس يقضي بالتعاون الوثيق مع القوات المسلحة المحلية على أمل أن تصبح قادرة في المستقبل على التكفل بضمان الأمن في الساحل. لكن كيف تمكن مواصلة العمل مع انقلابيين؟
وعلق الكولونيل الفرنسي المتقاعد ميشال غويا بأن «الأمور ستكون أكثر تعقيداً بقليل على العسكريين الفرنسيين»، موضحاً: «من الممكن مواصلة العمليات -من الممكن تنفيذها بشكل ذاتي، لكن التعاون مع القوات المالية قد يتوقف. وقد تحاول المجموعات المسلحة استغلال الوضع لتوسيع نطاق عملياتها».
بموازاة ذلك، لفت الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إيلي تيننباوم، إلى أنه في وقت تسعى باريس جاهدة منذ أشهر لإقناع أوروبا بمؤازرتها في الساحل «لن أُفاجأ بأن يُضعف ذلك عزيمة الشركاء الأوروبيين المتمنعين قليلاً بالأساس، بشأن تاكوبا ومشاريع أخرى، وكذلك بلدان مجموعة دول الساحل الخمس».
وتبقى قوة «برخان» في الوقت الحاضر على استعداد لإجلاء الرعايا الفرنسيين من مالي إذا اقتضت الحاجة، وفق ما أفاد مصدر عسكري فرنسي.
فريق أممي يقابل رئيس مالي المخلوع
الانخراط العسكري الفرنسي في الساحل أمام امتحان الانقلاب
فريق أممي يقابل رئيس مالي المخلوع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة